عن هولودومور، الهولوكوست الأوكراني

2019-10-29 04:00:00

عن هولودومور، الهولوكوست الأوكراني
Nina Marchenko, The Last Road, Holodomor famine-genocide 1932-1933

معظم ضحايا هولودومور كانوا من سكان الريف والفلاحين وتقدّر أوكرانيا أعدادهم بعشرة ملايين شخص فيما تقول روسيا إنّ الأعداد أقل من ذلك بكثير إذ أنّها لا تتجاوز مليونين ضحيّة، بينما يقول المؤرخ فاسيلي ماروكو بأنّهم توصلوا إلى تثبيت عدد الموتى عند خمسة ملايين ونصف المليون شخص. لكنّه يعتقد أنّ العدد قد يكون أكبر من ذلك إذا ما تسنى للمؤرخين والباحثين الوصول ودراسة وثائق أخرى.6

إلى يانا

"الكثير من الأوكرانيين لديهم موقف خاص تجاه الطعام، خاصة الخبز. تكاد تكون خطيئة أن ترمي قطعة من الخبز على الأرض."1

الكارثة الأسوأ في تاريخ أوكرانيا. واحدة من أسوأ جرائم نظام ستالين الشمولي. الهولوكوست الأوكراني. هولودومور2. هذه هي المجاعة التي ضربت أوكرانيا، وبقاع أخرى من الاتحاد السوفيتي مثل بيلاروسيا وكازاخستان، في ثلاثينيات القرن الماضي وكانت ذروتها في أوكرانيا سنتي 1932 و1933. تتراوح التقديرات المختلفة لأعداد الضحايا بين مليونين وعشرة ملايين أوكراني. تعتبر هولودومور نتاجًا مباشرًا لسياسات السلطة السوفيتيّة الاقتصاديّة، وهذه في أفضل الأحوال، إذ يرى الكثير من المؤرخين، وكذلك يرى الأوكرانيون، أنّ هذه المجاعة كانت مدبرة من قبل سلطات موسكو بهدف اجتثاث النزعة الوطنيّة الأوكرانيّة المتعاظمة، دون أن ننسى أنّه في ذلك الوقت (أي في الوقت الذي بدأت فيه سياسات التجويع) لم يكن قد مرّ أكثر من عشر سنوات على الثورة الماخنويّة، وهي ثورة الشعب الأوكراني الرافض لحكم السلطات المركزيّة، والتي وقفت، براياتها السوداء والحمراء، في وجه الجيشيْن الألماني والسوفيتي.

في نهايات عشرينيات القرن الماضي أطلق القائد الروسي جوزيف ستالين حملة قمع سياسي شملت اعتقالات وإعدامات لملايين الأشخاص، وخاصة الفلاحين والإقطاعيين الذين رفضوا فكرة "الزراعة التعاونيّة" التي أطلقها ستالين، إذ كان ستالين قد ألغى الملكيّة الخاصة وفرض على الفلاحين العمل في من أجل الدولة، فأخذ نظام موسكو يصادر منتجات الفلاحين ومن ثم يعيد توزيعها. كانت نظريّة ستالين الجديدة تقوم على أن يسلّم الملّاك أراضيهم ومواشيهم للدولة، على أن تعيد الدولة توزيع هذه المواشي والأراضي وأن تدفع الدولة للملّاك مقابل ما أُخذ منهم.

رفض معظم الفلاحين والإقطاعيين هذه السياسة، فقامت مواجهات عنيفة بين السلطات والملّاك دفعت ستالين إلى استخدام قواته الخاصة لفرض أفكاره الجديدة، مما دفع الكثير من الإقطاعيين إلى ذبح الملايين من الحيوانات الماشيّة (أبقار، خيول، خراف…) بدلًا من أن يسلموها إلى الحكومة المركزيّة. هذا الهذر الكبير للغذاء ساهم، كذلك، في شحّ المواد الغذائيّة التي كان من الممكن أن يعتمد عليها الأوكرانيون أثناء حدوث المجاعة، وهذا كان تبرير ستالين للمجاعة في أوكرانيا. قام ستالين لاحقًا بمحاكمة الكثير من الإقطاعيين وإعدامهم ونفيهم بحجة أنّهم سبب شحّ الموارد الغذائيّة وعلى أنّهم رأسماليون طفيليون وأعداء للشعب السوفيتي.

كانت لهذه السياسة (سياسة الزراعة التعاونيّة) آثار كارثيّة، حيث لم يعد يُسمح للعاملين في المزارع بالحصول على أيّة حبوب حتى يتم تحصيل الكمية المطلوبة من قبل الموظفين، المدعومين من قبل القوات الحكوميّة السوفيتيّة، المخوليّن بتحصيل الحبوب، وكان من الاستحالة الوصول إلى الكميات المطلوب جمعها، مما أدى إلى نقص حاد في المواد الغذائيّة الأساسيّة في الريف الأوكراني، وهذا بدوره أدى إلى حدوث المجاعة التي أودت بحياة الملايين، والتي يصفها الأوكرانيون بالإبادة الجماعيّة، بينما ينقسم الباحثون والمؤرخون حول هذه التسميّة.

تركزت المجاعة في المناطق الريفيّة والقرى، وكانت آثارها أقل في المدن. وتحكي الحكايات الأوكرانيّة إنّ الغرض من حملة التجويع -التي قام بها ستالين عمدًا- كان كسر روح المزارعين الأوكرانيين من خلال حرمانهم من ممتلكاتهم الخاصة ومن أساسيات الحياة، وهي الغذاء في هذه الحالة، كون الرغبة في الانفصال عن روسيا السوفيتيّة والنزعة الوطنيّة الأوكرانيّة والحركات المُقاومة ارتكزت في المدن الصغيرة وفي الأرياف.

لم تكن سياسة ستالين هي السبب الوحيد في حدوث المجاعة، رغم كونها السبب المباشر، إذ أنّ الجفاف الذي حدث سنة 1931 وسوء الأحوال الجويّة سنة 1932 ساهما بشكل كبير فيما حدث، وكذلك كان لسياسة التصنيع التي اتبعها الاتحاد السوفيتي أثرًا سيئًا على الأوكرانيين، حيث شكّل التصنيع عبئًا ثقيًلًا على الفلاحين الذين كانوا يشكلون معظم تعداد سكان أوكرانيا آنذاك، لذلك لم تعتبر القيادة الشيوعيّة، هولودومور، على أنها كارثة إنسانيّة، بل اعتبرتها حالة من حالات الصراع الطبقي.

يعترف الكثير من الدول بهولودومور باعتبارها إبادة جماعيّة، منها دول مثل إيطاليا وإسبانيا وبعض دول أوروبا الشرقيّة والجمهوريات السوفيتيّة السابقة التي تتخذ مواقف عدائية تجاه روسيا، بالإضافة إلى كندا والولايات المتحدة الأمريكيّة التي شيّدت نصباً تذكارياً لضحايا هولودومور في العاصمة واشنطن على بعد أقل من ثلاث كيلومترات من البيت الأبيض. وفي العام 2008 ندّد البرلمان الأوروبي بالجريمة وقال إنّ البرلمان الأوروبي "يعتبر هولودومور (المجاعة المقصودة سنة 1931-1932 في أوكرانيا) جريمة مروّعة ضد الشعب الأوكراني وضد الإنسانيّة، كما يدين بشدّة هذه الأفعال الموجّهة ضد الفلاحين الأوكرانيين، حيث تتسم هذه الأفعال بصفات الإبادة الجماعيّة وانتهاكات حقوق الإنسان والحريّات".3
 

النصب التذكاري


في المقابل، ترفض روسيا اعتبار "هولودومور" إبادة جماعية، معتبرة أنها مأساة مشتركة لكل جمهوريات الاتحاد السوفييتي، والتي راح ضحيتها ملايين المواطنين السوفييت، وليست حصراً بأوكرانيا وحدها. إذ اجتاحت المجاعة مناطق بوفولجيه المطلة على نهر فولغا، وكوبان جنوب روسيا، وبيلاروسيا، وجنوب الأورال، وغرب سيبيريا، وكازاخستان.4

معظم ضحايا هولودومور كانوا من سكان الريف والفلاحين وتقدّر أوكرانيا أعدادهم بعشرة ملايين شخص فيما تقول روسيا إنّ الأعداد أقل من ذلك بكثير إذ أنّها لا تتجاوز مليونين ضحيّة، بينما يقول المؤرخ فاسيلي ماروكو بأنّهم توصلوا إلى تثبيت عدد الموتى عند خمسة ملايين ونصف المليون شخص. لكنّه يعتقد أنّ العدد قد يكون أكبر من ذلك إذا ما تسنى للمؤرخين والباحثين الوصول ودراسة وثائق أخرى.6

 

شهادات

  • مات الجميع وجاء إليّ مدير مدرستي وطلب مني الرحيل إلى مكان آخر، لم يكن لدي مكان ألجأ إليه فعرض علي مصاحبته إلى المدرسة لأحصل على الطعام مقابل غسل الصحون، هكذا نجوت من الجوع.6
  • مات الجميع ولم يدفنوا، لأن عدد الموتى فاق عدد الأحياء، واضطر الناس لأكل بعضهم من أجل النجاة.7
  • بمجرد أن استولت الحكومة السوفيتيّة على أوكرانيا في عام 1922 عانينا من المجاعة على أرضنا ثم توالت قوانين نزع الملكيّة، كنّا خمسة أطفال مع أمنا، طردونا من منزلنا في السادس من يناير (كانون الثاني) قبيل أعياد الميلاد وألقي بنا خارج المنزل.8
  • جدتي من بولتافا، وأنا أسألها كثيرًا عمّا أخبرتها به أمها (جدتي الكبرى) عن هولودومور، لأنّها عاشت ذلك. الشيء الوحيد الذي تذكره هو وجود أشخاص ببطون خاوية مرميين في شوارع القريّة. لم تتحدث بأكثر من ذلك بسبب الخوف الشديد، حتى بعد موت ستالين، تجنبت هذا الموضوع. في الواقع هي لم تتحدث قط عن ذلك، إن لم نسألها. حتى الآن لا أعرف كيف نجت.9
  • ما زلت أتذكر أنّ شقيق جدي كان يقول لي كيف كان عليه أن يأكل العشب الفاسد والخضروات الفاسدة التي كانوا يجدونها في الشارع، لأنّه الشيء الوحيد الذي يمكنهم أن يجدوه لتناول الطعام. أخبرني عن الناس الذين كانوا يأكلون القطط والكلاب. لم يكن هناك دقيق، لم يكن هناك خبز. صنعت والدتهم حساءً من العشب وفروع الأشجار. كانت عائلة جدي من منطقة فينيتسا.10

 

هوامش:

  1. شهادة شاب أوكراني، تمّ الحصول عليها من أجل كتابة هذه المادّة.
  2. صفحة هولودومور على موقع ويكيبيديا https://en.wikipedia.org/wiki/Holodomor
  3. نص بيان البرلمان الأوروبي بخصوص هولودومور http://tiny.cc/zagkdz
  4. المقطع كاملًا، منقول من مقالة حول ترويج أوكرانيا للاعتراف الدولي بـهولودومور نُشرت في صحيفة العربي الجديد بتاريخ 26 حزيران/ يونيو 2019. http://tiny.cc/pbgkdz
  5. تُذكر هذه المعلومة في تقرير نشرته قناة روسيا اليوم بتاريخ 1 آذار 2009 حول وثائق "كانت" سريّة نشرها أرشيف وزارة الأمن الروسيّة سنة 2008.https://www.youtube.com/watch?v=nXaEqrlUVmU
  6. شهادة إحدى الناجيات وقد ظهرت في تقرير قناة روسيا اليوم المُشار إليه سابقًا.
  7. شهادة إحدى الناجيات وقد ظهرت في تقرير قناة روسيا اليوم المُشار إليه سابقًا.
  8. شهادة لإليكو كورينتس- وهو أستاذ جامعي وشاهد عيان. أعدّ التلفزيون الأوكراني تقريرًا عن لقاء عام معه للحديث حول هولودومور، ونشر التقرير على موقع يوتيوب بتاريخ الواحد والعشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر 2018  https://www.youtube.com/watch?v=SmcMNxHqi9c
  9. شهادة شاب أوكراني، تمّ الحصول عليها من أجل كتابة هذه المادّة.
  10. 10.شهادة شاب أوكراني، تمّ الحصول عليها من أجل كتابة هذه المادّة.