نجلاء الفيتوري: أجسد المرأة المحكومة بالتقاليد والعادات

2018-07-28 16:00:00

 نجلاء الفيتوري: أجسد المرأة المحكومة بالتقاليد والعادات

في لوحتها "عجلات بريئة إلى الأمام"، علامات الترقب والسلام ظاهرة على الوجوه، هنا ترد: هذه اللوحة بالذات فيها فرح وتحقيق الذات المتوهجة بالانطلاق وكسر القيود والتحريض بالتحليق رغم التابوهات والحصار المتوارث المرموز بالقماش، الرده والحولي الليبي الذي ترتديه المرأة يومياً.

نجلاء شوكت الفيتوري فنانة تشكيلية ليبية، تنفرد لوحاتها في وصف هويتنا، الذات الليبية في وجهها الاجتماعي. المرأة هي محور اللوحة. تنفذ أعمالها بتقنيات تجريدية تحفز المتلقي على فك طلاسمها. عضو في اتحاد الرابطة الدولية للفنون التشكيلية (يونيسكو- باريس)، تخرجت في كلية الفنون الجميلة والتطبيقية العام 1991، وتخصصت في الرسم والتصوير، تميزت أعمالها بألوانها الصارخة وكأنها تعمل على إيجاد أو اكتشاف حميمية ما بين المتلقي واللوحة. تقول: أسعى لتلك الحميمية، أن تكون هناك عملية متشابكة بين الفنان والمتلقي الذي يملأ ويسد فراغات اللوحة، هذه المساحة التأويلية مهمة في فهم العمل. إسهام متكافئ بيني وبين المتلقي. تفاعل محرض بزخم الألوان، بات هذا المتلقي يعرف أسلوبي، كل الناس تحب الألوان. أفرح جداً عندما يميز أصدقائي لوحاتي قبل أن يقرأوا توقيعي عليها، أنا أعيد إشعال  أضوائي الملونة وأضيف وأتذكر أن في كل دقيقة ترسم لوحة جديدة في العالم، الرسم دون تأمل هو استعراض صالوني ممل لذا اجتهد في إدهاش المتفرج كان مثقفاً أو بسيطاً مؤمناً بأن ما أفعله سوف ينشر في أرجاء العالم.
 


"طقسي الفني"

المرأة في لوحاتها تتجسد بشكل جديدة كل مرة، وكأن هناك فلسفة خاصة تؤمن بها ضيفتنا، وجوه لوحاتها تتأرجح بين الحزن والقلق والفرح، تضيف: "المرأة في لوحاتي هي المحور بحمولتها المحكومة بالتقاليد، بخيباتها بقلقها، هشاشتها حصارها ومصادرة أحلامها، وعواطفها، باختيارها أو رغماً عنها في ظل الغربة والعزلة (الوضع البشري ككل). أدمجها بين التراث والتجديد، واقعي اليومي لا أستطيع تجاهله في لوحاتي أتفحص الوجوه أكثر مما أتحدث معها. تختمر في مخيلتي انطباعات الملامح يفاجئني الفرق بين ما رأيت وما رسمت، أضعها في شكل فني بسيط أمسح  فجرها الرمادي بألواني الخاصة لأُعيد سعادتها المنسية، تظهر بشكل جديد لأنها شربت من كأس الحرب ووطأة الغربة الداخلية".

تقول التشكيلية نجلاء الفيتوري: قبل مواجهة المساحة البيضاء. أمارس رياضة اليوغا لمدة ساعة يومياً ثم أذهب لمرسمي. الأمر يتطلب هدوءاً واسترخاء، وتركيزاً ذهنياً حتى يخرج مني الإحساس الغامض مع كومة هائلة من الألوان بكل أنواعها، وحيدة لا يقطع أحد عزلتي. مرحلة محمومة، ودون تخطيط مسبق أبدأ بمواجهة الذات (القماش الأبيض) بعد ترتيب وتنظيف المرسم بشكل دقيق، ثم بالتخطيط دفعة واحدة. أحياناً أعجز عن إتمام اللوحة وقد أركنها لأيام وأبدأ بأخرى بنشوة أخرى. أمد جسراً، حالة انفرادية وحدي مع حامل اللوحة لجعل خيالي يعمل وهذا يشعرني بالرضى، وتضيف: "صرت أجد متعة في تقسيم اللوحة أو تفكيكها إلى أجزاء لونية أفكر في تفاصيل كل جزء فيها. أصور خطوات العمل مع كل تغير في الشكل واللون. لمتابعة تطور اللوحة. لا أعرف متى تكون نهاية العمل. أرسم مع موسيقى آتيه من بعيد. أقرأ في مرسمي لأن ذلك يحرض رغبتي في الرسم أكثر".
 


"لوحتي حرة"

البيئة الليبية الاجتماعية حاضرة في لوحاتها كالزي الشعبي والأفراح، حميمية الجلسة الليبية. هل تقدم ضيفتنا بياناً تشكيلياً عن الحياة الليبية؟ كان ردها: الفنان في ليبيا غارق في دائرته الصغيرة يعني (زنقته)، ضحية ما بين الموت المؤقت (النوم)، الانتظار والهروب من الواقع المرير بالسخرية، أو استيراد صرعات الفن من الخارج أي التقليد من غير وعي، رؤية غير معافية بمعنى زيف صالوني، المطلوب هو الحفاظ على هويتنا الأصيلة أولاً، ثانياً حقنا في حرية الحركة، ثالثاً لا يوجد مرجعية تشكيلية. في زمن الحرب، الفن هو خبز الروح لكن الصمت أحياناً لضرورة أمنية. إنه الخوف الذي أصبح يحرك الفنان، التعريف بالذات الليبية مهمة صعبة تشكيلياً، التهديدات طالت الأمكنة الثقافية والدينية، الشعور بالحسرة دمر الحياة الاجتماعية، يصعب علينا تصور أرضنا بدون فن جميل وألوان، أحاول تأريخ أو توثيق ليبيا بطريقتي باللون والخطوط. إرث يبقى من بعدي لأجيال واعدة تريد التغيير، أحاول أن أعمل توليفة موحدة تضم الماضي والحاضر أبطالها نساء قادمات من روح ووجدان الوطن.

أوضحت ضيفتنا: الفنان ملتزم بعمق الرؤيا. بإطلاق صرخات تحذير يتحدى بها البشاعة والخراب والقمامات كلها حتى ”كارثة الربيع العربي“، أرصد ما يدور. التفاصيل تكمن في التقنية والمواد المستخدمة في العمل من قماش أو غيرها حاملة حقائق إنسانية مؤلمة، أن أحافظ على المستوى رغم كثرة الأعمال والتفاصيل. اللعب بطبقات اللون, للون الواحد صفاء لوني كضوء الفجر، لا أستطيع ترجمته في مغاور النفس، رغم الآلام والغصات التي تهب دفعة واحدة، ربما المعنى مختلف لدي الآخرين، أحب التفاصيل الكثيرة ليست بالضرورة تكون مباشرة لكن في النهاية الحلم والجرح والحزن يبدأ صغيراً داخلنا ومع الزمن يتضخم وتزداد تفاصيله. من هذا المجرى تتدفق  ألواني غالباً بأشكال غير مألوفة. تهمني اللوحة الحرة التي تكتشف بعين جديدة دائماً.

في لوحتها "عجلات بريئة إلى الأمام"، علامات الترقب والسلام ظاهرة على الوجوه، هنا ترد: هذه اللوحة بالذات فيها فرح وتحقيق الذات المتوهجة بالانطلاق وكسر القيود والتحريض بالتحليق رغم التابوهات والحصار المتوارث المرموز بالقماش، الرده والحولي الليبي الذي ترتديه المرأة يومياً. هنا تسمعين صوتهن يعلو رغم عشرات الأقمشة الملفوفة حولهن، المرأة طاقة مهدورة في مجتمعنا إلا القليل منهن.
 


تشير ضيفتنا إلى أن الرقيب الداخلي غير العادل لا تنصت إليه، وتضيف: "لا أتخلى عن أسلوبي الخاص بسبب مجتمع مكبوت. الجرأة مطلوبة في أي عمل فني، هي نضال كالشجاعة في المعركة، والرسم معركته الإبهار والدهشة والاستمرارية، لم يحدث مرة أني رسمت لوحة وأنا أعرف كيف سأختمها، أفك القيد من داخلي كي أستمر، تمر بي فترات أشعر معها بالعجز عن الرسم والتعبير لأني أنصت إلى هذا الرقيب بحكم التابوهات المفروضة على المرأة في كل الدول العربية. التدجين يقتل المرأة والرجل لا فرق. لدي رغبة لرسم لوحات كلوحات نساء كليمنت، وإيجون شيلي، هي مغامرة الخطوة التي لم أخطيها بعد".