«القدم»… مسرحية بأقدام فلسطينية

2018-03-29 12:00:00

«القدم»… مسرحية بأقدام فلسطينية

وعند هذه النقطة لا من التوقف قليلا عند دور الجندي الإسرائيلي الذي أداه عمر أحمد، إذ لم ينطق تقريباً بأي كلمة خلال العرض، لكن انفعالاته الكثيرة، وغضب المحتل، الذي حاول تقديمه بضرب المكتب، ورفع قدمه فوقه، وأخذ الكرة من أمام طارق/عدي، ووضع الحواجز/اللاصق الأحمر. جعل حضوره قوياً دون كلام. ربما لو تكلم، غابت قدرته على الإقناع، ولربما دخل في رتابة الخطاب. 

قبل أيام وعلى مسرح "دار النمر" في بيروت، عُرضت مسرحية «القدم» لإسماعيل الخالدي في النسخة الإنكليزية التي قدمت في أميركا.

ضمن مهرجان ”أصوات عربية.. قصص من فلسطين“ شاركت «القدم» بنسخة عربية من إخراج علية وإسماعيل الخالدي، وبمساعدة إخراجية للفنانة ميرا صيداوي. قدم العرض عدي قديسي ولعب دور لاعب كرة القدم الفلسطيني طارق الزقمة، بينما لعب عمر أحمد دور الجندي الإسرائيلي. 

«القدم» تجربة مسرحية فلسطينية جديدة، تتقدم على خشبات المسرح العربي ربما في محاولة لإعادة الاعتبار للمسرح الفلسطيني ووجوده. وبدءاً من بيروت كانت العروض الأولى، بعد ”دار النمر“ زار العرض مخيم برج البراجنة على مسرح ”المركز العربي“، وفي صالة ”الشعب“ بمخيم شاتيلا.

ربما ما أراده العمل المسرحي الجاد في مقولته وموضوعه، أن لا يقدم لاعب كرة القدم الفلسطيني طارق الزقمة الذي استشهد مطلع العام 2006 خلال ذهابه للتدريب في قطاع غزة، لكن يبدو أن كل شباب فلسطين بمختلف مجالاتهم أريد لهم أن يكونوا واحداً في شخص طارق والممثل عدي القديسي، الذي كان يؤدي دوري كفلسطيني ودور أصدقاء كثر عرفناهم في فلسطين، كيف وعمر الذي يقوم بدور الجندي الإسرائيلي، كان يخبط ويلبط، ويرسم الخطوط الحمراء بواسطة لاصق أحمر على أرض المسرح، ليقدم العمل المسرحي سينوغرافيا بذلك، ما يحل بنا يومياً من الاحتلال الإسرائيلي في الداخل والخارج.. 

فبين وقت وآخر خلال 45 دقيقة مدة العرض، كانت تزداد الخطوط الحمراء، وتضيق مساحة طارق/عدي في الأداء والعطاء والصراخ والتمرين.. كل شيء كان يضيق تقريبا باستثناء التصعيد الدرامي الذي جهد قديسي في إيصاله إلى الجمهور، ليظهر الثورة والغضب والانتصار والهزيمة..

ومع ما قدمه قديسي من أداء جميل وصل إلى اللهاث أحياناً خلال أداء التمرينات الرياضية، لإيصال شعوره بشكل أفضل، إلا أنني لا أعرف تماماً إن كان هذا حصل لتعويض عناصر أخرى في العرض غابت، كان لها أن تساعده ربما في الأداء وإيصال شعوره بشكل أفضل، كالإضاءة على سبيل المثال. 

وعند هذه النقطة لا من التوقف قليلا عند دور الجندي الإسرائيلي الذي أداه عمر أحمد، إذ لم ينطق تقريباً بأي كلمة خلال العرض، لكن انفعالاته الكثيرة، وغضب المحتل، الذي حاول تقديمه بضرب المكتب، ورفع قدمه فوقه، وأخذ الكرة من أمام طارق/عدي، ووضع الحواجز/اللاصق الأحمر. جعل حضوره قوياً دون كلام. ربما لو تكلم، غابت قدرته على الإقناع، ولربما دخل في رتابة الخطاب. 

وعلى سيرة الرتابة، لم يدخل النص ولا الأداء لدى عدي/طارق بالرتابة المعهودة في الكلام حول الاحتلال، واغتصابه الأرض، وتضييقه وقتله للفلسطينيين، وربما لعب الكرة في المشاهد الأخيرة فوق الملعب المدمر، كان مهارة إضافية استطاع إيصالها إلينا عدي، ورغم أن عدي مثلنا لم يعش أجواء الحروب على القطاع واجتياحات الضفة مطلع الألفية إلا من خلال شاشات التلفزة والاستماع لمن عايشوا تلك المراحل بأجسادهم في المكانين (الضفة  الغربية وقطاع غزة).

وهنا تحديداً تأتي القيمة المضافة لشعبنا، إذ إن كاتب المسرحية إسماعيل الخالدي من مواليد بيروت 1982، يقدم أعمالاً حول القضية الفلسطينية على المسارح الأميركية، و«القدم» واحدة فقط من بين أعمال كثيرة، لم يكن آخرها ”صبرا تتساقط“ التي قدمت تلك المجزرة التي وقعت في 16 أيلول /ديسمبر 1982، للرأي العام الأميركي، ما يساهم بتعزيز رواية المظلومية الفلسطينية. 

عدي/طارق/نحن، اجتمعنا على خشبة مسرح واحدة، فلسطينية، برسالة فلسطينية واضحة وضوح فلسطين على الخارطة.

ومن الضروري واللافت أن الفنانة الفلسطينية ميرا صيداوي والمخرجة الفلسطينية علية الخالدي، تحملان على عاتقهم إحياء المسرح الفلسطيني وتقديم الحياة الفلسطينية ممسرحة على الخشبة العربية، ويبدو أن مهرجان ”أصوات عربية.. قصص من فلسطين“ الذي عرضت ضمنه مسرحية «القدم» ساهم جدياً في ذلك.

والسيدتان قدمتا أكثر من عمل معاً، آخرها كان ”أيوبة“ الذي يحاكي واقع المرأة الفلسطينية في المخيمات، وحياة مناضل، خذلته الثورة، فخذلها.

انتهت فعاليات مهرجان ”أصوات عربية.. قصص من فلسطين“ قبل أيام في بيروت، وهو مبادرة بعيدة المدى ودائمة التوسع، تهدف لنباء الجسور ما بين الفنانين المسرحيين والجماهير في الدول العربية وفي الشتات العربي حول العالم.

والعروض الأخرى هي ”ساعة الشعور“ لمنى منصور، وإخراج نويل غصيني ومنى ومنصور، ومسرحية ”فدوى والطعام“ للميس إسحاق ويعقوب قادر، من إخراج لميس إسحاق ونويل غصيني. وجميع العروض قدمت بلغتها الأصلية مع ترجمة مصاحبة للغة الإنكليزية.