"معالم من المخيّم"... فصل من كتاب «ذكريات من مخيّم اليرموك» لخليل الصمادي

2017-06-26 01:00:00

صدر حديثاً، عن دار صفحات للدراسات والنشر في دمشق، كتاب «ذكريات من مخيّم اليرموك»، للكاتب والقاص الفلسطينيّ خليل محمود الصمادي. ننشر هنا فصلاً من الكتاب بعنوان "من معالم المخيّم"‏ 

دوار البطيخة:

لا شك أن دوار البطيخة وهو نسبة للشكل الكروي الذي يشبه حزوز البطيخة بشكله الكبير يتدفق منه الماء ليصب في بركة كبيرة يتخذها بعض الغلمان مسبحاً في فصل الصيف. 

وهذا الدوار تتقاطع به عدة شوارع هامة منها شارع الثلاثين متجهاً إلى الزاهرة القديمة وشارع فوزي القاوقجي المتجه إلى بوابة الميدان والقدم. 

ومن معالم دوار البطيخة جامعا الماجد والبشير وقطاعة السلام ومستشفى الرحمة ومخفر اليرموك وسوق السراميك وشارع راما (الناصرة) الذي ينتهي بمحكمة اليرموك وقبل الانعطاف إلى شارع اليرموك تقع حارة الفدائية التي كانت شاهدة على العمليات الفدائية قبل العمل الفدائي المنظم وعلى الدمار الشامل خلال الأزمة الحالية في سورية. 

كان مكان دوار البطيخة قبل ثلاثين عاماً سوقاً لمحلات الأنقاض من أبواب وشبابيك مستعملة تتوزع على جانبي شارع لا يتعدى عرضه عشرة أمتار يكتظ بالسيارات قبل دخولها للمخيّم أو خروجها للبوابة أو الزاهرة وبعد تخطيطه من جديد وترحيل هذه المحلات وبناء عدة أبنية لصالح المؤسسة العامة للإسكان غدا من أجمل الساحات وأوسعها في دمشق.

دوار فلسطين:

يقع هذا الدوار في نهاية شارع فلسطين قبل يلدا بعدة أمتار وكان الموقف الأخير للباصات العامة والمكاري التي لا تصل إلا للمخيّم وأما امتداد هذا الشارع فيتصل بيلدا وببيلا والسيدة زينب وأما من أراد الذهاب لمطار دمشق الدولي فعليه أن ينعطف شرقاً بعد ببيلا ليصل إلى عقربا وطريق المطار.

ينتهي دوار فلسطين بحدود المخيّم القديمة ويتصل بشارع اليرموك عن طريق شارع القدس وعلى مقربة من هذا الدوار تقع مقبرة اليرموك القديمة ومركز الإعاشة وحارة المغاربة وهم اللاجؤون الفلسطينيون ذوو الأصول الجزائرية والمغربية مما لجؤوا إلى فلسطين مع الأمير عبد القادر الجزائري واستقروا في قرى في شمال فلسطين ككفر سبت والمعذر وديشوم وغيرها كما قامت "الأونروا" ببناء مدرستي كوكب والجاعونة جنوب الدوار وكذلك قامت وزارة التربية السورية ببناء ثانوية اليرموك للبنين وإعدادية البعث وأما وزارة الثقافة السورية فقد بنت هناك أكبر مركز ثقافي على مستوى مدينة دمشق عرف بمركز اليرموك الثقافي الذي ضم مسرحاً يتسع لثمانمئة شخص وعلى مقربة من هذا المركز شيدت "الأونروا" مستوصفاً على غرار مستوصف الخامس في شارع فلسطين ومستوصف الجليل على امتداد شارع الثلاثين المتجه لسوق الخضار قرب المقبرة وأما المدينة الرياضية ذات ملعب كرة القدم الرياضي النظامي فهناك ينتهي المخيّم ليبدأ حي العروبة.

ساحة أبو حشيش:

في منتصف شارع لوبية وإلى جهة الجنوب هناك شارع عريض يتجه إلى مسجد عبد القادر الحسيني وفي هذا الشارع المسمى باسم الشهيد عز الدين القسام يقع مقهى أبو حشيش ومقابلة ملحمة أبو حشيش أيضاً وهي عائلة من شمال فلسطين وفي هذه الساحة عدة محلات تجارية تنتهي بمركز الشبيبة الفلسطينية الذي كان يوماً ما روضة أطفال العودة التابع لبلدية اليرموك أو مؤسسة اللاجئين وبقربه مدرسة المالكية وترشيحا التابعتان للأونروا ومركز اللوثري الصحي الذي تحول إلى مدرسة عبد القادر الحسيني الحكومية وقبل مسجد عبد القادر تقع حديقة كبيرة ذات أشجار ومقاعد ومقابلها مستودع للبلدية وهناك بيت العم أبو خليل العيلبوني وما خرجه من شعراء وأدباء وخطاط وبيت باكير الذي كان يصلح ماكينات الخياطة. 

أخذت هذه الساحة شهرتها من أطفال المخيّم إذ كانت ساحة الألعاب الأولى في المخيّم في موسمي العيدين كانت تنصب فيها المراجيح وتمد سكك القطارات وتجلب الخيول والطنابر وتمتد البسطات هنا وهناك ليتمتع الأولاد بفرحة العيد. 

ساحة الريجة

قبل عام ١٩٧٥ كان غرب أول شارع اليرموك بعد حارة الفدائية عبارة عن أرض بور تمتد إلى شارع المرج الأخضر والذي أصبح فيما بعد شارع الثلاثين وإلى الغرب من هناك كانت الأشجار والأنهار تمتد حتى محطة القدم للقطارات وفي هذه الأرض البور كان الإخوة الحجاج ( موسى، حسني، علي) من عائلة ديب الخالد قد اتخذوا هناك معملاً لصناعة البلوك ولبيع الرمل والحصى والإسمنت وكنا ونحن صغار نذهب هناك ونتسلق جبال الحصى المتحركة نلعو ونلعب وفي عام ١٩٧٥ قام أبو منير عودة بوكالة عن عارف العزوني بفرز هذه الأرض وبيع كل قصبة بألفي ليرة سورية وكان والدي يملك بيتاً في حارة جامع الرجولة باعه للقيادة العامة التي أهدته لأهل الشهيد نبيل المغربي بطل عملية الخالصة بمبلغ على ما اعتقد (٣٤٠٠٠) ل. س فاشترى الوالد ثلاث عشرة قصبة منها أربع قصبات لأخي سميح الذي كان يعمل مدرساً في ليبيا وبنى طابقين بالمبلغ المتبقى وبما ادخره وكنت يومها طالباً في دار المعلمين العامة (الصف الخاص) ويومها بنى عمي أبو وليد بيتاً كبيراً قام بتأجير المحلات الأرضية لإدارة حصر التبغ والتنباك والمعروفة بالريجة وهي تسمية من أيام الاستعمار الفرنسي وبعد عشر سنوات انتقلت الريجة إلى سوق الخضار ولكن التسمية ظلت عالقة هناك وبالرغم من صغر الساحة إلا أنها صارت مدينة للملاهي في الأعياد كساحة أبي حشيش.

المساجد

لا بد من ذكر بعض مساجد المخيّم خلال فترة الستينات والتي شكلت وما زالت صورة من صورة الجميلة وأهمها حسب تواردها في خاطري: 

مسجد عبد القادر الحسيني: لا بد من الإشارة إلى أن أول مسجد بني في المخيّم هو مسجد عبد القادر الحسيني وذلك عام ١٩٥٦ أي بعد تأسيس المخيّم بعامين وأن ثلة من أهل الخير قاموا بتشكيل لجنة جمعت التبرعات وبعضها عمل بيده من أجل بناء المسجد ويذكر لي أخي الكبير أن منهم المرحوم أبو لطفي الصلح من صفورية الذي نزل مرة إلى باب الجابية لشراء سلّم خشبي للمسجد وقد حمله على كتفيه وسار به منهكاً حتى المخيّم ليوفر ليرة وربع التي طلبها الحمال صاحب الحمار!! 

وأما جامع الرجولة فهو ثاني مسجد في المخيّم بدأ بناءه عام ١٩٦١ بمساع من أهل الخير منهم الأستاذ علي حمد ووالدي أطال الله عمرهما، وأذكر جيداً يوم العيد يوم مررنا بجانب قطعة أرض واسعة ونحن في طريقنا إلى مصلى العيد في المهاجرين يومها سمعت والدي يقول: إن شاء الله سنبني هنا مسجداً، وأذكر البوطنجي أبو نضال من صفورية رحمه الله وأبو محمود الطيب الذي حفر الأساس والشيخ الكردي الذي بنى الحيطان وغيرهم ولما بدأ الافتتاح كان والدي يخطب الجمعة أحياناً ويؤم الناس أحياناً وأما جدتي أم محمود وأمي وأخوتي ونساء أعمامي وبناتهن فكثيراً ما كن يكنسونه وينظفونه وأذكر ممن قام من المشايخ على الخطابة والإمامة: أبو إبراهيم الخطيب من صفورية والشيخ رجا الكوسى من الجاعونة والشيخ محمود بديع قاسم من ترشيحا والشيخ لطفي تميم وغيرهم. 

وأذكر أنه في أوائل الافتتاح كان الوالد قد سهّل وشجع الأستاذة منيرة القبيسي أن تعقد درساً هناك للنساء عصر كل الخميس بنفسها أو بمعية إحدى طالباتها، وبالفعل صارت النساء يحضرن وكانت جدتي تنظمهن وتشرف عليهن وطارت شهرة الدرس والمعلمة في المخيّم وحتى والدي سمى مولودته الجديدة منيرة تيمناً بمنيرة القبيسي. 

قضيت معظم طفولتي كأكثر أولاد الحي في المسجد فلم يكن جامع الرجولة بالنسبة لنا للصلاة فقط فقد كنا ندرس فيه ولا سيما قبل الاختبارات ونلعب على سطحه أحياناً. 

وبعد جامع الرجولة توالت المساجد في المخيّم حتى وصلت لأكثر من عشرة أذكر ما تسعفني الذاكرة بالترتيب: مسجد صلاح الدين، فلسطين، أويس القرني، زيد بن الخطاب، القدس، إبراهيم الخليل، البشير، الوسيم، الحبيب المصطفى، النعمان بن مقرن، الحسن، الفاروق. 

الجمعية الخيرية الفلسطينية:

في عام ١٩٦٤ اجتمع بعض وجهاء المخيّم وقرروا إنشاء جمعية خيرية تعنى بالفقراء من أهل المخيّم وكان مقرها في جامع عبد القادر الحسيني ثم انتقل إلى شارع لوبية ببيت مستأجر أظن من بيت الزين، قرب غاز قبطان وهناك افتتحوا مستوصفاً قبل أن يبنوا مشفى على شارع اليرموك بتمويل من فاعل خير كويتي الذي استولى عليه جيش التحرير الفلسطيني وأسماه مستشفى الشهيد محمد فايز حلاوة وبعد عدة منازعات ومحاكم تم الاتفاق على منح قطعة أرض قرب حديقة جامع عبد القادر الحسيني للجمعية تم بناء مشفى الباسل عليها وقد قدمت الجمعية خدمات جليلة للمحتاجين الفلسطينيين والسوريين من مساعدات مالية بسيطة وعينية وطبية حتى غدت الجمعية ثاني أكبر جمعية في دمشق بعد جمعية المواساة، وأما أشهر القائمين عليها فمنهم الحاج أحمد موعد ونايف رمضان وعمي أبو وليد والأستاذ علي حمد ووالدي وأخيراً أظن أن من يديرها رجال من آل جلبوط، فجزى الله خيراً كلّ من عمل من أجل الله.

اللوثري:

كثير من القراء لا يعرفون اللوثري ولا يعرفون أساسه، اللوثري منظمة تبشيرية عالمية نسبة للمصلح الديني البروتستانتي مارتن لوثر: كان نصيبنا في المخيّم قبل الستينات مركزاً منها يقع قرب جامع عبد القادر الحسيني ويشغل الآن مدرسة عبد القادر الحسيني إذ كان يعالج اللاجئين بأسعار مخفضة أظن نصف ليرة سورية إلا أنه أغلق قبل ثلاثين عاماً. 

النادي العربي الفلسطيني

لم أتذكر متى تم بناؤه بالضبط ولكنني أذكر أنني صرت أتردد عليه منذ بداية ستينات القرن الماضي في مكانه الذي ما زال على شارع فلسطين بين الهاتف وسوق الخضار وقد كان هذا النادي ذا مساحة واسعة يقدم خدمات كثيرة لمرتاديه من ألعاب رياضية وفكرية وبرامج ثقافية وأذكر أن "الأونروا" كانت تعرض به أفلام سينمائية ترفيهية على شاشته المقامة في الهواء الطلق ومن الألعاب الرياضية التي قدمها النادي كرة القدم والطائرة واليد والمصارعة والملاكمة والجودو والكاراتية وغيرها. 

سينما الكرمل والنجوم:

أنشأت سينما الكرمل في بداية الستينات في شارع فلسطين في المكان الذي يشغل حالياً صالة ليالينا، وقدمت هذه السينما طيلة عشرين عاماً عدداً من الأفلام العربية والأجنبية. وأما سينما النجوم فتأسست في منتصف الستينات في موقف الساحة وتم نقل المخفر فوقها وظلت تعمل حتى سقوط المخيّم. وأذكر وأنا طالب في الصف الرابع والخامس كانت المدرسة تنظم عروضاً خاصة لطلابها لمشاهدة بعض الأفلام التاريخية ومن العروض التي حضرناها فيلم صلاح الدين الأيوبي وفيلم عنترة بن شداد وفيلم عن سيرة الرسول عليه السلام وغيرها، ولما كبرت وصرت في المرحلة الإعداية فكنت أكثر من ارتيادها لمشاهدة الأفلام والتي أذكر منها «الفلسطيني الثائر» لغسان مطر وجل أفلام دريد لحام ولم أنسَ فيلم «سلامة» لأم كلثوم ويحيى شاهين ولا  سيما مشاهد الحج التي كانت تقدم قبل عرض الفيلم كما كان يقام فيها احتفالات فصائلية وثقافية في مناسبات متباعدة وأذكر جيداً حفل الشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري والحفاوة التي لقيها بين أبناء المخيّم. 

المركز الثقافي العربي

وهو مركز كبير وعظيم يقع نهاية شارع فلسطين قبل المدينة الرياضية، تابع لوزارة الثقافة وقد تم افتتاحه بعد عام الألفين وقدم خدمات كثيرة لمرتاديه من محاضرات وأمسيات وندوات ومعارض كتاب ودورات تربوية وثقافية وغيرها، وكان آخر ندوة حضرتها للشيخ محمد راتب النابلسي قبل خروجنا من المخيّم بعام وقبلها حضرت حفلاً فنياً لعبد الفتاح عوينات وفوجئت من شعبيته الكبيرة وآخر مدير لهذا المركز كان الأستاذ فريد عبد الرحيم، ومن الجدير ذكره أن مخيّم اليرموك كان يعج بالمراكز الثقافية إلا أن جلها كان عبارة عن بيوت صغيرة وللفصائل.

ومما تسعفني الذاكرة بذكره الآن مركز ماجد أبو شرار لحركة فتح في شارع فلسطين، ومركز غسان كنفاني للجبهة الشعبية خلف شارع المدارس، والمركز الثقافي لجبهو الديمقراطية قرب جامع صلاح الدين، كما خصصت القيادة العامة جزءاً من مبنى الخالصة للندوات والمحاضرات، ونادي جنين لحماس، ومركز الشهيدة حلوة زيدان لجيش التحرير الفلسطيني أول المخيّم.

المدينة الرياضية

وهي مركز رياضي كبير كان يشغل قديماً معسكراً لأشبال فتح، وهو المكان الوحيد لملعب كرة قدم نظامي في المخيّم، قدم خدمات عظيمة لأبناء المخيّم يديره الاتحاد الرياضي الفلسطيني العام. ويلحق بالمدينة عدة مراكز رياضية أخرى كنادي جنين ومسبح فلسطين وغيرها.

وما زلت أذكر في نهاية الستينات يوم كان معسكراً للأشبال، كنا نقطع المسافة البعيدة سيراً على الأقدام من أجل مشاهدة الأشبال وهم يتدربون به يلبسون البدلات الكاكية ويعتمرون القبعات يقفزون ويركضون وينشدون، وكم كنت أتمنى أن أدخل المعسكر لأصبح واحداً منهم إلا أن والدي لم يسمح لي فهل كان بعيد النظر أم لا؟

بلدية اليرموك

أنشئت البلدية عام ١٩٦٤ لتنظيم الأبنية التي كثرت في المخيّم، وهي تتبع مرجعيتين الأولى سورية وهي وزارة الإدارة المحلية والأخرى فلسطينية وهي مؤسسة اللاجئين الفلسطينيين، أذكر مقر البلدية القديم في شارع جلال كعوش المطل على ثانوية اليرموك، وبعدها انتقل مقرها فوق سوق الخضار الذي شيدته وأجرته للباعة، وقد قامت البلدية بتنظيم رخص البناء وجني الضرائب المتعددة وهدم الملاحق غير المرخصة، وأذكر ممن تولى رئاستها نور الدين محمود وعبد الرحمن السلال وماهر حمادة وأخيراً محمد أبو زامل، وصارت البلدية بعد الحوادث الأليمة في المخيّم بؤرة من بؤر التنازع والصراع.    

الهاتف الآلي:

دخل الهاتف إلى مخيّم اليرموك في أوائل الستينات وكان المشتركون به أقل من مئة، وكان في بادئ الأمر نصف آلي مركزه في ساحة فلسطين قرب سينما النجوم وظل كذلك حتى عام 1980 إذ كثر المشتركون وتم تحويلهم إلى مركز الميدان قرب ثانوية الكواكبي وأصبح آلياً، وظل الوضع على هذا الحال حتى أواخر الثمانينات إذ بنت الدولة المبنى على قطعة من أرض "الأونروا" كان تابعاً للنادي العربي الفلسطيني مركزاً حديثاً أعد بأحدث التجهيزات الآلية وتم نقل جميع مشتركي المخيّم من الميدان إليه، بالإضافة إلى نقل مشتركي الزاهرة والتضامن ودف الشوك وما جاورها إليه أيضاً، وكانت مفاتيح الأرقام في البداية تبدأ بالرقم (88) ثم تحوّلت إلى الرقم (631) و(632) وهكذا.            

مقابر مخيّم اليرموك:

في اليرموك مقبرتان كبيرتان الأولى تقع جنوب جامع فلسطين والثانية تقع على امتداد شارع اليرموك فالأولى أنشئت في بداية الستينات من القرن الماضي، وكان الناس قبلها يدفنون موتاهم في مقبرة صغيرة أول المخيّم أزيلت، وقد أقيم مكانها المباني العالية وتسمى الأربعة عشر طابقاً، بالضبط عند منهل الماء الذي تملأ منه سيارات المحافظة الماء.

وبعد إنشاء مقبرة اليرموك بسنوات وبعد اشتداد العمل الفدائي أقيم قسم خاص للشهداء حيث دفن هناك الشهداء الذين قضوا، وكان ونحن صغار وفي نهاية الستينات يخرج المخيّم عن بكرة أبيه لتشييع الشهداء وكنا نلم الخرطوش بعد إطلاق الرصاص من الكلاشنكوفات خلال التشيع، ومن القيادات المدفونة بالمقبرة القديمة علي خربوش ومفلح السالم وخليل الوزير وسعد صايل الذي حضر تشيعه ياسر عرفات، والشاعر عبد الكريم الكرمي (أبو سلمى) وغيرهم.

وفي المقبرة القديمة أذكر أننا عام ١٩٦٤دفنا ستي مريم المراد فيها وبعدها بعام أو عامين دفنا زهرة بنت عمي أبي يوسف، أما والدتي جميلة بنت حسين اللبابيدي فدفنت هناك تحديداً يوم الحادي عشر من حزيران عام ١٩٧٣ وكيف أنسى هذا اليوم الحزين؟ 

وأما المقبرة الجديدة فأنشئت في بداية الثمانينات بعد أن امتلأت القديمة بمساع من حركة فتح وبعض أهل الخير، وكان منهم لطفي حجازي أبو فهد ومن المصادفة أنه في يوم افتتاح المقبرة توفي أبو فهد وكان أول دفين فيها!!