للمخرج مهند اليعقوبي ومن إنتاج شركة إديومزفيلم

«ثورة حتى النصر»... وثائقي يستعيد حكاية "وحدة أفلام فلسطين" من أرشيفها

2017-08-15 13:00:00

«ثورة حتى النصر»... وثائقي يستعيد حكاية
من الفيلم . Off Frame - Revolution Until Victory

وبالعودة لفيلم «ثورة حتى النصر»، فقد خلا الفيلم تماماً من المقابلات والتعليق الصوتي، تاركاً المساحة كاملة لإعادة بناء ومونتاج مشاهد لأفلام من مرحلة وحدة أفلام فلسطين، من بينها فيلم «لحن لأربعة فصول» للمخرج عدنان مدانات، فيلم «ثورة حتى النصر» لنيوزريل 1973، فيلم «الفلسطينيون» للمخرج الهولندي جان فان دير كيوكين، فيلم «شجرة الزيتون» لجماعة سينما فانسان 1976، فيلم «المضطهدون دائمًا على حق» لنيلز فيست 1975، إضافة إلى فيلم «بالروح بالدم» الذي يؤرخ لنشوء الحركة الفدائية وتأسيس منظمة التحرير الفلسطينية، وفيلم «عدوان صهيوني»، الذي يسجل الغارات الجوية الإسرائيلية على المخيمات الفلسطينية في لبنان في سبتمبر/أيلول 1972، ويربطها بعملية ميونيخ وكلاهما من إنتاج وحدة أفلام فلسطين.

في واحدة من محاضَرات الدراسات العليا في صناعة السينما، سألت المحاضِرة المخرج الفلسطيني مهند اليعقوبي أثناء دراسته في لندن، إذا كان يعرف عن السينما الفلسطينية الثورية، أو يعرف أياً من صانعي السينما المرتبطين بتلك الحركة في ستينات وسبعينيات القرن الماضي، وفتن حينها كما يقول، عندما بدأت بسرد رواية وحدة أفلام فلسطين وسيرة أحد مؤسسيها مصطفى أبو علي، وتأثرها بانتفاضة أيار مايو 1968 في فرنسا.

كانت المحاضرة كما يقول اليعقوبي في تعريفه بفيلمه، حافزاً لفضوله ليبدأ رحلة طويلة من البحث عن أفلام تلك المرحلة في الأرشيفات العالمية، متنقلاً بين فلسطين، بريطانيا، اليابان، الأردن، ودول أخرى، وليخرج بالنتيجة من ذلك البحث الطويل بفيلمه الوثائقي 62 دقيقة بعنوان «خارج الإطار» متخذاً من شعار الثورة الفلسطينية "ثورة حتى النصر" عنواناً آخر للفيلم، وهو من إنتاج شركة إديومزفيلم في رام الله، وإنتاج مشترك بين فرنسا، قطر ولبنان.

الفيلم الذي أهداه مخرجه إلى المخرج الراحل مصطفى أبو علي المتأثر بالمدرسة السوفيتية بطريقة المونتاج والتحرير، وبأسلوب أبو علي ذاته استخدم عناصر بصرية مزج فيها بين اللقطات والصور الفتوغرافية الصامتة، بنى اليعقوبي سياق فيلمه من مجموعة صور فتوغرافية ومشاهد ولقطات مختارة من مجموعة أفلام أنتجتها وحدة أفلام فلسطين ابتداءً من العام 1968 وحتى منتصف الثمانينيات، وهي الفترة التي بدأت فيها منظمة التحرير بإنتاج أفلامها الأولى.

وباستثناء المشهد الوحيد في الفيلم الذي يخرج عن سياق إعادة بناء وتوظيف الأرشيف، والذي يظهر فيه المخرج يقوم بتركيب أشرطة أفلام سينمائية قديمة وعرضها على الشاشة، فإن الفيلم يبدأ بعرض لمجموعة من الصور الفتوغرافية بالأبيض والأسود، وهو ما يمكن قراءته بأنه إشارة لبدايات تأسيس "وحدة أفلام فلسطين" التي بدأت من قسم التصوير في جهاز الإعلام لحركة فتح، ومنها تطورت لتتأسس الوحدة أواخر العام 1968، عدى عن أن الفيلم مبني بأسلوب المخرج الراحل مصطفى أبو علي.

بنى المخرج فيلمه من مجموعة مشاهد ولقطات مختارة من عدة أفلام انتمت لحقبة السبعينيات والثمانينيات، ليسرد مرحلة من تاريخ الشعب الفلسطيني من بدايات القرن العشرين عبر صور فتوغرافية مروراً بالنكبة، خطف الطائرات في ميونخ، ووصولاً إلى الثمانينيات، عبر سرد بصري متقن متسلسل، تاركاً المساحة كاملة للصور والمشاهد لتروي للمتلقي دون مؤثرات خارجية عبر التعليق الصوتي أو ما شابه.
 

سينما الثورة الفلسطينية – وحدة أفلام فلسطين

أشارت المخرجة خديجة حباشنة أبو علي، في شهادتها المنشورة في مجلة شؤون فلسطينية والمعنونة "وحدة أفلام فلسطين: علامة في تاريخ السينما النضالية"، إلى أنها تعرفت على مجموعة وحدة أفلام فلسطين منتصف العام 1968 من خلال زوجها الراحل مصطفى أبو علي أحد أبرز مؤسسي الوحدة، ومن خلاله تعرفت إلى هاني جوهرية المصور السينمائي والصديق الحميم لمصطفى وزميله في العمل في قسم السينما في وزارة الإعلام الأردنية، وزميلتهما سلافة جاد الله التي كانت بعد تخرجها من المعهد العالي للسينما في القاهرة، أول مديرة تصوير سينمائي عربية.

وتضيف خديجة: "انطلق السينمائيون الثلاثة مؤمنين أن بإمكانهم من خلال الصورة إيصال ونشر مفاهيم الثورة إلى الجماهير والحفاظ على استمراريتها، بهذا المفهوم تم إنشاء "قسم التصوير الفوتوغرافي عام 1967 ثم "وحدة أفلام فلسطين" أواخر العام 1968. وتعتبر هذه الوحدة أول وحدة سينمائية تعمل بمواكبة تنظيم ثوري مقاتل في حركة تحرر وطني، وهي من التجارب النادرة في تاريخ حركات التحرر ومن العلامات المضيئة في تاريخ حركة فتح".

وصفت خديجة بدايات زملائها الراحلين، المؤسسين لوحدة أفلام فلسطين والتطورات التي حدثت على قسم التصوير وحولته إلى دائرة لإنتاج سينما فلسطينية، "بعد نجاح معرض الكرامة للصور الفتوغرافية الذي أقامه القسم في آذار 1969 وتم نقله إلى أكثر من مكان وأكثر من بلد، وكان القسم حينها ما يزال يجفف الصور على جهاز الكيروسين، بدأت قيادة فتح تعطي اهتماماً أكبر لقسم التصوير، وتم تزويده بعدد من المعدات المتطورة الحديثة، كما التحق به عدد من المقاتلين الذين تم تحويلهم إلى القسم بعد أن اكتشف أبو جهاد خبرتهم بالتصوير قبل التحاقهم بالثورة".

في هذه الفترة حصلت وحدة أفلام فلسطين، الجزء السينمائي من قسم التصوير، على كاميرا سينمائية، فاستقال كل من سلافة جادالله وهاني جوهرية من وزارة الإعلام الأردنية، وتفرغا للعمل في قسم التصوير وعملا على توثيق جميع النشاطات والأحداث التي تمر بها الثورة، بدءاً بمعسكرات التدريب مروراً بالمؤتمرات والمسيرات واحتفالات الثورة وحياة اللاجئين. لكن الفرح بالمعدات الجديدة لم يكتمل عندما أصابت رصاصة رأس سلافة التي كانت نواة المجموعة وعصبها المحرك وأقعدتها عن العمل.

وعندما اندلعت المظاهرات الشعبية أواخر عام 1969 رفضاً لمشروع روجرز الذي تجاهل وجود الثورة الفلسطينية، نفذت الوحدة أول فيلم سينمائي لها بمساعدة المخرج صلاح أبو هنود الذي انضم لهم في ذلك الوقت وسمي الفيلم «لا.. للحل السلمي». كما استقبلت الوحدة أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات عدداً من وكالات الأنباء ومصوري الأفلام الأوروبيين والأمريكان، الذين جذبتهم صورة الفدائي بعد انتصاره في معركة الكرامة بعد عام واحد من هزيمة الدول العربية مجتمعة في حرب الأيام الستة عام 1967. وكان المخرج الفرنسي جان لوك جودارد الذي كان يُعدّ واحداً من بين أهم عشر مخرجين في العالم في ذلك الوقت، أحد الذين استقبلتهم الوحدة.

رحلة الشتات الثانية من عمّان إلى بيروت

بعد أحداث أيلول الأسود عام 1970 تفرق أعضاء قسم التصوير ووحدة الأفلام، فسلافة كانت تخضع للعلاج، وبقي هاني جوهرية في عمّان، أما مصطفى أبو علي فتوجه إلى بيروت مع قيادة الثورة. وفي بيروت بعد التحاق هاني جوهرية، تطورت وحدة أفلام فلسطين مع انضمام مصورين وأعضاء جدد وعودة عدد من الكوادر من أوروبا الشرقية والاتحاد السوفيتي بعد تلقيهم  دورات تدريبية على التصوير السينمائي وهندسة الصوت، فأصبحت "وحدة أفلام فلسطين" تضم قسماً للتصوير الفوتوغرافي وقسماً لإنتاج الأفلام. وفي هذه الفترة بدأت تتأسس أقسام للسينما الفلسطينية لدى تنظيمات منظمة التحرير الأخرى فأسس المخرج العراقي قاسم حول مع آخرين قسم السينما التابع للجبهة الشعبية، والذي يُعتبر فيلمه «النهر البارد» ثاني فيلم ينتج في مرحلة سينما الثورة الفلسطينية أو سينما النضال كما كان يسميها مصطفى أبو علي، وذلك بعد عام واحد من إنتاج وحدة أفلام فلسطين أول أفلامها في عمّان من الأرشيف المصوّر.

في العام 1974 طرحت فكرة مشروع لتوحيد جميع أقسام ولجان السينما لدى المنظمات الفلسطينية في مؤسسة واحدة للسينما تتبع دائرة الإعلام الموحد لمنظمة التحرير الفلسطينية، لكن هذا المشروع لم يكتب له النجاح، فتغير اسم وحدة سينما فلسطين لتصبح مؤسسة السينما الفلسطينية.
 

نحن في الأصل فدائيون

وبالعودة لفيلم «ثورة حتى النصر»، فقد خلا الفيلم تماماً من المقابلات والتعليق الصوتي، تاركاً المساحة كاملة لإعادة بناء ومونتاج مشاهد لأفلام من مرحلة وحدة أفلام فلسطين، من بينها فيلم «لحن لأربعة فصول» للمخرج عدنان مدانات، فيلم «ثورة حتى النصر» لنيوزريل 1973، فيلم «الفلسطينيون» للمخرج الهولندي جان فان دير كيوكين، فيلم «شجرة الزيتون» لجماعة سينما فانسان 1976، فيلم «المضطهدون دائمًا على حق» لنيلز فيست 1975، إضافة إلى فيلم «بالروح بالدم» الذي يؤرخ لنشوء الحركة الفدائية وتأسيس منظمة التحرير الفلسطينية، وفيلم «عدوان صهيوني»، الذي يسجل الغارات الجوية الإسرائيلية على المخيمات الفلسطينية في لبنان في سبتمبر/أيلول 1972، ويربطها بعملية ميونيخ وكلاهما من إنتاج وحدة أفلام فلسطين.

لم تكن إنتاج وحدة فلسطين حداثية ومتطورة في وقتها فقط، بل إن العاملين فيها انطلقوا من شعار نحن في الأصل فدائيون، فقدموا أفلامهم الأولى دون اسم المخرج والفريق الفني وحملت فقط شعار واسم وحدة "أفلام فلسطين"، وقدمت الوحدة ثلاثة شهداء من مصوريها السينمائيين أثناء تصوير المعارك، وهم هاني جوهرية أثناء تصويره المعركة في عين طورة في نيسان 1976، وإبراهيم ناصر المعروف باسم مطيع، وعبد الحافظ الأسمر المعروف باسم عمر المختار، أثناء تصوير الاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان في آذار 1978.

ومنذ بدء عمل وحدة أفلام فلسطين وحتى منتصف السبعينات، تراكمت كمية كبيرة من المواد المصورة مع أشرطة الصوت المرافقة لها، وأثناء اجتياح لبنان عام 1982 استولى الإسرائيليون على جزء كبير من هذا الأرشيف ونقلوه إلى مستودعات أرشيف الجيش الإسرائيلي تحت مسمى غنائم حرب، وجزء منه وضع تحت حصانة السفارة الفرنسية عندما لم تتمكن القيادة من إخراجه معها، وحين بدأت حرب المخيمات عام 1985 وتفاقمت أحداث الحرب الأهلية اللبنانية وأغلقت جميع السفارات، لم يُعثر على هذا الجزء من الأرشيف الذي يغطي مرحلة هامة من تاريخ الشعب الفلسطيني، فجاء فيلم مهند يعقوبي ليعيد التذكير بهذا الإرث السينمائي الفلسطيني الذي ولد في المرحلة الثانية من تاريخ السينما الفلسطينية في الستينيات والسبعينيات. تلك السينما التي ولدت في ثلاثينيات القرن الماضي في مدينة يافا، وتوقفت مع النكبة، لتبدأ حقبة جديدة في نهاية الستينيات وتنتهي في منتصف الثمانينيات مع ولادة المرحلة الثالثة للسينما الفلسطينية التي بداها رشيد مشهراوي وميشيل خليفة حين أعادوا إنتاج السينما الفلسطينية من قلب فلسطين.