بعد عقد على انطلاقها: ما هي الروايات التي تبحث عنها "البوكر" العربية؟

2017-09-16 17:00:00

بعد عقد على انطلاقها: ما هي الروايات التي تبحث عنها
محمد حسن علوان إثر نيله جائزة البوكر في دورتها الأخيرة April 25, 2017، إلى جانبه رئيسة لجنة التحكيم الروائية سحر خليفة والأكاديمي خالد الحروب وآخرون

وبعيداً عن عامل السن، معظم الرابحين بالجائزة لهم تاريخ ووزن كبيران في الحياة الثقافية، سابقان على فوزهم بالجائزة، فحين ربح يوسف زيدان الجائزة عن روايته «عزازيل»، كان قد نشر تقريباً خمسين مؤلفاً، أغلبيتها غير أدبية، وحين ربح ربيع جابر الجائزة عن «دروز بلغراد»، كان قد نشر قبلها 16 كتاباً، وعمل محرراً لملحق "آفاق" الأدبي في جريدة الحياة اللندنية، وأشرف على مشروع "بيروت 39" المخصص لاختيار أفضل الكتاب العرب دون سن الأربعين، والقائم بتعاون بين مهرجان لاهاي للأدب والفنون والمجلس الثقافي البريطاني ومجلة "بانبيال" البريطانية المتخصصة بالأدب العربي، ، كما شغل محمد الأشعري مؤلف «القوس والفراشة» منصب وزير الثقافة في المغرب لتسع سنواتٍ، بين عامي 1998 و2007،

مع إعلان فوز رواية «موت صغير» للسعودي محمد حسن علوان، انتهت الدورة العاشرة من الجائزة العالمية للرواية العربية، أو المعروفة باسم "البوكر العربية"، ورغم أن موقع الجائزة يصفها بأنها تسعى إلى "مكافأة التميز في الأدب العربي المعاصر"، فإنه من المستحيل أن تستطيع جائزة واحدة إيجاد أفضل ما نُشر في فن الرواية في 22 بلداً، ولذلك تبتعد معظم الجوائز الغربية والعالمية عن التوصيفات العامة في تحديد نطاقها.

نحاول في هذا المقال أن نستشف حدود المساحة من الرواية العربية التي تستهدفها الجائزة الأدبية العربية الأشهر بدون منازع، والمجال الذي تهتم بإنمائه من سوق النشر العربية، بعد مرور ما يكفي من الزمن لتشكل ملامحها العامة، وذلك من خلال رصد بعض الخصائص المشتركة للروايات الإحدى عشرة الفائزة بعشر دوراتٍ* من الجائزة التي تدار بالشراكة بين مؤسسة جائزة البوكر البريطانية وهيئة أبو ظبي للسياحة والثقافة. 
 

المحلي موضوعاً وجغرافياً


يطغى على الروايات الفائزة بالجائزة التركيز على المحلي، سواءً من ناحية الموضوعات، خصوصاً في الروايات التي لا تعتمد على تصوير شتى تفاصيل الحياة لفترة زمنية محددة، أو من ناحية مسارح أحداث الرواية، إضافة لطغيان الزمن الحديث، ضمن حدود المئتي عام الأخيرة تقريباً، دون وجود روايات مجهولة الزمن أو مسرح الأحداث.

تجري أحداث سبعة من أصل الروايات الإحدى عشرة الفائزة بالجائزة في بلد المؤلف نفسها، سواءً في مدينته أو مدينة أخرى في البلد نفسها، ضمن الحدود السياسية الحديثة للبلدان العربية، وفي زمنٍ قريبٍ من حياة الكاتب أو على الأقل في زمنٍ شهد أحداثاً أثرت على الواقع السياسي والاجتماعي الحالي، فأحداث رواية "ساق المامبو" مثلاً تجري في الكويت، موطن سعود السنعوسي، مع جزءٍ صغيرٍ من الأحداث يجري في الفلبّين، في أواخر القرن العشرين وصولاً إلى الزمن الحاضر، وتتناول قضية حديثة نسبياً، هي العمالة المنزلية الأجنبية والوضع الاجتماعي للكويتين (والخليجيين عموماً) ذوي الأمهات من أصولٍ غير كويتية، كما تعرج على الحدث السياسي الأبرز في تاريخ الكويت الحديث؛ احتلال العراق للكويت، والحرب التالية لذلك، والتي يشارك ويقتل فيها راشد، والد بطل الرواية.

ومن بين الروايات الأربع التي لا تلتزم بلد مؤلفها أو زمانه مسرحاً للأحداث، تبدأ أحداث «دروز بلغراد» في لبنان وتنتهي فيه، بعد جولة في الأجزاء الغربية الواقعة تحت السيطرة العثمانية، وتنطلق فرضية الرواية من مجازر 1860 بين الدروز والمسيحيين في لبنان، أحد أبكر إرهاصات الصراعات الطائفية في لبنان، التي أدت لاحقاً للحرب الأهلية اللبنانية، الموضوع الأكثر تناولاً في الروايات اللبنانية الحديثة. كما تجري معظم أحداث رواية «مصائر: كوتشيرتو الهولوكوست والنكبة» في فلسطين، إضافة للبعض منها الذي يجري في بريطانيا، مكان إقامة المؤلف ربعي المدهون، دون أن يخرج عن موضوع القضية الفلسطينية، من خلال وصية الفلسطينية إيفانا أردكيان أن ينثر نصف رفاتها في عكا.

فيما تجري أحداث الروايتين الأخريين في زمنٍ سابقٍ على التاريخ الحديث، إذا أخذنا باعتبار عدة مؤرخين لفتح القسطنطينية سنة 1453 نقطة علامٍ لبدء هذا التاريخ، فأحداث «عزازيل» تجري في القرن الرابع، في مرحلة مبكرة من نشوء المسيحية، وهي كذلك ليست بعيدة عن الواقع الديني المصري المعاصر، حيث تعالج الرواية مرحلة توحيد المعتقدات المسيحية بدءاً من مجمع نيقية سنة 325، والذي ظلت الكنيسة القبطية حتى اليوم خارجه نسبياً، باعتبارها أكبر المعاقل الأخيرة لليعاقبة. أما بالنسبة لرواية «موت صغير»، فأحداثها تدور وفقاً لرحلة بطلها (محي الدين بن عربي) في شتى البلدان العربية والأندلس، ورغم ذلك تظهر عبر فصول تحضر فيها مخطوطات ابن عربي أحداث معاصرة، منها ما زال جارياً حتى اليوم مثل الحرب في سوريا.
 

وزن المؤلف والمؤسسة


تقول شروط الترشح للجائزة المتعلقة بدار النشر، أن على دار النشر المتقدمة بمنشوراتها أن تكون مؤسسة منذ سنتين على الأقل، لكن يبدو أن الفوز بالجائزة يتطلب تاريخاً أطول من ذلك في عالم النشر، وحضوراً كبيراً في المشهد الثقافي العربي، فجميع دور النشر الرابحة ذات اسم وتاريخ كبيرين في سوق النشر العربية، وأحدث دور النشر التي ربحت الجائزة هي "الدار العربية للعلوم ناشرون"، المؤسسة سنة 1987، ويعود تاريخ تأسيس دار الشروق التي ربحت أول دورتين من الجائزة إلى 1968، وإلى 1958 في حال المركز الثقافي العربي الذي ربحت ثلاثة كتب من منشوراته في دورتين متتاليتين («دروز بلغراد» نشرت بالاشتراك مع دار الآداب المؤسسة في 1956)، وتأسست دار "منشورات الجمل" التي ربحت دورتي 2010 و2014 سنة 1983.

الأمر نفسه ينطبق نسبياً على المؤلفين، إذ لا يمكن إطلاق وصف "روائي صاعد" على أي من الرابحين، باستثناء سعود السنعوسي الذي كانت روايته «ساق المامبو» هي ثالث مؤلفاته المنشورة، وربحها في سن 32 عاماً، ليكون أصغر الفائزين بالجائزة سناً، ويشترك مع الرابح الأخير محمد حسن علوان في كونهما الوحيدين دون سن الأربعين بين الرابحين الأحد عشر، فيما كان سبعة من الرابحين الآخرين أكبر من سن الأربعين، بينهما اثنان، هما بهاء طاهر وربعي المدهون، فوق سن السبعين، وأربعة فوق سن الخمسين.

وبعيداً عن عامل السن، معظم الرابحين بالجائزة لهم تاريخ ووزن كبيران في الحياة الثقافية، سابقان على فوزهم بالجائزة، فحين ربح يوسف زيدان الجائزة عن روايته «عزازيل»، كان قد نشر تقريباً خمسين مؤلفاً، أغلبيتها غير أدبية، وحين ربح ربيع جابر الجائزة عن «دروز بلغراد»، كان قد نشر قبلها 16 كتاباً، وعمل محرراً لملحق "آفاق" الأدبي في جريدة الحياة اللندنية، وأشرف على مشروع "بيروت 39" المخصص لاختيار أفضل الكتاب العرب دون سن الأربعين، والقائم بتعاون بين مهرجان لاهاي للأدب والفنون والمجلس الثقافي البريطاني ومجلة "بانبيال" البريطانية المتخصصة بالأدب العربي، ، كما شغل محمد الأشعري مؤلف «القوس والفراشة» منصب وزير الثقافة في المغرب لتسع سنواتٍ، بين عامي 1998 و2007، وحتى محمد حسن علوان ثاني أصغر الفائزين بالجائزة، كان قد نشر خمس مؤلفاتٍ قبل روايته «موت صغير»، إضافة إلى مقالات أسبوعية في صحيفتي "الوطن" و"الشرق" السعوديتين لست سنوات، وعدة مقالات وقصص قصيرة في "نيويورك تايمز" الأمريكية و"الغارديان" البريطانية، وحصلت الترجمة الفرنسية لروايته «القندس» على جائزة أفضل رواية عربية مترجمة للفرنسية سنة 2016، من معهد العالم العربي في باريس.
 

تفاصيل أخرى


بعيداً عن موضوع الروايات وهوية مؤلفيها وناشريها، من الصعب إيجاد خصائص فنية مشتركة بين الروايات الإحدى عشرة الفائزة بجائزة البوكر، وإن كان بعضها لا يمكن أن يخفى، على رأسها غياب الرواية القصيرة أو "النوفيلا" عن الرواية، إذ تزيد صفحات تسعة من الروايات الفائزة بالجائزة عن الثلاثمئة صفحة، ولا تقل أي من الروايات الإحدى عشرة عن المئتي صفحة، ما يوحي باهتمام لجان الجائزة بشرط كثافة السرد، واعتبار الحجم شرطاً أولياً لاعتبار الرواية عملاً "ضخماً" من الناحية الفنية، رغم وجود العديد من الأمثلة على الروايات القصيرة الخالدة عالمياً، مثل «مزرعة الحيوان» لجورج أورويل و«الغريب» لألبير كامو (المزيد من الأمثلة في موضوع عمرو عاشو).
كما يبدو أن لعمل دار النشر اللاحق على عمل المؤلف، دوراً يؤخذ في عين الاعتبار عند اختيار الروايات الفائزة أو المرشحة للفوز بالجائزة، يمكن الاستدلال على هذا الدور من تشديد الكاتبة الفلسطينية سحر خليفة، رئيسة لجنة تحكيم دورة 2017 من الجائزة، على مرحلة التحرير، في حديثها لجريدة "الاتحاد" الإماراتية، والذي قالت فيه أن "ما ينقصنا فعلاً، وبشدة، وجود محررين محترفين" مستشهدة بدور النشر الغربية العريقة التي "تخضع نصوص الكتاب، بمن فيهم (المشهورون)، لمحررين محترفين حتى يتخلص النص من أورامه ويخرج رشيقاً معافىً"، وأخيراً هناك العامل الذي لا يمكننا أن نتجاهله؛ عدم وجود أي امرأة بين الفائزين بالجائزة، سوى رجاء عالم التي ربحت نصفها فقط.

بعد مرور عشر سنواتٍ على منح الجائزة لأول مرة، وإثبات قدرتها على جذب اهتمام القراء والصحفيين والمترجمين للروايات التي تفوز بها أو تترشح للفوز بها، بات لجائزة البوكر العربية دوراً لا يمكن إنكاره في توجيه الكتاب أثناء تأليف رواياتهم، ودور النشر أثناء اختيارها للروايات التي ستنشرها، سواء من خلال رغبتهم بالفوز بالجائزة، أو تأثرهم بالروايات التي تقدمها لهم، عبر دفعة الشهرة الواسعة التي تمنحها، وإن كانت بالفعل تهتم بـ"رفع مستوى الإقبال على قراءة هذا الأدب (العربي) عالمياً" كما يصرح موقع الجائزة، فلا بد لها من البدء بالتوجه نحو الروايات الأقل محلية، والأكثر تناولاً للمشترك على مستوى الإنسانية، الذي يمكنه أن يلامس غير العربي المهتم بأكثر من الاطلاع على ثقافة أجنبية أخرى.

* ربحت روايتا «القوس والفراشة» للمغربي محمد الأشعري و«طوق الحمام» للسعودية رجاء عالم الجائزة مناصفةً في دورة 2011، ولذلك لا يتطابق عدد الروايات الفائزة بالجائزة مع عدد دوراتها.