"يوجد كاتب شبح، لكن لا يوجد مترجم شبح"

2019-08-05 13:00:00

Stephen Crane

ويعقب: "ثمة مثال يثير الاهتمام، وهي عبارة "صرخ الرجل وأجهش" التي تطابقت في الترجمتين، والتي استخدمها سمحان كإحدى مفردات ذخيرته المميزة، إلا أنه أخطأ في استخدامها الدقيق، حيث أن فعل أجهش يأتي في الأصل بمعنى "أتى" ومنه تم استقاء المعنى الأكثر شيوعاً وهو "استعد / اقترب"، لهذا فكان الأجدر به أن يستخدم "أجهش بالبكاء" بدل استخدام الفعل بذاته

وجد المترجم الفلسطيني الشاب أنس سمحان بعض النصوص التي ترجمها عام 2017 للشاعر الأمريكي ستيفن كراين منشورة في ديوان "لأنه مرّ.. لأنه قلبي" الصادر عن دار مسعى للنشر والتوزيع وترجمة الشاعرة الكويتيّة تهاني فجر، حيّره الأمر، وقرر البحث عن السبب الذي انتقلت إثره النصوص التي ترجمها لأغراض أكاديميّة مع شخصية اسمها "سارة الياسين" إلى ديوان منشور، خصوصاً أن الحكاية أعقد من مجرد نسخ/لصق، أو اتفاق ضمني على وجود مترجم شبح، وهذا ما ينفيه سمحان نفسه، إذ يوجد كاتب شبح، لكن لا يوجد مترجم شبح حسب رأيه، ويزعم سمحان أن هناك تشابه وتطابق مريب بين النصوص المنشورة وبين ترجماته، كأنّ نقرأ:

تفاصيل القصة تحوم حولها الكثير من المعلومات الظنيّة، طرفها الأول سمحان، الذي يشرح لنا ملابسات ما حدث من وجهة نظره قائلاً "في بداية عام 2017، تواصلت معي سيدة اسمها "سارة الياسين"، وطلبت مني أن أترجم أشعارًا لإيميلي ديكنسون، وأرسلت لي نموذجًا، وطلبت مني ترجمته، وعندما ترجمته وأعجبها، طلبت مني أن أعطيها عرض سعر، ولكننا لاحقًا اختلفنا على التكلفة وعلى آلية الدفع ولم نعمل معًا".

ويضيف: "بتاريخ 24/7 من العام نفسهِ، أعادت التواصل معي، وطلبت مني أن أترجم "أشعارًا"، دون تحديد اسم الشاعر، وطلبت مني ترجمة نموذج مرة أخرى وطلبت عرض سعر، لكني رفضتُ العمل إلا بعد الاطلاع على العمل. بعدها أرسلت 'سارة الياسين" جزءًا من الكتاب في إيميل منفصل وليس في نفس الإيميل. ترجمت بعض القصائد على أنها نموذج للترجمة وأرسلته لها. وافقت على النموذج واتفقنا على السعر الذي كان منخفضًا على حساب أن العمل كبير وأن هناك أعمال أخرى". ويقول إنها في كل الإيميلات (المرفقة بالصور والتي اطلعنا عليها) كانت تؤكد عليه بألّا ينشر أياً من ترجماته معها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ومن جهته ووافق على هذا الشرط، والتزم، ولم ينشر شيء.

يقول سمحان إنه أثناء الترجمة، لم يكن مطمئنًا، بسبب نوع القصائد وكميّتها، فأرسل لسارة الياسين إيميلًا يسألها عن الغرض من الترجمة، فتغيّر أسلوبها معه، والسبب حسب تعبيره: "أنا أرفض أن تنشر أعمالي وترجماتي باسم مترجم أو أي شخص آخر، خصوصًا لأني أعمل مع دور نشر وأترجم معها مقالات وكتب ولي صوتي الخاص وقدراتي العالية في الترجمة" وهنا يضيف أن المدعوة سارة الياسين فقدت أعصابها حين طلب منها أن لا تنشر القصائد في أي مكان، وكانت ستلغي اتفاق العمل، إلا أنها في النهاية أكدّت له أن الترجمة ستستخدم فقط في أغراض دراسية وليست في النشر، أي أنها لن تُنشر في كتاب (صور المراسلات تؤكد ذلك).

عندما أكدتْ له أن العمل سيستخدم فقط في أغراض دراسية، واصل سمحان العمل وترجم عددًا من القصائد (20 قصيدة تقريبًا، تقل أو تزيد)، لكن لاحقاً، وبعد أن سلّمها الدفعة الأولى، اختلف معها مرة أخرى لأن أسلوبها كان سيئًا، وحاولت أن تقلل من قدر الترجمة في محاولة منها لخفض السعر في مراحل ترجمة الكتاب الأخرى، إلا أن ضاق ذرعًا بها، وأخبرها بأنه ترجم الجزء الأول وحصل على النقود، ولن يستمر معها لأن أسلوبها سيء في التعامل،  إذ يقول" كانت تعاملني على أني "عبد مأجور" وأنها طالما دفعت لي مقابل الترجمة، فلا يحق لي الاعتراض أو طلب الدفعة قبل الترجمة أو حتى سؤالها عن الغرض من الترجمة."

إلى الآن، لا يوجد ما يثير الاهتمام في الحكاية، مجرد اختلاف بين شخصين على اتفاق عمل ومفاوضات لا يمكن وصفها سوى اختلافات في وجهة النظر المهنيّة، ولا أصابع اتهام لأحد.
 

أزمة الأسماء أو من هي سارة الياسين؟

يقول سمحان إنه قبل شهر تقريبًا، كانت إحداهن قد نشرت صورة لكتاب ستيفن كراين مترجمًا بعنوان "لأنه مر.. لأنه قلبي" من ترجمة تهاني فجر، فأرسل لمن نشرت الصورة مخبراً إياها أنه على دراية بأعمال الشاعر وقد ترجم بعضها، فطلبت الفتاة أن تطلع على ترجماته، فأرسل لها بعض القصائد عبر الإيميل، ليتفاجأ بها وهي تخبره بأن القصائد التي أرسلها تتطابق إلى حد كبير مع القصائد المنشورة في الكتاب، فطلب منها لحظتها أن ترسل له صورًا، فأرسلت له بعض الصور لبعض القصائد في الكتاب، وعندما اطلع عليها، أدرك أن هناك أمر ما، وأن نسبة التطابق مثيرة للشك، إذ يقول: " مفرداتي وصياغتي نفسها موجودة في الكتاب، وعرضت الأمر على بعض المترجمين الأصدقاء، وأخبروني أن هذه سرقة أدبية وأن القصائد في الكتاب هي نفسها التي ترجمتها أنا لسارة ياسين."

ويضيف: "إن دخلت على صفحة الكتاب على الغودريدز، ستجد أن سارة الياسين قد قيمت الكتاب"

جواب مقتضب

تواصلنا مع الشاعرة تهاني فجر وبعد حديث مطول حول الموضوع وحيثياته كان ردها الرسميّ: "أنا لا أعرف المترجم ولم اسمع باسمه مطلقاً، ولا أعرف أيضاً البنت، وكل الأشخاص من فلسطين هنا حدود معرفتي بهم من خلال التعليقات، أما بالنسبة للترجمة فلغة كرين سلسة وسهلة".

الناشر والبحث في الأصل

تواصلنا مع الناشر محمد النبهان، وأرسل لنا بشكل شخصي، وسريّ المخطوط الأول للترجمة قبل تحريره من قبله ومن قبل فريق الدار، وقمنا، بمقارنته مع ترجمة سمحان حيث وجدنا اختلافا أسلوبيا بين الترجمتين. في البداية لا بد لنا من الذكر أن ترتيب القصائد الثابت يعود إلى حقيقة أن ديوان كرين المنشور والمباح للعلن ضمن المجال العام مرتب بالصورة هذه، وبعد التدقيق، والحديث مع السيد النبهان يقول: "هناك اختلافات أسلوبية حتى قبل التحرير، ونعم هناك تطابقات ضئيلة، ويمكن لأي قارئ ملم باللغة الانكليزيّة أن يترصدها، ولأن لغة كرين سهلة وممتنعة وتتناول تفاصيل الحياة اليومية، فاحتمالات التشابه بين الجمل قائمة، وغير مستبعدة، كذلك هناك اختلاف أسلوبي في التعاطي مع جملة كرين الشعريةّ، وبنائها وحساسية المترجم تجاهها، وهذا ما لا نجد تطابقاً فيه بين الترجمات أمامنا (مخطوط ترجمة تهاني قبل التحرير، ترجمة سمحان، الكتاب المنشور)".

مقارنات بين الترجمتين:

 

سألنا المترجم السوري نائل الحريري عن رأيه بالترجمتين وكان ردّه: "يمكن عموماً فهم دعوى الناشر في أن التطابقات ليست كاملة بين النصين المتقابلين، فالرؤية القانونية لمسألة التعدي على حقوق الملكية الفكرية تتخذ (ككل مسألة قانونية) جانب المتهم حتى تثبت إدانته. في هذا السياق، اعتبر الناشر أن أي اختلاف بين الترجمات المتقابلة كفيل بدحض تهمة تناقل الترجمة أو "سرقتها" أما وأنا أقرأ النصوص بعين المترجم المحترف، فأرى تقابلاً واضحاً يزيد وينقص بحسب النص، ويكاد يتباعد في مواضع ثم يتطابق في مواضع أخرى."

ويضيف: "للحكم على هذا النوع من الترجمات، لا بد من الوقوف على ما نسميه بذخيرة المترجم، وهي مفردات بعينها يستخدمها إما لتمييز لغته وإكسابها صلادة أو ألقاً مختلفاً من وجهة نظره، أو لقناعته بأن مفردة بذاتها تحمل تنويعاً (أو ما ندعوه بالفرنسية Nuance) لا تدركه مفردات أخرى قريبة منها كمثال حقيقي على ذلك، نقارن الاختلاف بين ترجمة سمحان "خرج كل الناس سراعاً يهلعون" وترجمة فجر "خرج كل الناس مسرعين". ففي ترجمة فجر، تحيل كلمة يهلعون لا إلى الإسراع وحسب بل إلى الرعب والهلع، رغم أن المثال السابق يبدو تبرئة لترجمة فجر، إلا أنه كذلك يبرر سبب عدم معقولية تطابق المفردات والعبارات التالية حرفياً: "صرنا حيثُ لم أعد أبصر شيئًا"، "تشبّثت بيدي صديقي، لكنّه في نهاية الأمر صاحَ: أنا تائه"، "قليل من الحبرِ أو أكثر بقليل"... ثمة تنويعات ولو صغيرة يمكن أن تميز توارد الأفكار أو تطابق الرؤى بين مترجمين، كأن يترجم شخص ما "في نهاية الأمر" ويترجم آخر "في النهاية" ويترجم ثالث "في نهاية المطاف" .

ويعقب: "ثمة مثال يثير الاهتمام، وهي عبارة "صرخ الرجل وأجهش" التي تطابقت في الترجمتين، والتي استخدمها سمحان كإحدى مفردات ذخيرته المميزة، إلا أنه أخطأ في استخدامها الدقيق، حيث أن فعل أجهش يأتي في الأصل بمعنى "أتى" ومنه تم استقاء المعنى الأكثر شيوعاً وهو "استعد / اقترب"، لهذا فكان الأجدر به أن يستخدم "أجهش بالبكاء" بدل استخدام الفعل بذاته. المثير للاهتمام هنا أن توارد الأفكار وتشابه اللغة في الترجمة "الصحيحة" أمر يكاد يكون صعب التفريق خصوصاً بين المترجمين المحترفين، إلا أن تطابق "أخطاء الترجمة" يكاد يكون فادحاً وفاضحاً، وبمقارنة النصين ككل نجد أنه بعيداً عن التطابق والاختلاف، فإن نصوص "فجر" تكاد في بعض الأحيان تسلب المعنى العام للقصيدة، كما في قصيدة "قليل من الحبر" حيث قامت بإلغاء الفاعل من العبارة وتابعت مباشرة "أنا حتماً لا أهتم" مما أضاع معنى القصيدة. يمنحني ذلك الانطباع الشخصي بأن الاعتماد تم في المطلق على ترجمة سمحان الأصل، ومن ثم كانت الاختلافات صنيعة محرر أو مدقق أصاب في أحيان وأخطأ في أخرى."

لا يمكن أن نحسم بدقة قضية "الانتحال" ولا نمتلك هذا الحق، كذلك لم نقم بتوزيع الاتهامات عشوائياً، خصوصاً أن هناك حلقة ناقصة في الحكايّة، ترتبط بشخص "سارة الياسين" الذي لا نعرف حقيقة من هو، وما حاولنا فعله هو الإشارة إلى مواضع التشابه، وسؤال كلّ المعنيين بالحكاية، لتفسير المصادفة الرهيبة حول "سهولة وامتناع" لغة ستيفن كراين، التي أدت إلى تطابق جزئيّ بين نصوص مُترجِمَين لا يعرفان بعضهما البعض، ولكل منهما تجربة مختلفة في الترجمة، الأهمّ، أننا نترك الموضوع مفتوحاً على التساؤلات، وخصوصاً مع حضور الأمثلة المختلفة من التَرجمتين، التي من حق القارئ، أيّ قارئ، حريّة الحكم عليها والمقارنة بينها.

نحاول أيضاً عبر هذا "التقصيّ" توجيه دعوة للإضاءة على مشكلة مسكوت عنها في الثقافة العربيّة، ترتبط بصناعة الترجمة والحقوق المهدورة والحكايات المريبة حول التشابهات أو الانتحالات، والتي في كل مرة تطفو على السطح كفضيحة، دون أن يكون هناك خطوط قانونيّة واضحة تضمن حقوق الجميع، والاكتفاء في الكثير من الأحيان بجملة "مجموعة من المترجمين" الذين لا نعلم توجهاتهم أو آرائهم، ما جعل الكثير من النصوص المترجمة ضحيّة للتزوير أو الاختزال وأحياناً السرقة.