سميحة خريس: الرواية الأردنية بخير

2019-03-07 16:00:00

سميحة خريس: الرواية الأردنية بخير

منذ بدأت السرديّة النسويّة في تقديم منجزها على الساحة وهي تحاول إبراز اختلافها، وقد نجحت كاتبات معدودات في هذا، فقدمن مشروعات سرديّة ناضجة لها خصوصيتها وحساسيتها النسويّة، وفشلت كثيرات في تقديم نص جديد من هذه الزاوية، لأن هذا المنهج لديهنّ اختلط بألعاب استعراضية فجة صرفهن عن فهم العالم والكتابة إلا من زاوية ضيقة، كلما انفتحت الأبواب وتعددت المعارف والاهتمامات كلما تمكنت المرأة من تقديم أفضل ما لديها.

في رصيد الكاتبة والروائية الأردنية سميحة خريس العديد من الجوائز والتكريمات، منها: "جائزة كتارا للرواية العربية" في دورتها الثالثة لعام 2017 عن روايتها «فستق العبيد»، و"جائزة الدولة التقديرية في الآداب" عام 2014، و"جائزة الدولة التشجيعية" عام 1997. كما تم اختيارها "الشخصية الثقافية" لمعرض الكتاب الدولي في عمّان، في دورته الثامنة عشرة في نهاية شهر أيلول/ سبتمبر الماضي.

"رمان" التقت صاحبة «دفاتر الطوفان»، ليدور حديثنا معها حول روايتها «فستق العبيد»، التي تتحدث عن العبودية عارضة صورة المآسي والحرمان والعذاب الذي يتعرض له العبيد. كما دار الحديث بيننا عن مجمل مشروعها الأدبي الإبداعي. فكان هذا الحوار..

 

أبدا معك الحديث عن آخر رواياتك «فستق عبيد»، ما الذي أعطاك فكرة كتابتها وقادك إلى موضوعها؟

«فستق عبيد» استمرار لمشروع بدأته في رواية «بابنوس»، ويمكن القول إن الروايتين مترابطتين رغم انفصالهما، وقد جاءت الفكرة وأنا أقرأ وصفاً لسوق العبيد قبل سبعمائة عام في القاهرة. أيقظت هذه القراءة ذكرياتي أثناء دراستي لعلم الاجتماع في السودان، كما كانت أحداث دارفور حاضرة بقوة في المشهد الدولي، بعد القبض على أفراد في منظمة دولية يتاجرون بأطفال دارفور، ولأني قبل كل شيء كنت مشغولة بمسألة الحرية والعبودية وكيف يتمكن الإنسان، الذي يسعى في كل منجزه الحضاري إلى الحرية، كيف يتمكن هو نفسه من استعباد أخيه الانسان؟ تناقض تتعرض له الروايتين متناولة جيلين تعرضا للاستعباد، أحدهما في الزمن الراهن، والآخر في حقبة تاريخية.

لا ريب في وجود مصاعب وتحديات واجهتك أثناء إنجاز العمل، فما هي؟

كانت هناك عقبات تتمثل بأنني أتصدى لكتابة رواية عن مجتمع ليس مجتمعي وثقافة مختلفة نسبياً، رغم أني عشت لسنوات في السودان وتربطني به علاقة دائمة، ولأني لا أكتب الرواية عادة بصورة تقريرية ولكني أحفر عميقاً في التفاصيل والعناصر الصغيرة التي تشكل ثقافة المكان ، كما أبحث في تاريخه وحاضره ومزاجه والايقاع اللغوي الذي يتعامل به، فإن هاتين الروايتين كانتا تحدياً لقدرتي على البحث، وتمثل الخطر الحقيقي في إمكانية فشلي بربط تلك المعارف التي أقرأ عنها بالشكل الروائي الملائم، ولكني أعتقد أني تخطيت هذه العقبات بالبحث الميداني الدقيق، والقراءة الفاحصة، ثم بالدخول بكل عواطفي ووعيي وحواسي إلى الحالة، أي بتمثل الحالة تماماً.

لو نستعيد بعض الذكريات من تجربة بناء ذاتك الأدبية، وأسألك عن المنعطف الذي جعل منك كاتبة؟

بداية منذ الطفولة المبكرة اكتشفت قدرة الكتابة على تفريغ العواطف والبوح بها والتعبير عنها حين كتبت في التاسعة من عمري أول ما ظننته "قصيدة رثاء" لقطي الذي مات، ولكن المنعطف الحقيقي تمثل في العناية بالموهبة خلال سنوات الدراسة من معلمات مقتدرات وعائلة مستنيرة، ولا شك أنني في كل مرحلة من حياتي أدخل إلى منعطف جديد يساعدني على الاستمرار ويرفع جاهزية التحدي لديّ.
 


ما هي تطلعاتك المستقبلية في عالم الكتابة؟

في الماضي اعتقدنا أننا سنغير العالم بالكتابة، ثم اكتشفنا أننا نستقي من العالم بكل أخطائه وحسناته، وكأننا مرآة عنه، ولكني ما زلت أحلم أن نقفز قفزة لا تشبه السائد، قفزة إلى الأمام، أو إلى الأعلى، أن نحلق صانعين من الكتابة حلاً ما أو إضافة ما، وأظن أن هذا حلم الكتابة منذ عرف الحرف، وسيظل كذلك وإلا غابت مشروعيتها.

ما هي أهم المحاور التي تحبين الغمار فيها ضمن كتابتك؟ من ثم وأنت تكتبين هل تُفكرين في القارئ؟

كما بينت أنا أحب الإغراق في التفاصيل رغم أني أروض قلمي ليتوقف عن الإسهاب في الوصف عندما تكتفي الجملة من عرضها، ولكني متغيرة الاهتمامات ما بين رواية وأخرى، في مراحل معينة كنت مولعة باستقصاء التاريخ واستنطاقه لأصل عبر إعادة قراءته إلى تكوين فكرة عن العالم المعاصر وفي محاولة لفهم الدرب الذي يسير عليه قطارنا الزمني، استمتع بالنبش بالتاريخ، وأكتبه على هواى مستفيدة من التخييل مازجة إياه بالحقائق، مغيرة فرضياته أحياناً، كأني أحاول أن أقول كلمة في ما مضى ولم أكن فيه، مثال ذلك روايتيّ «القرمية» و«يحيى».

في مراحل أخرى كنت أهتم بالبحث في الحياة الاجتماعية لبلادنا وأسعى إلى فك العلاقات الملتبسة والمتشابكة وصولاً إلى فهم لماذا نتصرف على هذا النحو، مثال «شجرة الفهود».

كذلك يغريني المكان وأنظر إليه ككائن حي ينمو ويهرم ويتغير، ويتفاعل مع الإنسان مشكلاً مزاجه وذائقته وقائداً لتصرفاته ومؤثراً في الأحداث الجسام التي تمر به، مثال «دفاتر الطوفان» ولديّ روايات تحاول الإجابة على أسئلة وجودية مثل «نحن» وأخرى تبحث في هم النسويّة، كروايتيّ «الصحن» و«خشخاش»، لكن في معظم الروايات ستجد ذلك المزيج من كل العناصر، لأنني أعتقد أني أشكل بالرواية حياة موازية للحياة الحقيقة، حياة تحفل بكل شيء.

وأظن أن في حياة كل كاتب قارئ افتراضيّ يشاركه المتعة أثناء الكتابة، يحكم معه على النص وجاهزيته وأهميته، كما يمثل رقابة داخلية في قلم الكاتب يدل على الطريق وينبه ويقود، وقد يتشاجر مع الكاتب ويختلفا.
 


في الحياة خسارات كثيرة، هل تعوضنا الكتابة بعض خسائرنا؟

لا شك، الكتابة تمنحنا فرصة التحليق وصياغة العالم على ما نحب ونشتهي، بالتالي تعالج أوجاعنا، وتعوض الخسارات، وتدربنا على احتمال قسوة الحياة ونبذها وتقصيرها في منحنا السعادة، وتجعلنا أكثر صلابة في مواجهة ما يحيط بنا من اغتراب حقيقي، كل كاتب مغترب غريب، ووحدها الكتابة وطن.

كيف ترين الجوائز الأدبيّة بصورة عامة، البوكر وغيرها؟ وهل تُعطى على أسس ومقاييس حيادية سليمة؟ وكونك نلت جوائز منها "جائزة كتارا للرواية العربية" عام 2017. أسألك: ماذا تضيف الجوائز للكاتب/ة؟

الجوائز الأدبية تتبع لمؤسسات ولديها لجان تحكيم، وهذه مؤسسات لها قياسها الخاص ومنهجها، كما أن للجان وجهة نظرهم وذائقتهم الخاصة، لا يمكن الاجماع على كتاب، ولا حياد في تلقي النص الإبداعي، لأننا لسنا في مختبر علوم. لهذا نرى الاستهجان من فوز كاتب أو كاتبة لا تتمتع بالسويّة العليا وفق تقديرنا الخاص، المهم في تقديري أن لا تهبط ذائقة اللجان إلى أدب متهافت وتقدمه كأدب عظيم، ولنختلف بعد ذلك على الجيد، كذلك أن لا تكون هناك سلطة للمؤسسة المانحة على اللجنة التي تقرر اسم الفائز/ة، الجوائز كلمة تقدير طيبة ويجب أن يتعامل الكاتب معها على هذا النحو، إنها ليست رافعة لأدبه حتى لو كانت فرصة لانتشار كتابه، بل هي مسؤولية جسيمة يتحملها وهو يعد للنص الجديد، كما يتحملها وهي يحاور قارئه حول نصه الفائز.

كيف تلقيتِ نبأ اختيارك (الشخصية الثقافية) لمعرض عمّان الدولي للكتاب في دورته الثامنة عشرة في أيلول/ سبتمبر الماضي؟

بكثير من التقدير والفرح والامتنان لهذه اللفتة الطيبة إلى منجزي الإبداعي ولمنحي الفرصة بتقديمه تحت رعاية طيبة، خاصة أن هذا التكريم جاء مصاحباً لمعرض عمّان للكتاب الذي يستمر رغم شح الموارد، وإن دل هذا على شيء فإنه عنوان لاستمرارية العطاء الفكري والأدبي في زمن يسود فيه العنف والخراب، يعلو فيه الضجيج وتتشظى النفوس والعقول، ويرتبك المشهد العربي كله، ليظل الكاتب ضمير أمته، يقاوم بالكلمة، ويغير بالحرف، يشارك في صنع الجمال وينحاز للخير والحق، مساهماً في رحلة الذهاب إلى المستقبل.
 


من خلال تجربتك الذاتية ماذا يقدم النقد الأكاديمي، للكاتب/ة؟

النقد الأكاديمي أكثر عمقاً من النقد الانطباعي الرائج في الصحف وعلى مواقع التواصل، ولكن الأخير يساعد على الانتشار ولا يضيء التجربة ولا يثريها ولا يعلم الكاتب شيئاً حول كتابته، بينما الناقد الأكاديمي لا يحظى بالأضواء ولكنه يتمتع بالعمق والجدية اللازمين لإخراج دراسة مفيدة، ويتفاوت النقّاد كما الكتّاب في أهمية دراساتهم، هناك باحثون يمسكون بالخيوط جيداً ويتعرضون لمفاصل مهمة في النص ويمكنهم أن يخلقوا حواراً مهماً، وهناك باحثون تقليديون يقيسون النص الأدبي بالمسطرة ولا يتفاعلون مع عمقه ومواقع الجمال به ولا يدركون غاياته، وقد كانت لي تجربتي مع كل أنواع النقد الذي لا يمكنني إلا أن أكون شاكرة لكل ما طرحه على الأقل الاهتمام والجهد، وأما بخصوص الدراسات الجادة فأقول أني تعلمت منها عن نصي الكثير.

برأيك هل تكتب السردية النسويّة العربية الآن اختلافها؟

منذ بدأت السرديّة النسويّة في تقديم منجزها على الساحة وهي تحاول إبراز اختلافها، وقد نجحت كاتبات معدودات في هذا، فقدمن مشروعات سرديّة ناضجة لها خصوصيتها وحساسيتها النسويّة، وفشلت كثيرات في تقديم نص جديد من هذه الزاوية، لأن هذا المنهج لديهنّ اختلط بألعاب استعراضية فجة صرفهن عن فهم العالم والكتابة إلا من زاوية ضيقة، كلما انفتحت الأبواب وتعددت المعارف والاهتمامات كلما تمكنت المرأة من تقديم أفضل ما لديها.

ما هو تقييمك لواقع الرواية الأردنية في اللحظة الراهنة، ما هو سؤالها الرئيسي؟ وما مكانها في المشهد الأدبي العربي؟

الرواية الأردنية بخير، بمعنى أن رموزها الذين قدموها إلى القارئ العربي ما زالوا نشطين ومعطائين، كما أن جيلاً جديداً يقدم عطاء متميزاً، وقد كانت قبل عقد من الزمان واعية بسؤال المكان والزمان والهوية تعالجها من مختلف الزوايا، الآن حالها كحال الرواية العربية، التبس عليها السؤال والجواب نظراً للأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية المتفجرة التي انهالت فجأة كأنها الطوفان، ولأن الرواية فن التأمل والرصد فإن قدرتها على الاستجابة لهذا الواقع ستأخذ زمنها، ولكن هذا لا يمنع أن هناك كتابة تحاول الاحاطة بالواقع، الرواية الأردنية باتت معروفة في الوطن العربي نسبياً، أعني أن هناك أسماء اخترقت المحلية بفضل دور النشر أو المؤتمرات ولكن حقل الرواية أغنى مما يبدو عليه، إلا أن الفرص ضئيلة أمام رعيل الشباب ليقدموا تجربتهم، وأظن أن هذه مسؤولية الجهات الرسمية المعنية بالثقافة ومسؤولية الكتّاب الذين يتمكنون من التفاعل مع الخارج كي يقدموا زملائهم ويحتفوا بانتاجهم.

ماذا عن عملك الروائي القادم؟

إنه اقتراب حذر من واقع مر، قصة انهيار الطبقة الوسطى في مجتمعنا، انهيار المنظومة الأخلاقية والفكرية، تغول الاقتصاد، تفشي العنف، تفتت القيم، من متابعة حياة عادية لأسرة عادية ترى فيها الابنة العمياء أضعاف ما يرى المبصرون، ألج هذه العوالم نموذجاً عما يحدث من خفايا في مجتمع يبدو سليماً، إنها صرخة احتجاج وليست إدانة، تنبيه وليست شماتة، إنه الحرف الذي يبني ويحيى مقابل الرصاصة التي تهدم وتميت.
 

 

يُشار إلى أن الكاتبة والروائية الأردنية سميحة خريس من مواليد عمّان عام 1956. حصلت على بكالوريوس علم الاجتماع من جامعة القاهرة العام 1978، وبعد أن أنهت تعليمها الجامعي اتجهت للعمل في مجال الصحافة والإعلام؛ مما أعطاها شهرة في الأوساط الصحفية العربية وأكسبها خبرة واسعة في مجال الكتابة الإبداعية.

من أبرز أعمالها الروائية: «الرقص مع الشيطان»، «المد»، «نحن»، «شجرة الفهود»، «يحيى»، «الصحن»، «دفاتر الطوفان»، «بابنوس»، و«فستق عبيد». وبعض هذه الأعمال ترجمت إلى اللغات الإنكليزية والألمانية والإسبانية. كما حُوّل عدد من أعمالها إلى مسلسلات إذاعية أنتجتها مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الأردنية، وحازت جوائزَ في مهرجانات الإذاعة والتلفزيون العربية بالقاهرة. واختيرت قصة قصيرة لها بعنوان «سميرة» في منهج المدارس السويسرية الثانوية. وهي عضو في رابطة الكتاب الأردنيين، ورابطة كتاب وأدباء الإمارات، ونقابة الصحفيين الأردنيين.