رجا دبية... مكرَّماً في "أيام فلسطين السينمائية" ومستعاداً من أصدقائه

2020-10-21 13:00:00

رجا دبية... مكرَّماً في

خلال تصوير فيلم "200 متر" كنت أتوجه إليه لاستشارته في مشاكل متعلقة بالصوت فيقول: لماذا تسألني وأنت تقني صوت؟ كان هذا جوابه لأنه دربني في السابق وكان على ثقة أنه قدم لي من معرفته الكثير دون أن يبخل عليّ. هذه ميزة معلم حقيقي كان رجا يتمتع بها".

خلال افتتاح مهرجان "أيام فلسطين السينمائية" تم تكريم الراحل رجا دبية، مصمم وتقني صوت، إبن الناصرة الذي غادرنا مؤخرًا تاركًا وراءه إرثًا غنيًا من تصميم وتسجيل الصوت لأفلام فلسطينية وأخرى.

في العام 2018 كان المهرجان نفسه قد أعد تقريرًا قصيرًا عن رجا وعمله ضمن عمل مصور يحمل اسم "انت في فريم"، فيه تحدث رجا عن السينما الفلسطينية قائلا: "السينما مهمة جدًا للنقد الذاتي، وهي مساحة تتيح التعرف على الآخر والتعاطف مع الآخر. السينما الفلسطينية شقت طريقًا جيدًا على مستوى الإنتاج رغم صعوبات التمويل والكوادر المهنية. أدعو الجمهور لمشاهدة السينما بعين ناقدة ومتفاعلة وليست متلقية فقط".

اليوم تأتي السينما الفلسطينية من خلال مهرجانها، ومخرجيها، وممثليها، وتقنييها، وجمهورها، لتقف دقيقة تحية لهذا الفنان المبدع، واسع الثقافة الذي سيبقى حاضرًا في البال دائمًا كأبرز من عمل في تقنيات الصوت. كثيرون ممن شاركوه في العمل تحدثوا عن إنسان مميز ومعطاء، لم يكن بخيلاً على السينما ولا على صناعها أو جمهورها بالمهنية والجودة، لذا غادرنا شخص تنسب له الكثير من الإنجازات والأدوار والأهمية. في هذا النص يتحدث أشخاص عرفوا رجا العازف أو مصمم الصوت أو المعلّم أو الصديق. 

عن رجا دبية تحدث إلينا في "رمّان" المخرج أمين نايفة، الذي أنهى العمل على فيلمة الأخير "200 متر" قبل وفاة دبية بـ 6 أشهر، يقول أمين: "تعرفت عليه في العام 2011 كطالب بموضوع السينما، حيث عملت معه كـ "boom man" في أحد الأفلام. وفي العام 2015 عملت على تصميم صوت لفيلم وهو قام بعمل الميكس لكن اللقاء الفعلي والعمل المباشر والمشترك تم خلال فيلمي الأخير حيث عمل  هو كتقني صوت.

اخترت العمل معه لأنه الأكثر خبرة في مجاله في فلسطين، ولأنه يتمتع بخفة دم استثنائية، لديه طاقم عجيبة يجعل الإنسان يحب التعامل معه وهو معروف بقدرته الإنسانية العالية على خلق أجواء من الفرح. وأذكر جيدًا في العام 2011 وخلال عملنا في نفس الفيلم كم تعلمت منه مهنيًا، لكن الأهم من ذلك كان تعرفي عليه كإنسان يحب العدل والإنصاف لنفسه وللآخرين، حيث انتقد رجا معاشي ووصفه بالاستعباد وطالب بحقي، هذه إحدى أجمل الذكريات التي تجمعني به.

خلال تصوير فيلم "200 متر" كنت أتوجه إليه لاستشارته في مشاكل متعلقة بالصوت فيقول: لماذا تسألني وأنت تقني صوت؟ كان هذا جوابه لأنه دربني في السابق وكان على ثقة أنه قدم لي من معرفته الكثير دون أن يبخل عليّ. هذه ميزة معلم حقيقي كان رجا يتمتع بها".

عمل رجا مع المخرجة آن ماري جاسر في عدد من الأفلام كمنتجة وكمخرجة، أخبرتنا آن ماري عنه: "عمل معي رجا في 8 أو 9 أفلام، رجا كان صديقًا ويجمعه مع زوجي أسامة تاريخ وصداقة ومشروع ثقافي قديم اسمه "كبت". لم يكن رجا تقني أو مصمم صوت وموسيقى فقط، بل عمل معي كمدير إنتاج أيضاً في فيلم "واجب" وموزعًا لفيلمي "ملح هذا البحر". هو إنسان معروف بمدى إخلاصه لعمله، جديته، كان يقوم بعمله على أتم وجه ولا يتردد في معالجة أي خطأ تقني، يمكنني القول إنه شريك في كل فيلم يعمل به ولذلك كان له دور في كل أفلامي.

إنسانيًا تميّز رجا بكسب محبة الأشخاص الذين يعملون معه، ففي فيلمي "لما شفتك" كان أحد الأبطال طفلاً في العاشرة من العمر، أحب رجا بشكل خاص وكان يشعر بالراحة خلال التصوير عندما يتواجد رجا بالقرب منه. كان صديقًا مقربًا، يعتمد الصمت في العمل بسبب حساسية مجال عمله، أما في حياته الاجتماعية فكان كثير الحديث، ممتع ومضحك ومثقف جدًا يمكنه مناقشتك في أي موضوع، كان يرغب بمعرفة كل شيء في هذا العالم، كما كان يحب أن يعلّم الآخرين من معرفته وخبرته في أي موضوع".

المخرج إيلي رزق تحدث عن رجا قائلا: "معرفتي برجا تعود إلى سنوات طويلة، كنت صغيرًا في السن عندما التقيته عازفًا في فرقة "سمانا". وبجيل 16 عاماً كنت أتطوع في مخيم وكانت هذه فرصة للتعرف عليه أكثر حيث تطوع في نفس المخيم. عندما انضممت إلى طاقم فيلم "عمر" للمخرج هاني أبو أسعد تعرفت على رجا كتقني صوت، كنت أحظى باهتمامه بشكل خاص. في تلك الفترة قام رجا بتدريب عدد من الأشخاص وتعليمهم أصول مهنة تقنيات الصوت للأفلام ليكون "جورو" لجيل شاب يتابع من المسيرة من بعده.

عندما أخرجت فيلمي الأول توجهت إليه لأنه أكثر مختصي الصوت خبرة في المجال السينمائي، ولأني أعرف مدى إخلاصه لأي عمل يشارك فيه. اختياري العمل معه بالأساس مدفوع بثقتي به. رجا كان مهتمًا بعمله ومهنيًا جدًا، وحريصاً على تجديد معداته كي يضمن لكل فيلم أفضل صوت وأفضل موسيقى. أما إنسانيًا فكان قريبًا جدًا، محبوبًا ودائم الضحك، لم يبخل بالنصائح ولا بتقديم المشورة والاحتواء".

بعيدًا عن السينما يتحدث زياد عوايسي، وهو صديق رجا منذ مرحلة الدراسة الثانوية، وخاضا معًا –إلى جانب آخرين– تجربة إقامة مشروع ثقافي مغاير في قلب سوق مدينة الناصرة في العام 2004 تحت اسم "كبت" وهو فضاء شبابي مميز، وحاضنة للعروض السينمائية والفنية والثقافية. يقول زياد: تعرفت إلى رجا خلال الدراسة الثانوية، كان إنسانًا واسع الثقافة، معرفته عبارة عن فضاء من القصص والتجارب والقراءة والثقافات. كان رجا عازفًا محترفًا ومثقفاً موسيقيًا، من خلال النقاش معه تعرفت على أنماط من الموسيقى العالمية التي لم أكن استمع إليها مثل الروك. كان شخصًا منفتحًا ومثقفًا جدًا نجح خلال أحاديثنا ومن خلال الموسيقى التي كان يشاركني إياها في أن يخلق لدي حب استطلاع وتقبل وانكشاف على أمور جديدة. 

ما ميزه هو قدرته على إدارة حوار حول أي موضوع، إنسان ممتع وطيب وصديق لا يبخل عليك بمعرفته. لدينا الكثير من الذكريات، وبالذات من مشروع "كبت" الذي كان تطوعيًا ناجحًا. غياب رجا هو خسارة كبيرة لمدينته ومجتمعه وللموسيقى وصناعة السينما".