المرأة الأسطوريّة في القصص الكردية القديمة (ترجمة)

2018-06-05 12:00:00

المرأة الأسطوريّة في القصص الكردية القديمة (ترجمة)
Shahmaran, the queen of the serpents. Its story can be traced from the Middle East to India with different variations

في الفصل الأخير من القصص الكرديّة، يمتلئ القارئ دوماً بالحقّ، والخير، والطـّيبة كرموز للطهارة. وفي بعض القصص، فإن هؤلاء الذين سجنوا، ولقوا الأذيّة، والعذاب، وحلـّت بهم المصائب، يرسلهم بطل القصّة إلى الحمّام كي يستحمّوا، ويُعتبر هذا الاستحمام رمزاً للطـّهارة، ليس فقط لإزالة ما علق من أدران بالجـسد، وإنما رمزٌ للنجاح والانتصار والحريّة والسّعادة، إن الاستحمام رمز لبداية حياة جديدة.

ترجمة عن الكردية، من "المرأة الأسطوريّة في القصص الكردية القديمة" للكاتب روهات آلاكوم

المرأة الأسطوريّة والميثيولوجيّة، ليست ببشر أو حيوان، وتـُعرف غالباً كابنة عفريت، حوت، جانّ، أو شبح، إنهن حوريّات. عندما يقصد أولئك الشّجعان بلاد الضياع والضلال، يلتقون بهنّ، فهي موطنهنّ.

كثير من هؤلاء الشجعان يتعرّفون على بناتهم، يعقدون معهنّ الصداقات، ثم يعودون إلى ديارهم. حينما يخطو آدميّ أول خطوة في بلاد الضياع،  تعلم العفاريت والجّان، أن رائحة بني آدم تفوح، لقد انتهك العبيد السّود حرمة أوطانهم، إنهم يتعرّفون على البشر فوراً. ثم يبدأ التحقيق، ويخضع هؤلاء للمساءلة. أحياناً يحدث قتال، صدامات، موت وقتل.

حين يتقدّم شاب لخطبة فتاة، يملي عليه والدها شروطاً مستحيلة، والأرض التي تتحقق فيه تلك الشروط هي تماماً هذه الأرض؛ أرض الضياع، لذا ييمّمون وجوههم شطرها. هناك باعث آخر للتوجّه إلى هذه البلاد، وهو المرض المستعصي على الشفاء، إنهم يتتبّعون أثر تفاحة السّعادة وماء الحياة.

أحياناً تبحث بعض النّساء اللواتي يرغبن بالابتعاد عن أزواجهن عن حججٍ وأسباب مختلفة ليرسلنهم إلى هذه البلاد البعيدة.

إن قصّة "سليمان الزندي" قصّة مهمّة جدّاً في هذا المجال، إذ يُقتل والد سليمان من قِبل أحد العفاريت، ثمّ يقوم سليمان بقتل سبعة من أبنائه وأسر الوالد، يقوم بربطه ورميه في بئر، ثم يغطّيها بصخرة عظيمة، لكن، هذه المرّة تغرم أم سليمان بالعفريت، ولكي يتسنّى لهما اللقاء والاستمتاع دون عناء، تتمارض، وترسل ابنها في طلب الدواء (جـَبـَس العفاريت وحليب الأسُود). وهي مقتنعة تماماً بعدم عودة سليمان من هذه الأماكن لأن العفاريت ستقتله. يذهب الابن في المرّة الأولى إلى بساتين العفريت الأحمر الذي تقع ابنته في حبّ سليمان، وتساعده، تحضر له الجبس الذي طلبته أمه، ثمّ يعود إلى الدار. يقوم الاثنان، أم سليمان والعفريت، بتدبير مكيدة أخرى، إذ تطلب منه الأم هذه المرّة (حليب الأسد في جلده). ينطلق سليمان إلى جبل الأُسود، تساعده ابنة العفريت ثانية، وتطلب منه تسليم رسالة منها إلى أختها " گـُلخان" التي تعيش في جبل الأسود كي تساعده هي الأخرى. ويحقق سليمان مطلب أمه هذه المرّة أيضاً. لكن بسبب غدر أمه وخيانتها تقوم بفقئ عين ابنها وإلقائه في بئر، أخيراً، وبمساعدة بعض عابري السبيل يتمكن سليمان من الخروج، يعود إلى الدار، يقتل أمه وعشيقها، ويحرق جثتيهما، ثمّ يتزوّج من ابنة العفريت الأحمر "هَرْدَمْ خان"، ويتحقّق مرادهما.

ثمّة مفارقة حادّة جدّاً في قصة "سليمان الحيّ". من جهة، الأم الخائنة، القاسية القلب، ومن جهة أخرى، ابنتا العفريت الأحمر " گـُلخان وهَرْدَمْ خان" المعروفتان بطيبتهما، وكنوعين متضادين، بعيدين عن بعض، أصبحت كل من الأم وبنات العفريت رموزاً للخير والشرّ. بوجود هذين النوعين من النساء، خلقت هذه القصّة لدى القارئ نوعاً من المقارنة. حيث تمكنت المرأة الأسطوريّة من التغلـّب على المرأة الإنسانة (بنت حواء) إنها قصّة قويّة من حيث التكنيك.

إن هذه القصّة "سليمان الزندي" التي جمعها "روجر ليسكوت" تشبه إلى حد كبير، ومن نواح عدّة قصّة "ميمون خانم وميرزا مَمود" التي جمعها حاجي جندي. إذ في هذه القصّة تعشق أم ميرزا ممّود عفريتاً باسم "بابـِر"، وهي بعكس ابنها تماماً، لا تفكـّر إلا في الشرّ. إن كلا القصّتين توضحان قسوة قلب الأمّهات اللاتي لا عهد لهنّ. في قصّة "البلبل الشّحرور" يلتقي "ميرزا محمود" ببنات العفاريت الحمر، البيض، والسود. تلك الفتيات تصبحن عوناً له، وتعشقنه، لكن  "ميرزا محمود" لا يمسّهنّ قبل بلوغ مرامه، ويضع سيفه حدّاً فاصلا بينه وبينهن. ولأن فعل السّوء هي سمة الجّان والعفاريت في هذه القصص، فإن بناتهم أضحين رمزا للسّلام، والحب، والخير في وجه هذا الظلم والطغيان. هناك عداوة كبيرة بين البنات والآباء، حتى في قصص الأمراء أيضاً.

في قصّة "صيد الجبل الأسود" يُعشق "ميرزا محمد" من قِبل ابنة العجوز ذات السّبعة رؤوس وكذلك من قبل خطيبة العفريت ذو الرّوح الفولاذيّة، مهما تحاول خطيبة العفريت ذو الرّوح الفولاذيّة ، أن يصبح "ميرزا محمد زوجاً" لهما الاثنتين معاً، إلا أنه لا يرى ذلك مناسباً، ويتزوّج أخيراً بخطيبة العفريت ذو الرّوح الفولاذيّة "گـُلسوم"، ويزوّج ابنة العجوز ذات السبعة رؤوس لأخيه. إن هؤلاء النساء يجعلنَ من عشقهنّ وجهاً جديداً للمعارضة ضد الظلم  والطغيان الذي يمارسه آباؤهنّ في وطنهم.

في الفصل الأخير من القصص الكرديّة، يمتلئ القارئ دوماً بالحقّ، والخير، والطـّيبة كرموز للطهارة. وفي بعض القصص، فإن هؤلاء الذين سجنوا، ولقوا الأذيّة، والعذاب، وحلـّت بهم المصائب، يرسلهم بطل القصّة إلى الحمّام كي يستحمّوا، ويُعتبر هذا الاستحمام رمزاً للطـّهارة، ليس فقط لإزالة ما علق من أدران بالجـسد، وإنما رمزٌ للنجاح والانتصار والحريّة والسّعادة، إن الاستحمام رمز لبداية حياة جديدة.

 

غلاف الكتاب الذي تمت عنه الترجمة