جان لوك المجنون

2016-09-26 04:31:06

جان لوك المجنون
Jean Luc Godard

صاحب «حتى انقطاع النفس» جان لوك غودار، أخرج فيلماً في 1965 وكان اسمه «بييرو المجنون».. الرجل، ونعني جان لوك غودار، يأتي بمصاف أساتذة السينما في هذا الكوكب، غير أنه وخلال عرض «بييرو المجنون» تبيّن لواحد من النقّاد الأشاوس، أن ثمة قطعاً مونتاجياً مختلاً في فيلم غودار ففتح فوهة النقد الصارم، الجارح، المبدئي، على صانع الفيلم، وفي نقده ما يتضمن اتهام غودار بالجهل السينمائي.

كان على غودار أن يردّ بطريقة ما، فالرجل، لا بد وأنه مشاهد سينما محترف بالإضافة لكونه صانع سينما محترف، والبديهي أنه لحظ قبل غيره ذاك الخطأ، وقد تحوّل مع الناقد إلى خطيئة، فبماذا أجاب:

- أعرف يا صاحبي، ولقد تركت هذا الخطأ قاصداً. 

الطبيعي أيضاً أن لا يُستوعب اعتراف على هذا النحو، إلاّ بعد شروحات، فالعقل الإنساني كما البقرة يلزمه علف الشروحات، ولهذا أضاف:"الاكتمال هو الموت.. لا أرجو لفيلمي أن يموت".

في الحالتين، سينما غودار، وجنازات الدروز، الاكتمال في الموت، وهذا عكس الديانات التي ترى الاكتمال في وجه الله وحده، وباعتباري من الخطّائين، يسعدني أن أكون تحت مقص جان لوك غودار، لأكون «بييرو المجنون»

الدروز، وهم فصيلة من البشرية التوحيدية، يمارسون مونتاجاً ذهنياً مدهشاً ولكن مع الموتى، لا في جزر المونتاج، فحين تكون حفلة الجنازة، تكون أعينهم على أفواههم، فإما أن يستحق الميت رحمة الله، أو يحجبونها عن الميت في حلول محل الله، والرحمة من عدمها تنطلق بناء على دفتر الحسابات الذي تركه الحيّ إلى الميت، فإما تُحجب الرحمة أو تفور.

في الحالتين، سينما غودار، وجنازات الدروز، الاكتمال في الموت، وهذا عكس الديانات التي ترى الاكتمال في وجه الله وحده، وباعتباري من الخطّائين، يسعدني أن أكون تحت مقص جان لوك غودار، لأكون «بييرو المجنون»، كي لا أكون العاقل، المكتمل، الميت، ما يعني أن أكون مضاداً للاكتمال، كي آخذ راحتي في الاختبار.. اختبار الحلم، اختبار الوقائع، اختبار الرأس، واختبار القدمين العاريتين وهما تتنقلان من رصيف إلى ضريح، ومن تراب إلى ماء.

الناقصون يطالبونك بالاكتمال، هذا هو الحال على الدوام، والاكتمال بطبيعة الحال يقاس على مساطرهم.

مساطرهم وقد شاخت، كما أرواحهم وأفخاذهم كذلك.

مساطر الديانات الشائخة.. مساطر النقد الشائخة.. مساطر القيم الشائخة، وكنت مسحوراً ذات يوم بفخذي نجوى فؤاد، أكثر مما كنت مسحوراً بدموع جمال عبد الناصر أو مقعد محمد علي باشا الكبير، غير أننا التقينا في حفل راقص عظيم، وكانت المرأة قد شاخت كما فخذيها شائخان، وبروح المهرة قالتها.. قالتها لي وأنا الصبي الذي ينافق خصرها: لم أعد نجوى فؤاد.

ما الذي أرغب في قوله مع كل ما سبق من كلام؟

أمر واحد سهل:

لا تقولوا لي هذا خطأ مونتاجي.. أعرف، وأعرف أن أتزوّد بالعلف كالثيران.

أنا ذلك القطع المونتاجي في «بييرو المجنون».

كونوا كذلك كي لاتكونوا أمواتاً.