"كان اسمي ماريا" وقصيدتان لشيل إسبمارك (ترجمة)

2020-05-14 16:00:00

تقديم المترجم

"الذاكرة تكذب لكني أعرف تلك اللحظة: مُلتصقين كجناحي حشرة، نطيرُ، راحلينَ فوق الفُرات، مُرتعشين، ممتلئين بشيءٍ يُشبه الشمس.. الذاكرة تكذب، الآخرة قد تسبق الموت ولأن المساء حُريّةٌ فأن الحياة تبدأ بعد السبعين" يقول شيل إسبمارك في لقاء تلفزيوني..

في التسعين، ما زال شيل إسبمارك عضواً في الأكاديمية السويدية، أكاديمية نوبل، في الكرسي رقم 16. في التسعين أيضاً مازال يكتب الشعر، "بدأتُ شاعراً وسأنتهي شاعراً" يقول في لقاء آخر.

في الخريف الماضي، بين تماثيل الحجر في أكاديمية الفنون في ستوكهولم، استمعنا إليه، بحركاتٍ بطيئة وخدودٍ حمراء كخدود الأطفال في اللوحات الروسية القديمة، قرأ قصائد من مجموعته الأخيرة "سحابة من الشهود". قصائدٌ قصيرة، فيها دفقٌ مُحبب وقليلة المجاز. لاحقاً رأيته عند الباب، ينظر إلى المدينة التي عاش فيها تقريباً كل عمره كأنه، للمرة الأولى، يراها..

"قصائد عن الحب" 2016 مختارات شعرية من دواوين إسبمارك السابقة. لا "أنا" واضحة في هذه المختارات، أصوات الآخرين تحمل القصائد غالباً على شكل مونولوجات شعرية، أصواتٌ بعيدة لم نعتد عليها، من عالم الموتى تنادي أولئك الذين ما زالو على قيد الحياة، أو من الذكريات والمدن البعيدة.. هُنا ثلاث قصائد تُرجمتْ عن الأصل السويدي..

 

بدأتُ أتذكر

تَذكرت:

جمّعتُ آخر قواي

لهدفٍ واحد: أن استرجع وجهي.

فقدتُ أمي بالسرطان عينه-

ملامحها المتآكلة وقفتْ بيني وبينها.

رفضتُ، أن أترك لكَ وللأطفال،

هذه الصورة المؤلمة لتعيشوا معها.

لا أتوقع من أحدٍ أن يفهم

كم مُتعبٌ، لشخصٍ لا يستطيع المشي،

وبالكاد يقوى على رفع ذراعه،

أن يعود لسنوات مضت،

زاحفاً فوق الطرق القصيرة والأبد،

ليحمل ما فقده إلى هُنا.

لكني فعلتُ ذلك.

جلبتُ لكم وجهي.

وعندما انقطعت آخر أنفاسي الـمُتسارعة

انتظرتكم المُعجزة.

سنوات الألم غاصت فيَّ،

مسحتُ الملامح الملتوية، من الداخل،

ودفعتُ للأمام وجهي القديم.

الآن تراني

وكأني عدتُ للنوم صبيحةَ أحد

وبسهولةٍ غفوت،

على شفاهي شبه ابتسامة،

مستعدةٌ لأن أفتح في اللحظة التالية عيوني

وبهدوء أقول:

كنتَ تنظر إلي وأنا نائمة..

من "لا قبور للأحياء" 2002
 

كان اسمي ماريا

كان اسمي ماريا وكنتُ من خشب،

حُزنٌ من خشب، أفكارٌ

بطيئة من خشب، ورحمٌ بالٍ من خشب.

لكن ثوبي كان سماويّ الزُرقة

ومرشوشاً بنجومٍ لاسعة.

حدثَ مرةً أن جذبتني ابتسامةٌ

مُهرجٍ أراد أن يُمجِد

الرب بمهاراته المتواضعة.

تشقلبَ وغنى بصوت عالٍ،

قلدَ كُلَّ حيوانات الطبيعة

وكان بائساً لدرجةٍ تجعل الخشب يأسف له.

هبطتُ من مكاني،

ثوبي شفقٌ شمالي كثيف،

وأخذتُ رأس المهرج المذعور

في يدّي. دائخةً من روائحه

تلمستُ طريقي في شعره الأجعد،

انحنيتُ مُطقطِقة للأمام

وقبّلتُ الجبهة الـمُتعرِقة.

حينها مرَّ فيّ ألمٌ غريب-

كُنتُ للحظةٍ بشراً.

عُدتُ إلى مكاني

تاركةً الُمهرج مُرتجفاً

أمام ما اعتبرهُ مُعجِزة.

لكن التي رأتْ المعجِزة حقاً،

مُعجزة البشر، كانت أنا..

من "شارع الشتاء" 2007

 

إشارات

بعنادٍ تطلبُ مني إشارةً

إلى أني موجودةً لأجلك هُنا في العُتمة.

لكن ما هذا الذي تطلب؟

أن أخربش لك، أنا التي عملتُ طويلاً في مكتب البريد،

بضع كلماتٍ على رسالةٍ في الطريق إليك؟

عنواناً تستطيع لاحقاً البحث فيه عني.

ألا تُلاحظُ هذا الصمت

الذي يمر بجانبك طول الوقت؟

صمتٌ يتنفسُ اسمك.

نعم، حين كنتَ واقفاً تحت الدوش

شعرتَ فجأةً برأس لساني

يمرُّ فوق رأس قضيبك.

رذاذ الماء ضحكَ من ارتباكك.

وسط حديثٍ مع أصدقائنا

يختلط صوتي بصوتك. مُحمراً من الخجل

تُدركُ، أن هذا الذي تحكيه،

واحدةٌ من ذكرياتي..

من "في ساعة الذئب" 2012