مهرجان "كتارا" الخامس للرواية العربية... أكبر من جوائزه

2019-10-16 09:00:00

مهرجان

وضمن فعاليات مهرجان "كتارا" للرواية العربية بدورته الخامسة، عرضت مسرحية روائية بعنوان "حبل قديم وعقدة مشدودة" عن رواية المصري سامح الجباس، وتحمل الاسم ذاته، وكانت فازت بجائزة "كتارا" قبل عامين عن فئة الرواية غير المنشورة القابلة للتحويل إلى عمل درامي.

أعلنت نتائج جائزة كتارا للرواية العربية في دورتها الخامسة، في العاصمة القطرية الدوحة، مساء أمس، ولكن لم يسدل الستار بعد على فعاليات المهرجان الذي يحمل الاسم كله، فالمهرجان أكبر من جائزته وأكثر رحابة واتساعاً.

وفي حين كان غالبية الفائزين عن فئة الرواية المنشورة العام الماضي من الشباب أو أصحاب الأعمال الأولى أو من غير ذائعي الصيت، كانت غالبية الأسماء الفائزة عن هذه الفئة للعام 2019 مكرّسة ولها باع طويل في عالم الرواية كالجزائري الحبيب السائح عن روايته "أنا وحاييم" وكانت وصلت إلى القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) العام الماضي، واليمني حبيب عبد الرب سروري عن روايته "وحي"، والأريتري حجي جابر عن روايته "رغوة سوداء"، والأردنيين ليلى الأطرش ومجدي دعيبس عن روايتهما "لا تشبه ذاتها" و"الوزر المالح".

وعن فئة الرواية غير المنشورة فاز كل من الجزائري سالمي ناصر عن مخطوط "فنجان قهوة وقطعة كروسون"، والمغربية عائشة عمّور عن "حياة بالأبيض والأسود"، والمصري عبد المؤمن أحمد عبد العال عن "حدث على أبواب المحروسة"، والعراقي وارد بدر سالم عن "المخطوفة"، والسورية وفاء علّوش عن "كومة قش".

وعن فئة الدراسات النقدية غير المنشورة، حصلت خمس دراسات على الجائزة هي "تحولات البنية الزمنية في السرديات الرقمية... روايات محمد سناجلة  نموذجاً" للأردني أحمد رحاحلة، و"سقوط أوراق التوت... المحظورات في الكتابة الروائية: دراسة نقدية تطبيقية" للمصري أحمد بلال، و"رواية السيرة الغيريّة: قضايا الشكل والتناص وجدل التاريخي والتخيلي... دراسة في رواية (مي: ليالي إيزيس كوبيا) لواسيني الأعرج" للأردني محمد عبيد الله، و"جدل التمثيل السردي واللساني والممارسة الاجتماعية نحو مقاربة نسائية نقدية لسلطة الخطاب الروائي... رواية )المغاربة( لعبد الكريم الجويطي أنموذجاً" للمغربي محمد يطاوي، و"راهنية المعنى بين مشروعية الفهم ومأزق كتابة تاريخ التبرير: مقاربة تأويلية ثقافية في نصوص عربية" للجزائرية منى صريفق.

وفاز كل من إيهاب فاروق حسني من مصر، وعماد دبوسي من تونس، ومصطفى الشيمي من مصر، ونور الدين بو بكر من تونس، وهيثم بهنام بردى من العراق عن فئة روايات الفتيان غير المنشورة. واستحدثت هذه العام فئة جديدة تضاف إلى الفئات الأربع السابقة، وهي "الرواية القطرية المنشورة"، وفاز بها القطري أحمد عبد الملك عن روايته "ميهود والجنيّة".
 


المسعدي شخصية "كتارا"

واختير الروائي التونسي محمود المسعدي المعروف بـ"أبو الرواية التونسية" شخصية العام في مهرجان "كتارا" الخامس للرواية العربية. في "تازركة" من محافظة نابل التونسية في نهاية الشهر الأول من العام 1911، كان سفره إلى باريس منعطفاً مهماً في حياته الأدبية والعلمية، فقد استطاع أن يتعمق في دراسة الأدب الغربي من خلال دراسته في كلية الآداب بجامعة السوربون العام 1933، فتخرج منها في اختصاص اللغة والآداب العربية بشهادات الإجازة 1936، والدراسات العليا 1946، وسجل موضوع دكتوراه دولة يتركب من أطروحة رئيسة حول "مدرسة أبي نواس الشعرية" وأطروحة تكميلية حول "الإيقاع في السجع العربي".

وانتظم في حي "كتارا" بالعاصمة القطرية، معرض يلخص سيرته ومسيرته، وصدر كتيّب عنه كإنسان ومفكر وأديب ونقابي ومناضل سياسي ضد الاحتلال الفرنسي، كما انتظمت ندوة حوله وأدبه وإبداعاته عامة، شارك فيها كل من د. محمود طرشونة وربطته بالمسعدي علاقة وثيقة، ود. خالد الغريبي، ود. عبد الحق بلعابد، وأدارها د. نزار شقرون، وجميعهم على تماس به وبإبداعاته المتعددة.

ولا يستقر أدب المسعدي على دلالة يجمع عليها النقاد فأدبه مفتوح على التأويل والقراءة، ويقدم مستويات دلالية مختلفة ونسيجاً رمزياً واسعاً، وهو ما ألمح إليه الأديب المصري طه حسين في محاضرة له ألقاها في تونس العام 1957 عن أدب المسعدي، بقوله: "قرأت السدّ مرّتين، واحتجت إلى قراءة ثالثة"، و"السدّ" هي من أبرز روايات المسعدي وأشهرها وأكثرها تأثيراً ودراسة وتحيليلاً.

جدير بالذكر أن محمود المسعدي أصدر أربعة كتب في الإبداع، واثنين في النقد والبحث العلمي، وله عديد المقالات والدراسات في دوريات ومجلات تونسية وعربية، وعلى قلة إنتاجه فإنه شغل الناس والنقاد والأدباء، وعُدّت كتاباته أحد منعرجات الأدب العربي الحديث.

حضور خاص لـ"رائد الرواية الخليجية"

وكان ثمة حضور خاص لـ"رائد الرواية الخليجية"، الروائي الكويتي الراحل إسماعيل فهد إسماعيل، حيث صدر كتاب لعدة باحثين بإشراف سعدية مفرح حمل عنوان "في حضرة المنسي: بحوث ودراسات في إبداع الروائي إسماعيل فهد إسماعيل".

وشارك في دراسات الكتاب روائيون وأكاديميون ونقاد عرب معروفون، وهم: د. واسيني الأعرج، ود. نسيمة الغيث، ود. فهد الهندال، ود. عائشة الدرمكي، وحسين مطوع، ود. صبري حمادي، وعبد الكريم المقداد، وهديل الحساوي، ومحمد جواد، بحيث تناولوا في أكثر من مائتي صفحة بالدراسة والتحليل عموم تجربته الإبداعية في الرواية والقصة القصيرة ومذكرات السرد والسيرة، فيما ذهبت دراسة أخرى إلى أعمال بعينها كـ"العنقاء والخل الوفي" و"طيور الناجي"، وغيرهما.

ولم يقتصر الاحتفاء بإسماعيل فهد إسماعيل على حفل تدشين الكتاب فحسب، بل انتظمت ندوة حوله بعنوان "إسماعيل فهد إسماعيل رائد الرواية الخليجية".
 


رواية ممسرحة

وضمن فعاليات مهرجان "كتارا" للرواية العربية بدورته الخامسة، عرضت مسرحية روائية بعنوان "حبل قديم وعقدة مشدودة" عن رواية المصري سامح الجباس، وتحمل الاسم ذاته، وكانت فازت بجائزة "كتارا" قبل عامين عن فئة الرواية غير المنشورة القابلة للتحويل إلى عمل درامي.

والرواية متشابكة متداخلة سردياً وزمانياً، حيث إن الكاتب اتخذ من ثلاث فترات زمنية مسرحاً لروايته، فعنون أول فصل "جين - الإسكندرية 1944"، والفصل الثاني "عادل 1967"، والثالث "هناء – القاهرة 2013". ولعل ما يميزها، ليس أن الروائي يربط الأحداث والأزمنة والأمكنة المتباعدة برمزية لا شك مقصودة عبر رواية "جين آير" الشهيرة لشارلوت برونتي فحسب، بل بالتقنية السردية المبتكرة فيها.

ويتخذ الكاتب من العام 1944 نقطة ارتكاز للحديث عن الثلث الأول من القرن العشرين بما شكلته التفاعلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الداخلية والإقليمية والدولية من انعكاسات على مصر، في تلك المرحلة، وتحديداً الإسكندرية التي كانت تعتبر قبلة الغرب وخاصة الأوروبيين المفضلة، وبالتحديد اليونانيين، فقد كانت نقطة جذب اقتصادية مهمة للاستثمارات الأجنبية. ومن بين المهاجرين الطبيب "نيقوس جريجوريس" يوناني الجنسية وزوجته الإيطالية ماريوري وطفلتهما جين، التي تحمل ذات اسم بطلة الرواية العالمية الشهيرة "جين آير".

جين ابنة العاشرة تحتفظ برواية "جين آير" وتقرأها أكثر من مرة، وتستمع إلى حكايات والدها عن دراسته الطب في إيطاليا واستقراره في الإسكندرية العام 1922، وعن حكايات الحب التي ربطته بوالدتها، وقصة زواجهما، كان الأب يكتب سيرته الذاتية شفهياً، وينقلها إلى جين الصغيرة. وفي فصول لاحقة تتحدث جين عن حكايتها مع الرواية، وبطلتها التي تحمل ذات اسمها، وتعلقها الشديد بهذه الرواية وتأثرها بها وببطلتها الفقيرة، التي تعاني ظلم وعذاب وتسلط زوجة خالها بعد موت والديها. تكبر جين بمرافقة روايتها المفضلة، وتتنقل مع عائلتها ما بين منزل وآخر، بعد أن ضاق عليهم البيت القديم بسبب وفود أخ جديد لها إلى الحياة، إلا أنهم لم يلبثوا يستمتعون بالبيت الجديد حتى ينتصب أمامه معسكر لجنود الحلفاء.
 


وقال مخرج المسرح وكاتب السيناريو لها الفلسطيني المقيم في قطر، طالب الدوس، لـ"رمان": لم يكن تحويل الرواية هذه إلى عمل مسرحي بالأمر الهين، وفي النهاية وجدت ضالتي باستخدام التقنيات السينمائية، والارتماء في أحضان "مسرح العبث" أو "المسرح التجريبي" بشكل أو بآخر لكون هذا النوع من المسرح هو الأقرب إلى شكل الرواية، والأكثر قدرة في التعبير عن مضامينها. المسودة الأولى للكتابة دفعتني إلى خانة التجريب للخروج من "معضلة" الزمان والمكان مع المحافظة على البيئات التي اختلقها الكاتب، فيما تعاملت مع الأزمة المتداخلة بتقنية تداخل الحكايات. كان لا بد من استخدام التقنيات السينمائية لنقل الرواية خاصة لمن لم يسبق له أن قرأها، فلو تم جمع الحكايات في بوتقة واحدة قد يضيع المشاهد.

وكشف الدوس: علاقتي مع الكاتب كانت فقط عبر نصه، ولم أتواصل معه إلا كواحد من جمهور العرض المسرحي. كنت أود أن ألمس ردة فعل الكاتب إزاء رؤيتي المسرحية لنصه الروائي، وإذا ما نجحت في إيصالها درامياً للمشاهد. كان تعدد الزمن يشكل عائقاً في البدايات خاصة لدى الممثلين، لكن مع اكتمال أدوات العمل المسرحي من ديكور وموسيقى ومشاهد سينمائية وبصرية متعددة تم تجاوز هذه العقبة، علاوة على تجاوز عقبة محدودية الممثلين في عشرة كان على كل منهم تقديم أكثر من دور، وهنا كان عليّ وعليهم تجاوز صعوبات الانتقال من شخصية إلى أخرى، ومن زمان ومكان إلى غيرهما، لافتاً إلى أن إنجاز المسرحية منذ الكتابة وحتى العرض كان في غضون ستة أشهر فقط، وهو ما شكل ضغطاً لكوني أتعامل مع رواية تنضوي على تعدد زمني، ونقلات من حالة إلى أخرى، وكان الهدف الوصول إلى تجربة مسرحية تحدث حالة من التقابل مع فكر الكاتب.

توقيع روايات وحضور فلسطيني

لم تغب فلسطين عن المشهد منذ اليوم الأول لفعاليات "كتارا"، ففي الوقت الذي كانت الروائية ثورة حوامدة، توقع النسخة الإنجليزية من ترجمة روايتها "جنة لم تسقط تفاحتها"، والفائزة بجائزة كتارا عن فئة الرواية المنشورة العام الماضي، كان الروائي عاطف أبو سيف يوقع روايته للفتيان "قارب من يافا" في نسختها الورقية الأولى، وهي الفائزة بجائزة كتارا عن فئة روايات الفتيان العام الماضي.

وكانت حوامدة فازت بالجائزة في قائمة ضمت خمس روايات، هي إضافة إلى روايتها: "باري - أنشودة سَودان" للمصري إبراهيم أحمد، و"أنفاس صليحة" للسوداني عمر الفحل، و"نزف الطائر الصغير" للأردني قاسم توفيق، و"لا ماء يرويها" للسورية نجاة حسين عبد الصمد، وحصل كل منهم على ستين ألف دولار أميركي، وترجمة رواياتهم.

أما الروائي عاطف أبو سيف فضمت قائمة الفائزين، بالإضافة إليه، كلاً من: المصري حسن صبري أبو السعن عن روايته "لا تنسوا روزاليند"، والأردنية سناء الشعلان عن روايتها "أصدقاء ديمة"، والسورية ماريا دعدوش عن روايتها "كوكب اللامعقول"، والتونسية وئام غداس عن روايتها "قصة شمسة"، وحصل كل منهم على عشرة آلاف دولار، إضافة إلى طباعة الروايات ونشرها.

وتتحدث رواية أبو سيف عن مجموعة فتيان في مخيم للاجئين قرب غزة يبحثون عن قارب قديم، استدلوا على وجوده من أوراق قديمة وجدوها في بيت مهجور.  عملية البحث لا تتم بسهولة، ويواجهون الكثير من الصعوبات والعراقيل، ويصلون إلى لحظة يأس وشعور بعدم الجدوى.

عبر رحلة البحث تلك يتم الكشف عن تاريخ متعدد الطبقات والمراحل للقارب، فالقارب الذي اختفى بعد سنوات من احتلال إسرائيل لقطاع غزة العام 1967 بسبب اعتقال صاحبه بتهمة تهريب السلاح عبر البحر للفدائيين، استخدم أيضاً في حمل العائلة من يافا إلى غزة خلال التهجير القسري إبان النكبة، لكن قصة القارب لا تتوقف عند هذه اللحظة، فقد شارك في الدفاع عن عكا خلال حصار نابليون وقواته لها.