الصحافيون الثقافيون... ثلاث تجارب من مصر

2017-10-31 17:00:00

الصحافيون الثقافيون... ثلاث تجارب من مصر
unknown artist

تقترن الصحافة الثقافية بالمبدع، سواء كان شاعراً أو روائياً أو قصاصاً، فهي المهنة التي لجأ إليها صُناع الكلمة، لذا سنجد أن عظماء الأدب بدأوا حياتهم المهنية من خلال الصحافة، وبالأخص الصحافة الثقافية. غير أنها كباقي المهن لها عيوب ومميزات. فما هي عيوب وميزات تلك المهنة؟ هذا ما سنعرفه من خلال بعض المبدعين الذين اشتغلوا بالصحافة الثقافية..

تقترن الصحافة الثقافية بالمبدع، سواء كان شاعراً أو روائياً أو قصاصاً، فهي المهنة التي لجأ إليها صُناع الكلمة، لذا سنجد أن عظماء الأدب بدأوا حياتهم المهنية من خلال الصحافة، وبالأخص الصحافة الثقافية. غير أنها كباقي المهن لها عيوب ومميزات. فما هي عيوب وميزات تلك المهنة؟ هذا ما سنعرفه من خلال بعض المبدعين الذين اشتغلوا بالصحافة الثقافية..
 

أحمد إبراهيم الشريف: ما ربحته من تجارتي وما خسرته

يتساءل أحمد إبراهيم الشريف صاحب رواية «موسم الكبك» الحاصلة على جائزة ساويرس، والذي يعمل محرراً ثقافياً بموقع اليوم السابع: "كيف يستطيع المحرر الثقافي أن يختصر كتاباً يتكوّن من مئات الصفحات في عشرات الكلمات؟… منذ أن بدأت أعرف التقرير الصحفي والتحقيق ومن قبلهما الخبر وأنا مفتون بالصحافة الثقافية“.

يعترف الشريف أنه في فترة ما من حياته، وقع تحت تأثير مجلتين ثقافيتين مهمتين، الأولى هي مجلة «الشباب»، الصادرة عن مؤسسة الأهرام، والتي مثلت له مع مطلع كل شهر بوابة كبرى لكثير من الموضوعات الثقافية، ومن ذلك كانت مقالات الكبير عبد الوهاب مطاوع.

 يذكر إبراهيم من ذلك مقالة له بعنوان «كن عبقرياً واصنع ما شئت» تناول فيها مذكرات الفنان التشكيلي العالمي سلفادور دالي، ومن بعدها تأثر بالمقالة وظل يبحث عن هذه المذكرات بشكل هستيري حتى وجدتها.

أما بخصوص المجلة الثقافة الثانية التي تركت أثرها الكبير في بداياته فيقول: "هي مجلة «العربي» الكويتية، وكانت حافلة بكثير من المواد الثقافية التي جعلتني شغوفاً بالعالم الثقافي، ثم شاءت الأقدار، بعد ذلك، أن أعمل في مجال الصحافة الثقافية، وصرت أشارك في صناعة هذا المجال بشكل يومي، وفي الوقت نفسه أكتب أعمالاً إبداعية بشكل آخر متمثلة فى الرواية، وبالممارسة تيقنت أن عملي في هذا المجال وعلاقته بالكتابة السردية ينتج وجهين؛ وجهاً إيجابياً وآخر سلبياً“.

يتمثل الوجه الإيجابي بالنسبة للشريف في متابعته الدائمة للأحداث الثقافية بشكل أسرع مما كان يعرفه من قبل، والمساعدة على المعرفة السريعة للأعمال الإبداعية الصادرة حديثاً، وبالتالي سرعة اقتناء هذه الكتب وقراءتها، كذلك فإن العمل في الصحافة الثقافية يجعله يتعامل بشكل مباشر مع تجارب الآخرين حيث يلتقيهم ويستمع إليهم ويسألهم فيتعلم منهم ويستفيد.

أما عن الجانب السلبي فيقول لرمان: "عملي كمحرر ثقافي يتمثل في شيئين؛ الأول يخص الصحافة بوجه عام، وهو أنها تأكل الوقت خاصة في ظل العمل الدائم في المواقع الإخبارية التي تقوم على فكرتي السرعة والمنافسة، والشيء الثاني خاص بالصحافة الثقافية فالكتابة الصحفية خاصة المتابعة الخبرية والتقارير الصحفية تبسط اللغة بشكل كبير لأنك تخاطب قارئاً سريعاً ربما يتفقد الموقع على تليفونه وهو يحمل طفله في عربة مترو، وبالتالي فإن ذلك يؤثر على درجة التماسك الكتابي الواجبة داخل النصوص الأدبية".

يرى الشريف أن الشللية نتاج طبيعي لشعور المثقفين بالاختلاف عن باقي المجتمع ورغبة منهم للبحث عن درجة من التقارب المفقودة مع الآخرين، لكنه يعترف بخطورتها عندما تتحول إلى "سلطة" تمنح وتمنع وتتحكم في مواقع النشر وفى حلقات النقد فتحسن السيء وتشوه الجميل. 

يستطرد قائلاً: "أكثر الذين يتأذون من هذا الأمر هم كتاب الأقاليم، لأنهم عادة يكونون بعيدين عن مركزية صناعة "المزاج الثقافي“ الذي يسود، ولا يستطيعون نظراً لبعدهم عن القاهرة أن يفرضوا أنفسهم أمام كاميرا المشهد الثقافي، إلا القليل منهم، لذلك فإن القضاء على "مركزية" الثقافة هو الحل الذي سيحول هذه الشلل إلى مجرد صداقات جميلة وليست مصالح متوحشة". 

ينهى الشريف حديثه موضحاً: ”في العام لا أستطيع أن أقول، بشكل قاطع، أن الإيجابيات أكثر تأثيراً أو أن السلبيات هي صاحبة الكلمة العليا، في تجربتي، فالأمر سجال بينهما طوال الوقت".    


وجدي الكومي: ما قد تجلبه على الأديب

صدرت للكاتب المصري وجدي الكومي أربع روايات:«شديد البرودة ليلاً» و«الموت يشربها سادة» و«خنادق العذراوات» و«إيقاع» (الفائزة بجائزة الفكر العربي)، بالإضافة إلى مجموعتين: «سبع محاولات للقفز فوق السور» و«شوارع السماء».

يرى الكومي أن الصحافة الثقافية من أمتع المهن التي عمل بها، ولكنه فوجئ أنها تؤثر بشكل ما عليه ككاتب. يقول لرمان: "بعد فترة من مزاولة الصحافة الثقافية، اكتشفت أن عدداً من الخصومات تتكوّن رغماً عن أنفي مع عدد الكُتاب، الزملاء، أو غيرهم، شيء لم أنتبه له في البداية، وهو أن بعض التقارير الصحفية، قد تثير ضيق بعد الكُتاب الزملاء، خاصة إذا كنت تتناول جائزة أدبية ما، وصل إليها زملاء كُتاب من مصر، أو من غيرها“

يذكر وجدي أنه أثار ضيق وغضب زملاء كُتاب حينما كتب مقالاً انتقد فيه جائزة البوكر العربية منذ عامين. يوضح: "وقتها سجلت رأيي في آليات الجائزة، بحكم كوني أحد المشاركين بعمل ضمن الأعمال المتقدمة، الكل ترك النقد الذي كتبته ضد آليات الجائزة، والتفت إلى أنني ما كان يجب أن أكتب، لأنني كنت مشاركاً“.

يعتقد الكومي أن الناس أحياناً تضع قواعد، ولا تعرف بالضبط ما هي حتمية أن تلتزم بهذه القواعد التي تتحول إلى عرف. يضيف: "المعروف أنك إذا أردت أن تعبر عن رأيك، فالصحافة الثقافية ليست هي المكان الذي تعبر فيه عن هذا الرأي، ولا صفحتك على الفيسبوك، بل جلسات النميمة المغلقة، وهو ما أرفضه بالتأكيد“

يرى صاحب «خنادق العذروات» أن الشللية شيء قميء، فهي تتسبب في مصادرة واستبعاد أعمال أدبية وجيدة من النشر، لأن منطق الشلة لا يقبل من هو خارجها، وتقطع أرزاق كُتاب، إذا رغبوا فى كتابة مقال في إحدى الدوريات لمجرد أن العمل في هذه الدورية محصور فقط على أبناء وأعضاء الشلة، الشللية أسوأ أمراض وسطنا الثقافي، ومنطقتنا العربية.

كما أنه يؤكد أن الصحافة الثقافية هي المكان الأمثل للأدباء أن يعبروا فيه عن آرائهم فيما يحدث، لكن هذا التعبير عن الرأي قد تكون له عواقب، لذلك فالبعض يخشى هذه الطريق، ويؤثر السلامة، لهذا تخلو صحافتنا الثقافية من المعارك، وتكتفي فقط بتسليط الضوء على الكتب الجديدة، والإصدارات الأحدث.


أحمد مجدي همام: ميزات بلا حصر

يعد الكاتب أحمد مجدي همام، الحاصل على جائزة ساويرس عن مجموعته «الجنتلمان يُفضل القضايا الخاسرة»، واحد من الكُتاب الشباب الذي استطاع أن يجمع بين جودة وغزارة الإنتاج الأدبي والعمل الصحفي، لمجدي ثلاث روايات: «قاهري» و«أوجاع ابن آوى» و«عياش». بالإضافة إلى كتاب صحفي «مصنع الحكايات» الذي يضم 25 حواراً صحافياً مع كُتاب الرواية والقصة العرب.

يعمل حالياً في حقل الصحافة الثقافية فهو مُراسل لعدة مواقع عربية ويكتب بشكل منتظم لجريدة الحياة اللندنية.

يقول مجدي عن مهنته كمحرر ثقافي: "هي المنفذ الوحيد للمبدع. الكاتب في أساسه شخص له القدرة على التعامل مع الكلمات، وكذلك المحرر. إذن فالعمل الصحفي قرين المبدع“.

لا يرى مجدي أن عمل المبدع بالصحافة له سلبيات. يضيف: "بالعكس فإن إيجابيات العمل بالصحافة، وبالأخص الصحافة الثقافية له ميزات عدة لا يمكن حصرها“. يضيف: ”أولاً: الكتابة للصحافة تعطى ثقة للكاتب، أنت تكتب مقالة ويقرأها عشرات الآلاف، أليس هذا أمراً رائعاً؟ ثانياً: تعمل الصحافة على توسيع دائرة العلاقات والمعارف، تجعلك تناقش وتكتشف العالم السري للكتابة، أن تدخل الكواليس وتطلع عما يحدث بداخل المطبخ الأدبي. ثالثاً: توفر للكاتب المزيد من الوقت، وأنا هنا أقصد الكتابة الحرة، أنا جربت العمل المؤسسي الإلزامي، يجب أن تكتب عن كذا والآن، الكتابة الإلزامية إذ كان بها بعض العيوب غير أنها ترفع من قدرة المبدع، تحوله من هاوِ إلى محترف. رابعاً: وهو السبب الذي خلق من أساسه العمل، توفير المال اللازم لاستمرار الحياة.

أما عن عمله كديسك فيقول: "حين كنت أعمل على مادة صحافية وكثيراً ما تكون مهلهلة أو غير مترابطة، كان عليّ أن أغير الأسلوب، أو أن أجد زاوية بديلة ليتضح الموضوع، بتلك الطريقة أتعامل مع الأدب، الإبداع في تغيير الأساليب وتحديد زوايا جديدة“.

عن كتاب «مصنع الحكايات» يصرح مجدي: "أعتبر هذا الكتاب وجبة متكاملة لقارئ مهتم في الأساس بالثقافة، يحب الكتابة والمبدع، فالكتاب تجميع لحوارات متفرقة لأهم الكُتاب العرب، هذا النوع من الكتب غائب تماماً من المكتبة العربية، ولعل ما قدمه فؤاد دوارة في ثمانينات القرن الماضي أقرب تجربة يمكن رصدها“.

يؤكد همام على أن الشللية لا تقتصر على مصر فحسب، بل هي حالة يعيشها العالم الثقافي العربي. يتوقع أنه في المستقبل قد ينتج الكثير من الكتب الصحافية، فبإمكان المحرر المبدع أن يجمع مواده المتشابهة أو تلك التي تدور حول إشكالية واحدة في كتاب يفيد القارئ المهتم ويزيد من رصيد الكاتب وشعبيته.

يقول صاحب «الوصفة رقم » لرمان: "الشللية هي نتاج للمركزية الثقافية، دائماً ما ترتبط بالعاصمة أو الإسكندرية على استحياء مما يعني أن كُتاب الأقاليم، وهم الذين أجبرتهم الحياة على العيش خارج القاهرة أصبحوا محرومين من تسليط الأضواء على أعمالهم أو ترشيحهم للجوائز الكبرى، بالرغم أن الكثير منهم موهوب بلا شك. كما أن الشللية تعمل على نشر أعمال قد تكون سيئة على المستوي الفني ولكن صاحبها نشط بوسط الثقافي فيلقى عمله الترحاب والنقد وربما تمجيداً لا يستحقه أبداً.“