"مؤسسة الفيلم الفلسطيني"... مؤسستنا التي عادت للحياة من جديد

2019-05-30 16:00:00

من أنشطة المؤسسة في مهرجان كان ٢٠١٩.

يؤكد يعقوبي: نحن الآن موجودين في مهرجان كان بشكل دوري، وكذلك في مهرجان إدفا، لنغطي مساحة واسعة من فرص الشراكات الإنتاجية الممكنة، وندرس الآن تأسيس ملتقى فلسطيني في مهرجان قرطاج في تونس، لنفتح علاقات شركات واسعة ووثيقة من شمال إفريقيا، وحتى أوروبا.

قبل أكثر من عام، تلقيتُ والعديد من صناع الأفلام الفلسطينيين عبر البريد الإلكتروني دعوة بدت غريبة ومفاجئة، تدعو صُنّاع الأفلام الفلسطينيين حول العالم، بأن يتقدموا بمشاريع أفلامهم التي يعملون عليها في مرحلة التطوير، للتنافس على أن تكون واحدة من عشرة مشاريع، يجري استضافة صُنّاعها، عبر جناح فلسطين الذي يقام لأول مرة في مهرجان كان السينمائي، وليتاح لصُنّاع الأفلام العشرة تقديم مشاريع أفلامهم في سوق الأفلام السينمائية في مهرجان كان، أمام العديد من صناع السينما والمنتجين والشركات والمؤسسات الداعمة للإنتاج الفرنسية منها والعالمية.

كانت تلك الدعوة المفاجئة تحمل توقيع مؤسسة الفيلم الفلسطيني، مكتوبة بخط مشابه لذلك الذي كان مستخدماً في بعض شارات أفلام سينما الثورة الفلسطينية في السبعينيات والثمانينات، قبل أن تتوقف المؤسسة ونفقدها كما فقدنا العديد من الأراشيف ومؤسسات منظمة التحرير، التي وثّقت لواحدة من مراحل حياة الفلسطينيين وربما أغنى تجاربهم النضالية.

لكن من قام بإحياء هذه المؤسسة التي توقفت منتصف الثمانينات؟ وهل هي حقيقية أم مجرد مغامرة؟ من يقف خلفها إذاً؟ وهل هو مشروع لمؤسسة حقيقية فلسطينية أم مجرد مشروع فردي طموح؟ وأسئلة أخرى كثيرة تشاركتها مع أصدقاء يعملون في مجال صناعة الأفلام، لأكتشف أن خلف هذه المغامرة الطموحة، شخصٌ غالباً ما ألجأ إليه في بحثي في تاريخ السينما الفلسطينية، والذي أعتقد أنه من المخرجين والباحثين القليلين المتخصصين الذين غاصوا عميقاً وأنجزوا مشاريع سينمائية توثيقية مهمة، ويعتبر بالنسبة لي أحد المراجع المهمة في سينما الثورة الفلسطينية، صاحب فيلم "خارج الإطار - ثورة حتى النصر"، مهند يعقوبي، ومعه المخرج والمنتج رشيد عبدالحميد، وفريق تحضيري من أربعة أشخاص آخرين، بالإضافة لمهند ورشيد كذلك؛ رنا عناني منسقة الأنشطة، ومساعدتها ديما الشريف، مصمم الجرافيك حمزة أبو عياش، ومسؤول السوشيال ميديا كايسي اسبروث جاكسون. وبدعمٍ من وزارة الثقافة الفلسطينية، استطاعوا تحقيق منجزٍ بافتتاح أول جناح لفلسطين في مهرجان دولي هام مثل مهرجان كان، ويحملان عبء مشروع إحياء مؤسسة الفيلم الفلسطيني، لتكون بداية هيكل لمؤسسة فلسطينية تمثل فلسطين في الفعاليات السينمائية الدولية، لتصبح مؤسسةً شبه حكومية مستقلة، تنتخب إدارتها، وتكون ملتقى لكل صناع السينما الفلسطينيين حول العالم وقاعدة بياناتها، ومرجعهم وجامعهم في شتاتهم. المؤسسة التي يفتقدها صناع الأفلام الفلسطينيين حول العالم، مؤسسة للسينما داعمة وقاعدة جامعة.
 

من أنشطة المؤسسة في مهرجان كان ٢٠١٩.
 

اللقاء الأول في رام الله

التقيت قبل عام مع مهند يعقوبي في رام الله وتحدثنا في لقاءٍ لـ"رمّان الثقافية"، عن الفكرة، كل شيء في ذلك الوقت كان بالنسبة لي مجرد فكرة مغامِرة جاءت عبر البريد الالكتروني لتقول: أصبح لدينا مؤسسة للفيلم الفلسطيني، وستحمل مشاريع أفلام فلسطينية مع صُناعها لمهرجان كان السينمائي الدولي ومهرجانات وأسواق أخرى، وهنالك تحدٍ كبير أمام أصحاب هذه الفكرة الكبيرة في أن ينجحوا بتحويلها لواقعٍ على الأرض، وضمان استمراريتها.

ذات التفاؤل الذي أبداه حينها صناع أفلام، منتجين ومخرجين التقيتهم في رام الله في ذلك الوقت، من بينهم ميّ عودة، واحدة من المنتجين الذين شاركوا بمشروع فيلم «200 متر»، وهو فيلم روائي طويل أول للمخرج أمين نايفة، وكذلك حنّا عطالله، المدير الفني لمؤسسة "فيلم لاب - فلسطين"، المؤسسة المنظمة لمهرجان "أيام سينمائية" الدولي في رام الله، الذي كان أحد المشاركين من خلال "فيلم لاب" في جناح فلسطين في مهرجان كان ذلك العام، والمخرجة والمنتجة، والتي حضرت الجناح كمديرة لدائرة السينما في وزارة الثقافة الفلسطينية، لينا بخاري.

أبدى الجميع حماسةً كبيرة للفكرة، معتبرين أنها بداية مهمة جداً، ليس فقط في مهرجان كان وإنما في أي مهرجان دولي، ليتم فيها لفت الانتباه إلى فلسطين والفيلم الفلسطيني وصناعته، وللرواية الفلسطينية، بشكل عام. وفتح النقاش حول صناعة السينما، وخلق شبكة علاقات، فرص للإنتاج، وشراكات إنتاج ما بين المنتجين العالميين وما بين صناع الأفلام الفلسطينيين المتواجدين في تلك المهرجانات، وكذلك صلة الوصل بينهم وبين المؤسسات الداعمة للفيلم حول العالم.

ذهب جميع من التقيتهم في رام الله إلى مهرجان كان، حققوا غايتهم، وعرضوا مشاريعهم، وتركوا بصمة فلسطينية في الملتقى الدولي الكبير لصناع الأفلام، لكن الأمور لم تتوقف هناك، فقد استمر العمل من قبل الفريق التحضيري العامل على مؤسسة الفيلم الفلسطيني، على ضمان الاستمرارية.

تحقق الإنجاز بفضل تكاتف من أمنوا فيه، سواء منظمين أو داعمين كوزارة الثقافة الفلسطينية وصندوق الثقافة التابع لها، ومن تقدموا بمشاريعهم، وفاز رهان من راهنوا على نجاح الفكرة، لكن هل يكفي هذا؟

اللقاء الثاني بعد عام

أردت في هذه المادة الصحافية أن أتابع سير المؤسسة، وما أنجزته خلال عام من تأسيسها حتى اليوم، وأن أقيّم التجربة، إلى أين وصلت وماذا أنجزت؟ عن الفكرة المُغامِرة التي أصبحت مؤسسة ونظمت للعام الثاني على التوالي، حضور وفد فلسطين في مهرجان كان (إنّما دون جناح)، مع تسعة مشاريع أفلام فلسطينية جديدة، أتيح لصناعها من الفلسطينيين بالداخل والشتات، رغم الصعوبات المستجدة، أن يلتقوا معاً، ويعرضوا مشاريع أفلامهم في السوق العالمية، مشتتين بين الأجنحة الصديقة، في وقت كان للجناح الإسرائيلي المرفه مساحته ذاتها، الجناح الذي يصنع روايته الأخرى عبر السينما ويقدمها للعالم بدعم غير منقطع من مؤسسة السينما الإسرائيلية، لصناع الأفلام الإسرائيليين، صنّاع الرواية المغايرة.

تواصلت مع مهند يعقوبي مرة أخرى هذا العام قبل سفره لمهرجان كان، حدثني عن صعوبات ومستجدات طرأت على المشروع، كما حدثني عن تراجع في الدعم الذي حصلوا عليه من وزارة الثقافة الفلسطينية في العام الماضي، وذلك بسبب أموال الضرائب الفلسطينية التي يحتجزها الاحتلال، وكذلك التغيير الوزاري الأخير.

بالرغم من ذلك تواجد الوفد الفلسطيني، ليس بجناح في مكانه السابق كما العام القادم، بل بامكانيات أقل بكثير، استطاعوا تحقيق الحضور، ولا يزال القائمون على المؤسسة يسعون لترخيصها بشكل رسمي، لتكون مؤسسة شبه حكومية مستقلة، حيث سيجري عقد عدة جلسات في رام الله في الخريف لمناقشة النظام الداخلي للمؤسسة، وتحديد الهيئة العامة والهيئة الإدارية.

استطاعت المؤسسة وفريقها الصغير هذا العام، إثبات حضور فلسطين للسنة الثانية حاملين معهم إلى سوق الأفلام لمهرجان كان السينمائي الذي تم تنظيمه من ١٤ - ٢٥ أيار الحالي، برعاية وزارة الثقافة الفلسطينية. وضم الوفد الفلسطيني أكثر من ٣٠ مشاركاً ما بين منتجين ومخرجين وفاعلين في الحقل السينمائي من فلسطين الوطن والشتات. شاركت خمسة مشاريع أفلام فلسطينية هذا العام في ورشة إنتاج الأفلام الطويلة والتي عقدت بالتعاون ما بين مؤسسة الفيلم الفلسطيني والمركز الوطني الفرنسي للسينما والصورة المتحركة (CNC) على هامش المهرجان بالاضافة إلى أربعة مشاريع أفلام وثائقية، شاركت في برنامج الزاوية الوثائقية التي حضرها عدد كبير من مخرجي أفلام وثائقية ومنتجين من العالم.

 
من أنشطة المؤسسة في مهرجان كان ٢٠١٩.
 

المشاريع التي شاركت هذا العام في سوق مهرجان كان السينمائي

اختارت لجنة تحكيم الأفلام الطويلة المُكلفة من مؤسسة الفيلم، والمؤلفة من الناقدة علا الشيخ (فلسطين) والمخرجة السينمائية مغالي نغروني (فرنسا)، والمنتج شيرهاري ساثيه (الهند) خمسة مشاريع أفلام طويلة للمشاركة في برنامج الورشة المشتركة مع الـ CNC هي: "غيتو مخيم اليرموك" لعبد الله الخطيب، و"النطفة المهربة" لسوسن قاعود، و"نافذة العصفور" لأحمد صالح، و"السرقة بالنار" لعامر شوملي، و"شنتيان" لسهى عراف.

كما اختارت لجنة تحكيم مشاريع الأفلام الوثائقية المكونة من المخرجة مي المصري (فلسطين)، والسينمائي إدواردو بشارة الخوري (الأرجنتين)، والمنتج باتريك كامبل (بريطانيا) أربعة مشاريع أفلام أخرى للمشاركة في زاوية الأفلام الوثائقية في المهرجان وهي: "ميونيخ، حكاية فلسطينية" لنصري حجاج، "جزائرهم" للينا سويلم، "غرفة الترحيل" لمحمد حرب و"تشقيف" لكرم علي. حيث نجحت لينا سويلم في انتزاع جائزتي دعم لما بعد الإنتاج، من الزاوية الوثائقية في المهرجان، من منافسة مع 24 مشروع فيلم عالمي.

للمرة الثالثة، تواصلت مع مهند يعقوبي لسؤاله ما بعد ختام مهرجان كان عما أنجز حتى اليوم؟ وعن الفريق التحضيري للمؤسسة؟ وعن غياب المؤسسة عن الإعلام الفلسطيني، إلا ما ندر في بعض المواقع الخاصة! أكد يعقوبي أن الفريق ذاته الذي عمل السنة الماضية، والذي يعمل باستمرار على تنظيم فعاليات مؤسسة الفيلم التي من ضمنها جناح فلسطين في مهرجان كان، وكذلك مشروع عملهم على فعاليات أفيك (هيئة مؤسسات الفيلم العربي) من عدة دول عربية، والتي أصبحت مؤسسة الفيلم الفلسطيني جزءاً منها، وتلك بعض منجزات المؤسسة خلال عام.
 

من أنشطة المؤسسة في مهرجان كان ٢٠١٩.
 

ملتقى فلسطين للفيلم الوثائقي في مهرجان إدفا 2018

أضاف يعقوبي كذلك أن جناح فلسطين في مهرجان كان ليس النشاط الوحيد الذي عمل على تنظيمه حتى الآن فريق المؤسسة، فقد قام بتنظيم ملتقى فلسطين للفيلم الوثائقي في مهرجان إدفا 2018، الذي نظمته مؤسسة الفيلم، والذي كان من ضمن فعالياته اجتماع ضمّ مؤسسات الفيلم الوثائقي العالمية مثل صندانس وبرت دوك البريطاني، ومؤسسة الفيلم النرويجي وغيرها، وتمت دعوة ستة مشاريع أفلام وثائقية شاركت في سوق مهرجان إدفا للأفلام الوثائقية. الحضور الفلسطيني في المهرجانات الدولية لم يعد فردياً، فقد أصبح لصناع الأفلام الفلسطينيين مظلة يجتمعون تحتها في المحافل السينمائية الدولية، وهو الإنجاز الأكبر بحسب يعقوبي.

أما عن تقييمه للمشاركة الثانية في سوق مهرجان كان، فيقول يعقوبي: إن المشاركة هذا العام اتسمت بنضج المشاريع المشاركة، وجديتها، وعن تطوير المؤسسة لعلاقاتها مع مؤسسات السينما الدولية مثل مؤسسة السينما النرويجية والتونسية والمغربية وغيرها، واقتربت المشاركة من تحقيق هدفها الأكبر، وهو إنتاج الأفلام، وليس مجرد الحضور لإثبات الوجود.

يؤكد يعقوبي: نحن الآن موجودين في مهرجان كان بشكل دوري، وكذلك في مهرجان إدفا، لنغطي مساحة واسعة من فرص الشراكات الإنتاجية الممكنة، وندرس الآن تأسيس ملتقى فلسطيني في مهرجان قرطاج في تونس، لنفتح علاقات شركات واسعة ووثيقة من شمال إفريقيا، وحتى أوروبا. فالمؤسسة اليوم تكتسب شرعيتها من صناع الأفلام وليس من فكرة تسجيلها أو كونها حكومية أو شبه حكومية، وإنما بما نحققه من حضور ومنجز لصناع الأفلام.

وكما سبق وصرح رشيد عبد الحميد لرمّان الثقافية: رغم أن الضغوطات المالية الناجمة عن الممارسات الإسرائيلية كادت أن تؤدي إلى إلغاء مشاركة الوفد الفلسطيني، إلا أن عدداً كبيراً من المؤيدين للحقوق الفلسطينية المشروعة والفاعلين في الحقل السينمائي عملوا على توفير الدعم اللازم للمشاركة، ومن بينهم مؤسسة "بيرثا" والقنصلية الفرنسية في القدس بالإضافة إلى إدارة سوق الأفلام لمهرجان كان.
 

من أنشطة المؤسسة في مهرجان كان ٢٠١٩.
 

أخبار المؤسسة الغائبة عن الإعلام الفلسطيني

رغم ما أنجز حتى اليوم، إلا أن أخبار المؤسسة التي تعود للحياة من جديد، لا تزال بعيدة عن متابعي أخبار الأفلام الفلسطينية، لضعف حضور فعالياتها في الإعلام الفلسطيني والعربي، رغم أن افتتاح الجناح لأول مرة في مهرجان كان، حظي بتغطية في الإعلام الغربي بدرجة أفضل منه في الإعلام الفلسطيني والعربي، إلا أن الفعاليات اللاحقة حظيت بدعم أقل بكثير، لا أعرف إن كان تجاهلاً مقصوداً من الصحافيين الفلسطينيين باعتبار الحدث وما أنجز حتى الأن خبراً سينمائياً فلسطينياً يفترض أن يحظى بالدرجة الأولى بتغطية ومناقشة من قبل الإعلام الفلسطيني المحلي، وكذلك العربي، أم هو تقصير من المؤسسة ولجنتها التحضيرية عن الوصول للإعلام؟

توجهت بالسؤال لمهند يعقوبي الذي يرجح أن يكون كلاهما، أمام المؤسسة الكثير لتكون قائمة بهيكلية سليمة تؤهلها لتكون قادرة على أداء دورها الوظيفي والإعلامي، ويكون لديها قسمها الإعلامي الذي يصدر بياناتها.

تحتاج المؤسسة لأن نلتفت إليها إعلاميا٬ً بهذا الوقت، لما تحققه على الأرض، كما نحتاجها كصناع أفلام ومتابعين ومحبين للسينما الفلسطينية، لم يعد الإعلام وحده الصحف والجرائد، لمواقع التواصل الاجتماعي قدرة أكبر للوصول لكل المهتمين، وربما بحسب اهتماماتهم، وتلك إحدى الفضائل الصغيرة للرأسمالية العالمية والمنظومة التكنولوجية التي نتجت عنها. ولذلك مطلوب منا جميعاً كإعلاميين وناشطين فلسطينيين مزيداً من الاهتمام، بهذا المنجز الوليد، أو الذي يجري إحياؤه واستعادته كمؤسسة فلسطينية هامة، توقفت عن العمل يوماً ومع توقفها فقدنا الكثير، وعلينا استعادته اليوم، لنروي روايتنا سينمائياً للعالم.