إبراهيم نصر الله: الكتابة شكل من أشكال الدفاع عن جوهر الحياة فينا

2019-01-17 17:00:00

إبراهيم نصر الله: الكتابة شكل من أشكال الدفاع عن جوهر الحياة فينا

أما أهمية وجود مشروع للكاتب، فأنت تعرف أنه أمر ضروري لنا ككتّاب، بعضنا يكتفي بأقل من مشروع؛ بعضنا يتجرأ، وينجح، وبعضنا يتجرأ ويخفق، لكن كما تعلم، إذا ما نظرنا إلى العدد الكبير للكتّاب العرب، فإننا سنكتشف أن أصحاب المشاريع قلة في السنوات المائة الفائتة.

في كتابه «كتاب الكتابة.. تلك هي الحياة.. ذاك هو اللون»، الصادر مؤخراً عن "الدار العربية للعلوم" في بيروت، يتحدث الشاعر والروائي الفلسطيني إبراهيم نصر الله (1954)، عن تجربته الكتابية والإنسانية، وأسئلة الكتابة وتحوّلاتها.

"رمّان" تحدثت مع صاحب مشروعي «شرفات» و«الملهاة الفلسطينية»، فكان هذا الحوار لدخول عالم مبدع متعدّد المواهب، أنتج حتى الآن أكثر من أربعين كتاباً بين شعر ورواية وسيرة ودراسة، ناهيك عن عشرات اللوحات الفنية بين تشكيل وتصوير...

إبراهيم نصر الله طفلاً في حضن والده

بداية سألنا نصر الله، لمَ «كتاب الكتابة.. تلك هي الحياة.. ذاك هو اللون» الآن، وما الذي دفع بك إلى كتابة فصول من سيرتك الأدبية في عمر مبكر، هل هنالك خوف من الموت مثلاً؟ فأجابنا: «كتاب الكتابة..» هو أشبه ما يكون بسيرة ثقافية، وهو الوجه الآخر، ربما، لكتابي «السيرة الطائرة: أقل من عدو.. أكثر من صديق». هو كتاب يمكن أن يتابع فيه القارئ مسيرة الكتابة لديّ، هواجسها، وتقاطع هذه الكتابة مع الحياة، كما أنه سيساعد الكثير من الكتّاب الشباب الذين يبحثون عن باب لهم، لعبور عالم الكتابة، لمعرفة كيف تولد الروايات والمجموعات الشعرية، وما وراء هذه الأعمال من بحث وتأمل، وكيف تكون بذرة وتنمو، مروراً بالتحوّلات التي تشهدها لحظة الكتابة، وصولاً إلى انتهاء العمل. بالطبع، كنت أتمنى أن يكون الأمر في عمر مبكر، لكنه يصدر بعد أربعين عاماً من صدور مجموعتي الشعرية الأولى. أما الخوف من الموت، فمسألة أخرى، فنحن نعيش ونموت في اللحظة ذاتها، وما الكتابة إلا شكل من أشكال الدفاع عن جوهر الحياة فينا.

بسؤاله عن مناخات كتابة هذا النص، وكم من الوقت استغرق في كتابته؟ قال لنا": كُتب هذا العمل خلال ثلاثين عاماً، فهو يضم شهادات كتبتها عن أعمالي الروائية وأعمالي الشعرية، ومقالات طويلة، هي تأملات في الكتابة والفن وما عشته من حياة، حتى الآن، ورأيت أن أنشرها لأنني الأعلم بها، وكيف يمكن أن تكون كتاباً في بنائه وتسلسله، يقدم صورة واسعة، داخلية، لخلفيات كتاباتي. وقد استعنت أيضاً ببعض الحوارات النوعية التي أُجريت معي، والتي رأيت أنها تقدم صورة معمّقة لروايات أو مجموعات شعرية لم أكتب تجربتي معها، أو قضايا محددة تشغلني وشغلتني، وكان الحوار كله مكرساً لها.

صاحب «حارس المدينة الضائعة» تطرّق في حديثه مع "رمان الثقافية" إلى كيف ولماذا ومتى يكتب؟ قائلاً: "حين أبدأ الكتابة، أكتب كل يوم، صبحاً، وبعد الظهر، فأنا متفرغ للكتابة منذ اثني عشر عاماً، وحين أبدأ الكتابة لا أسافر، وأواصلها حتى أنتهي من المسودة الأولى، ثم أتركها لشهور، وأعود إليها عدّة مرات، في كتابة ثانية وثالثة، أو رابعة، إلى أن أشعر أنها باتت مُرْضِية لي. لكن فترة الإعداد للروايات بشكل خاص هي الفترات الطويلة، إذ لم يسبق أن كتبت رواية لم أعمل على التحضير لها، أقل من خمس سنوات، وبعضها يطول كثيراً، وثلاثيتي القادمة أحضّر لها منذ عام 1990.
 


شغف الكتابة..

نسأل إبراهيم نصر الله: أين يقع هذا العمل من مشروعه الكتابي الإبداعي بشكل عام؟ ومن ثمّ ما أهمية أن يكون لدى الكاتب مشروع يعمل على تحقيقه؟ فيجيبنا قائلاً: "هذا العمل يمكن أن يُشكل مجموعة من الطرق التي يمكن أن يسلكها القارئ أو الباحث، أو طلاب الكتابة الإبداعية، للدخول إلى تجربتي الروائية وتجربتي الشعرية، وظلالهما الإنسانية المطلّة على تفاصيل حياتي، وهو بذلك جزء من الكتب الأخرى التي نشرتها، وتحيط بالتجربة، مثل «السيرة الطائرة» الذي أشرت إليه، و«هزائم المنتصرين.. السينما بين حرية الإبداع ومنطق السوق»، و«صور الوجود.. السينما تتأمل»، هذه الكتب الأربعة تشكل، في ظني، جزءاً من سيرتي الثقافية.

أما أهمية وجود مشروع للكاتب، فأنت تعرف أنه أمر ضروري لنا ككتّاب، بعضنا يكتفي بأقل من مشروع؛ بعضنا يتجرأ، وينجح، وبعضنا يتجرأ ويخفق، لكن كما تعلم، إذا ما نظرنا إلى العدد الكبير للكتّاب العرب، فإننا سنكتشف أن أصحاب المشاريع قلة في السنوات المائة الفائتة.

يستكمل صاحب «قناديل ملك الجليل» حديثه عن الأشياء التي تواصل منحه على المستوى الشخصي الشغف لمواصلة الكتابة؟ فيقول: الحياة نفسها، فلسطين، الحب، الإصرار على ألا أكون متفرّجاً وأنا أرى كل ما يعصف بهذا العالم من قسوة وموت وانتهاك لكرامة البشر وحريتهم، ثم متعة الكتابة نفسها؛ أن تبتكر أشكالاً جديدة، وتجرّب، وأن تتنقل ما بين الماضي والحاضر والمستقبل، أن تزورهما، وأن تعيشهما، فالكتابة تمنحنا القدرة على أن نعيش أكثر من حياة، ونعرف أُناساً أكثر مما نعرف، ونزور أماكن في أزمنة من الصعب أن نزورها فعلياً، ومن المهم أيضاً أن نقارع هؤلاء الطغاة الصغار، والكبار، وأن نقول لهم إننا لا نستطيع أن نصمت، لأننا لا نستطيع أن نموت. وإذا كنا قراء جيدين لكتب رائعة فإن هذا سيتضاعف، فكل قراءة جيدة هي حياة جديدة أيضاً.
 


قوة الرؤيا والاستشراف..

كتاب إبراهيم نصر الله، الفائز بالجائزة العالمية للرواية العربية البوكر لعام 2018 عن روايته «حرب الكلب الثانية»، يقع في 318 صفحة من القطع المتوسط، ويضم بين دفتيه شهادات حول معايشة الشعر والرواية، كُتِبتْ على امتداد ثلاثين سنة، ونشرت في مجلات وصحف، أو قُدّمت في مؤتمرات.

بقدر ما يتناول صاحب «زمن الخيول البيضاء» جوهر الكتابة وتحوّلاتها في هذه النصوص الإبداعية، يتناول الحياة التي عاشها وتركت أثرها فيه وفي كتابته، وكذلك المؤثرات الثقافية التي ساهمت في بناء أعماله الشعرية والروائية.

تضيء هذه الشهادات زوايا كثيرة متعلّقة بهواجس التجربة الأدبية وتحوّلاتها، وإلى ذلك أسئلة الكتابة نفسها وتقنياتها، شعراً ورواية، وحكايات كثير من النصوص، كيف ولدت، وكيف تطورت، إلى أن أُنجزت، وعلاقة الفنون البصرية بالأدب، والعلاقة الحميمة بالسينما، كما تتناول جانباً من التجربة الحياتية المتقاطعة مع الأدب، وبخاصة خلال سنوات التكوين الأولى، وبدايات الشتات الفلسطيني وآثاره المستمرّة.

كتب مقدمة «كتاب الكتابة.. تلك هي الحياة.. ذاك هو اللون»، الناقد الأردني الدكتور محمد عبد القادر، والتي عنونها بـ "من مغامرة جبل... إلى قمة كليمنجارو: ملامح لسيرة شخصية- إبداعية لإبراهيم نصر الله"، ومما جاء فيها قوله: "يحار مَن يكتب شيئاً من سيرة إبداعية لكاتب مثل إبراهيم نصر الله في الجزم ما إذا كانت مهمته يسيرة أم شاقة، فهي يسيرة بحكم اتساع مجال الإبداع الذي أنتجه إبراهيم، وهي شاقة في ذات الوقت وربما للسبب عينه، إذ يتعيّن على من يأخذ على عاتقه مهمة كهذه أن ينتقي وأن يستبعد، وفي هذا إجحاف واضح. أياً كان الوضع، فهذه محاولة لدخول عالم متعدّد لمبدع أنتج حتى اليوم ما يربو على أربعين كتاباً بين شعر ورواية ودراسة، ناهيك عن عشرات اللوحات الفنية بين تشكيل وتصوير، تضاف إليها عشرات المقابلات الصحفية والشهادات الذاتية الإبداعية. وأوّل ما يلفت النظر لمن يقرأ المسيرة الإبداعية لنصر الله، ذلك التعدّد في المواهب والاهتمامات، علاوة على جرأة واضحة في ارتياد عوالم فنية مختلفة يتهيّب منها الكثيرون.

أما السّمة التي تمثل الميزة الفضلى لإبراهيم -كما أعتقد- فهي أن إبراهيم على مدى تجربته الفنية كان صاحب مشروع إبداعي، هذا المشروع كان تعبيراً عن قوة الرؤيا والاستشراف، وقوة الإرادة في إدارة الذات المبدعة والمتفاعلة بصورة خلاقة مع الذات والمحيط والعالم".

يخلص د. محمد عبد القادر في تقديمه للكتاب إلى القول: "إنّ البنية الأخلاقية التي تمتّع بها نصر الله على مدى ما يربو على عقود أربعة قد أكسبتُه ثقة جماهيرية واحتراماً واسعاً في الأوساط الأردنية والفلسطينية والعربية الثقافية والشعبية فكان بذلك نموذجاً للمثقّف المبدع الذي أفلت من شباك الإغراءات فظلّ عصياً على الكسر".
 


قال الشاعر.. قال الراوي..

جاء الكتاب إلى جانب مقدمة الدكتور عبد القادر في ستة أقسام، حمل القسم الأول عنوان "سيرة عين"، وهو يحتوي عدداً من النصوص حملت العناوين التالية: "أن تكون فلسطينياً"، "أطياف الوطن.. ظلال المنفى"، "تلك هي الحياة.. ذاك هو اللون"، "أن تنام كل يوم في مدينة وتصحو في مدينة أخرى"، "عن الشعراء والأمهات.. والكومبيوتر!"، "عمّان.. مدينة أحبّها وأحلم بسواها!"، "بحر بعيد.. تحت شباكنا!"، و"قلب الظلام.. صيد البحر والبرّ!".
أمّا القسم الثاني "قال الشاعر" فيضم الشهادات التالية: "امتحانُ البراءة.. تأملات في التجربة الشعرية"، "الشاعر بين زمنين.. الشاعر بين موتين.. وأكثر!"، "كل أسئلة البشرية في هذا الجسد الصغير"، و"إنّها امرأة.. امرأة قبل كلّ شيء".

وجاء القسم الثالث تحت عنوان "قال الراوي"، وفيه من الشهادات والحوارات التي أجريت مع الكاتب: "مخالب الحُمّى: تأملات في التجربة الروائية"، "تجربتي الروائية وعلاقتها بالفنون الأدبية والبصرية"، "حين تلِدُ الرواية نفسها"، و" شيء عن «الملهاة الفلسطينية» الذاكرة الواقعية.. الذاكرة الجمالية"، "زيارة طويلة لزمن مضى"، "الأوطان.. كفنادق، الغرفة الجيدة لمن يدفع أكثر!"، و"في مديح الشكل باعتباره مضموناً".

فيما احتوى القسم الرابع الموسوم بـ "قال الشاعر.. قال الراوي"، على شهادات ونصوص ومقاطع من حوارات مختلفة، عناوينها: "عن المسافة بين اليد والحلم.. بين الشعر والحياة"، "عولمة الذاكرة.. الروائيون آخر جدّات العالم"، و"عن سؤال الكتابة وعن الاسم الذي لا يكتمل"، و"وصايا النفس لنفسها".
اشتمل القسم الخامس وعنوانه "عتمة مضيئة" على شهادتين في تجربة الكاتب مع السينما وعلاقته بها، الأولى بعنوان: "رأيتُها في العتمة وأضعتُها في النور!"، وشهادة ثانية طويلة عنوانها: "السينما كطفولة مختلسة.. السينما كطفولة دائمة".

أمّا القسم الأخير فهو بعنوان "الطغاة لا يستوردون ضحاياهم"، ويضم شهادة إبداعية مختلفة في شكلها، إذ تتكون من 200 مقطع مكثف، حول الكتابة والحرية والحياة، وكانت هذه الشهادة قد نشرت في مجلة "فصول" المصرية مطلع التسعينيات.