تيسير البطنيجي: حررنا اللغة البصرية مما طغى عليها من خطاب سياسي تقليدي

2020-02-25 01:00:00

تيسير البطنيجي: حررنا اللغة البصرية مما طغى عليها من خطاب سياسي تقليدي
صورة بطنيجي من: parisphoto. على اليسار: Trace_2_détail_TBI5134

حلمي هو أن أعود إلى فلسطين، وإلى مسقط رأسي غزة، أو على الأقل أن أسترد حريتي في الذهاب والعودة كما ومتى شئت، كغيري من البشر. بالنسبة لي هذا حلم فني أيضاً، إذا آمنا بمقولة اشتباك الفن مع الحياة، وهي فكرة أؤمن بها وتتخلل أعمالي منذ أكثر من عقدين، إن تأملنا فيها بعمق (أقصد الأعمال).  

احتضن "غاليري إريك دوبون" في مدينة باريس، في الفترة ما بين 25 كانون الثاني/ يناير وحتى 22 شباط/ فبراير 2020، معرضاً للفنان التشكيلي الفلسطيني تيسير البطنيجي، تحت عنوان Entre Voir (قراءة ما بين السطور). أما عنوان المعرض بالعربية فهو «قاب قوسين». "رمان" تواصلت مع صاحب «بيت بعيد عن البيت»، فكان هذا الحوار الذي دار حول معرضه الجديد الذي يقام بعد ثماني سنوات من آخر معرض شخصي له في باريس.

بداية كيف يقدم الفنان تيسير البطنيجي نفسه لقراء "رمان"؟

من مواليد غزة، فلسطين، عام 1966. التحقت بقسم الفنون الجميلة بجامعة النجاح الوطنية، بنابلس عام 1985 وتخرجت منها عام 1992، حيث شهدت تلك الفترة انطلاقة الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987، وإغلاق الاحتلال الإسرائيلي للجامعات والمعاهد في الضفة وغزة، ولفترة طويلة.

في العام الدراسي 1994-1995 حصلت على منحة من الحكومة الفرنسية، وذلك كزائر لمدة خمسة شهور، في مدرسة الفنون الجميلة بمدينة بورج (Bourges) ، التحقت بعدها بالمدرسة كطالب ابتداءً من السنة الرابعة، و تخرجت منها في العام 1997. منذ ذلك الحين، كنت اتنقل بين فلسطين وفرنسا باستمرار، حتى عام 2006 حيث أصبح الذهاب إلى فلسطين وغزة بالتحديد، شبه مستحيل، بسبب الحصار المدمر الذي يفرضه الاحتلال.

حدثنا عن معرضك الأخير الموسوم بـ"قاب قوسين"، من ناحية المضمون والشكل؟

كان لسنوات دراستي في بورج تأثير كبير في مسيرتي الفنية وتطور أدواتي ولغتي التعبيرية والبصرية. حيث انتقلت من استخدام الرسم والتصوير بالألوان كوسيط وحيد، إلى الاستعانة بوسائط أخرى، كالنحت والتركيب، والتصوير الفوتوغرافي والفيديو، إلخ. أما من ناحية المضمون، فإنّ بحثي عن لغة تشكيلية خاصّة بي كان ملازماً للرغبة في استحضار التاريخ والواقع اليومي في أعمالي، وذلك على الصعيد الشخصي، كإنسان وكفنان، وأيضاً على الصعيد الجمعي، كفلسطيني، بعيداً عن الخطاب السياسي التقليدي والصور النمطية المعهودة في الإعلام. كنت ولا زلت أطمح إلى أن يكون لأعمالي مساهمة في الأسئلة والقضايا التي تشغل الفن والفنانين في عصرنا الحاضر، من حيث الشكل والمضمون، وفي نفس الوقت أن يكون لأعمالي موقفاً من الأحداث والتاريخ، في فلسطين وفي العالم، وما يشغل الإنسان المعاصر من قضايا وهموم. 
 

 Credit: Isabelle Audouard


يُظهر المعرض، بحسب نقّاد، وجهاً جديداً في تجربتك البصرية، متابعاً هاجسك الأصيل واشتغالك على أركويولوجيا الغياب وعلاقة الفنان بالذاكرة والمكان الأم والمنفى. سؤالي: هل توافق هذا الرأي ولماذا؟ وتالياً، كيف يحضر المكان والبيئة في صياغة أفكارك ومن ثم منجزك البصري؟ 

هذا هو المعرض الشخصي الرابع لي في باريس منذ 2002 والذي يأتي بعد ثماني سنوات منذ المعرض الأخير والذي أقيم عام 2011 في نفس صالة العرض (جاليري ايريك دوبون)، في الدائرة الثالثة في باريس. في هذه الفترة كانت لي معارض أخرى مهمة في فرنسا، وفلسطين، ولبنان، وفي أماكن أخرى من العالم، شخصية وجماعية. 

يضم المعرض أكثر من عشرة أعمال معظمها جديد، بعضها مكون من مجموعات (series)، تمتد في الفترة ما بين عامي 2008 و2020. بعض الأعمال ليس جديداً تماماً ولكن لم يعرض من قبل، لأنه لم يكن مجسداً مادياً أو لم تتح الفرصة لعرضه من قبل. بعضها كنت أوقفت العمل فيه ومن ثم قمت بإنجازه أو أعدت إحيائه من جديد. وهناك أعمال جديدة تماماً أو قيد التطوير والإنتاج مثل (Grounds)، وهي مجموعة من الصور التي بدأت ألتقطها وأجَمِّعُها منذ العام 2008، ومجموعة "خطوات تائهة" (Pas perdus) والتي بدأتها قبل أشهر قليلة.   

بهذا المعنى، يمكننا أن نقول إنّ الأعمال ربما جديدة، مقارنة مع ما يعرفه الناس أو ما رأوه من أعمال لي، ولكن المفاهيم والهواجس والتساؤلات هي ربما نفسها التي تتخلل أعمالي منذ أواخر التسعينيات. مفاهيم وأفكار تتعلق بمفهوم الغياب والحضور، الوجود واللاوجود، المرئي واللامرئي أو تلك المساحة التي بينهما: إذا أخذنا على سبيل المثال مجموعة "آثار" (Traces)، و"خطوات تائهة" (Pas perdus). 

هناك أعمال تتناول فكرة الرحيل، البعد والمنفى، والعلاقة مع المكان، وهنا يستحضرني مجموعة "تشويش" (Disruptions)، المكونة من مجموعة من الصور لشاشة الموبايل أثناء محادثات "واتس آب" مع عائلتي في غزة. هنا تظهر الصور مشوشة بسبب وجود الطيران الإسرائيلي في سماء غزة، وبسبب ضعف الأنترنت.

وهناك "تابولا غزة" (Tabola Ghaza) المكونة من صورة لطاولة كانت مخصصة للعبة الدومينو، في "جمعية الشبان المسيحية" بغزة، صورتها عام 2005 عندما بدأت ألوان الفورميكا تختفي بسبب اللعب، معروضة إلى جانب الطاولة نفسها، حيث أحضرتها من غزة عام 2013. اختفت الفورميكا تماماً من وسط الطاولة محدثة هالة بيضاء تتوسطها هالة أخرى يظهر فيها لون الخشب.
 

 Credit: Batniji


ما تأثيرات الاحتلال على نتاجك الفني؟

تأثير الاحتلال على تجربتي الفنية ليس مباشراً. أي أنّ الاحتلال لم ولن يمنعني من التعبير عن نفسي وعن أفكاري، ولم يُملِ عليّ مباشرة الطريقة التي أعبر بها عن نفسي، ولكنه أثر على رؤيتي وعلاقتي بالعالم والأشياء. من هنا يمكن القول إنّ للاحتلال تأثير في تجربتي كإنسان ومن ثم كفنان.

أنا ولدت في ديسمبر (كانون الأول) من العام 1966، أي أشهر قليلة قبل نكسة 67. خرجت إلى الدنيا وكبرت مع هذا الوعي بالاحتلال وفقدان الحرية. عندما كنا صغاراً لم يكن وعينا بذلك قد تشكل بعد، ولم نجد إجابات شافية للأسئلة التي كانت تدور في رؤوسنا الصغيرة.

كان الكبار يتحدثون عن الأمر وكأنه بلاء أو مرض مزمن لا فكاك منه. ومع مرور الوقت يزداد ويتطور إدراكك للمسألة، ولشروط وجودك كإنسان، مع ما يمليه ذلك من ممنوعات ومعوقات ومحدودية لفضائك الوجودي والإنساني. ما أحاوله في أعمالي هو ألا أستسلم وألا أعِش هذا الوضع وكأنه قدر لا مفر منه. ما أواجه من مشاكل وصعوبات كفلسطيني، وحرمان، أطوعه ليصبح مادة لأعمالي، مساحة للتفكير والتأمل والتساؤل. من خلال الفن أتحرر من قيودي المباشرة والمادية، لأنطلق بتجربتي نحو فضاءات إنسانية أكثر رحابة. 
 

 Credit: Batniji


كيف بدأت علاقتك مع الريشة واللون؟ وتالياً بمن تأثرت من التشكيليين سواء الفلسطينيين أو العرب أو العالميين، أي أخذت منهم، واستفدت من تجاربهم في منجزك البصري؟ 

ولدت في عائلة كثيرة العدد. كنا ثمانية (ستة أولاد وبنتين)، يمكنك أن تتخيل أنه في هذا الوضع، من الصعب على الأبوين إيفاء كل طفل حقه من الوقت والاهتمام اللازم.

وإن كان ذلك مؤسفاً، فإنه وإلى حد ما، ترك لنا هامشاً من الحرية والاستقلالية، بعيداً عن رقابة الأبوين والاهتمام الزائد أحياناً. لا أتذكر أنّ أحداً أهداني يوماً كتاباً أو علبةً من الألوان. حتى الألعاب، كان علينا أن نبتكرها أو أن نصنعها بأنفسنا مما توفر من مواد في البيت والشارع.

أتذكر أنّ المرّة الأولى التي وعيت فيها إلى أنّ هناك شيئاً اسمه الرسم، كانت مع أوّل دروس الرسم في الصف الثاني الابتدائي، عندما بدأ المدرس يرسم أشكالاً على السبورة، حينها بدأت شيئاً فشيئاً أشعر أنّ هناك شيئاً ما، ربما نسميه موهبة، يميزني عن أقراني. 

في المرحلة الإعدادية، ومن ثم الثانوية، حالفني الحظ، بأن كان هناك مدرسين متخصصين في التربية الفنية. في المرحلة الإعدادية كان هناك الأستاذ زياد الحفني، (رحمه الله)، والذي فتح لي باب مرسمه، وكان عبارة عن دكان كان يمارس فيه الرسم والتخطيط للمحال التجارية، بأحد شوارع غزة القديمة. وهو أوّل من علمني تحضير اللوحة والرسم بالألوان الزيتية. وفي المرحلة الثانوية، كان هناك الأستاذ حمدان البنا، والذي كان قد تخرج لتوه من كلية التربية الفنية، بالإسكندرية، وهو أيضاً لم يألو جهداً في تشجيعي واحتضان "موهبتي".

في العام 1985، التحقت بقسم الفنون الجميلة بجامعة النجاح الوطنية، وكان لكل من الفنان كامل المغني (رحمه الله)، وكذلك الفنان محمد أبو ستة، تأثير كبير على الأعمال التي أنتجتها في فترة الدراسة وحتى بدايات الانتفاضة الأولى. في العام 1993، عندما بدأت مشواري الدراسي في أوروبا تأثرت بفنانين مثل فرانسيس بيكون، بازيليتس، فيلوكوفيتش، كورت شويترز، وكذلك بعض الفنانين الفرنسيين من فترة الخمسينيات والستينيات. 

في نهاية دراستي في كلية الفنون الجميلة في بورج، كان التأثر أكثر بحركات واتّجاهات فنية، ظهرت معظمها في الستينات من القرن العشرين، ضمن ظروف سياسية واجتماعية هامة في أوروبا خصوصاً وفي العالم، وبتنظير أو بتأثير من بعض الفلاسفة والنقاد، والفنانين أيضاً. من هذه الحركات كان هناك (Arte Povera) في إيطاليا، وسبور سورفاس (Support Surface)، وفلكسوس (Fluxus) في فرنسا، وكذلك المدرسة التقليلية (Minimalism). حيث أنّ المفاهيم والأشكال التي طرحتها هذه المدارس، كانت تتجاوب مع الوعي الذي بدأ ينشأ عندي في تلك المرحلة بضرورة أن أحرر ممارستي الفنية من رواسب الأكاديمية ومن الفن التعبيري أو الرمزي والاتّجاه نحو فن مفاهيمي معاصر. تزامن ذلك أيضاً مع رغبة ملحة لخلق حالة من الانصهار أو الاندماج بين أعمالي وتجربتي كفنان، مع حياتي وتجربتي وذاكرتي كإنسان وكفلسطيني. 
 

 Credit: Batniji


لكل فنان أسلوب يمتاز به وأسلوب يمثله، ما هي خاصيات أسلوبك؟

في ضوء ما سبق، وفي ضوء مساري الفني الحالي، وتعدد الوسائط التي استخدمها في أعمالي، فلا مجال هنا للحديث عن أسلوب معين. فكل تجربة فنية أخوضها وكل مشروع فني بالنسبة لي هو تجربة أو مغامرة جديدة لها خصوصيتها وشروطها ومخرجاتها. ولكن، ورغم اختلاف واتّساع الإمكانيات التقنية، فإنّ هناك خيطاً، ربما لا يُرى للوهلة الأولى، يربط هذه التجارب والمراحل المختلفة مع بعضها البعض. 

مرّت تجربتك الفنية بمراحل مختلفة من الرسم التقليدي وصولاً إلى استخدام وسائط الفيديو والفوتوغرافيا والتجهيز. ما هي أبرز محطات ومواسم هذه الرحلة؟

مرحلة الدراسة في فلسطين، والممتدة ما بين عامي 1985 وحتى 1992، مروراً بفترة الانتفاضة الأولى، يمكننا القول إنها مرحلة أكاديمية، رغم ما تخللها من بحث وتجارب ومحاولات للخروج عن الإطار الأكاديمي، على الأقل من الناحية التقنية والشكلية.

عندما انتقلت إلى أوروبا، وخصوصاً عند وصولي إلى فرنسا، نهاية عام 1994 بدأت مرحلة مخاض وبحث وتجريب أكثر مثابرة من قبل. على عكس الوضع في فلسطين، فإنّ المجال في فرنسا شاسع جداً ومتاح للاطلاع على تاريخ الفن وتطوره، وكذلك على التيارات الفنية الجديدة والمعاصرة المتعددة، وكذلك تجارب الفنانين هنا وهناك، في أوروبا والعالم. في ظلّ هذا الوضع، كان من الصعب تجنب التأثيرات والتردد بين اتّجاه وآخر. فوجب عليّ، كما ذكرت أعلاه، أن أجد لغة بصرية خاصّة بي في ظلِّ هذا الخضم الهائل من تنوع المدارس والاتّجاهات.

من هنا بدأت لوحاتي تتجه أكثر إلى التجريد أو التبسيط، ويختفي منها شيئاً فشيئاً أيّ تمثيل مباشر أو غير مباشر للواقع، حتى بدأت أغطي لوحاتي باللون الأبيض بعد الانتهاء منها، أي تختفي اللوحة ولا يبقى منها إلّا مساحات صغيرة متناثرة هنا وهناك، إلى أن توقفت عن الرسم (بمفهوم اللوحة).

بدأت أشعر أنّ اللوحة ليست قادرة على استحضار الأشياء التي أود أن أعبر عنها في أعمالي. هنا بدأت أتجه إلى اكتشاف وسائط أخرى، كالتركيب والنحت، ومن ثم التصوير الفوتوغرافي، حيث تحتل الصورة (الفوتوغرافيا أو الفيديو)، ومنذ عام 2000 مكاناً مهماً في أعمالي. 

هذا مع العلم أنني لم أتوقف تماماً عن الرسم وخصوصاً الرسم على الورق، لأنّ الرسم بالنسبة لي هو مساحة حرة للبحث والتفكير والتأمل. وهو ما تشهد عليه معارضي منذ عام 2016، ومعرضي المقام حالياً في باريس، والذي يتضمن مجموعة من الرسومات بالألوان المائية ومواد أخرى مختلفة.  
 

 Credit: Batniji


ما الجديد الذي أضافته أعمال تيسير البطنيجي التشكيلية بخصوصياتها الفنية الجمالية المتفردة إلى التشكيل الفلسطيني خاصّة والعربي عامة؟

أعتقد أنّ هذا السؤال يمكن أن يجيب عليه النقاد والدارسين والمتتبعين للحركة الفنية، في فلسطين أو في العالم العربي. ولكنني أستطيع أن أقول، إنّ ما حققته تجربتي الفنية، وكذلك بعض الفنانين الفلسطينيين، من جيلي والجيل الأكثر شباباً - على الأقل، هذا ما سعيت وأسعى إليه دائماً - هو تحرير اللغة البصرية مما طغى عليها، ولحقبة طويلة، من خطاب سياسي تقليدي، وشعارات، ورموز مكررة. وذلك بتبني لغة لا تبني مشروعيتها فقط على مفهوم الهوية والانتماء، ولكن أيضاً وبنفس المقدار على مدى انشغالها في الإجابة عن سؤال الفن، والانخراط في القضايا التي تشغل الفن والفنانين في العالم الآن، على صعيد الشكل والمضمون.

 أن تكون فلسطينياً أو أنّ أعمالك تستلهم فلسطين وهموم الفلسطينيين، يجب ألّا يكون هو التبرير أو المعيار الوحيد للتقييم، وهو ليس ضماناً لقوة العمل الفني، إن لم يكن هذا الأخير يتحدث لغة معاصرة، تتخطى الحدود والجغرافيا الضيقة نحو الفضاء الإنساني الأوسع. 

هل أنت معني بأن يكون منجزك البصري عالمياً؟ وأن تكون ضمن قائمة فناني العالم في الألفية الثالثة؟

مفهوم العالمية هو مفهوم شائك حقيقةً. ويبدو لي أنّ الكثير (فنانين وغيرهم) يستخدمونه أحياناً لوصف أنفسهم أو وصف الآخرين، لخلق انطباع ما. وكأن أن تكون أو توصف بالعالمية هو علامة على "الجودة". لم لا!

ولكن يبقى السؤال هو: أن تكون عالمياً بالنسبة لمن ولماذا، ومن أيّ زاوية؟ ما هي معايير أو مقاييس هذه العالمية، ومن يحدد هذه المعايير؟ للأسف هذه المعايير تحددها مراكز الثروة والقوة في العالم، وتحاول أن تسوقها أو تفرضها على من هم أضعف، إلى أن ينتهوا بتبنيها بشكل أو بآخر، وهو ما يعرف بالعولمة. 

أعتقد أنه في عصر البث المباشر والسريع، وفي عصر شبكات التواصل الاجتماعي، لم يعد هناك محلي وعالمي. أصبح كل إنسان يمتلك حساب سواء في موقع "فيس بوك"، أو "أنستغرام"، أو "تويتر" أو غير ذلك من مواقع التواصل الاجتماعي، هو إنسان عالمي نوعاً ما! 

العالمية بالنسبة لي هي أن تستشعر كفنان نبض العالم من حولك ومشاكله وقضاياه، وأن تتحلى بأكبر قدر من اليقظة والانتباه، لتقترح من خلال أعمالك قراءة لهذا العالم تكون في متناول الجميع، قدر الإمكان. 
 

 Credit: Batniji


من خلال تجربتك الشخصية، هل توافق الرأي القائل: إنّ "اللوحة هي الأقدر فنياً على رصد ما يعنيه الإنسان الفلسطيني في ظلّ الاحتلال، وبالتالي التقاط إرهاصات الأمل"؟

بالتأكيد، اللوحة، الصورة الفوتوغرافية، النحت، أعمال التركيب، القصيدة، الرواية، المقطوعة الموسيقية، والثقافة بشكل عام هي الأقدر دائماً على رصد ما تمر به الشعوب في مسيرتها من أفراح وأتراح وما بينهما من تدرجات. 

الحروب والمعاناة والظلم والاحتلال هي مراحل محددة في تاريخ الشعوب، حتى وإن طالت، فمصيرها إلى الزوال، أما الثقافة وما تفرزه من مُنتَج إنساني، فهي الباقية. وإلّا لما كانت هناك أهرامات وكتابات هيروغليفية، ولا برج بابل أو قبة الصخرة، أو تاج محل، ولا كانت الإلياذة والأوديسة، وأشعار المتنبي ورباعيات الخيام، أو الجورنيكا لبيكاسو ولوحات فرانشسكو غويا التي خلدت الحرب الإسبانية.

أخيراً، ما الحلم الفني الخاص الذي يراودك حالياً ومستقبلاً؟

حلمي هو أن أعود إلى فلسطين، وإلى مسقط رأسي غزة، أو على الأقل أن أسترد حريتي في الذهاب والعودة كما ومتى شئت، كغيري من البشر. بالنسبة لي هذا حلم فني أيضاً، إذا آمنا بمقولة اشتباك الفن مع الحياة، وهي فكرة أؤمن بها وتتخلل أعمالي منذ أكثر من عقدين، إن تأملنا فيها بعمق (أقصد الأعمال).  

 Credit: Isabelle Audouard