عن تلّ الزعتر وشهداء "الإعلام الصباحي"!

2018-02-26 09:00:00

عن تلّ الزعتر وشهداء
فريق العمل أثناء التصوير في النرويج. من اليمين: مهند صلاحات مخرج الفيلم، فؤاد هندية مدير التصوير، عائد نبعة منتج الفيلم

لكن بلال حسن، المسؤول العسكري لمنظمة الصاعقة في بيروت الشرقية، ورئيس غرفة العمليات المشتركة في تل الزعتر، ومنذُ بداية ظهورهِ في الفيلم، قالها صراحةً: لا شكّ أن هنالك خلاف كان بين فتح والنظام السوري ونحن كنا أداةً تنفيذيةً لدى النظام السوريّ.

يتذكّرُ السوريّونَ ربّما، الذين سبق لهم وأدوا الخدمة الإلزامية أو التطوعيّة في صفوف الجيش السوريّ، تلك الفقرة القصيرة التي كانت تُختتم بها الاجتماعات الصباحية اليومية. تلك الفقرة التي كانت تُسمّى بالإعلام الصباحيّ، يُلقي حاملُها على مسامع العسكريين الواقفين، بضعة أخبارٍ يُكلّف بجمعها من عناوين الصحف ونشرات الأخبار، ويختتم الفقرة بقطعة اسمُها شهيدٌ من بلادي. وتحكي قصّة واحدٍ من شهداء الجيش في معركةٍ ما. وبما أنّ النظام السوريّ لم يخض معارك كبيرة خلال فترة حكمه للبلاد ما بعد حرب أكتوبر 1973، فقد كان أغلب الشهداء المذكورين في الفقرة من الذين قضوا على أرض لبنان.

لم يشرح النظام السوريّ لأيّ منا، كيفية استشهاد هؤلاء. ولم يكن لأحدنا أن يسأل طبعًا. كنا نكتفي بتلك الإجابة التي تختمُ فقرة الشهيد، القائلة: استُشهدَ في معركة تل الزعتر (مثلًا)، دفاعًا عن وحدة لبنان وسلامة أراضيه.

يروي فيلم «تلّ الزعتر – خفايا المعركة» للمخرج الفلسطيني/السويدي، مهند صلاحات، الذي عُرض ضمن سلسلة تحقيقات على قناة الجزيرة، يروي حكاية مخيّم تلّ الزعتر، والمذبحة المروّعة التي راح ضحيّتها عددٌ لم يتمّ حصرهُ تمامًا حتى الآن، قد يتخطّى الثلاثة آلاف شخص. حكايةُ المخيّم، والمقتلة، جاءت في الفيلم على ألسنة أصحابها، من المقاتلين إلى القتلة والشهود والأطباء والمفاوضين.

فالمخيّم، كان واحدًا من مخيمات بيروت الشرقية، التي شكّلت عائقاً أمام تحقيق الفصل بين المنطقة الشرقية المسيحية، والغربية الخاضعة للحركة الوطنية اللبنانية ومنظمة التحرير. ويعتَبرُ الفيلم، أنّ ذلك كان سبب رغبة الجبهة اللبنانية في التخلص منه. ورغم أنّ الأحداث تدور على أبواب بداية الحرب الأهلية اللبنانية، والتي استمرّت خمسة عشر عامًا، إلّا أنّ روايات تاريخية كثيرة، تقول إنّ المتقاتلين كانوا على استعداد دائم للحوار والتفاوض والكلام، وكان بالإمكانِ وأدُ الحربِ قبل بدايتها، طالما أنّ طاولة المفاوضات والحوار، التي هي عادةً منتهى كلّ الحروب، كانت حاضرةً حتى قبل بدء الحرب اللبنانية! الأمرُ الذي أكّدهُ أحد شهود الفيلم، الوزير اللبناني السابق عن حزب الكتائب: سجعان قزّي، الذي قال إنّ الاتصالات بين الفلسطينيين وبشير الجميّل لم تنقطع، وكان أبو حسن سلامة مسؤولاً مباشرًا عنها.

يقولُ الفيلم، إنّ: اتفاق القوى الثلاث جاء متأخراً، فقد دخل الجيش السوري لبنان رسمياً في1 حزيران 1976، تحت عنوان جيش التحرير الفلسطيني، وبحجة حماية المسيحين.

منطقيًا، يصعبُ الدخولُ إلى بلدٍ مجاور لإسرائيل، بجحافل عسكرية، خلال حربٍ أهليّة، دون اتفاقٍ مسبق مع دولة الاحتلال. وقد كان الحصولُ على نسخةٍ من الاتفاق السريّ السوريّ الإسرائيلي، يعتبرُ من بين المستورات التي كشفها الفيلم.

واصلَ مخرجُ الفيلم عملهُ البحثيّ المضني، وانتقل إلى فلسطين. وهناك، استطاع الوصول إلى خيطٍ مهمّ في رواية تلّ الزعتر، وهو الخيط الإسرائيلي، حيث أكّد آيتمار رابينوفيتش، مستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين، والذي كان رئيس الوفد الإسرائيلي المفاوض للنظام السوري عام 1993، أنّ ”القنوات الدبلوماسية السورية الأمريكية أنشئت عام 1974 بعد حرب أكتوبر، عندما لعب هنري كيسنجر دور الوساطة بين إسرائيل وسوريا، لتوقيع اتفاق فك الاشتباك في حزيران 1974، لكن سنة 1976 عندما احتاج حافظ الأسد عقد اتفاق لدخول القوات السورية إلى لبنان، كان سعيداً بإعادة تلك القنوات الدبلوماسية الأمريكية.“

الوثيقة التي حصل عليها مخرجُ الفيلم من الدبلوماسي الإسرائيلي، نصّت على أربعة بنود رئيسية، تقاسم فيها النظام السوري وإسرائيل النفوذ في لبنان كما يلي:

1- يُحظر على القوّاتِ السورية تجاوزَ الخط الأحمر الذي يبعد أربعينَ كيلو متراً عن الحدود الإسرائيلية.

2- يُحظَر على القوات السورية إدخال صواريخ أرض جو إلى لبنان.

3- يُحظر على القوات السورية استخدام سلاح الجو في ضرب أهداف على الأرض اللبنانية.

4- يمنح سلاح الجو الإسرائيلي حرية التصرف في لبنان.

لكنّ اللافت أنّ عبد الحليم خدّام نائب الرئيس السوريّ الأسبق، والذي كان حسب رابينوفيتش مطّلعًا بشكل شخصيّ على بنود الاتفاق، ويعلمُ خفاياه جيّدًا، رفض الحديث إلى مخرجِ الفيلم، حين أخبره أنّ موضوع الفيلم عن تلّ الزعتر. بذريعة أنّهُ لا يتحدّث في الأمور السياسية! وتصلحُ هذه المعلومة للتندّر حقيقةً، حيث يسأل المرء: ما الذي يريدهُ صحفيّ وصانعُ أفلامٍ من شخص مثل عبد الحليم خدّام؟ مقابلة عن آخر أزياء إيلي صعب؟! 

على أيّ حال، نحن أمام دبلوماسيّ إسرائيليّ، لا نعلمُ ما يُظهرُ وما يُبطن، وليس لنا أن نثق بمحتلّ، وإن كان بروفيسورًا ودبلوماسيًا.

لكن بلال حسن، المسؤول العسكري لمنظمة الصاعقة في بيروت الشرقية، ورئيس غرفة العمليات المشتركة في تل الزعتر، ومنذُ بداية ظهورهِ في الفيلم، قالها صراحةً: لا شكّ أن هنالك خلاف كان بين فتح والنظام السوري ونحن كنا أداةً تنفيذيةً لدى النظام السوريّ.

بدأنا الآنَ نعرفُ أين كانَ يموتُ الشهداءُ السوريونَ في لبنان، وكيف.

يقولُها لنا أيضًا، رضوان غنّوم، الرجلُ السوريّ المسنّ الذي ظهرَ في الفيلم، وقال إنّهُ كان عسكريًا مجندًا، وكُلّف بمهمّة قيادةِ فصيلٍ كامل، إلى جهةٍ لا يعلمُ لا هو ولا فصيلهُ مكانها، ليُقال لهم فيما بعد أنهم كُلّفوا بمهمّةِ الدفاعِ عن مخيّمي نهر البارد والبدّاوي شمال لبنان، بهويّات ”قوّات الصّاعقة“.

لكنّ المفارقة أنّ الخيوط التي يُعيدُ الفيلم ترتيبها، تقودُنا إلى أنّ النظام السوريّ لم يرسل جنودهُ لحماية المخيّمات، بل لإشعالِ فتائل الاقتتالِ الذي يسهّلُ لهُ ابتلاعَ لبنان. وقد كان لهُ ذلك.

بعد نهاية معركة تلّ الزعتر، أرسل حافظ الأسد في طلب بلال حسن وزهير محسن إلى دمشق، وطلب منهما إجراء مؤتمرٍ صحفيّ يُبرّئان فيه قوّات النظام السوريّ من الدم الفلسطيني، وقد قاما بذلك في شتورة.

خلاصات كثيرة، وإجابات منطقية قدمها الفيلم في خواتيمه. واحدة من تلك الخلاصات، جملةُ الوزيرِ السابق سجعان قزّي، التي تؤكّدُ أنّ أحدًا لا يندمُ على الدّم.

سوفَ يعلمُ السوريّ إذن، الذي سبق له وأدّى الخدمة الإلزامية أو التطوعيّة في صفوف الجيش السوريّ، أين ذهبَ شهداءُ الإعلامِ الصباحيّ.

ومن المرجّحِ أنهُ باتَ يعلمُ أيضًا، أنّ أحدًا لا يندمُ على الدم.