ربى شمشوم: الجمهور المحدود هو ثمن، وأنا مستعدة لدفعه

2017-09-30 12:00:00

ربى شمشوم: الجمهور المحدود هو ثمن، وأنا مستعدة لدفعه
Credits: Al Craig

تقول ربى أن الجاز جاء لاحقًا، وعندما اختارت أن تغنّي هذا النمط الموسيقيّ في البداية كانت أسبابها مختلفة عن تلك التي تعمقت بسببها في هذا الفضاء فيما بعد. استمعتْ في البداية إلى الكثير من جاز العصر الذهبيّ، من ثلاثينات وأربعينات القرن الماضي، "سحرتني سذاجة الكلمات، جمال الأصوات، إيقاع «السوينج» الذي يعطي المستمع الإحساس بأنه يقفز من غيمة إلى غيمة، وأيضًا طبعًا لغة الارتجال الغنائيّة ”سكات“ التي لم أسمع مثيلاً لها من قبل. لا زلت أذكر حين سمعت لويس أرمسترونج  يرتجل لأول مرة، وأذكر أنني صدّقته وصدقت كل ما ”قاله“ بدون كلام"، تقول ربى.

من العاصمة الإيرلنديّة، دبلن، أطلقت الفنانة الفلسطينيّة ربى شمشوم في أيّار/ مايو 2017 ألبومها الموسيقيّ الأوّل بعنوان «شامات»، ألبوم يضم 9 أغانٍ، منهن واحدة عبارة عن شعر مع موسيقى مترجلة لماثيو جيكوبسون، أورلاندو مولينا وباري رايكرافت. غالبية الأغاني من كلماتها وألحانها وتوزيعها، أغنيتان منها باللغة الإنجليزيّة، واثنتان يعرفهما الجمهور؛ "فقاعتي" و"يا ليل لا تروح". «شامات» هو ألبوم يحكي عن الحبّ، المسافات، عن القصص التي تبقى ذكراها بالروح دائمة، كما حضور الشامات الجميلة على الأجساد. 


منذ بداية مسيرتها الموسيقيّة، اقترب اسم ربى شمشوم من موسيقى الجاز، ولربما كان الجاز بمثابة شباك إلى أنماط موسيقيّة عديدة بالعالم، عن هذه العلاقة الأولى، تقول ربى في حديث خاص لرمّان: "ما بين سنين الطفولة والمراهقة، قرّر والداي الانفصال، وهذا أدى إلى عدم الاستقرار في حياتي. في تلك الفترة، المكان الوحيد الذي أتاح لي مساحة جميلة هو إغلاق باب غرفتي والغرق في ألبومات الموسيقى، ربما رغبة بالهروب إلى ”مكان أفضل“. وجدت أن في موسيقى ”الروك“ و“الراب“ تحديدًا تعبيرًا عن غضب معين، ومواضيع تحاكيني لم أجدها في الأغاني العربيّة في ذاك الحين (التسعينات وبداية الألفيّة). ولم أكن أبحث عن أغانٍ تحكي عن الحبّ والشّوق والوطن. لم أتعاطف مع هذه الكلمات في عمري الصغير، بحثتُ عن أغانٍ تحكي المواضيع الأكثر شبابيّة،  لذلك لم أتعمق في الموسيقى العربيّة حينها، وانجذبت أكثر لأغانٍ تحاكيني كشخص يحاول أن يجد نفسه في منتصف طوفان من المشاعر". 

تقول ربى أن الجاز جاء لاحقًا، وعندما اختارت أن تغنّي هذا النمط الموسيقيّ في البداية كانت أسبابها مختلفة عن تلك التي تعمقت بسببها في هذا الفضاء فيما بعد. استمعتْ في البداية إلى الكثير من جاز العصر الذهبيّ، من ثلاثينات وأربعينات القرن الماضي، "سحرتني سذاجة الكلمات، جمال الأصوات، إيقاع «السوينج» الذي يعطي المستمع الإحساس بأنه يقفز من غيمة إلى غيمة، وأيضًا طبعًا لغة الارتجال الغنائيّة ”سكات“ التي لم أسمع مثيلاً لها من قبل. لا زلت أذكر حين سمعت لويس أرمسترونج  يرتجل لأول مرة، وأذكر أنني صدّقته وصدقت كل ما ”قاله“ بدون كلام"، تقول ربى.
 
بعدما اقتربتْ أكثر من موسيقى الجاز، اكتشفتْ ربى أنه عالم كبير وغني جدًا، واستوعبتْ أن الجاز هو فِكر، فلسفة وطريق حياة قبل أن يكون موسيقى، حسب وصفها. وفي إجابة عن السؤال لماذا اختارت الجاز، في الوقت الذي ربما يكون جمهوره محددًا في منطقتنا. لا تظن ربى اليوم أنّها تغنّي أو تكتب موسيقى بنمط الجاز بمعناه الكلاسيكيّ، تقول، كما أنها لا تدري بأي خانة تقع موسيقاها، وتضيف: "لكن، أظن أن أهم ما قدّمه لي تعليم الجاز هو أن أجدد وأفاجئ نفسي عند كل مرة أكتب أو أغنّي فيها، وأن أحاول أن لا أكرر نفس الشيء مرتيْن. نعم، هذا يجعل جمهور الموسيقى محدودًا بعض الشيء، وأنا أعي ذلك. ولكني أصبحت موسيقيّة أولًا وقبل كل شيء لأن الموسيقى كانت في داخلي بمثابة قصص ومشاعر كنت بحاجة لأن تخرج مني، وبالتالي أخذت شكل الموسيقى. لا أستطيع أن أغنّي كلمة أو لحن إن لم أكن مقتنعة تمامًا في ذلك الحين بأنه يمثّلني، ولا أستطيع أن أغني شيئًا فقط لإرضاء الجمهور وكسب المحبة. الجمهور المحدود هو ثمن، وأنا مستعدة لدفعه".
 
Credits: Mattia Pelizzari

وُلدت ربى شمشوم في مدينة الناصرة، المدينة التي عُرفت وتعرف بحضورها الفنّيّ والثّقافيّ على مستوى المشهد الفلسطينيّ، ترى ربى على مستوى المسار الفنيّ واختياراتها فيما بعد، أن الناصرة أعطتها التشجيع وإقبال الناس على العروض. لا تذكر عرضًا موسيقيًا في الناصرة لم يكن مليئًا بالجمهور، حتى عندما كان الغناء بالنسبة لها مجرد هواية في فرقة "وايلد روز"، وهي فرقة "سوفت روك" من النارة، تغيّرت وأخذت لها أشكالًا عديدة على مرّ السنين. تتابع ربى: "أذكر أن عرضنا الأوّل في المركز الفرنسيّ في الناصرة كان مليئًا بجمهور مبتسم ومشجع. ظننت عندها أنه أمر مفهوم ضمنًا، اليوم بعد ما عشت في دبلن، أستطيع القول أن هذا الأمر غير موجود في كل مكان، وأنه خاص جدًا".

الأخوان رحباني بالنسبة لربى هما بمثابة منجمٍ موسيقيّ، ترى بأنها كلما تعمقت في أعمالهما وجدتْ كنوزًا، كما أن موسيقاهما مرسخة في ذاكرتها. مضيفة إلى أنها عندما تستمع لأغانيهما برفقة فيروز، تشعر بأنها "تلملم البوستكاردز من أنحاء العالم". وتضيف: "أما على الصعيد الفلسطينيّ المحليّ، أُقدّر جوان صفدي. أظن أن ألبومه «نمرود» شق الطريق لجيلٍ كاملٍ بأن يفكر بكلمات الأغاني بطريقة جديدة، بمنظور جديد. استطاع جوان أن يثبت بأن الكلمة، حين تكون حقيقيّة ومن القلب فهي تلسع، تدغدغ، تؤثر فينا وتدعنا نفكر فيها طويلًا بعد انتهاء الأغنية. أما من ناحية الصوت، فهناك العديد من البوصلات، ولكن بالأساس: فيروز، ماجدة الرومي، إلا فتزجيرالد، إيديت بياف، نورا جونس، إسبرانسا سبالدينج وأسمهان. كل واحدة منهن أثّرت علي بشكل مختلف".    

تعيش ربى شمشوم منذ سنوات برفقة شريك حياتها في إيرلندا، بعيدًا عن فلسطين، حيث واصلت دراستها وتنتج موسيقى في دبلن. في إجابة عن السؤال ماذا تعطي الحياة بعيدًا عن البلاد للفنان، وبشكل خاصة للفنانة المرأة، قالت: "في أغنية ”فقاعتي“ أُغنّي: ”في الُبعدِ ضَوءٌ جَميل“. أظن أن الفنان بشكلٍ عام حين يخلق شيئًا من الواقع، ينظر إلى هذا الواقع من منظور طير يحلق، ويرى التفاصيل من بعيد. شخصيًا، البعد أعطاني مساحة للتنفس، ولحظة هادئة لتقييم 27 سنة في البلاد. شعرت وكأنني مُنِحت صفحة بيضاء لأرسم عليها ما أشاء. بالإضافة إلى ذلك، وعندما تعلّمت الموسيقى في دبلن، كانت هذه أوّل مرة أذهب بها إلى التعليم دون القلق بأنني سوف أسمع ملاحظات عنصريّة من الطلاب أو المحاضرين. كانت لي الفرصة التركيز فقط على الموسيقى، وأن استمتع من التعليم بشكل كامل. غير أن التعليم خارج البلاد أتاح لي الفرصة بأن أتعرّف على شبكة كبيرة من الموسيقيّين الرائعين في أوروبا".

في مقارنة بين العروض الموسيقيّة التي تقدّمها ربى في فلسطين وخارجها، ترى أن الاختلاف الكبير يكمن باللحظة التي يردد فيها الجمهور العربيّ كلمات الأغاني، "شعور لا يوصف"، تقول، وتضيف: "من ناحية أخرى، لأن غالبية الجمهور لا يتكلّم العربيّة خارج البلاد، هذا يضطرني لأن أكون حكواتيّة، لأنني أشعر بمسؤولية إدخالهم إلى عالمي، وهذا يولّد عندي مهارات جديدة على المسرح". 

خلال تجربتها المعيشيّة والفنيّة في إيرلندا، انكشفت ربى شمشوم إلى تنوّع المسارح كما كميّة كبيرة من الموسيقيّين المختلفين، بالإضافة إلى أنها وجدتْ مساحة هادئة وخاصة استطاعت فيها أن تكتب الأغاني. وفي إجابة عن السؤال عن التفاصيل التي لن تجدها إلّا في فلسطين، تقول ربى: "في فلسطين يوجد العائلة، الأصدقاء والألفة في الناس والأماكن التي لن أجدها أينما كنت في العالم. أيضًا، في فلسطين يوجد شيء جميل جدًا؛ أنا معجبة في تطوّر الفنّ البديل في السنوات الأخيرة في ساحة الفن الفلسطينيّة. قبل 10 سنوات كانت كمية الأشخاص التي تنتج فنًا بديلًا قليلة جدًا، ومن المفرح أن نرى كمية كبيرة من الفِرَق المحليّة التي تتخذ هذا المسار من الفنّ، وتكتب تاريخًا جديدًا للموسيقى الفلسطينيّة، تاريخيًا يبتعد عن المألوف ويبحث فينا كجيل معاصر، مليء بالقصص التي تخصنا وتخص جيلنا. أشعر بأنني محظوظة جدًا أنني أعيش في فترة هذا الازدهار الموسيقيّ، الفنّيّ والفكريّ الذي يحدث في الساحة الفلسطينيّة وفي هضبة الجولان، التي حسب رأيي أثْرَت وأثّرَت بشكل عظيم على تطوّر وجه الموسيقى الفلسطينيّة المعاصرة".