جوزيف كوديلكا: الجدار/بيروت... في دار النمر للفن والثقافة

2018-08-17 09:00:00

جوزيف كوديلكا: الجدار/بيروت... في دار النمر للفن والثقافة
⁨‎⁨مخيم شعفاط للاجئين المطل على العيسوية، القدس

دار النمر للفن والثقافة، بالتعاون مع وكالة ماغنوم للصور، تقدم "جوزيف كوديلكا: الجدار/بيروت"، معرض يقدم سلسلة موسعة من الصور التي التقطها المصور التشيكي. تضم مجموعة "الجدار" صوراً بانورامية تشكّل مجتمعة نسخة عن جدار الفصل العنصري، صورها كوديلكا خلال رحلاته لفلسطين بين عامي ٢٠٠٨ و٢٠١٢، بينما توثق "بيروت" نهاية الحرب الأهلية اللبنانية ومركز العاصمة المدمّر عام ١٩٩١. يستمر المعرض إلى ٢٢ كانون الأول ٢٠١٨.

جوزيف كوديلكا: المصوّر

ولد المصوّر التشيكي حامل الجنسية الفرنسية جوزيف كوديلكا سنة ١٩٣٨، وهو مقيم حالياً بين باريس وبراغ. عمل كوديلكا كمهندس طيران بعد دراسته في الجامعة التقنية في براغ، وصوّر في تلك الفترة أعمالاً مسرحية ومشاهد يومية من حياة الغجر في تشيكوسلوفاكيا

نالت تغطيته لاجتياح الدبابات الروسية في براغ سنة ١٩٦٨ ميدالية روبرت كابا الذهبية لسنة ١٩٦٩ تحت اسم "مصوّر براغ"، ولم تنشر صوره باسمه الحقيقي إلا بعد وفاة والده وانقضاء ست عشرة سنة. في عام ١٩٧٠، طلب كوديلكا اللجوء إلى إنجلترا وأصبح بلا جنسية، ثم انضم لوكالة ماغنوم للصور سنة ١٩٧١. في ١٩٧٥، خصص متحف الفن الحديث في نيويورك معرضاً لكوديلكا، وهي ذات السنة التي نشر فيها كتابه "غجر" ثم تبعه كتاب "منافي" في ١٩٨٨.

شارك كوديلكا في مشروع داتار عام ١٩٨٦ لتوثيق المساحات الحضرية والريفية في فرنسا. بدأ باستخدام الكاميرا البانورامية وعاد لأول مرة إلى تشيكوسلوفاكيا سنة ١٩٩٠ حيث صوّر أحد أكثر مساحات أوروبا الوسطى دمارا والتي سُميت بالمثلث الأسود. أطلق كوديلكا سنة ١٩٩٩ كتابه "فوضى" والذي جاء نتيجة لشغفه بتأثير الإنسان المعاصر على الفضاء الذي يشغله.

أخرج روبير دِلپير سنة ٢٠٠٦ أول كتاب استعادي لجوزيف كوديلكا، صدر في فرنسا وفي سبع دول أُخرى. نُشر كتاب "اجتياح براغ ٦٨" سنة ٢٠٠٨ في ست عشرة دولة. تمّت سنة ٢٠١١ إعادة تحرير النسخة الأولية (العائدة لعام ١٩٦٨) من كتاب "غجر" وتم في نفس العام تقديم معرض "اجتياح براغ ٦٨" لأول مرة في موسكو.

نال جوزيف كوديلكا عدداً من الجوائز، منها الجائزة الوطنية الكبرى للتصوير الفوتوغرافي في فرنسا (١٩٨٧) وجائزة هنري كارتييه – برسّون (١٩٩١) وجائزة "إنفينيتي" من المركز الدولي للتصوير الفوتوغرافي (٢٠٠٤).

كزافييه بارال: القيّم على المعرض

بعد دراسة الفنون التصويرية، عمل كزافييه بارال كمخرج فني ومصور لعدة مجلات وسافر بشكل كبير حول العالم. أسس سنة ١٩٩٢ استوديو تصميم "أتالانت" الذي أنتج الهويات البصرية لعدة مؤسسات ثقافية. عمل بارال في تلك الأثناء مع عدد من دور النشر إلى أن أسس داره الخاصة التي تحمل اسمه سنة ٢٠٠٢. بارال مهتم بالممارسات الفنية والعلاقات بين الفنون والعلوم، ويرفق الكثير من كتبه بمعارض فنية يقوم عليها بنفسه، ويتابع مسيرته المهنية في السينوغرافيا.

الجدار

خلال نشأته في تشيكوسلوفاكيا، لم يرَ جوزيف كوديلكا أبداً "الجدار" بين أوروبا الشرقية والغربية. كان من المستحيل حينها مجرد الاقتراب من الستار الحديدي. غادر كوديلكا مسقط رأسه سنة ١٩٧٠ ليصور مدينة روما في الغرب. على الرغم من حصوله على تأشيرة خروج لثلاثة شهور، لم يعد إلى بلده إلا بعد عشرين عاماً حين انهار الاتحاد السوفييتي وأعيد فتح الحدود مع الغرب. لقد زال الجدار. بعد عقدين من الزمن، وقف جوزيف كوديلكا أمام جدار آخر. زار كوديلكا الأراضي المحتلة عام ٢٠٠٧ ليصور جدار الفصل العنصري بين الضفة الغربية وفلسطين المحتلة. ذهب برفقة دليله لجانبي الجدار، واختار استعمال تقنيته السابقة في أخذ الصور البانورامية التي كان قد استعملها ضمن مشاريع سابقة عن المساحات الأوروبية المدمرة، وتلك ثيمة نشر حولها عدداً من الكتب. يعتبر كوديلكا صيغة البانوراما متوافقة مع مجال الرؤية البصرية للإنسان وقادرة على إبراز أفقية المساحة، بحيث أصبحت صور الجدار شاهداً على الدمار الحاصل في فلسطين. نتج عن هذا المشروع – الذي تطلب ثماني زيارات إلى فلسطين لإتمامه – سلسلة موسعة من الصور البانورامية مجتمعة بجسم واحد: ألبوم مطويّ على هيئة أكورديون بطول ٢٢ متراً يضم ٣٥ صورة تم توليفها في شريط واحد، بشكل يشبه الجدار. نُشرت هذه الصور الواسعة وشديدة التباين في كتاب يحمل نفس العنوان لتعكس تجربة كوديلكا مع المكان ومشاعره حول تأثير الجدار على المساحة التي يحتلها. يرمز الجدار في هذه الصور لأسلوب محدد للتعامل مع الصراعات المعاصرة وأخذها بعين الاعتبار، والمعنى الرمزي هنا أساسي بقدر القيمة التوثيقية لهذه الصور.

⁨‎⁨وسط بيروت التجاري، لبنان، ١٩٩١


بيروت: رؤية ما لا يُرى

دومينيك إدّة

التُقطت صور وسط بيروت التجاري في خريف ١٩٩١، في إطار بعثة من ستة مصورين مشهورين من دول مختلفة. تلك السنة، أقام كوديلكا مرتين في بيروت: مرة في تشرين الأول وأُخرى في تشرين الثاني. من شروق الشمس إلى غروبها، جال في المدينة كحيوان برّي، مقتنصاً الصور كالفرائس الهاربة، سواءً كان واقفاً، منحنياً، جاثماً على رافعة أو متمدداً على طرف الشارع: عمل كوديلكا في كل ثانية ولساعات. كانت روحه حريصةً على إظهار الخفيّ. كانت الأسئلة التي طرحها موجزة، محددة، عمليّة. تحدث مع الناس بعينيه، بنقرة على الكتف، بترحيب مسموع. لم يفوت كوديلكا فرصة التواصل مع أي أحد، من الجنود وبائعي الماء، إلى الرواد القلائل لمقهى السلام ومقاتلي المليشيات القدامى الذين لم يفارقوا بعض الأماكن. لم يكن لديه أية أحكام أو إجحاف، فاكتسب الثقة بالاحترام، وأعطى بلطفه الخالص بعداً إنسانياً لهذه العلاقات. كان وقته هنا كما في كل مكان آخر – في عمله وحياته – متصلاً بالصمت والتركيز، بلا لهو أو بهرجة. ملتحماً بالآثار غير آبه بالقصص أو الطرائف بل مستجيباً للرؤية. فأصبحت بيروت في صوره غير منتمية لأحد: إنها جرح. هي مكان للجميع دمّر فيه الإنسان أخاه الإنسان. هي ما تبقّى بعد مرور البشر. هي الجسد التائه وقد هشّمه برج حجري لساعة متوقفة في قعر سُلّم القيم. تقدم هذه الصورة نفسها كتمثيل يجسده كوديلكا للبشرية: ذاك الشيء الصغير جداً قبالة بؤس عظيم. إن المجابهة التي يُقارب من خلالها البؤس أو الجمال تنطوي على مناورة غامضة – أو غير مفهومة، على الأقل – تتمثل في تجاوز كل ما لا يحمل قيمة في هذه المواجهة. تبرز القوة الفريدة لصور كوديلكا في خضم هذا السقوط المربك للجدران والأقنعة.

مقارنة بأعماله السابقة، تستهل صور بيروت – إن لم أكن مخطئة – تلك اللحظة التاريخية حيث أصبحت الآثار – لا دمار المساحة فحسب – جزءاً من أعمال كوديلكا، أي بقايا الزمن حيث أصبحت المساحة التي صنعها الإنسان خالية من البشر. على مدى ما يقارب العشرين عاماً (من ١٩٩١ إلى ٢٠١٧) استكشف كوديلكا تباعاً الآثار اليونانية الرومانية في كل دول المتوسط، وكانت النتيجة عملاً مبهراً: حقيقياً وماورائياً، مجرداً وتاريخياً، أقرب ما يكون للغامض لكن بعيداً كل البعد عن الحنين، وبشكل يستشرف ثقل الماضي على الحاضر وعلى المستقبل كما سيبدو. هو تحالف الزمن والجمال الذي يرقى لمقام الموت.

عند النظر إليهما قبالة بعضهما البعض، كيف للمرء ألّا يرى الارتباط المأساوي بين الاثنين؟ الجدار في فلسطين الذي يقطع الحياة عن الحياة، والجدران المنهارة لمدينة بيروت القديمة. يخبر أحدهم حكاية بناء الهدم، بينما يظهر الآخر مصير هدم البناء. يحكي كلاهما عما تفعله الحماقة البشرية حين يغذيها الخوف. في كلا المكانين، يخبر كوديلكا عن كل شيء، بصورة واحدة ودون أي تعليق، لدرجة أن أعماله لا تحمل أي جديد. هنالك الوقت. لا شيء سوى الوقت حيث التاريخ والمكان كانا نقطتا مرجع. من خلال تجنّب السياسة بمعناها العام، يفرض كوديلكا سياسة أُخرى: تلك السياسة التي تجيب على الوعي الشديد بالمسؤولية. إن نظرة كوديلكا الثاقبة تظهر الفرق بين نهاية لا إنسانية ونهاية إنسانية.

أنتجت بعثة المصورين التي قمت بها خلال عام ١٩٩١ (بدعم من مؤسسة الحريري) كتاباً باللغة العربية والفرنسية والإنجليزية من دار سيبريه للنشر وبدعم مشترك من فرانس كوتان. جال معرض من تنظيم روبير ديلبير في المركز الوطني للتصوير الفوتوغرافي سنة ١٩٩٢ في عدة مدن أوروبية. بالإضافة لجوزيف كوديلكا، اشتملت قائمة المشاركين غابرييليه بازيليكو، وروبيرت فرانك، وريموند ديباردون، وفؤاد الخوري ورينيه برّي.

تُقام جولة الإعلاميين يوم الأربعاء ١٢ أيلول ٢٠١٨ الساعة الخامسة مساءً يليها افتتاح المعرض.

للمزيد من المعلومات، يرجى التواصل مع عمر ذوابه | مسؤول الاتصال
[email protected] | +961 81 71 43 49