كما أن خيار البقاء من عدمه بعد انتكاسة الثورة، غير مرتبط بالنضال الثوري، إذ أن إحدى الشخصيات التي تصور معه ندى، يقول لها أنه وعد حبيبته بأنه سيتزوجها في حال سقط حسني مبارك، وشرطه الوحيد كان أن يعيش في مصر؛ لكن بعد الزواج والعيش في مصر، يقرر الخروج من مصر، ويطرح لها مثالًا يخص شكل الحياة الاجتماعية التي وصلت إليه البلد، إذ إن التحرش زاد بعد مضي أعوام على الثورة وما آلت إليه.
لا تبدو مراجعة ما تراكم من أفلام وثائقية وتسجيلية، في الأعوام التي تلت اشتعال الثورات العربية، بالأمر الهيّن. ما وصلت إليه البلدان التي حلمت بالتغيير، أشبه بكابوس. لكن من الممكن اعتبار هذا المخزون السينمائي وإلى جانبه النتاج الفني والأدبي؛ مرآة لتلك الثورات، وتذكيراً متجدداً بأسباب حدوثها، وشاهداً على مراحل مخاضها، وإجهاضها، وكسرها، وربما قتلها.
مصر هي إحدى البلدان العربية التي تعيش كابوس ما بعد الثورة في الوقت الحالي. في الفيلم التسجيلي «نهايات سعيدة» (سيناريو وإنتاج وإخراج: ندى رياض، وأيمن الأمير. إنتاج شركة فلوكة فيلمز، 2016)، والذي يشارك هذا العام في مهرجان الفيلم العربي برلين بدورته التاسعة، نشاهد ملمحاً من ملامح تلك الأحلام التي تطلعت إليها ثورة 25 يناير، وما آلت إليه. إذ إن الفيلم يدور حول الصراع الذي يحدث داخل كل فرد أثناء الثورة؛ هل الخلاص الفردي حق مشروع لمن اختاره؟ أم يجب تحييده خلال الثورة لصالح هدف جمعي؟ وهل علينا لوم من اختار الخلاص الفردي، ومغادرته البلاد؟ أم على الآخرين ممن اختاروا البقاء رغم كل النتائج التي ستودي بها الثورة، تقبّل خيارات من قرروا النجاة بأنفسهم؟
تلك الأسئلة المربكة، ليست سوى إلقاء الضوء على حياة ندى، وحبيبها أيمن ما بين عام 2011، و2013. فبينما يرى أيمن أنه ما عاد هناك جدوى من البقاء في البلد، والخروج والمشاركة في المظاهرات، بالتوازي مع ضيق العيش، وعدم قدرته على تحقيق أحلامه بالسينما، وبالارتباط بندى في مصر، تحاول ندى إقناعه بضرورة البقاء في البلد، فهي لا تستطيع التخلي عن الحلم بالتغيير الذي بدأ بـ 25 يناير 2011. فندى توثق أحداث الثورة بكاميرتها، وتجري مقابلات مع شخصيات من أجيال مختلفة غادرت مصر، وعادت إليها في الثورة، إضافة إلى إجرائها مقابلات مصورة مع والديها المنتمين إلى جيل السبعينيات.
من خلال الأسئلة المطروحة، يسير الفيلم عبر خطين متوازيين؛ الآمال التي عقدت على من قاموا بالثورة، وعلى النتائج المخيبة لتلك الآمال. وما بينهما شخصية ندى، التي تبحث عن أجوبة ربما تدركها، لكن لا ترغب في الاعتراف بها إلا عبر شخصيات/ أصوات أخرى. فأبوها وأمها، الذين تفاءلا بثورة يناير، وشاركا بها، ووزعا السندويشات على المتظاهرين قي تلك الأثناء، يستعيدون ذكريات نضالهم في مرحلة السبعينيات، غير المكتملة، لأن خيارهم كان في ذلك الوقت هو السفر خارج البلاد، لأسباب محبطة، شبيهة بأسباب من غادروا مصر في هذا الوقت. وكان هذا من وجهة نظر ندى، سبباً في فشل جيل والديها بإحداث تغيير في ذلك الوقت، لكن الصراع يتطور ما بين وجهتي النظر، بالتزامن مع تطور الأحداث في مصر إلى الأسوأ، فحين تعود ندى لإجراء مقابلة أخرى مع والديها، تلقي الأم اللوم على جيل ابنتها؛ فوجهة نظرها أن هذا الجيل لا يريد أن يسمع غير صوته، ويعتبر نفسه هو فقط الذكي، والباقي أغبياء. لكن الابنة عندما تذكّر والدتها بأنها هي ووالدها في مرحلة مشابهة غادرا البلد وتركا كل شيء على حاله خلفهم، تعترف الأم بأنهما ربما كانا قد ارتكبا خطأ بذلك.
كما أن خيار البقاء من عدمه بعد انتكاسة الثورة، غير مرتبط بالنضال الثوري، إذ أن إحدى الشخصيات التي تصور معه ندى، يقول لها أنه وعد حبيبته بأنه سيتزوجها في حال سقط حسني مبارك، وشرطه الوحيد كان أن يعيش في مصر؛ لكن بعد الزواج والعيش في مصر، يقرر الخروج من مصر، ويطرح لها مثالًا يخص شكل الحياة الاجتماعية التي وصلت إليه البلد، إذ إن التحرش زاد بعد مضي أعوام على الثورة وما آلت إليه.
الأسئلة المفتوحة في الفيلم عن ماهية الثورة، وعن ما كان يجب فعله، وما كان من الممكن تجنبه؟ لا ينتج عنه أي أجوبة ”جاهزة"، أو مغلقة. يظهر هذا مثلًا عندما تقول ندى: ”فهمت أن يوم ما هتفنا سوا ثورة ثورة حتى النصر، كان كل حد فينا بيفكر بحاجة غير التاني“، تلك العبارة التي كانت أشبه بردة فعل عندما طلب منها شاب كانت قد تعرفت إليه أيام ثورة يناير، بأن ترتدي ”طرحة“، حجاب، لمراعاة الأهالي التي تريد لقاءهم لإجراء مقابلة معهم، واحترام عاداتهم وتقاليدهم. يُظهر هذا الموقف ظهور قضايا اجتماعية، وفكرية، كان لا بدَّ من ”الثورة“ الاصطدام بها، أي أن التغيير لا يقتصر فقط على تغيير أنظمة ديكتاتورية، ونظام سياسي، بل يمتد لما هو اجتماعي.