«ما أنام من أجله اليوم» لمنى كريم: قصائد تنزح إلى العوالم التشكيليّة

2017-09-22 10:00:00

«ما أنام من أجله اليوم» لمنى كريم: قصائد تنزح إلى العوالم التشكيليّة

أحد ملامح الشِعريّة العربيّة الراهنة؛ النزوح بأقصى ما يمكن إلى العوالم التشكيليّة والتماهي معها، وذلك من خلال توظيف لغة الفن وتقنياته الجماليّة في بُنية القصيدة، المبدع هنا يرسم أكثر مما يكتب. ولعلّ التكثيف اللغوي في سبك جملٍ تتضمن أقلّ قدر من المفردات من جهة، وكذلك اعتماد الجانب التأمّليّ التصويري من جهةٍ ثانية، أبرز سمات هذه المرحلة.

أحد ملامح الشِعريّة العربيّة الراهنة؛ النزوح بأقصى ما يمكن إلى العوالم التشكيليّة والتماهي معها، وذلك من خلال توظيف لغة الفن وتقنياته الجماليّة في بُنية القصيدة، المبدع هنا يرسم أكثر مما يكتب. ولعلّ التكثيف اللغوي في سبك جملٍ تتضمن أقلّ قدر من المفردات من جهة، وكذلك اعتماد الجانب التأمّليّ التصويري من جهةٍ ثانية، أبرز سمات هذه المرحلة.

في مجموعتها الشِعريّة الأخيرة «ما أنام من أجله اليوم»، الصادرة حديثاً عن دار نوفا بلس (الكويت- 2016)، تسعى الشاعرة الكويتية منى كريم إلى الإلمام بكافة الجوانب الحياتيّة، من خلال عدسة القصيدة، فيأتي كتابها على شكل ألبوم صور يتضمّن بين دفّتيه مجموعة من البورتريهات الشِعريّة، المرسومة برويّة وأناة. 

كلّ قصيدة -بدورها- تتضمّن حكاية خاطفة وذكيّة لعوالم حقيقيّة ومألوفة، لا تسهب الشاعرةُ في سردها بقدر ما تُلمّح إليها، وبلغةٍ شفيفة ومكتوبة بمنتهى البساطة. في قصيدة بعنوان “شاعرة“ والمهداة إلى اللبنانيّة إيتل عدنان، تكتب منى وكأنها تنظر في مرآة روحها، ليتداخل "الواقع" مع "المُتخيّل"، في مزجٍ حميمٍ بين "الأنا" و"الأنت"، حيثُ تقول: "كتبتْ قصيدةً عن حبها/ وتركتها في الشرفة،/ أتى حبيبها وسرقها/ ../ نزعت أحلامها فوق الورقة/ واحدة تلو الأخرى/ ثم ذهبت لتنتحر/ مرةً أهملت كل أحبتها/ في جوفِ الكراسةِ/ فماتوا برصاصات طائشة“.

وفي قصيدة ”قاع القفص“، ثمّة محاولة للتمسّك بالحياة، عكس ما جاء في سابقتها من "سرقة" و"انتحار" و"إهمال" و"موت" و"رصاصات طائشة"؛ ربما لأنّ "الفن هو الطريق الوحيد لمقاومة الموت" بحسب الفرنسي أندريه مالرو؛ حيثُ تقول: "بإمكانك أن تحب نفسك،/ حباً من طرف واحد/ لكن الأفضل أن تضيع عمرك/ في مكان غير متشابك مع العالم،/ تبحث عن أسنان واضحة/ تعقف بينها زهرتك الأخيرة/ قبل أن تعطيها اسماً".

 "الوجود والعدم"

بدورها؛ عناوين القصائد تشتبك مع العوالم التشكيليّة أيضاً، إذْ نجد معظمها تتضمن مفردات تخصّ "البصر" بوصفه الحاسّة الأكثر إثارةً لدى المُتلقّي، حيث نقرأ، على سبيل المثال لا الحصر: (خافيات العيون، بورتريه مبكّر، سيجارة ضوء، الموت كتمثال، بورتريه متأخّر، نافذة الكلمة، رجل العتمة، وخيوط من ليل)، فيما تأتي القصيدة الأخيرة، والتي تأخذ من اسم الشاعرة عنواناً لها، مختلفة ومُغايرة؛ وفيها تُختزل الحالة العامّة وما آلت إليه من ضياعٍ أو فصامٍ بات جليّاً بسبب من التناقضات التي تزخر بها حياتنا المعاصرة، وتحديداً وصف تلك المتاهة الفاصلة ما بين الوجود والعدم، حيثُ تقول: "أين ذهبت (منى كريم)/ بين زحمة الأصدقاء؟/ إلى أين هربت/ بعد أن كونت الكونية/ كما تريد؟/ هل ستكون في اللامكان،/ أم أنها ستتبعثر مع القصيدة؟". لتأتي العبارة الختاميّة صادمة وبمثابة رد على ما جاء في المقطع السابق: "يبدو أنها ذهبت لكي تبحث/ عن )منى كريم)".

قلق وجودي

في قصيدة بعنوان ”أفراح هشّة“، لا تكلّ أو تملّ الشاعرة من طرح المزيد من الأسئلة، تتعلق بماهيّة الحياة والموت وما بينهما من علاقةٍ جدليّةٍ، وكذلك علاقة الكائن بمن حوله، أسئلةٌ لا تركنُ إلى القلقِ والضياع فحسب، بقدر ما تبحثُ عن دربٍ للخلاص والخروج من النفق الوجوديّ المُظلم. الجُمل هنا طويلة وصادمة، وكل جملة تنتهي بإشارة استفهامٍ، تأكيداً على الحيرةِ أو القلق الوجوديّ الذي يعانيه الكائن؛ حيثُ تقول: "لماذا تسرق الوحدة من المرأة إنسانيتها؟/ لماذا يصنعون هم تماثيل نحاسية لأصدقائهم،/ وأصدقائي يذوبون كتماثيل الشمع؟/ لماذا يلعبون الكلمات المتقاطعة بآلامنا/ ونرفع أصابعنا لنمنحهم الإجابة؟/ لماذا تنبش أمهاتنا القواميس منذ الصباح بحثاً عن شتيمة،/ وأمهاتهم يغرقن في لغةٍ أخرى؟/ لماذا يقتلون هم الوقت بالثقافة/ ونقتل نحن يأسنا بها؟".

شِعريّة البساطة

مجموعة "ما أنام من أجله اليوم"، الإصدار الثالث في رصيد منى كريم الشِعريّ، وفيها تحاول الشاعرة البحث في جدوى حياة تذخر بالصراعات والخيبات، وما يرافق ذلك من خوفٍ أو قلقٍ، ومن ثم توق الذات للسمو والوصول إلى الاستقرار المنشود؛ "توجد في روحي/ زفرات كثيرة،/ خلقها أطفال لا ينامون./ يوجد في روحي/ مقبض مكسور".

جديرٌ بالذكر أنّ منى كريم، هي شاعرة وصحفية ومترجمة، وهي واحدة من الشعراء البدون، من مواليد الكويت 1987، وتقيم في نيويورك، أمريكا. أصدرت سابقاً مجموعتين شِعريّتين، هما: نهارات مغسولة بماء العطش (2002) وغياب بأصابع مبتورة (2004). كما تُرجمتْ قصائدها إلى الألمانيّة والهولنديّة والفرنسيّة والإسبانيّة والإيطاليّة والكُرديّة والفارسيّة. تعمل حالياً على إنجاز رسالة الدكتوراه في الأدب المقارن، وتحاضر في أصول الكتابة والأدب المترجم.