"عرب آ داب": احتفاء معاصر بالدبكة

2018-02-02 08:00:00

Free Rubens ©, The Arab Hebrew Theatre of Jaffa

يرى ولاء أنّ الحفل الذي أقيم في حيفا مطلع كانون الثاني 2018 هو بداية مهرجان، وخطوة أولى نحو مهرجان سنويّ لعرب آ داب، ويتابع: "لم تأتِ الفكرة لتبديل حفل بوب مارلي، لكنا أردنا أن نصنع شيئًا مرتبطًا فينا، يخصنا كشباب وشابات عرب، بأسلوب مرتبط بالجذور، الدحيّة، الزجل، حلالي يا مالي والدبكة، نجتمع في ظل هذا مجموعة من الموسيقيّين مرة كلّ سنة لخلق مواد موسيقيّة تحكي عن هويّة الشاب الفلسطيني والشابة الفلسطينيّة، في الداخل على الأقل، والسّوريّ في الجولان“.

في يوم من أيام زيارتي إلى فلسطين، خلال كانون الأوّل 2017 وبداية كانون الثاني 2018، كنت أمشي عند ساعات الظهر في حيّ الألمانيّة بحيفا، كان الجوّ يقترب إلى ربيع بعيد، الشّمس رفعت من دراجة حرارة الشتاء، وكما تعلمون وتعلمن، الشمس هي سبب أساسيّ للسعادة.

وأنا أمشي سعيدة تحت الشّمس السعيدة، التقيت صدفة بالصديق الفنان ولاء سبيت، كان يمشي باتجاهي، يضع السماعات في أذنيه ويدندن أغنيّة ما، عندما رآني، لم يقل شيئًا، أخرج سماعة واحدة من أذنه اليُسرى ووضعها في أذني كي أسمع ما يسمعه؛ أغنية من أغاني الدبكة، لم أعرفها ولكني فورًا اندمجت إلى إيقاعها وإيقاع ولاء، ورقصنا قليلًا في الشّارع. قبل أن أواصل مشواري، أخبرني ولاء: "يوم الخميس، 11 كانون الثاني، عنا حفلة كبيرة في حيفا، جاي؟"، أجبته: "طبعا، بكون بعدني هون“.

كانت هذه القصّة، سببًا إضافيّ للسعادة في اليوم المشمس، وبالإضافة إلى ذلك، كان هذا المشهد يعبّر تمامًا عن ولاء سبيت، الفنان الفلسطينيّ ابن قريّة إقرث المهجّرة، المولود في حيفا عام 1986 والمقيم الآن في لندن، والذي دخل إلى عالم الموسيقى من باب القلب؛ هذه القناة الطبيعيّة المبنيّة على إيقاع ممتد من تاريخ المكان، موروثه الثقافيّ الشعبيّ، والذي يقدّمه اليوم بقالب معاصر، يرقص عليه كلّ الأجيال.
 

في الحادي عشر من كانون الثاني، كان موعد الحفلة الذي نظّمتها مجموعة "حركة الدبكي"، والتي تضمّ كل من ولاء سبيت ودي جي برونو كروز، بالتعاون مع مجموعة من الموسيقيّين الفلسطينيّين والسّوريّين من الجولان السّوري المحتل، بعنوان "عرب آ داب" “Arab a Dub”، حيث اختارت المجموعة مكاناً يحمل الاسم "ووندربار" في حيفا القديمة لإجرائها هناك، بدعوة عدد محدود من الناس بسبب عدم إمكانية المكان لأن يتسع لأكثر من حوالي 400 شخص.

نشاطات موسيقيّة كثيرة تحدث في حيفا، وعلى مدار أسبوع في فضاءات ثقافيّة وفنيّة مستقلّة عديدة، من استضافة موسيقيّين/ات وفرقة موسيقيّة وديجيهات، لكن ما يميّز حفلة "عرب آ داب" تحديدًا هو أنها لم تستضف فقط موسيقيّين أو فرق موسيقيّة جاهزة، إنما قامت بعمل تركيبيّ موسيقيّ يجمع موسيقيّين من فرق عديدة لتقديم أغاني الحفلة؛ أغاني من الفرق “47 Soul”  (السبعة وأربعين)، حركة الدبكي، توت أرض وغزل، حيث ضمّت المجموعة كل من الموسيقيّين؛ رامي نخلة وشادي عويدات وعمرو مداح من فرقة "توت أرض" الجولانيّة، عصام الياس من فريق "زنوبيا" وفرقة "غزل"، ولاء سبيت وبرونو كروز من حركة الدبكي و47 Soul وDAM. 

بدأت الحفلة مع دي جي برونو كروز، ومن ثم استمرت مع فريق "زنوبيا"، المكوّن من ناصر حلاحلة وعصام الياس، وهو فريق موسيقى إلكترونيّة مع موسيقى عربيّة من الموروث الشعبيّ لبلاد الشّام ومصر، ومن ثم دي جي ياسمين إيف، ومن ثم اعتلت المنصة مجموعة "عرب آ داب"، حيث قدّمت بداية خليط من 3 أغانٍ؛ "بنت القرية" لتوت أرض، "شامستيب" للأربعة وسبعين و"ع الطريق" لغزل، بالإضافة إلى أغاني من ألبوم الأربعة وسبعين الجديد وغيرها، رافق الموسيقى راقصا دبكة على المنصة، وهما من العيساوية في القدس، ينتميان إلى فرقة "منجل" للدبكة التابعة إلى جمعيّة عُشاق في القدس، بالإضافة إلى فرقة الدبكة بقيادة علي بكري من البعنة، والتي تضم راقصي وراقصات دبكة من البعنة وحيفا ومناطق متنوعة في الجليل. 
 
من الحفلة. تصوير: همت زعبي

في حديث خاصّ لـ "رمّان" مع ولاء سبيت، حول الفكرة من وراء هذا الحفل، قال: "بداية، اسم عرب آ داب خرج إلى الضوء قبل 10 سنوات، وهو من وحي أسلوب موسيقيّ في جمايكا يحمل الاسم rub-a-dub، مشتق من موسيقى الريجي، هذه الليلة بحيفا هي امتدادًا لحفل سنويّ كنا نقيمه في عيد ميلاد بوب مارلي، أقيم أوّل حفل قبل 8 سنوات في حيفا، مع الوقت، تغيّر التوجه، وأردنا أن نخلق شيئًا جديدًا، متعلّق بهويتنا العربيّة، وفي الفترة الأخيرة، أقمنا جولة عروض تحت اسم عرب آ داب، بدأت في فرنسا من ثم لندن ويافا والبعنة والجش وفي حيفا كان المهرجان“.

يرى ولاء أنّ الحفل الذي أقيم في حيفا مطلع كانون الثاني 2018 هو بداية مهرجان، وخطوة أولى نحو مهرجان سنويّ لعرب آ داب، ويتابع: "لم تأتِ الفكرة لتبديل حفل بوب مارلي، لكنا أردنا أن نصنع شيئًا مرتبطًا فينا، يخصنا كشباب وشابات عرب، بأسلوب مرتبط بالجذور، الدحيّة، الزجل، حلالي يا مالي والدبكة، نجتمع في ظل هذا مجموعة من الموسيقيّين مرة كلّ سنة لخلق مواد موسيقيّة تحكي عن هويّة الشاب الفلسطيني والشابة الفلسطينيّة، في الداخل على الأقل، والسّوريّ في الجولان“.

كنت قد وصلت المهرجان برفقة مجموعة أصدقاء ما قبل منتصف الليل بقليل، وهو موعد بداية الحفل، القاعة كانت قد امتلأت تقريبًا بشباب وشابات من مختلف الفئات العمريّة، التقيت بأصدقاء وصديقات لم أرهم/ن منذ فترة، منهم/ن آباء وأمهات نجحوا/ن بالحضور. بالنسبة لي، إنّ أكثر ما ميّز الحفل، ليس مجرد إقامته، بل أمور غيرها، وهي أولاً القدرة على التعاون والخلق الجماعي، وتقديم مواد بإتقان وذات جودة، في الوقت الذي يندر أن نرى فيه تعاونيات فنيّة وثقافيّة، فتأتي مجموعة "عرب آ داب" خاصّة، والمشهد الثقافيّ الفلسطينيّ في حيفا عامّة، ليؤكدوا لنا بأن الأمر غير مستحيل، بل وجميل غالباً. ثانياً، ما يميّز الحفل أيضاً الفكرة التي يرتكز عليها، وهي فكرة أو مقولة تمثّل جيلاً كاملاً اليوم في فلسطين، ولعلها تجسّد صورة عن الفلسطينيّين/ات في الداخل وسيرورة نضالهم/ن على وجه الخصوص، خاصّة الثقافيّ السياسيّ منه؛ هذا الارتباط الفخور بالماضي، التقدير للموروث والأغنية الشعبيّة، الرافض للاستهتار به والتقليل من شأنه، قراءته والإصغاء له من جديد، إخراجه من قوالبه التقليديّة، مع الحفاظ على حضوره في الرّقص على سبيل المثال، وتقديمه بأسلوب يتواصل مع أساليب موسيقيّة حاضرة اليوم، تعمل على ربط هذا الموروث الشعبيّ الخاص بالعالم، من خلال مواد موسيقيّة تحكي قصص الناس والأمكنة، بأصواتهم، بتعبيرهم عن حبّهم لبلادهم وحرصهم الدّائم والمتواصل، على أن لا تختفي الدبكة يومًا ما.