مثقّفون فلسطينيون ضدّ "صفقة القرن"... يحيى يخلف

2019-06-23 02:00:00

مثقّفون فلسطينيون ضدّ

ما هو تأثير "صفقة القرن" على مستقبل القضية الفلسطينية؟ وكيف ينظر المثقف الفلسطيني إلى محاولات الإدارة الأمريكية لتمرير هذه الصفقة بالتعاون مع جهات عربيّة وبهدف تصفية القضية الفلسطينية من خلال عقد «ورشة البحرين» الاقتصادية في المنامة يومي 25 و26 حزيران/ يونيو الجاري؟ وما هو دور المثقف الفلسطيني في مواجهة صفقة الأوهام والعار وسبل التصدي لها؟ أسئلة وجهتها "رمان" لعدد من المثقفين الفلسطينيين داخل الوطن وخارجه، وهذه إجابات عنها.

أعدّ الملف: أوس يعقوب.


تتماهى السياسة الإسرائيلية اليمينية الاستيطانية الاستعمارية وتلعب دورها الوظيفي في السياسات شرق الأوسطية للإدارة الأمريكية وخطتها المرتقبة.

لقد كثر الحديث عن هذا الموضوع الذي لخّصه البعض بوصفه ما يسمى بصفقة القرن، وهو وصف مراوغ أحادي النظرة يضيّق مفهومه، ويحصره فقط بما يبيت لنا نحن الفلسطينيين من مصير وتصفية للقضية الفلسطينية، ويتجاهل الإطار العام للسياسة الأمريكية ببعدها الإقليمي والدولي، وما تضمره من مصائر تعيد إنتاج السياسات الاستعمارية على الشرق الأوسط بأكمله.

إنّ المماطلة في إعلان هذه السياسات تنم عن محاولة تعبيد الطريق وخلق الظروف المناسبة محلياً وإقليمياً ودولياً لهذه السياسة الاستعمارية وفرضها كأمر واقع علينا وعلى المنطقة بأكملها متجاوزة القانون الدولي والأخلاقيات العالمية، والرأي العام العالمي.

ما تشهده ساحتنا الفلسطينية من حرب استنزاف تشنها إسرائيل علينا عسكرياً، ومن قوانين عنصرية وتغوّل غير مسبوق، ما هي الاّ محاولات لبناء مداميك هذه السياسات في عقولنا وتقليل سقف توقعاتنا والمس في حقوقنا وفرض أمر واقع محلي وعربي ودولي يتجاوز القانون الدولي والشرعية الدولية.

لذا فإننا نحتاج في هذه المرحلة استعمال عقولنا قبل عواطفنا، ونحتاج إلى المعرفة التي تجلي الغموض عمّا هو مبيت لنا ولمنطقتنا وإقليمنا وللقانون الدولي لكي نفكّر بشكل أفضل، ونعرف كيف نحقق حقوقنا ومصيرنا ولا نترك الأقدار ومكر التاريخ أن يحددا هذا المصير، ولكي نضع السياسات الرسمية والشعبية التي  تحمينا وتحمي قضيتنا وتواجه بشجاعة مكرَ القوة الاستعمارية التي تمثل التحالف الأمريكي الصهيوني.

على مدى العقود السبعة الماضية تعرضت القضية الفلسطينية للعديد من مشاريع التصفية التي تعاملت مع شعبنا كشعب لاجئين، مشاريع توطين في المنافي والشتات، ولم تتعامل معه كشعب له حقوق في العودة وتقرير المصير، ومن بينها مشروع جونسون 1953، مشروع دالاس 1955، مشروع ريغان 1982. لكنّ هذه المشاريع فشلت وواجهها شعبنا بقوة، ولم تجد من يقبل بها.

وعلى مدى العقود السبعة الماضية قاوم شعبنا وصمد في صراع البقاء، وظهر من بين صفوفه جيل العمالقة الذي أطلق الثورة والكفاح المسلح، فكان الكفاح يزرع والسياسة تحصد. وحوّلت الثورة شعبنا من طوابير لاجئين إلى شعب له حقوق يناضل من أجلها، وبالكفاح والتضحية والفداء تصدّرت القضية الفلسطينية صدارة الوضع الدولي، وحققت إنجازات في الساحة الدولية ونالت الاعتراف بحقوقنا في الأمم المتحدة، وتحقق الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ورُفع علم فلسطين في الأمم المتحدة، وانضمت دولة فلسطين إلى منظماتها الدولية، ومنها منظمة اليونسكو، ومحكمة الجنايات الدولية.

على مدى سبعة عقود صمد شعبنا، وواجه مكر التاريخ، وابتدع للنضال أشكالاً شتى، واجترح المقاومة الشعبية والانتفاضة، وعجز الاحتلال والسياسات الاستعمارية عن تدجينه أو تخفيض سقف حقوقه، واستطاع أن يوسّع معسكر الأصدقاء، وأن يوصل عدالة قضيته إلى عمق الرأي العالمي، وإلى الأخلاقيات العالمية، وأن يعرّي الاحتلال ومن يدعمه، وأن تبقى شعلة كفاحه مشتعلة إلى أن تبزغ شمس فجر الحريّة العنيد.

في خضم السياسات الأمريكية التي تعدّها للشرق الأوسط بتشكيل حلف تكون لإسرائيل فيه اليد الطولى، ويغيب فيه الحق  الفلسطيني، وتعيد فيه السياسات الاستعمارية البائدة مثل حلف بغداد الفاشل، وهذه السياسات ليست قدراً، ولم تكن سياسة أمريكا قدراً في هذا العالم، ولم تستطع أن تفرض علينا حلاً في كل عهود رؤسائها، في خضم كل ذلك لن تجد قيادةً فلسطينيةً ولا شعباً فلسطينياً يوقّع على اتفاق ينتقص من حقوقنا، ويكرّس الاحتلال على وطننا، وليس منّا وليس فينا من يفرّط بذرة من تراب القدس كما قال الزعيم والرمز ياسرعرفات.

وفضلاً عن ذلك، لن تقبل الشعوب العربية تسليم زمام سيادتها لإدارة ترامب ونتنياهو، فالشارع العربي نزل إلى الشوارع في الجزائر والسودان من أجل الكرامة والحرية على سبيل المثال، وجذوة الحرية والتحرر ما زالت شعلتها مضيئة في قلوب كل الشعوب العربية.

ما يسمى بصفقة القرن وسياسات وخطط أمريكا للشرق الأوسط مآلها الفشل، ومآلها هزيمة لترامب وسياساته المتهورة، وهزيمة لنتنياهو ويمينه العفن.

إنّا هنا باقون. باقون ويواصل شعبنا الكفاح.