«الديوان 2».. ألف صفحة من شِعر سليم بركات

2017-06-22 06:00:00

«الديوان 2».. ألف صفحة من شِعر سليم بركات

"سليم بركات هو أكثر من حالم، هو صانع أحلام، وأكثر من لغوي، هو صانع لغات". بول شاؤول

هذه هي أول الاقتباسات التي سوف تجدها على ظهر غلاف «الديوان 2» المجلد الثاني من الأعمال الشعرية  للأديب السوري الكردي سليم بركات، الصادر عن دار المدى في 1058 صفحة. 

تسعة أعمال شعرية هي ما يتضمنها مجلد «الديوان 2»، كانت قد صدرت بين عام 2008 وحتى 2017، هي:

شعب الثالثة فجراً من الخميس الثالث - ترجمة البازلت - السيل (بلغتن أخيراً عمر الأربعاء) - عجرفة المتجانس - آلهة - شمال القلوب أو غربها (عشاق لم يحسموا أمرهم) - سوريا - الغزلية الكبرى - الأبواب كلها (ترديد الصدى في التلاعب بأخلاق الليل).

وهي الأعمال التي كتبها الشاعر بعد أن أصدرت المؤسسة العربية للدراسات والنشر المجلد الأول من الأعمال الشعرية، 2007 والذي شمل 11 عنوانًا، تبدأ مع أول أعماله «كل داخل سهتلف لأجلي وكل خارج أيضًا»، 1973، وحتى «المعجم»، 2005.

فرادة اللغة والخيال 

فمنذ البداية أحدثتْ لُغة ذلك الفتى الكردي الذي كان لايزال في الثانية والعشرين من عمره، الفتى ذو الدهشة الطفولية في عينيه، والبراءة التي لم تستطع إخفاء بريق ذكائه وعلو موهبته، أثرًا عنيفًا في الوجه الراكد للمشهد الشّعري العربي.

أتى سليم حاملًا معه لغة شِعرية شديدة الخصوصية، لغة طاغية وآسرة وصارخة، متمرّدة، مُهندَسة ومركّبة على نحوٍ غير معهودٍ. فأظهرت قصائده موضوعات كردية غير مألوفة للقارئ العربي. تناول فيها بغرائبية خياله موضوعات يشتبك فيها التاريخ والجغرافيا، الحكاية والأسطورة. ثم أخذت تتأثر بكل الأمكنة التي حل فيها، من بيروت، إلى نيقوسيا بقبرص، وصولا إلى غابة سكوغوس – ستوكهولم، بالسويد، التي يقيم فيها الآن. أخذ ينثر على أعماله من تراث كل مكان حل فيه، بحكاياته الشعبية وأساطيره، الكردية والعربية والإغريقية والإسكندنافية.

قصائد سليم ليستْ غير مألوفة في موضوعاتها وحسب، ولكنها كذلك في بنيتها ورؤيتها للغة العربية؛ قصائد تتشكّل وتُخلق مِن جُمَلٍ عصبية مشدودة متوترة مُتشظّية على نحو غير معتاد. وبالإيغال في دفقه الشعري منذ أول أعماله وحتى آخرها «الأبواب كلّها»، تشعر وكأنك أمام نهر لا يتوقف عن الجريان. 

وبدلاً من أن يحمل كل ديوان عدة قصائد، أخذ يميل نحو المزج بين الشعر والنثر حد اختفاء أثر لطغيان نوع على آخر كما في «الكراكي». وحين نصل إلى أعماله الشعرية المتأخرة، والتي يجمعها «الديوان 2» ستجد حضورًا قويًا لمعمار القصيدة ذات الموضوع الذي يحتل كل أوراق العمل. قصيدة واحدة تبدأ مع الصفحة الأولى للعمل وتنتهي بنهايته، يأخذنا معها سليم بتفريعاتها وتشظيها، وتشعباتها وهذياناتها غير سامحة لأي موضوع غيرها أن يزحزح اسبتدادها بأوراق العمل. 

ثمّة دفق يأخذك في التيار القوي، العنيف، المهندس لقصيدة سليم. دفق يجعلك ذاهلًا أمام كل هذا الخيال المستنبت من كل شيء، من كل كلمة، وجملة، وفقرة، حتى أن طريقة استخدامه لعلامات الترقيم تؤثر بوضوح في هندسة النص.

ذهول وإعجاب أعظم الشعراء

لم يكن اقتباس بول شاؤول هو الوحيد على ظهر غلاف «الديوان 2». فأهم الشعراء والكتاب العرب في الخمسين سنة الماضية أُخِذوا بخصوصية وفرادة تجربة سليم الشعرية. فلم يبالغ الطاهر بن جلّون في اقتباسه المذكور على ظهر الغلاف أيضًا أن كتابة سليم أعجوبة نقية، وجنونة وخطرة.

ولم يكن محمود درويش الصديق المقرّب من سليم، يغدق عليه ثناءً غير مستحق لما قال: "بذلت جهدًا حتى لا أتأثر بسليم بركات"، ولا أدونيس في وصفه سليم حين كان ابن العشرين من العمر: "اللغة العربية في جيب هذا الشاعر الكردي". وشيركو بيكه س في قوله، "سليم لا يشبه إلا سليم". 

إعجاب وذهول طال نخبة الشعراء والنقاد العرب: سعدي يوسف الذي قال عن سليم إنه "أعظم كردي بعد صلاح الدين"، وقاسم حداد، وشوقي بزيع، وأمجد ناصر، في وصفه لعوالم سليم بالفريدة.

حتى نزار قباني كتب له ذات مرة في رسالة: "مولانا.. إرفع يدك عن الشِعر!".