مواجهة التطبيع كضرورة وطنية

2017-11-03 18:00:00

مواجهة التطبيع كضرورة وطنية
Latuff, 2014, middle east monitor

وهو ما شكل الحافز والدافع الرئيسي للتصدي لهذه المرحلة ومجابهة مثقفيها ومنظريها الرئيسيين، ليتحدى المناضلين والنشطاء السلميون العرب مجموعة من العراقيل والعقبات المحلية التي تحول دون النضال السلمي عربياً، سواء تلك المتعلقة بغياب البنية القانونية والثقافية الرسمية العربية الحاضنة لأشكال النضال السلمي، أو تلك المرتبطة بغياب الدعم المالي والإعلامي والثقافي، خصوصاً إذا أخذنا بعين الاعتبار حجم الدعم الرسمي وغير الرسمي المقدم للتيار التطبيعي والانهزامي السائد عربياً اليوم.

تأخر الناشطون الفلسطينيون والعرب عن استخدام سلاح المقاطعة ضد الاحتلال الإسرائيلي حتى منتصف العام 2005، وكان ذلك نتيجة لغياب المظاهر التطبيعية عربياً، بالإضافة إلى عدم توافق النضال السلمي عموماً مع الاستراتيجية العسكرية المتبعة من قبل حركة التحرر الفلسطينية، والقائمة على إهمال جميع أشكال النضال السلمي بما فيها النضال الاقتصادي والثقافي سواء محلياً أو عالمياً لصالح حصرية النضال العسكري. وكان لذلك أن منح الاحتلال انتصارات عديدة ومجانية في غالبية ساحات النضال الأخرى وفي جميع بقاع المعمورة. واستمر غياب النضال السلمي وبجميع مجالاته عن الساحة المحلية على الرغم من جميع الأزمات الداخلية ومن جميع النكبات والهزائم العسكرية المتتالية والخيانات والتنازلات الرسمية الحاصلة، حتى وصلنا إلى زمن بتنا نشهد فيه صعود خطاب ونهج عربي ثقافي وسياسي وإعلامي يدعو لدفع الخطوات التطبيعية مع الاحتلال ومؤسساته وداعميه إجمالاً وبأبخس الأثمان.

وقد روج دعاة التطبيع سابقاً لفكرة أن الهدف من التطبيع هو توقيع اتفاق سلمي مع الاحتلال فقط، بحيث نستعيد بموجبه حفنة من الحقوق المستلبة في مقابل صك اعتراف بشرعية إسرائيل وصك غفران عن جميع جرائمها وتنازل رسمي عربي عن مجمل الحقوق المسلوبة. بينما نجد اليوم تسابقاً رسمياً عربياً نحو التطبيع مع الاحتلال دون أي مقابل على مستوى الحقوق العربية، بل تم تجاوز الأمر إلى درجة أن يتم استباق الاتفاقات المجحفة عموماً بسلسلة من الخطوات التطبيعية تحت ذرائع واهية، من قبيل خطوات بناء الثقة التي توحي بتحملنا كفلسطينيين وعرب لكامل المسؤولية السياسية والأخلاقية والقانونية عن سنوات الصراع المريرة، وكأننا نحن المعتدون والغاصبون والاستعماريون والمجرمون، لتستشري الخطوات التطبيعية سريعاً في المجالات الأمنية والثقافية والسياسية والاقتصادية. وكانت النتيجة أن شهدنا تطبيعاً أمنياً يرتكز على حماية أمن إسرائيل ويترافق مع عدم الاكتراث لأي خطر أو تهديد يطال أمننا العربي والفلسطيني منها ومن عصاباتها الإجرامية المتطرفة، والتي تشهد أراضينا الفلسطينية بشقيها المحتلة عام 48 و67 على العديد منها بما فيها مدينة القدس. بالإضافة إلى التطبيع الثقافي والمبني على ثورة إعلامية وثقافية عربية تستبدل أي تعبير يوحي ولو ضمناً باعتبار إسرائيل كياناً غاصباً ومحتلاً وغريباً عن المنطقة، وتتعداه لتأخذ شكل تسابق إعلامي في إدانة أي عملية فدائية فلسطينية وبغض النظر عن طبيعتها وتأثيرها ومكانها، وبالمقابل تهميش الجرائم الصهيونية على اعتبارها ردات فعل فردية أو جماعية على الفعل الثوري الذي يقوم به الفلسطينيون، محملة الفلسطينيين والعرب المسؤولية الرئيسية عن جميع الجرائم المرتكبة بحقنا سواء تلك المرتبطة بالتهجير والاقتلاع من أوطاننا أو بحوادث القتل والتعذيب والتنكيل المستمرة حتى اليوم أو بالعدوان الكامل الجوي والبحري والبري الذي تقوم به دولة الاحتلال بين فينة وأخرى ضد المناطق الفلسطينية عموماً. وأخيراً لا بد من التطرق للمظاهر التطبيعية الاقتصادية العلنية منها والسرية المبنية على اتفاقات التبادل التجاري، أو القائمة على منح شرعية تجارية للاحتلال كافتتاح المكاتب التجارية في بعض الدول العربية، فضلاً عن تشريع التعامل مع داعمي الاحتلال وداعمي الاستيطان وداعمي جرائمهما التجاريين والرسميين.

نحن إذن في خضم مرحلة تطبيعية كاملة، تدعي ظاهرياً ربط الممارسات التطبيعية باستعادة الحقوق المستلبة وفقاً للقرارات الدولية، إلا أنها عملية مرتبطة بالتسابق الرسمي العربي على نيل المشروعية والحماية الدولية لا سيما الأمريكية، والتي لا بد من أن تمر عبر أمن وسلامة وحاجات الاحتلال. الأمر الذي يفسر توالي الخطوات التطبيعية على الرغم من توالي الإجرام والاعتداءات الصهيونية وتوالي عمليات القضم الدائمة والمستمرة للأراضي الفلسطينية والعربية وتجاهل القرارات الدولية والأممية والاتفاقات الثنائية الموقعة سابقاً، ليصبح التطبيع عنواناً رئيسياً لمرحلتنا الراهنة ويصبح التغييب المتعمد للتفكير أو الحديث عن الحقوق المستلبة من مميزات هذه المرحلة.

وهو ما شكل الحافز والدافع الرئيسي للتصدي لهذه المرحلة ومجابهة مثقفيها ومنظريها الرئيسيين، ليتحدى المناضلين والنشطاء السلميون العرب مجموعة من العراقيل والعقبات المحلية التي تحول دون النضال السلمي عربياً، سواء تلك المتعلقة بغياب البنية القانونية والثقافية الرسمية العربية الحاضنة لأشكال النضال السلمي، أو تلك المرتبطة بغياب الدعم المالي والإعلامي والثقافي، خصوصاً إذا أخذنا بعين الاعتبار حجم الدعم الرسمي وغير الرسمي المقدم للتيار التطبيعي والانهزامي السائد عربياً اليوم.

إذن، لا بد من أن نخوض نضالاً شاملاً ضد المسار التطبيعي والانهزامي استناداً لمجمل الحقوق الإنسانية والتاريخية، وبما يخدم التأسيس لبناء مجتمع عربي ودولي واع لهذه الحقوق ومدرك لحجم المظالم الممارسة بحقنا وبحق منطقتنا من قبل الاحتلال والمجتمع الدولي على حد سواء، لا سيما تلك التي تم تشريعها وقوننتها ضمن ما يدعى بالقرارات الأممية. فعلى الرغم من حجم إنجازات ومكتسبات حركة المقاطعة العالمية (BDS) إلا أنها بحاجة ماسة لتضافر جهود ومسارات النضال المختلفة من أجل إحداث تغيير جذري في مرتكزات السياسية الدولية القائمة اليوم على منجزات سياسة الأمر الواقع وعلى تغليب منطق القوة على منطق الحق، بما قد يسمح مستقبلاً في البناء على قاعدة اجتماعية عربية وعالمية مؤمنة ومعترفة بجميع حقوقنا التاريخية والإنسانية، ومدركة بشكل كامل للطبيعة الاستعمارية والاقتلاعية والإجرامية الصهيونية، مما يجعل من القضاء على الحركة الصهيونية مطلباً أولياً لجميع شعوب العالم الحرة، وحاجة رئيسية من أجل تأسيس عالم تسوده قيم العدالة والحرية والمساواة بين جميع مكوناته الإثنية والعقائدية والقومية انطلاقاً من تحقيقها في فلسطين وفي المنطقة العربية.