حين تتعاقد الأمم من الباطن: أسئلة التنوير والنقد في معرض مؤسسة عبد المحسن القطان

2018-08-01 10:00:00

حين تتعاقد الأمم من الباطن: أسئلة التنوير والنقد في معرض مؤسسة عبد المحسن القطان
المصدر: موقع مؤسسة عبد المحسن القطان

يستمر المعرض من 27 حزيران وحتى نهاية أيلول، في المبنى الرمادي الغامق على شكل مكعب، أعلى تلة في ضاحية الطيرة التي تتوسع نحو الريف، وتستمر رسالة المؤسسة في التنوير والمساهمة في تكوين وترسيخ ثقافة نقدية فلسطينية، ذاتية للبنية والمشروع السياسي، كما قال عبر الرحمن شبانة أحد القيمين على المعرض.

عندما يرتبك المشروع السياسي، أو يغيب الضوء قليلاً عن الأفق الوطني، في ظل متغيرات قاهرة، تتراجع السلطة الحاكمة، تتخلى، أو يتم إجبارها على التخلي عن دورها الخدماتي، ويقتصر على التشريع والدفاع إن وجد، لصالح القطاع الخاص، أو بمشاركة ولو محدودة للقطاع الأهلي. في تلك التحولات؛ تتقدم الثقافة، ناقدة، تنويرية، مثيرة للأسئلة، باحثة عن الخيارات بين المتاح والممكن والمأمول والمسموح، تنقد وتكرر النقد، عبر أدواتها الحضارية من فنون وعلوم وسينما ومسرح وغيرها.

على حافة رام الله، على بعد مئات الأمتار من ساحة مانديلا في ضاحية الطيرة، افتتح مبنى مؤسسة عبد المحسن القطان، ليكون أكثر من مجرد مركز ثقافي، بعد كثير من المعيقات، ليكون علامة مرجعية، وقد قالت المؤسسة في بيانها إنها تمضي بمثابرة لافتة في خدمة الثقافة للجميع وتعزيز المناعة الوطنية من خلال مشاريع ومبادرات في الوطن والشتات.
 

تصوير: بهاء نصر . وفا

 

تصوير: بهاء نصر . وفا


في لقاء إعلامي مع عمر القطان؛ نجل المؤسس عبد المحسن القطان، قال إن المركز الجديد أفضل ما يمكن عمله فلسطينياً تحت الاحتلال. ومن الجدير بالذكر أن المركز قد اعتبر المبنى الأول فلسطينياً الذي يتم تسجيله لدى المجلس الفلسطيني الأعلى للبناء الأخضر، وهو من تصميم المهندس الإسباني خوان بيدرو دونييري الشهير من أشبيليا، في 7730 متراً مربعاً. واشتمل على مسرح ومكتبة كبرى وجاليري واستديو للرقص، وإقامة للفنانين، ويدير أبحاثاً ونشاطات ثقافية وفنية، ويركز على العلوم والفنون والدراما. وقد وأشرف على تنفيذ المبنى فريق من 22 مهندساً إسبانياً، بالإضافة لفريق مهندسين فلسطيني.

وبمجرد الإعلان عن افتتاح المركز، شرعت المؤسسة في تنظيم معرض فريد وخلاق، تتميز الأعمال المعروضة فيه بكثير من النقد والابتكار، والبعث على التأمل والحوار، ويؤكد يزيد عناني القيم على المعرض أن هذا المعرض غير مرتبط بالقضية الفلسطينية فقط، بل هو مفتوح على علاقات أخرى في العالم. وقد اختار القيمون عنوان "أمم متعاقدة من الباطن" كعنوان غامض وجريء، مثير للأسئلة، والنقاش والتفاعل الخلاق. وهو كما قال الباحث من جامعة بيرزيت أباهر السقا: ”تفكير خارج الصندوق“ للتعبير عن العلاقات والتعاقدات الجديدة التي تنشأ باطنياً في عقود اجتماعية جديدة بدل العقد الواحد، وكأنها تشكل أمماً داخل الأمة، مثل الخدمات الصحية، الموارد العامة، الخصخصة، التعليم، تشظي الخدمات كنتيجة لتحجيم دور الدولة، وتقليص التزاماتها لصالح القطاع الخاص.
 

تصوير: بهاء نصر . وفا


بلغ عدد الأعمال المشاركة 53 عملاً فنياً؛ ما بين لوحة ومجسم وألبوم وأغنية، لحوالي 60 فناناً معظمهم من فلسطين بكامل أطيافها. هي أعمال مختلفة شكلاً ومضموناً؛ فأول ما يصادف الزائر هو مجسم ضخم يحاكي خاتم السلطة الفلسطينية للفنان مجدي حديد، في إشارة نقدية إلى تعاظم الشكل الرسمي للسلطة بناحيتها الأمنية التي تختم العلاقة بينها وبين الشعب، والسياسية الورقية، في ظل تراجع دورها الخدماتي والتحرري لصالح العمل الرسمي المتوج بالختم وكأنها يذكر بالمثل الشعبي الساخر "هيك مضبطة بدها هيك ختم".

أما "القيمة المعاصرة"؛ فهو عبارة عن تصميم مختلف لعملة فلسطينية ورقية تحمل رموزاً متناقضة، مثل نص إعلان استقلال فلسطين، الذي يجسد طموحاً هاماً لدى الشعب الفلسطيني، ومنزل منيب المصري، المقام على جبل جرزيم، والذي يشبه قصر الملكة البريطانية من حيث المظهر، بينما رجل الأعمال منيب المصري يعتبر دوق مدينة نابلس، وروتشيلد فلسطين، وملك فلسطين غير المتوج بحسب عدد من الصحف العالمية، لما له من أثر في الاقتصاد والاقتصاد السياسي الفلسطيني، وكأن الفنان يثير الأسئلة عن دور رأس المال في المشروع الوطني، واحتمال التأثر والتأثير المتبادل: سلباً أو إيجاباً.

الفنان إياد عيسى؛ يطرح كوفية الشعب والقائد الفلسطيني، يقدمها على شكل ورق تغليف للهدايا، كناية عن تغول رأس المال وتحول الرموز الوطنية إلى سلع استهلاكية، وربما ذلك يشير إلى الإهانات التي توجه إلى كثير من الرموز الوطنية بأجندات حزبية؛ مثل العلم الوطني الذي يغيب أمام الأعلام الفصائلية، والكوفية التي أصبحت صفراء وخضراء، على أبواب المحال التجارية لتباع للأجانب، إضافة إلى عارضات الأزياء اللواتي اتخذن منها ملابس واكسسوارات، وما تحاوله إسرائيل عبر رأس المال من استيعاب وسرقة الرموز الوطنية من خلال تحويلها إلى منتجات استهلاكية مربحة.

الفنانة عواطف رومية، قالت في مقابلة إن ”عملها الذي استلهمته من بوستر تاريخي وطني، باسم ”البرتقال الحزين“، قدمته في المعرض على شكل برتقالة كبيرة مغلفة بأغلفة منتجات استيطانية، نقداً، وإثارة للذاكرة حول المنجزات الوطنية التي كانت عصباً للاقتصاد الفلسطيني قبل الشتات، ويقدمها الاحتلال اليوم إلى العالم مغلفة بأغلفته، ونتاجاً لمستوطناته المقامة على الأرض الفلسطينية، أحياناً بجهود عمال فلسطينيين لا ينالون إلا القليل.

متلازمة رام الله، أيضاً، ألبوم  غنائي جماعي، يناقش الآثار الجانبية للنظام  السياسي  الجديد بعد انهيار أوسلو، تحمل إحدى أغنياته عنوان "بدي مصاري"، ويناقش الغلاء والقروض والارتهان للبنوك.

يستمر المعرض من 27 حزيران وحتى نهاية أيلول، في المبنى الرمادي الغامق على شكل مكعب، أعلى تلة في ضاحية الطيرة التي تتوسع نحو الريف، وتستمر رسالة المؤسسة في التنوير والمساهمة في تكوين وترسيخ ثقافة نقدية فلسطينية، ذاتية للبنية والمشروع السياسي، كما قال عبر الرحمن شبانة أحد القيمين على المعرض.
 

تصوير: عواطف رومية