غدير شافعي: نعمل لكشف النّقاب عن دعاية "الغسيل الوردي" الإسرائيلية

2018-11-20 14:00:00

غدير شافعي: نعمل لكشف النّقاب عن دعاية

إن هدف "كوز" ورسالته تتماشى مع هدف "أصوات" في خلق مجتمع فلسطيني تحرري يحترم ويحتوي الاختلاف والتعددية الجنسية والجندرية، ويناضل ضد كل أشكال القمع والعنف والتمييز، محليًا، إقليميًا وعالميًا، والسينما قادرة على التأثير وتشكيل الوعي والمعرفة المطلوبة لتحقيق ذلك

بمشاركة عربية وعالمية واسعة، اختتمت السبت الماضي مؤسسة "أصوات" فعّاليات مهرجان "كوز" للأفلام الكويرية في دورته الثالثة، في حيفا مع فيلم "ع شفير"، حيث نجح المهرجان في دورته الحالية في استقطاب وعرض أكثر من 12 فيلماً دوليًا عربيًا ومحليًا في أربعة أماكن عرض شملت مسرح خشبة ومساحة والمنجم وسين. عن فعاليات هذه المهرجان وصعوبات التنظيم التي واجهت القائمين عليه ورسائل وأهداف الدورة الثالثة من "كوز"، كان لرمان الحوار التالي مع مديرة مؤسسة "أصوات" غدير شافعي.
 

بداية، هل يمكن الحديث عن "أصوات" والتعريف ببداياتها وتوجهاتها واهتماماتها؟

"أصوات" هي حركة نسويّة من أجل العدالة والحريّات الجنسيّة والجندرية في المجتمع الفلسطينيّ. تعمل من أجل تحقيق العدالة والحريات الفرديّة والجماعية لكافة أفراد المجتمع الفلسطينيّ، وننشط لخلق مجتمع فلسطيني تحرري يحترم ويحتوي الاختلاف والتعددية الجنسية والجندرية، ويناضل ضد كل أشكال القمع، العنف والتمييز، محليًا، إقليميًا وعالميًا.

نعمل من خلال محورين أساسيّين؛ محور الأبحاث وإنتاج المعرفة، والذي يوفر موادّ ومعلومات أصيلة وموثوقة حول المثليّة الجنسيّة والتعدّديّة الجندريّة وخصوصيّتها في المجتمعات العربيّة، كما ويعمل على توثيق ونشر سيرورات، تجارب وأدبيّات وأبحاث عن المثلية. ويعمل المحور الثّاني، المحور التّوعويّ التّربويّ، سويّة مع الناشطين/ات والمهنيين/ات من خلال تفعيل برامج وورشات تدريبيّة حول الهوية الجنسية والجندرية لتوفير المعلومات والأدوات للتعامل الإنسانيّ والمهني لأفراد المجتمع المثليّ كجزءٍ لا يتجزّأ من نسيج المجتمع الفلسطينيّ.

كما وننظم ومنذ 2015 كوز- مهرجان "أصوات" للأفلام الكويرية، والذي نسعى من خلاله، وبواسطة عرض أفلام من السينما الكويرية من ثقافات ونضالات متعددة ومحاورة بعض من مخرجيها والمشاركين فيها، إلى فهم السيرورات والتحديات التي ترافق إنتاج الأفلام الكويرية والهويّات الجنسيّة والجندرية المتعددة، المألوفة وغير المألوفة منها، وعلاقتها بالظواهر الاجتماعيّة والسياسيّة والثقافيّة المحيطة محليًا، إقليميًا ودوليًا. والذي يهدف إلى تعزيز النشاط والإنتاج الثقافي الفلسطيني البديل ليعمل على إنتاج أفلام فلسطينيّة عربية تعرض شخصيّات وقصص مركبة مدوّرة وعميقة.

تحدثتم في بيان الانطلاق بأن الدورة الثالثة الحالية ستشهد نقلة نوعية، بماذا تختلف هذه الدورة عن سابقاتها؟

هذه المرّة الأولى التي يستضيف المهرجان أفلاماً عربية ومحلية، من فلسطين ولبنان والعراق والإمارات المتحدة، إلى جانب الأفلام الأجنبية، من البرازيل وبولندا والولايات المتحدة، تعالج الطرائق التي شكّلت فيها السياسة، العلاج، القانون والدين، خطاباتها حول الجندر والهويات الجنسيّة. فقد حرصنا منذ البداية على استقطاب أفلام عربية لبناء التضامن والتعاون بين النضالات الإقليميّة من أجل إحقاق الحقوق الجنسيّة والجسديّة وجلب فن بديل جديد، تمّت موضعته في الهامش، إلى الصّدارة وحث المخرجين العرب على إخراج أفلام تعالج هذه القضايا. بالإضافة إلى التركيز على الخطاب السياسي ودورنا في مقاومة محاولات دولة الاحتلال والاستعمار في تلميع صورتها من خلال استخدام تسويق ذاتها كدولة ديمقراطية متحررة ومتسامحة تحترم الحقوق الجنسية وتحمي المثليين الفلسطينيين من "تخلف" مجتمعهم.
 


كيف كانت الردود حول الدورتين السابقتين، وهل وجدتم إقبالا وردود إيجابية دفعتكم للاستمرار في إطلاق الدورة الثالثة؟

كان هناك أصداء إيجابية للدورتين السابقتين مما حث مخرجين فلسطينيين على إخراج أفلام تعالج قضايا المثلية والحقوق الجنسية والجنسانية ودفع الإعلام المحلي والعربي للاهتمام بشكل خاص في تغطية المهرجان والاهتمام بخطاب "أصوات". وأضاف العديد من الأصدقاء الجدد ودائرة الداعمين والنشطاء ليس فقط للجمعية ولكن في مجال الحقوق الجنسية والجنسانية وبالتالي تراكم هذه الجهود والنشاطات من مؤسسة "أصوات" ومؤسسات أخرى ينعكس في توسع المهرجان وتنوع الجمهور الحاضر والداعم والعمل على نشر المفاهيم الصحيحة فيما يتعلق بمثل هذه القضايا.

ما هي التحديات التي واجهتكم في تنظيم المهرجان سواء مع سلطات الاحتلال أو مع المجتمع الفلسطيني، وكيف تعاملتم معها؟

التحدي الأساسي في تنظيم مهرجان كوز كان وما زال إيجاد أفلام ناطقة باللغة العربية مبنية على شخصيات عربية تمّكن الجمهور من التواصل معها وتتماشى مع خطاب "أصوات" والتركيز على المجتمع الفلسطيني والعربي، على الرغم من أن هذا التحدي بات أخف من قبل إلا أن هذه الأفلام ما زال عددها محدود بالأخص عند الحديث عن نساء مخرجات عربيات. طبعاً من خلال بناء الشراكات المحلية والعربية تمكننا من الحصول على الأفلام العربية الموجودة ولكن نأمل أن هذه المهرجانات واهتمام الإعلام بإدراج هذه المواضيع سيشجع المخرجين والمخرجات العرب على إنتاج أفلام أكثر تركز على الحقوق الجنسية والجنسانية وبصوت النساء. إضافة إلى ذلك هناك التحدي في أماكن العرض المهيئة فنحن لا نعرض في أماكن إسرائيلية، والمسارح الفلسطينية الرسمية في الداخل تتعرض لهجوم شرس وتضييقات من حكومة الاحتلال وبالتالي فالشراكات والمساحات التي يوفرها حلفاؤنا في حيفا مهمة جدًا على الرغم من أنها ليست جميعها أماكن لعرض الأفلام إلا أن التفافهم حول خطاب "أصوات" وأهمية عملها والتزامهم الحقوقي والوطني يحثهم على التعاون والمساعدة دائما.

يشهد المهرجان هذه السنة مشاركة أوسع وأكثر تنوعاً من العالم العربي، كيف يمكن فهم هذه المشاركة وتوظيفها في تحقيق أهداف المهرجان؟

السينما بالنسبة لنا هي منصة من خلالها يمكن تمرير رسائل عديدة ومختلفة، ورواية القصة التي بإمكانها تكسير صور نمطية وأفكار مسبقة موجودة بالمجتمعات. فالسينما تتحدث لشريحة كبيرة من الناس الذين يتذوقوها أو ببساطة يشاهدون أفلامها (شبيهة بالموسيقى) لكن الإضافة هي إمكانية رواية قصة أو بناء شخصيات يتعاطف معها الجمهور ويعكسها على حياته.

ونرى أن السينما الفلسطينية حتى اليوم (ويمكن العربية إلى حد ما) لم تنجح بتبني خطاب أو إنتاج سينمائي يعالج مواضيع الجندر والجنسانية بعمق وبطريقة "ثورية" إن أردنا التحدث عن تغيير وعن طرح أمور بجرأة. بالعكس، هناك صوت مغيب في أغلب إنتاجنا السينمائي اليوم كصوت المثليات\ين والمتحولات\ين وحتى النساء أحياناً.

وهنا تكمن أهمية تنظيم مهرجان كوز لحث السينمائيين والمخرجين على التطرق لمواضيع كالجنسانية والجندر وتشجيع إنتاجات سينمائية تطرحها.

فاهتمامك للكتابة عن المهرجان ورسالته واهتمام الإعلام المحلي والعربي في تغطية فعاليات المهرجان هي مؤشر للتغيير الذي بدأنا نلحظه في السنوات الأخيرة وهذا بالطبع يعود لفعاليات وجهود العديد من المؤسسات النسوية والشبابية والكويرية في العمل على الهوية الجماعية والحقوق الفردية بما فيها الحقوق الجنسية والجنسانية والتشديد على كل مفهوم الجندر. وجميعنا يعرف قوة الإعلام الإيجابية والسلبية، بالتالي وقوف الإعلام إلى جانبنا والترويج لخطابنا يساهم بالتأكيد في هذا التغيير. بالإضافة لذلك، فمشاهدة المهرجان تزداد سنة بعد سنة، والنقلة النوعية في مضامين وجماليات وتصوير وإخراج ونوعية الأفلام تبث فينا الأمل. وكذلك أننا نتكلم عن جيل شبابي للمخرجين ولكن يبقى السؤال متى سنرى مخرجات فلسطينيات وعربيات يخرجن أفلاماً في هذا المجال بشكل أكبر.
 

طاقم المهرجان


عنصرية الاحتلال دفعته إلى تصدير نفسه للعالم كعصري وحديث يحارب مجتمع فلسطيني متخلف ومعادٍ لحقوق المثليين ومنغلق على مسائل الجنسانية التي تخصه، كيف يعالج المهرجان هذه العنصرية؟

يدين الجانب الدعائيّ لمفهوم "الغسيل الورديّ" الفلسطينيين بأنّهم ليسوا "حضاريّين" بما فيه الكفاية ليفهموا ويحترموا الحقوق "المثليّة"، بالتالي فَهُم يُحرمون من الحصول على موارد وفرص متساوية. بالنسبة إلى الفلسطينيّين "المثليّين"، يحدّ "خروجهم من الخزانة" هُويّاتهم الجنسيّة بالمفهوم الإسرائيلي اليهوديّ للمثلية، حتى عندما لا تنطبق معايير المقياس الضيّق على سياقهم المحلّي.

يستثمر مفهوم "الغسيل الورديّ" كلّ جهوده لإبقاء صورة الرّجعيّة والعنصريّة مطبوعة في الأذهان، لتبرير أشكال الاضطهاد والتمييز ضد الفلسطينيّين، والتشكيك في انتمائهم.

وبخصوص مفهوم "الغسيل الورديّ"، فإنّ "أصوات" تستثمر جهودها في كشف النّقاب عن دعاية "الغسيل الورديّ" والتي تهدف إلى رسم صورة زائفة لإسرائيل كدولة ديمقراطيّة، متحرّرة وداعمة نسبياً لحقوق المثليّين/ات. فالاستخدام الإسرائيلي لإستراتيجيّة "الغسيل الورديّ"، كاستخدامها لاستراتيجيّات أخرى من التّبييض (Whitewashing)، الذي يسعى إلى صرف الأنظار العالميّة عن أنظمة الاحتلال والاستعمار والتّمييز العنصريّ الموجّه ضدّ الفلسطينيّين. وقد تكمن خطورة هذه الاستراتيجيّة بأنها تعمل على ترسيخ صورة عنصريّة وخاطئة عن الفلسطينيين والعرب، من خلال وصفهم بالرّجعيّة والتخلّف وكمَنْ يعانون من رهاب المثليّة.

يقدّم الخطاب المثلي الإسرائيلي النمطي الهوية وأسلوب الحياة المتعلقة "بالمثلية" وحقوقها تبصّراً مثيراً للاهتمام: أن إسرائيل تخشى من أن يتّنظم الفلسطينيّون حول القضايا التي تتقاطع مع الاحتلال، والتّمييز العنصريّ، والاضطهاد المبنيّ على الهويّة الجنسيّة والجندريّة. اليوم، وبوجود حملة مقاطعة فعّالة ومدعومة من قبل حلفاء دوليّين، والإدراك أنّ "الغسيل الورديّ" هو إستراتيجيّة مضلّلة ومتمسّكة بالدّعاية الاستعماريّة التي تبيح ظلم الفلسطينيين، سوف تتمكّن حركاتنا المثليّة والمحلية بإزالة هياكل العنصريّة الإسرائيليّة والاحتلال من الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة. وهذا هو العمل السياسي الذي بجب أن نصبو إليه.

ما هي الرسائل التي يرجو القائمون على المهرجان إرسالها من الدورة الثالثة؟

يسعى المهرجان لترويج التعددية كمبدأ في المجتمع وليس فقط بالقضايا التي تعنى بالجنسانية، ويعمل على خلق مساحة مستقلة لعرض مضامين تعالج الحقوق الجنسية والجنسانية. كما يسلط المهرجان الضوء على أهمية التواصل مع الحيز الأكبر وكسر الحصار الثقافي من خلال التواصل مع عالمنا ومع مخرجين ومنتجين يتحدثون لغتنا، ومع الحلفاء الذين تتقاطع نضالاتهم مع نضالاتنا لنتعلم من تجارب بعضنا البعض ولنشجع الإنتاج الناطق باللغة العربية لنتمكن من التواصل مع جمهورنا ونعمل على تنويعه وتوسيعه، ومن هذا المنطلق تحديداً حرصت "أصوات" على بناء شراكات مع أماكن عرض فلسطينية ومتنوعة وعرض الأفلام هناك.

كما تشدد "أصوات" على أهمية تشجيع النساء الفلسطينيات والعربيات ودورهن في هذا الإنتاج من منظور نسوي ولعكس صوت النساء المغيب في السينما.

إن هدف "كوز" ورسالته تتماشى مع هدف "أصوات" في خلق مجتمع فلسطيني تحرري يحترم ويحتوي الاختلاف والتعددية الجنسية والجندرية، ويناضل ضد كل أشكال القمع والعنف والتمييز، محليًا، إقليميًا وعالميًا، والسينما قادرة على التأثير وتشكيل الوعي والمعرفة المطلوبة لتحقيق ذلك

ما هي الخطوات القادمة والبرامج الجديدة "لأصوات"؟

ستستمر الجمعية بتطوير مشاريعها التوعوية التربوية من خلال التدريبات والورشات وبناء الشراكات المحلية والإقليمية حول الهوية الجنسية والجندرية لتوفير المعلومات والأدوات للتعامل الإنساني والمهني لأفراد المجتمع المثلي كجزءٍ لا يتجزّأ من نسيج المجتمع الفلسطينيّ. بالإضافة إلى الاستمرار في العمل لإنتاج المعرفة لنوفر موادّ ومعلومات أصيلة وموثوقة حول المثليّة الجنسيّة والتعدّديّة الجندريّة وخصوصيّتها في المجتمعات العربيّة، كما وتعمل على توثيق ونشر سيرورات، تجارب وأدبيّات وأبحاث عن المثلية. وبالرغم من الالتفاف الجماهيري حول نشاطات "أصوات" بسبب شراكاتها مع مجموعات نسائية في كل مكان بما فيه ذلك القرى غير المعترف بها ومؤسسات محلية وإقليمية إلا أنها ستحاول الوصول إلى شرائح جديدة لم تسنح لها الفرصة بعد بممارسة مسؤولياتها اتجاهها.

توفر أيضاً "أصوات" مساحة لأي مبادرة وتتفاعل مع احتياجات المجتمع بشكل مستقل وتعمل كداعمة ومدعمة من مجوعات نسائية وفق أجندات اجتماعية اقتصادية سياسية وتصوّر من منظور نسوي.