أحمد مجدي همام: لست مشغولاً بالهروب من الواقع أو الاشتباك معه

2018-11-29 00:00:00

أحمد مجدي همام: لست مشغولاً بالهروب من الواقع أو الاشتباك معه
بعدسة: وسام الدويك

أبداً، لست مشغولاً بالهروب من الواقع أو الاشتباك معه، كل ما في الأمر أنني دوماً أضع نصب عيني أن يكون كل عمل أصدره مختلفاً عن سابقيه، وهذا اللون من كتابة المغامرات الفانتازية محدود نسبياً في المكتبة العربية، كما أن الرواية كانت تلح عليّ لأكتبها، فجلست وكتبت.

من قرأ رواية "عياش" للصحافي والروائي المصري أحمد مجدي همام، ثم تابع الكاتب في روايته الجديدة "الوصفة رقم 7" الصادرة أوائل العام الجارى، سيندهش لأسباب، منها أن الفارق الزمني بينهما ليس كبيرًا لدرجة أن يتحول كاتب "عياش" من كتابة واقعية بها قدر من الذاتية والخبرة الخاصة، إلى كتابة طائرة، جامحة، في "الوصفة رقم 7"، سيندهش أيضًا لقدرة همام على الإقناع في وصفته التي أرسل فيها بطله "مليجي الصغير" إلى رحلة عجيبة في عوالم مُختلقة تمامًا، لم يسمع بها أحد، ووحده همام الذي يعرفها جيدًا.

لهمام أربع روايات: "قاهرى"، "أوجاع ابن آوى"، "عياش"، و"الوصفة رقم 7"، فضلًا عن مجموعة قصصية وحيدة اسمها "الجنتلمان يفضل القضايا الخاسرة" الفائزة بجائزة ساويرس الثقافية للقصة.

 

أنت تكتب رواية مُختلقة تمامًا، خيال جامح، تؤنسن كائنات أو شخصيات أسطورية، وتؤسطر إنسانًا مرسلًا إياه إلى جحيم مقيم.. لماذا أرسلت مليجي الصغير وحيدًا في رحلته؟ وهل كان موت سنورية ضروريًا ليكمل مليجي رحلته وحيدًا أيضًا؟

أثناء كتابة الرواية فكّرت أن أرسل مع مليجي صديقه واسمه ”علي علي“، قلت لنفسي إن ذلك قد يضفي بعض الإثارة على الأمور، ويمنحني فرصة لمناورة القارئ، غير أنني عدلت عن ذلك، فوجود مليجي وحيداً كان كفيل بأن أقوم بعمل "زووم" عليه، عبر الراوي العليم، بحيث يصبح هذا الراوي عليماً لكن بصلاحيات راوي بالضمير الأول (الأنا)، راوٍ بصلاحيات محدودة.

أما عن سنّورية، فالحقيقة إن موتها بالفعل كان ضرورياً، لا لإكمال الرحلة، وإنما لأن عودتها مع مليجي إلى عالمه كانت ستصبح بلا معنى، وستحتاج لتخريجات درامية كثيرة. كما أن موتها أضاف لمسة انتعاشية على مسار السرد.. الذي لو جسّدناه بخط بياني للاحظنا ارتفاعه وتوهّجه عند لحظة موت سنّورية.

يقولون إن الكنز فى الرحلة، أو هو الرحلة.. ماذا تحقق لمليجى الصغير بعد رحلته لأرض اللابوريا؟

مليجي أعاد اكتشاف نفسه، الرحلة عادة في الأدب ترمز لتغيير ما، وفي الأغلب هو تغيير إيجابي، لقد عرف مليجي أن المسألة ليست في التكيّف خيالياً مع واقع كريه، وإنما هي محاولات دؤوبة لتغيير هذا الواقع، أو على أقل تقدير الفرار منه.

ثم إنه اكتسب خبرات تلك الرحلة، وأضافها لرصيده من الخبرات في عالمه العادي. لقد تضاعف مليجي بفضل هذه الرحلة ونضج نفسياً. أو على الأقل بدأ طور النضج.

وبالنسبة لفكرة الوصول.. هل تحب أن تصل لنهاية رحلتك أم تستمر في الطريق؟ أن تصل أم لا تصل؟

الوصول كان مهماً، حتى وإن كان وصولاً غائماً هذيانياَ حلمياً. نحن لا نتحدث عن ملحمة هنا بل عن رواية، فمليجي لم يصل منتصراً مظفراً متوجاً بتاج الإمارة، وإنما وصل أرملاً مهدّماً انتشلته قوات خفر السواحل من الماء قبل أن يغرق. فقد مليجي في الرحلة الكثير، لكنه بالمقابل أيضاً اكتسب الكثير.

كتابة كهذه، هل يمكن أن نقول إنها محاولة للهروب تمامًا من الواقع؟

أبداً، لست مشغولاً بالهروب من الواقع أو الاشتباك معه، كل ما في الأمر أنني دوماً أضع نصب عيني أن يكون كل عمل أصدره مختلفاً عن سابقيه، وهذا اللون من كتابة المغامرات الفانتازية محدود نسبياً في المكتبة العربية، كما أن الرواية كانت تلح عليّ لأكتبها، فجلست وكتبت.
 


أظن أن من المحتمل أن ننظر للرواية على أنها حلم يقظة طويل، بين إغفاءة مليجي وانتباهه مجددًا.. هل أنت، شخصيًا، من أسرى أحلام اليقظة؟

نعم، أنا أشرد كثيراً، وأتخيّل كثيراً. أزعم أن خيالي يتمتع بصحة جيدة تفوق الحالة الصحية لواقعي وواقعنا كلنا. وبظني أن أحلام اليقظة، إن حصلت مع عقلية تتمتع بدرجة ما من الوعي، فبوسع من مر بتلك الأحلام أن يسجّلها ليستخدمها لاحقاً في الكتابة. الأمر بمثابة زيارة سريعة إلى عالم الأحلام بقوانينه العجيبة. فكيف أعود من هناك دون أن أجلب تذكاراً؟

دعنا نتكلم عن الأحلام.. هل يفقد الحلم قيمته، معناه، خصوصيته، وقدرته على تعذيب صاحبه، عندما يصبح حقيقة؟ وهل ترتبط الأحلام بالمستحيل؟ على اعتبار أنهما، مثلًا، وجهان لعملة واحدة؟

لست خبيراً في مسألة الأحلام، ولا أظن أن الأحلام تعذّب أصحابها، أو ربما يحدث ذلك لكنه لم يحدث معي، وبالتالي أرى أن تحوّل الأحلام إلى حقيقة أمر صعب ونادر ويجدر به أن يكون ذو تأثير عاطفي قوي.

لا أظن أن الأحلام مرتبطة بالمستحيل، وفي الواقع أظن أن كلمة "مستحيل" هي وهم ابتكره البشر في عصور مبكرة من مسيرتهم الحضارية، لكن اتضح بالوقت أن أي شيء ”مستحيل“ يحتاج فقط لبعض العلم والتركيز والتفكير الخلاّق. بظني أنه كان من المستحيل تصديق أن هناك بطيخاً مربعاً مثلاً. لكن العلماء، أنبياء هذا الزمان. أوجدوه. يا رجل الآن بوسع المرأة أن تحمل دون الحاجة لرجل، العلم يأخذنا إلى مناطق تفوق أحلامنا وخيالنا، وعموماً العلم، كما الأدب، ينطلق أساساً من فرضيات هي في الواقع "خيال" ثم إن العلم يعمل على تطبيق ذلك الخيال. أما الأدب فيصل للتخيّل أولاً، ويحفر فيه أعمق ثانياً، وينتج منه مادة جمالية ثالثاً.
 


روايتك "عياش" صدرت إثر مشاركتك في ورشة كتابة، فأين تضعها بين رواياتك؟ وكيف تقيم تجربة الورشة؟

عيّاش رواية تكاد تكون أوتوبيوجرافية، أو كما قال دوبرفسكي رواية "تخييل ذاتي"، فهي تنطلق من حقائقي الشخصية ثم تبني عليه خيالاً، كانت تلك محاولة لترسيخ صوتي الكتابي، تلك النبرة التي أكتبها دون تكلّف أو محاولة لتقمّص أصوات أخرى، وكانت محاولة أيضاً للغوص في المسافة الشائكة التي تفصل بين الصحافة والسلطة، هي سيرة متسلّق انتهازي، صياد وفريسة، ضحية وجلاد، هي دورة حياة سريعة ومختزلة يلمع فيها نجم عيّاش ثم يحترق كشهاب سريع الزوال.

كانت تلك تجربتي الأولى في الاقتباس بشكل مباشر ورئيسي من نفسي، وكان ذلك بناء على نصيحة من الصديق جبّور الدويهي، الذي أشرف على ورشة آفاق لكتابة الرواية، والذي تابع معي عبر عام ونصف تطورات الرواية. تجربة الورشة كانت هامة، لها الكثير من الإيجابيات، المشرف (جبور) ومجموعة الكتّاب المشاركين، كلهم عيون محايدة تشرّح النص وهو في مرحلة التكوّن، الإقامة في بيروت أيضاً كانت مهمة، النشر مع دار الساقي بالمثل، تجربة جديدة في سوق مغايرة وكبيرة..

وماذا عن "الجنتلمان يفضّل القضايا الخاسرة"، مجموعتك القصصية الوحيدة؟

كانت تلك تجربة لكتابة تسعة قصص بتسعة أشكال وتقنيات مختلفة، حتى وإن داروا في نفس الأجواء أو أجواء متقاربة. بثثت فيها قدراً من السخرية والروح الضاحكة، لأن الأمر عندما يتعلق بالقضايا الخاسرة، فيجدر بنا أن نتلقى تلك الخسائر ونحن نضحك، وإلا سنموت كمداً، من كثرة الهزائم.
 


تعمل بالصحافة الثقافية.. هل تراها المهنة الأنسب للكاتب؟

الصحافة من أفضل المهن للكاتب من وجهة نظري، إنها بشكل أو بآخر تنتمي لنفس زمرة دم الكتابة، أو هي النسيج الأخ أو القريب (من القرابة لا القرب) للكتابة الأدبية، وأنا بوسعي أن أرصد بعض إيجابيات عمل الأديب بالصحافة، فهي بدايةً تمنح الكاتب بعض الثقة، فمقالك يطبع في مئات الآلاف من النسخ الورقية، ويحظى بقراءة آلاف القرّاء، هذا يُشعر الكاتب بأنه مؤهل لخوض المشوار، ثم إن الكتابة الصحفية، في بعض المواقع كموقع (محرر الديسك) توفّر للكاتب تمريناً يومياً على التنقل بين مستويات اللغة، وتمريناً يومياً على اصطياد الثمين السمين، وإقصاء الهزيل غير المرتبط بمركز الموضوع وعصبه. الكتابة الصحفية تُبقي يد الكاتب دافئة حيوية محتشدة بالدم والحياة وعلى أهبة الاستعداد للقفز في البحر والسباحة لمسافات طويلة.

الكتابة فوق كل ذلك توفّر للكاتب مصدر دخل جيد يعينه على التكفّل بمصروفاته.

أما في شقّها السلبي.. فالصحافة تستهلك الكثير من المجهود والوقت اللذين كان من الممكن توجيههما للكتابة الأدبية، كما أن الصنفان يستهلكان في الأساس من نفس المعين، ومن نفس الروح، فربما يكون ذلك منهكاً وشافطاً لتلك الخامة الدفينة التي تستهلك منها الصحافة أو الأدب. وهناك نصيحة قالها هيمنجواي في "وداعاً للسلاح" عن ضرورة ألا يعمل الكاتب بالصحافة لأكثر من سبع سنوات، وإلا أكلته المهنة.. ربما يجدر بنا تصديق هيمنجواي، لكن بشكل جزئي.

لديك ثلاث روايات ومجموعة قصصية.. ماذا تكتب الآن؟

انتهيت مؤخراً من رواية، عنوانها "وقائع حرب التمنّع"، وهي تنتمي لروايات الديستوبيا، لا زالت في طور المراجعة والتدقيق والحذف والإضافة، والعنوان ليس نهائياً. وأستعد أيضاً لإصدار كتاب يوميات "تقارير إلى سارة"، يضم نصوصًا مسلسلة لي تغطي سنة من حياتي، وأشتغل أيضاً على رواية للأطفال بعنوان "أصغر مؤلّف في العالم".

 

بعدسة: وسام الدويك