ضدّ العروبة... مقال غير كَيدي على الإطلاق

2020-02-29 00:00:00

ضدّ العروبة... مقال غير كَيدي على الإطلاق

أعود إلى الأزمة الحقيقيّة في خطاب مظلوميّة تنميط "العربي"؛ إذ لم يعد من المنطقي اليوم تحميل كل اللوم على عاتق السياسات الغربيّة وحدها فحسب- وإن كانت لا تزال تلعب الدور الأبرز فيها من وجهة نظري- وإنّما ترتبط أيضاً بدرجة كبيرة بسلبيّة المشروع القوميّ "العربيّ" نفسه. فطوال عقود، وإلى اليوم،

منذ أن اندلعَت شرارة الربيع العربي وحتّى كتابة هذه المقالة تكون قد انقضَت قرابة تسع سنوات من مخاض عسير أفرز الكثير، ولا يزال، لكنّ المولود المَرجو لمّا يأتِ بعد. مع ذلك، لا بدّ من القول إنّنا وصلنا إلى طورٍ بات يَستلزم من المعنيّين والمعنيّات جميعاً إعادة التفكير مطوّلاً بما حدث ويحدث، لعلّها تكون لنا أيّ يد فيما سيحدث مُستقبلاً. وربّما تكمن المفارقة الحقيقيّة في أنّ بعض أنظمة المنطقة- الأنظمة نفسها التي تريدُ الشعوب إسقاطها عادةً- كانت سبّاقة في إجراء هذه المراجعات النقدّية، بل وطوّرت من أساليبها على نحوٍ مُفاجئ ومثير للدهشة في آنٍ، وإن ظلّ ذلك على صعيد الخطاب فقط في معظم الأحيان وليس التوظيف. فبدلاً من التبنّي الفوريّ لسرديّات المؤامرات الكونيّة والطابور الخامس- والقدرة العجيبة على التشبُّث بتلك السرديّات الرخيصة طوال عقودٍ من الزمان كما يفعل نظام الأسد في سوريا- فقد سارعت أنظمة أخرى إلى إصدار تصريحات إيجابيّة وأكوام جديدة من القوانين "الإصلاحيّة" بسرعة فائقة، لدرجة تبدو معها أنّها مُعدّة سلفاً لأوقات حاجةٍ مثل هذه، فضلاً عن تبنّي هذه الأنظمة لمطالب الناس في الشارع والمصادقة على حقّهم في التعبير عن الغضب. وبطبيعة الحال، يُحسَب هذا كلّه للربيع العربيّ أيضاً؛ باعتباره قد لقّن هذه الأنظمة الجامدة درساً قاسياً، وأجبرَ جزءاً ليس بقليل منها على التخلّي عن بعض غطرستها والتفكير بأساليب جديدة من "الضحك على اللحى" وابتكار خطاب يُجاري المرحلة- لكنّه يظلّ بالطبع ضمن إطار الثورة المضادّة- وكلّ ذلك بعد أنّ جزم الجميع بأنّه لا يمكن لهذه الأنظمة أن تُغيّر شيئاً في بُنيتها الأساسيّة دون أن يُفضي هذا التغيير إلى سقوطها الحتميّ بالضرورة؛ وفي الواقع، لم يتغيّر شيء البتّة على صعيد التطبيق، ولم تنطل الخدعة الجديدة-القديمة على أحدٍ، بل إنّها تظّل تُذكِّر الناس بعبارة زين العابدين بن علي الشهيرة "أنا فهمتكم".

ما أودُّ أن أطرحه هُنا ليس أكثر من مجموعة من الانطباعات والأفكار العامّة- دون نفي أنّها ناجمة بالتأكيد عن مراقبة لا بأس بها. وقد لا تخلو، مهما بَذلتُ من جهدٍ، من موقف شخصيّ مُسبَق قد يعتبرُهُ كاتب المقالة نفسه في مواضع معيّنة غير موضوعيّ، بحكم أنّني - كما تعلمون وأعلم، على أيّ حال- لا أنتمي إلى فضاء خارجيّ!

بالتزامن مع ما أحبّ أن أسمّيه بـ "سلسلة الربيع العربيّ- الموسم الثاني"، وأقصد بهذا ما يحدث في كلّ من لبنان والعراق والجزائر والسودان- وتونس إلى حدٍّ ما- أجدُ نفسي باستمرار في مواجهة مُشكلة هويّاتيّة مُستعصية على الحلّ، ترتبطُ بمحاولة تفكيك مصطلح الربيع العربيّ نفسه: البديهي ربّما أنّه لا يمكن أن تكون ثمّة مشكلة كبيرة لدى مُنصِف، في المبدأ على الأقل، مع فهم المعنى المراد من "الربيع" وما ينطوي عليه من ثورات وانتفاضات وحركات تسعى لتحقيق مطالب تنويريّة من تحرُّر وحريّة وعدالة وكرامة إنسانيّة، وهو يستوجِب بالضرورة إسقاط أنظمة الاستبداد والرجعيّة- "كلّن يعني كلّن" مثلما يهتف رفاقانا ورفيقاتنا في الساحات اللبنانيّة.

لكنّ الوضع يصبح أكثر ضبابيةّ وتعرُّجاً، بل وخارج السيطرة أحياناً، مع كلّ مُحاولة للتفكير عميقاً في المقصد من كون هذا الربيع "عربيّاً"؛ هُنا لبّ هذه المشكلة الهويّاتيّة ومكمنها؛ إذ يتبيّن أنّ الكثيرين والكثيرات من مُناصري هذا "الربيع" ومُناصراته، وكاتب هذه المقالة ينتمي إلى هذه المجموعة بكلّ تأكيد، إنمّا نتعاطى، بمستويات متفاوتة، مع ما يحدث في كلّ من سوريا والعراق وفلسطين ولبنان واليمن ومصر والسودان والجزائر وتونس والمغرب، ونتفاعل مع أحداثها ليس باعتبارِنا "عَرَباً"، ولا من باب ظواهر التعاطف الإنساني العالميّ على غرار مناصرة المظاهرات في كلّ من الإكوادور أو هونغ كونغ- أو الالتزام الكونيّ على غرار قضيّة التغيُّر المناخيّ-، ولا من باب مَصلحيّة واقعيّة (وتعاطف عالميّ أيضاً) كدعم الحراك الإيرانيّ  ضدّ نظام الملالي- الأب الروحيّ لنظام الأسد وحزب الله والحشد الشعبيّ وحركة أنصار الله/ الحوثيّين- ولكنّنا نتفاعل مع أحداث المنطقة، وخصوصاً مجموعة الدول سالفة الذكر، باعتبار أنّ ما يحدث فيها إنّما هو شأن شخصيّ بكلّ ما تعنيه الكلمة. لدرجة أنّني أستغرب، بل وأستهجن، أن يُطالبني واحد من الأصدقاء في لبنان أو مصر مثلاً بألّا أُبدي رأياً بما يحدث في "بلده" تحت قاعدة "عدم تدخّل المرء فيما لا يعنيه". لكنّني في الوقت نفسه، والكثيرون والكثيرات- نفسهم الذين استحضرتهم قبل قليل... أتعبتُهُم معي- لم نعتبر أنفسنا يوماً "عرباً" بالمعنى القوميّ الكلاسيكيّ للكلمة على الأقل؛ وأتحدّث هُنا عن المفهوم البعثيّ- الناصريّ، ونظيره القوميّ الاجتماعيّ الفاشيّ.

يتجاوز هذا اللا انتماء البعد القوميّ السابق بكثير، ليصل إلى الاختلافات الجذريّة في طبيعة الأنظمة الاجتماعيّة السائدة في الدول ذات الأغلبيّة "العربيّة". فلنُفكّر في الأمر قليلاً؛ على سبيل المثال، إنّ أيّاً من مشاريع "الوحدة" على أسس التكافؤ والمساواة والاحترام المتبادل ما بين دولتين أو أكثر من مجموعة تضمّ سوريا ومصر ولبنان وفلسطين وتونس والعراق والأردن والكويت قد يبدو مشروعاً أكثر منطقيّة وقابليّة للنجاح، على الصعيدين الاجتماعيّ والثقافيّ على الأقل، من مشروع وحدة ما بين أيّ من الدول السابقة مع جيبوتي أو جزر القمر أو المملكة العربيّة السعوديّة مثلاً (والتي نعرفُ اسم عاصمتها على الأٌقل دون الاستعانة بغوغل، بعكس الدولتين السابقتين). وليس هذا انتقاصاً من هويّة أحد، أو إعلاء من شأن هوية آخر، كما قد يسارع البعض في الفهم، وإنّما من باب الإشارة إلى الاختلاف فحسب. إذ يبدو أنّ اللغة وحدها في الوقت الحالي لم تَعُد جامعاً يكفي خارج الإطار الثقافي والأكاديميّ (وفي الواقع، ومع التراجع الحاد للعربيّة الفصحى ومجالات استخدامها وطبيعة مُستخدميها، فإنّه قد يصّح القول في مواضع عديدة بأنّه ليسَ ثمّة لغة مشتركة بين بعض الدول العربيّة!).

أما على صعيد الجغرافيا، على أهميّتِها، فإنّه ثمّة في عصرنا الحاليّ تجارب إقليميّة ناجحة على غرار مجموعة "البريكس" التي تجمع ما بين البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا- تخيّلوا البرازيل وجنوب أفريقيا في كياٍن واحد معاً! فضلاً عن أنّ نموذج الإمبراطوريّة الذي يُهيمن على تاريخنا المُدوَّن لم يكن لينجح لو أنّه كان يولي أيّ اهتمام فعليٍّ بالشروط القوميّة في تكوينه الأساسيّ؛ سواء أكانت لغة أم جغرافيا، على أهميّتها طبعاً.

والسؤال هُنا: هل لا يزال مشروع الحركات القوميّة "العربيّة"، في سياق نشأته وتطوّره التاريخيّ، باعتباره تصوُّراً طارئاً لنظام إقليميّ بديل في أعقاب انهيار الإمبراطوريّة العثمانيّة، صالحاً حتّى اليوم؟ برأيي، سيكون ثمّة خلل فكري عميق إذا ما واصلنا وضعَ آمالنا، عقب قرابة مئة سنة من الفشل الذريع، على مشروع لا يمكن وصفه في أحسن الأحوال، ومع افتراض حُسن النيّة لدى مُسوّقيه، سوى بأنّه ردّ فعل طارئ أكثر هشاشة من أن يستوعب أزمات كيانات ما بعد الاستقلال وما قبل الدولة، أو اختلافاتها.

ثمّ أريد أن أشير أيضاً إلى أزمة حقيقيّة مؤلمة- ولا أدري لماذا لا يريد أحد أن يُسلّط عليها الضوء بصورة مباشرة- تتعلّق بمسألة الصورة النمطيّة عن "العرب"، مع العلم بأنّ آثارها بالغة ويوميّة في حياتنا على نحوٍ لا مجال للتغاضي عنه، وبخاصّة نحنُ المقيمين خارج المنطقة. ما يثير كلاً من الاهتمام والاستغراب فعلاً هو أنّ الغالبيّة العظمى ممّن يتضّررون من التنميط "العربيّ" في سرديّات الاستشراق الهوليووديّة هُم في الحقيقة لا ينتمون، بل لا يتشابهون أصلاً، مع تلك الصورة المتخيّلة عن "العرب"؛ إذ ندركُ نحنُ، موضوع هذا التنميط، أنّها صورة ناجمة عن تعميم عقيم، وإذا ما كان فيها شيء من الصحّة، فهي محصورة في عدد من كيانات شبه الجزيرة العربيّة، بدولها ومملكتها وإماراتها (ونتحدّث هُنا عن منطقة ذات تعداد سُكاّني صغير، لا يتجاوز عدد سكّان العاصمة المصريّة القاهرة).

بالطبع ثمّة انتقادات كثيرة يمكن توجيهها لهذه الفرضيّة: عمالة، استشراق، إلخ... لكنّها ستندرج في الغالب ضمن إطار نَظريٍّ غير واقعيّ، أو ستُعيدنا إلى خانة القوميّة الكلاسيكيّة أعلاه. وحتّى الأخيرة يمكن دحضها بسهولة، عندما نتحدّث عمّن يقود حملة التطبيع مع إسرائيل في المنطقة! ولا أزال أذكر كمية الأصدقاء والصديقات الذين تعرّضوا/ـنَ إلى اتّهامات مباشرة وغير مباشرة، لا ناقة لنا فيها ولا جمل، في أعقاب جريمة الاغتيال المرعبة التي ارتكبها النظام السعوديّ في مقّر قنصليّته بإسطنبول وطالت الصحفيّ جمال خاشقجي، وبأسلوب أقلّ ما يُقال عنه أنّه مستوحى من سلسلة أفلام الرعب المعروفة "Saw". وكذلك سيطول الحديث جداً إذا ما أردنا أن نُعدّد فقط تبعات أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وبن لادن، وأخيراً وليس آخراً حادثة قاعدة بينساكولا البحريّة الجويّة في فلوريدا التي قَتلَ مُبتعث سعودي ثلاثة من زملائه الأميركيين.

هل يمكن اعتبار حلم الوحدة العربيّة سبباً كافياً لتحمُّل التبعات الكارثيّة لكلّ ما سبق؟ ربّما كان ليسهُلَ الأمر لو أنّ السعوديّة مثلاً، تلعب أيّ دور فعّال أو حقيقيّ عندما يتعلّق الأمر بالأخطار التي تواجه مجموعة دول الربيع؛ وحتّى في المرّات القليلة عندما تفعل ذلك، فإنّ الفعل يترافق عادةً مع نتائج أكثر كارثيّة وتخريبيّة، ومثال ذلك واضح جداً في كلّ من سوريا واليمن وليبيا؛ فعلاقة الثورة السوريّة بالسعوديّة تتلخّص بوجود شخصيّات على غرار المحيسني "رئيس مركز دعاة الجهاد في سوريا"، وقرابة ألفي مقاتل سعودي في تنظيم داعش وحده (وهي أرقام رسميّة سعوديّة، مقابل أخرى تقول بأنّ العدد تجاوز عشرة آلاف مقاتل)، وكذلك الموقف السلبيّ من أزمة اللجوء التي قابلها شبه استحالة الحصول على تأشيرات الدخول إلى السعوديّة، وتشتيت صفوف المعارضة المنقسمة على نفسها أصلاً، ووصولاً إلى التخلّي حتّى عن كلّ تلك الخطابات قويّة العبارة، فارغة المضمون، التي جاءت على لسان عادل الجبير بصدد رحيل الأسد خلال أيام معدودة.

وبخلاف العبوديّة الحديثة تحت مُسمّى نظام الكفالة، وفرقة إرهاب الدولة المعروفة بمسمّى "المطاوعة" أو هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإنّ هذا ما نعرفه نحنُ، أقصد هُنا بقيّة العالم، عن السعوديّة، وبدرجة أقل عرفنا لاحقاً أنّه ثمّة قرابة مئة ألف من الطلاب المُبتعثين من السعودية للدراسة في الخارج- ولا أدري إن كان هذا يدعو للتفاؤل أم لا؛ والحقيقة أنّني لم أكن أعرف أو أهتم بهذا الأمر قبل أن تنتشرَ المعلومة إبان الأزمة الكنديّة- السعوديّة التي هدَّدت مُستقبل الآلاف من أولئك الطلاب، وذلك عندما أمهلتهُم المملكة مدّة شهر للعودة. أيضاً كنت قد شاهدتُ مصادفة أنّ عدداً من المُبتعَثين السعوديين كانوا محور الحديث في وثائقي شبكة نيتفلكس Terrorism Close Calls، باعتبار أن عدداً منهم كانوا على وشك تنفيذ سيناريوهات إرهابيّة أشبه بما حدث في الحادي عشر من أيلول، بل ربّما أكثر فظاعة، لولا أنّ تمكّنت سلطات الدول التي من المقرّر أنّهم يدرسون فيها من إحباط تلك العمليّات في اللحظات الأخيرة.

أعود إلى الأزمة الحقيقيّة في خطاب مظلوميّة تنميط "العربي"؛ إذ لم يعد من المنطقي اليوم تحميل كل اللوم على عاتق السياسات الغربيّة وحدها فحسب- وإن كانت لا تزال تلعب الدور الأبرز فيها من وجهة نظري- وإنّما ترتبط أيضاً بدرجة كبيرة بسلبيّة المشروع القوميّ "العربيّ" نفسه. فطوال عقود، وإلى اليوم، لا تزال الحملات التي تدعو إلى مُحاربة هذه الصورة النمطيّة ظاهرةً تثير أيضاً الكثير من الاستغراب، لأنّها مَبنيّة على أساس قوميّ تنميطيّ أصلاً! بمعنى أنّها تنطلق من اعتبار أنّه ثمّة هويّة قوميّة "عربيّة" واحدة مُشتركة بين كلّ سكاّن المنطقة، وأنّ مشكلة هذه الحملات مع الصورة النمطيّة "للعرب" تمكن في أنّ هذه الصورة مُجحفة ومتحيّزة وبعيدة عن الواقع فحسب.

وهذا طرح لا مصداقيّة له، لأنّه يتعاطى في الأصل من منطلق يعتبر سكان المنطقة قالباً جامداً، مُتجانِساً (بمفهوم بشار الأسد عن التجانس، والذي اقتبسه الأخير عن أنطون سعادة مؤسِّس الحزب السوري القومي الاجتماعي- المصنّف دوليّاً ضمن قائمة الأحزاب الفاشيّة)، وتفشل تماماً في التمييز ما بين الثقافة والحضارة والدولة والأمة و و و ... وحتّى لو وافقنا جدلاً على خطاب المظلوميّة السابق، فإنّ هذا يستلزم فوراً تحميل مسؤولية دحض الصورة النمطيّة التي تقول بأنّ العرب في غاية الثراء والإسراف، والجهل والهمجيّة عندما يتعلّق الأمر بمجتمعات التنوير وحقوق الإنسان، فضلاً عن أسطورة أنّ كلّ رجل عربيّ ينام فوق بئر نفط- ولديه أربع زوجات يَسِرن وراءه بمسافة متر وبضعة سنتيمترات عادةً- وهو إرهابي حتّى لو أثبت العكس، و و و ... إنّما تقع مباشرة على عاتق السعوديّة في الدرجة الأولى والأخيرة. والحديث عن دحض هذه الصورة ينطوي على أنّها غير صحيحة، وحتّى لو كانت كذلك، فأنّا لا أعتقد أنّ مسؤولية دحضها تقع على عاتق سكّان المخيمات السوريّة في تركيا أو الفلسطينيّة في لبنان أو اللاجئين والمهاجرين العراقيين في السويد! لكنّني آمل بأنّ تكون لدى السعوديّة القدرة والإمكانات الكافية لدحضها، وأن يحدث ذلك عمّا قريب (وهذا موقف يندرج ضمن التعاطف الإنساني العالميّ سالف الذكر تجاه أيّ مجموعة بشريّة تتعرّض للتمييّز).

ما أودُّ قوله باختصار إنّه من غير المقبول تعميم هذه الصورة النمطيّة- المُجحِفة بكلّ تأكيد - على دول أخرى في المنطقة لا ذنب لها سوى أنّها وجدت نفسها في صبيحة يوم من الأيام جزءاً من مشروع "عربي"! إنَّ مخيال الهوية القوميّة العربيّة صيَّر الجميع "عرباً"، ثمّ جعلَ "كلّ الأشياء عند العرب صابون"، لتأتي هذه الصورة النمطيّة الحديثة كمزيج استشراقيٍّ مُشوَّه بروافد من أفكار وحدويّة هشّة لم تعد صالحة حتّى للخطاب الشعبيّ، وكلّ ما فعلَتهُ أنّها قاطعَت الامتداد الطبيعيّ والتاريخيّ للنظام العالميّ الذي شكّلَتهُ كلّ هويات المنطقة مجتمعة، دون إقصاء أحد أو تهميشه على حساب آخر، على مدى قرون عديدة.