مخيم اليرموك: ذاكرة لن تزول بزواله

2018-05-01 15:00:00

مخيم اليرموك: ذاكرة لن تزول بزواله
Mustafa al-Hallaj, 1959, Masonite engraving, 32x41.50cm. Courtesy of Samia A.Halaby

إن تذكر هذه الأسماء لا يعني أنه ليس هناك بقية كثيرة تشتتوا في أصقاع الأرض من الفلسطينيين والسوريين، ولعلي هنا أتذكر أن معظم هؤلاء الكتاب كتبهم صدرت عن دور نشر مختلفة وعن دور في مخيم اليرموك، منها "دار الشجرة"، و"دار الكرمل"، و"دار القدس للعلوم" وغيرها.

لعل أسوأ ما يمكن أن يفعله صحافي، توثيق مكان ما قبل تدميره، أو اجتثاثه، أو ما شئتم من تعابير تدل على زوال شيء، ذلك لما يمكن أن يحمل هذا التدمير من أسى حقيقي على ما كان عليه، وتصور ما كان من الممكن لهذا المكان أن يصبح لو كتب له البقاء.

لكن الأسوأ فعلاً أن يحاول هذا الصحافي توثيق مكان ترعرع فيه قبل أن يدمر، وهنا أتحدث عن مخيم اليرموك الذي ولدت وكبرت في شوارعه رغم مساحة المخيم الصغيرة التي لا تتجاوز الكيلومترين جنوب العاصمة السورية دمشق.

هذا المخيم الذي ولد عام 1953، بمساحة صغيرة، وبمنازل تشبه واقع اللاجئين الفلسطينيين آنذاك، كبر بما أنتج على أكثر من صعيد، ربما المعروف هو الواقع الاقتصادي له قبل أن يسقط أول مرة في ديسمبر 2012، وواقعه السياسي والنضالي بالشهداء الكثر الذين عادوا إليه بعد نضال طويل مع الثورة الفلسطينية، ومقبرتي الشهداء، القديمة والجديدة اللتان ضمتا جثامين العديد من قادة الثورة الفلسطينية كأبو جهاد الوزير والدكتور فتحي الشقاقي وأبو العباس وسعد صايل وغيرهم.

أما الواقع الثقافي لهذا المخيم فلم يعيه إلا من عايشه وعاش فيه، وأثر وتأثر بمن فيه من أناس بدأت حياتهم الثقافية في المخيم، ووصلوا ليكونوا أسماء من الأرقام الصعبة في مجالاتهم.

وليس غريباً حين نعرف أن المخيم بمساحته الصغيرة احتوى على أكثر من مركز ثقافي فاعل، بعض تلك المراكز كان يتبع للفصائل الفلسطيني كالمركز الثقافي الفلسطيني للجبهة الديمقراطية بأقسامه المختلفة (المكتبات الثلاث – نادي السينما – منتدى الحوار الديمقراطي) ومركز القدس الثقافي التابع لحركة الجهاد الإسلامي الذي كان ينظم ندوة شهرية وازنة لأحد المفكرين العرب بحضور نخب ثقافية وسياسية من مشارب مختلفة. ولا يمكن إغفال مركز جفرا الشبابي ودوره الرائد في تدريب وتطوير عدد من الشباب الفلسطيني في المخيم أصحاب المواهب الفنية (تمثيل – إخراج – تصوير – كتابة صحافية وإبداعية)، ومركز الخالصة الذي أنشئت فيه مكتبة عز الدين القسام، كذلك كان في المخيم المركز الثقافي العربي التابع لوزارة الثقافة السورية، والذي كانت تجهيزاته وإمكانياته بطبيعة الحال أهم بكثير من باقي المراكز في المخيم.

أيضاً في المخيم كان هناك مراكز تعتبر مستقلة كالمركز الفلسطيني للثقافة والفنون الذي أسسه الفنان الفلسطيني غسان السعدي والذي كان أحد أنشطته مهرجان سنوي يقام خلال شهر رمضان ويستمر لنحو عشرين يوماً، ويقيم معرضاً أو معرضين وأمسيات أدبية وعروض أفلام وحفلات موسيقية ملتزمة، إضافة لدورات مختلفة في مجالات إبداعية عدة.

هذا غيض من فيض، فهناك مراكز أخرى، وعشرات المنتديات الثقافية ولعل أهمها "منتدى غسان كنفاني" الذي ساهم في تأسيسه عدد من الكتاب والمثقفين الفلسطينيين والسوريين.

وحضور هذا المستوى من الحالة الثقافية في المخيم، استدعى بالضرورة حضور كم ونوع من المثقفين فيه، ولعلني أذكر بعضهم في هذه العجالة، إذ أنتبه ها هنا إلى ضرورة العمل على توثيق ذاكرة المخيم على هذا الصعيد بالتفاصيل لما لهذا الحيز الصغير جنوب دمشق، من قيمة كبيرة في ذاكرة الشعب الفلسطيني لو تم الانتباه له فقط.

في المخيم، عاش الناقد الكبير والمعروف يوسف سامي اليوسف، وبيته لمن يعرفه كان محجة لمثقفين من سوريا وفلسطين ومعظم أقطار الوطن العربي، وهنا تحضرني بعض الأسماء على الأقل الشاعر السوري عبد القادر الحصني الذي عاش طويلا في "اليرموك" والشاعر السوري فرج بيرقدار، والكاتب العُماني رئيس تحرير مجلة نزوى سيف الرحبي. ومثله كان الإعلامي والمثقف المعروف داود يعقوب، والدكتور محمود موعد الذي تحول جزء من منزله في شارع حيفا لمقر لاتحاد الفنانين التشكيليين الفلسطينيين.

ومن الأسماء التي تخطر في البال الروائي مطر عبد الرحيم، والروائي عارف الآغا، والشاعر كريم راشد، والشاعر ماهر رجا، والشاعر كمال سحيم، والشاعر غسان زقطان، والقاصة سلوى الرفاعي، والروائية مي جليلي، والروائية نعمة خالد. وهناك أسماء كثيرة خارج نطاق الأدب كالمفكر يوسف سلامة، وأحمد سعيد نجم، والناقد السينمائي المعروف بشار إبراهيم، والمسرحي الشهيد حسان حسان والكاتب المسرحي متولي أبو ناصر وغيرهم.

على صعيد الفن التشكيلي سكن المخيم، وقدم له وأخذ منه، الفنان عماد رشدان، وزكي سلّام وأسرته الفنية، والفنان محمد الوهيبي، وحسن أبو صبيح، وهيسم شملوني، وسمير سلامة، وجمال الأبطح، وجمال أفغاني.

أما إعلاميا وصحافيا فقد قدم المخيم عشرات الإعلاميين الفلسطينيين والذي وصل بعضهم لمراتب مهمة في وسائل إعلامية عربية وعالمية، منهم، معتصم أبو خميس، الوليد يحيى، نبيل السهلي، شريف الشريف، محمد أبو شريفة، محمود نوارة، جواد عقل، معتصم حمادة، ثائر السهلي، علي بدوان، نافذ أبو حسنة، شوقي أبو شعيرة، أوس داود يعقوب ومحمد السهلي. ومعظم من سبق من الأسماء في المجالات المختلفة لهم مساهمات في العديد من الصحف والمجلات الفلسطينية والعربية.

إن تذكر هذه الأسماء لا يعني أنه ليس هناك بقية كثيرة تشتتوا في أصقاع الأرض من الفلسطينيين والسوريين، ولعلي هنا أتذكر أن معظم هؤلاء الكتاب كتبهم صدرت عن دور نشر مختلفة وعن دور في مخيم اليرموك، منها "دار الشجرة"، و"دار الكرمل"، و"دار القدس للعلوم" وغيرها.

هذه عجالة ليست إلا محاولة لتقديم ما كانه مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين الذي مرّ في تاريخه وحتى نزوح معظم أهله من الفلسطينيين والسوريين مئات الأسماء التي وضعت بصمتها في الحراك الثقافي الفلسطيني والعربي.

وربما من نافل القول، إن من الضروري العمل على توثيق حياة مخيم اليرموك في المجالات كافة، من باب توثيق الذاكرة الفلسطينية، منذ أن أسماه الحاج أمين الحسيني بهذا الاسم خلال زيارته له عام 1955، وصولاً إلى يومنا هذا. خاصة وأن قضية اللجوء لن تنتهي بزوال مخيم من المخيمات، ولا القضية الفلسطينية ستحل بزوال هذه المخيمات، وبطبيعة الحال، لن تنتهي قضية اللجوء ولا القضية الفلسطينية إلا بتحرير الأرض وعودة اللاجئين إلى مدنهم وقراهم التي هجروا منها قبل سبعين عاماً في فلسطين المحتلة.