ينتقل الفيلم بشكل متماسك إلى لحظة الحسم، بعد كثير من الحكايات التي لن تسبب الملل، وتَراهن فجأة اتّحدن كي يقدمن شكلاً حضارياً لفريق الناشئات، وكيف ومع زيارة الأمير علي ابن الحسين، وعينَ أن ثمة وطناً يجمعهن تحت علم واحد... وعلى الرغم من خساراتهن إلا أنهن أوصلن ما يردن إيصاله، أن لا شيء يقف أمام أحلامهن.
«17» هو عنوان الفيلم الوثائقي للمخرجة الأردنية وداد شافاقوج، الذي سيعرض قريبا في مهرجان الفيلم العربي في برلين، بعد جولة على مهرجانات عربية ودولية مثل مهرجان الجونة، قرطاج، سينما المرأة في السويد..
أهمية هذا الفيلم تكمن في التفاصيل، وليس في رغبة فريق الناشئة الأردنيات لكرة القدم الوصول إلى كأس العالم.. فالطريق إلى الكأس أجمل من الفوز فيه، تحديداً في هذا الفيلم الوثائقي، الذي تأخذنا من خلاله شافاقوج للتعرف على ما وراء الشكل النهائي لتشكيل فريق كرة القدم للناشئات في الأردن.
تدرك شافاقوج أن عناصر صناعة فيلم وثائقي، يحتاج إلى خط درامي يكسر جمود السرد، ولديها في هذا الفيلم حكايات عديدة، ضمن فريق حالم ، تفرق بينه الطبقات الاجتماعية ويوحدهم قميص الفريق… فأنت كمتلقٍ ستعي معنى أن تتّبع حكايات متنوعة، مع وجوه مختلفة، تستطيع ببساطة أن تدرك إذا ما كان الوجه الذي يطل عليك لديه ما يرويه وما يتركه من أثر فيك.
ستكون على مقربة من حكاية إحداهن التي تعيش في منطقة فقيرة، في نفس اللحظة من حكاية فتاة لا تتحدث إلا الإنجليزية لأنها ابنة المدارس الخاصة، ومن ناحية أخرى ستلمس معنى أن تكون إحداهن ابنة عشيرة، وكيف لها أن تلجأ إلى عشيرتها إذا قرر مدير الفريق البريطاني أن يستبعدها من التشكيلة النهائية التي ستذهب للمنافسة، لكنه وبصدمة كبيرة يحاول أن يعرف كيف انتصر اسم عشيرتها على قوانين اللعبة.
هذه التفاصيل وغيرها الكثير هي التي صنعت فيلم شافاقوج، التي تعتبر من المخرجات القلائل في صناعة التسجيلي في الأردن، لكن مع هذه التجربة تؤكد أنها ستتفرد في تقديم الشكل الذي يليق بصناعة السينما الوثائقية الحديثة.
يبدأ الفيلم مع مشهد لفتاة تلعب كرة القدم مع أولاد في حي شعبي، لتدخل معها إلى حكايات متشعبة لدى رغبة فتيات تحت سن 17 لتشكيل فريق للمشاركة في تصفیات كأس العالم لكرة قدم في الدورة التي تم تنظيمها في العاصمة الأردنية عمّان.
إضافة إلى متابعتك للتدريبات المكثفة على يد مدرب بريطاني، ثمة ما يحدث في الكواليس، تحديداً قبيل اختيار الفريق الذي سيذهب إلى بريطانيا لاستكمال تدريباته، ستلمس الفروقات الطبقية بين الفريق الواحد، وستلمس نظرة الفتيات الفقيرات تجاه الفتيات الآتيات من عائلات غنيّة، وستدرك السبب وراء قرار إحداهن بخلع الحجاب في بريطانيا وهي ابنة الحي الشعبي، وستسمع حكاية الفتاة المريضة ابنة الحي الشعبي كذلك التي حاول أطباء الفريق أن يؤكدوا أنها لا تصلح للمضي قدماً في التدريبات، ووقوف المدرب الإنجليزي إلى جانبها ضدهم وهنا إشارة إلى التمييز الطبقي فالفتاة المريضة فقيرة أيضاً وتواجدها في الفريق قد يحرم فتاة ابنة عشيرة أو مدللة أن تكون مكانها، لذلك كان من السهل على لجنة الأطباء المتواطئة على ما يبدو أن يرسلوا تقارير تفيد أنها لا تصلح للعب.
كل هذا في جانب ودور الأب، أب كل فتاة تقريباً في جانب آخر، تواجدهم إلى جانب بناتهن، تشجعيهن، فتح حوارات متشعبة معهن، تدرك من الأب طبيعة البيئة التي تتربى فيها الفتاة، في المقابل يختفي آباء لفتيات الأحياء الفقيرة، فهم لا يدركون أهمية هذه الرياضة مقابل تفكيرهم في توفير لقمة العيش، حين طلبت إحداهن نقوداً من والدها كي تركب الباص وقال "معيش" فاضطرت أن تذهب مشياً على الأقدام.. تلك الفتاة هي النموذج للتحدي المفروض عليها، فهي تعتبر هذه الرياضة باب رزق، وليس ترفاً.
ينتقل الفيلم بشكل متماسك إلى لحظة الحسم، بعد كثير من الحكايات التي لن تسبب الملل، وتَراهن فجأة اتّحدن كي يقدمن شكلاً حضارياً لفريق الناشئات، وكيف ومع زيارة الأمير علي ابن الحسين، وعينَ أن ثمة وطناً يجمعهن تحت علم واحد... وعلى الرغم من خساراتهن إلا أنهن أوصلن ما يردن إيصاله، أن لا شيء يقف أمام أحلامهن.
شافاقوج ببساطة قدمت عملاً متماسكاً، من الناحية الجمالية ومن ناحية التطور الدرامي، تحررت مع كاميرتها مع تحرر الكلمات التي خرجت من أفواه بطلاتها دون تفكير، نقلت الأردن من خلالهن، بصور متنوعة وحالات مختلفة، وأكدت كما في كل المحكات أن الوطن إذا طبع اسمه على قميص يجب أن يكن ما يرتديه على قدر المسؤولية، مهما كان الاختلاف في الرأي أو المستوى الاجتماعي أو العرقي والديني.