الثقافة وفلسطين في زمن الجائحة... شهادات لعشرة مثقفين وفنانين

2021-04-30 02:00:00

الثقافة وفلسطين في زمن الجائحة... شهادات لعشرة مثقفين وفنانين
Fouad Agbaria Follow Like in a Dream, 2018 Acrylic on canvas, 80 × 140 cm

 واقعٌ أقّل ما يمكن وصفه بالصعب جداً ذلك الذي يعيشه القطاع الثقافي في فلسطين المحتلة، نتيجة استمرار تفشي جائحة كورونا (كوفيد-19) للعام الثاني على التوالي، الأمر الذي دعانا إلى أن نُخصص هذا الملف للآثار السلبية للجائحة على الحياة الثقافية في البلاد، سائلين كوكبة من المبدعين والمبدعات على امتداد جغرافيا الوطن الممزّق لتشمل القدس وأراضي 48 والضفة الغربية وغزة، عن مدى آثار الجائحة على نشاطهم الأدبي والثقافي بشكل خاص، وعلى الحياة الأدبية والثقافية في البلاد مع استمرار تفشي الوباء للسنة الثانية.

القاص والروائي محمود شقير (القدس): نشاط للقاءات على زوم

كان لجائحة كورونا في الأشهر الأولى من عام 2020 تأثير سلبي على الثقافة وعلى الأدب والفن في العالم أجمع وفي فلسطين على وجه الخصوص. فقد تعطلت الندوات الثقافية والمؤتمرات ومعارض الكتب وعروض السينما والمسرح والغناء، وذلك للحدّ من تجمهر الناس في القاعات وأماكن العرض، وللتخفيف من العدوى. أذكر أنّني شاركت بتاريخ 12/03/2020 في معرض الكتاب الذي تقيمه مكتبة "كل شيء الحيفاوية" في "يافة الناصرة" لمدة عشرة أيام كل عام، ولم يستمر المعرض سوى خمسة أيام، ولم تتم إقامته لهذا العام 2021. وأذكر أنّ وزارة الثقافة وغيرها من المؤسسات الثقافية والسياسية في فلسطين استعاضت عن الندوات المباشرة بعقد ندوات من خلال تقنية زوم وتطبيق سكايب؛ بحيث يلتقي محاضرون ومحاضرات مع الجمهور عبر وسائل الاتصال الإلكتروني هذه. 

فقد ابتدأت الوزارة في شهر نيسان/أبريل من العام الماضي ندواتها الثقافية تحت عنوان "طلّات ثقافية" بحوار معي استمر ساعة واحدة، تحدثت فيه عن تجربتي في الكتابة، وبلغ عدد مشاهدي الحوار 65 ألفاً. وبعد انقطاع مؤقّت جراء الجائحة استأنفت "ندوة اليوم السابع" المقدسيّة نشاطها الأسبوعي عبر تقنية زوم بالتعاون مع نادي الموظفين المقدسي، ولم تكتف الندوة بجمهورها المعتاد؛ بل إنّ مشاركين من بلدان عربية شتّى اعتادوا المشاركة فيها كل أسبوع. وقد عُقدت في الأشهر المنصرمة من عام 2021 ندوات وأنشطة ثقافية مع الحفاظ على شروط السلامة من العدوى، أذكر منها قيام الاتحاد العام للكتّاب والأدباء الفلسطينيين بتكريم القدس من خلال تكريمي وتكريم "ندوة اليوم السابع" في قاعة بلدية البيرة بتاريخ 04/04/2021.

وأما بخصوص نشاطي الخاص؛ فقد أسهمت الجائحة وتسهم في إحكام طوق العزلة الطوعيّة عليّ، بحيث لا أغادر البيت إلا نادراً، ما جعلني أقرأ كتباً كثيرة، وأشاهد أفلاماً ومسلسلات تلفزيونية كل يوم تقريباً، وما جعلني أداوم على الكتابة كل يوم.

الكاتبة والأديبة نسب أديب حسن (القدس): 2020 عام إنجاز ونجاح

شهدت القدس بالذات توقفاً وشللاً كاملاً في الحياة الثقافية الفلسطينية عام 2020، إذ تم تشديد الاحتلال في الإغلاقات والمراقبة، وغياب النشاط الثقافي في مدينة تقع تحت الاحتلال، يبعث الكثير من الهواجس، التي قد لا تظهر في مدينة عادية. خصوصاً وأنّ العديد من الجهات الثقافية المقدسية من مؤسسات وإعلام وأنشطة بمبادرات شخصية شهدت ملاحقة، ومنع منذ خريف 2019 في خطوات تصعيدية، ثم جاءت جائحة كورونا، بما رافقها من إغلاقات، وضائقة مادية مرّت بها جميع المؤسسات الثقافية، لتغلق جميع المؤسسات أبوابها وتوقف أنشطتها، دون أن تبادر لنشاطات في حدود القوانين المسموحة من 20 شخص في مكان مفتوح، وإنّما الاكتفاء بنشاطات قليلة عبر تقنية زوم، وكان لهذا تأثيره السلبي على نشاطي في القدس. لكن على الصعيد الشخصي في هذا العام حققت إنجازاً كبيراً، أثمر فيه مجهود عملي البحثي خلال أربع سنوات خلت، فصدر لي كتابان في أيلول/سبتمبر 2020. 

الأول: "المتاحف والصراع الفلسطيني الإسرائيلي على هوية القدس الثقافية المعاصرة" وكنت قد أنجزته في خريف 2017، وصدر هذا العام عن وزارة الثقافة الفلسطينية. أمّا الثاني: "الرامة.. رواية لم ترو بعد 1870 -1970" بحث تاريخ اجتماعي، مشترك لي وللمرحوم والدي د. أديب القاسم حسين، وصدر عن متحفي البيت القديم و"دار طباق للنشر والتوزيع". 

توزع نشاطي الثقافي في الداخل الفلسطيني والضفة الغربية، اللذين خضعا لفترات إغلاقات مختلفة فترة الإصدار، فساعدني الأمر في التمكّن من عقد بضع ندوات وحفلات توقيع، لتقديم البحثين مع المحافظة على شروط الوقاية. حفلات التوقيع الثلاث التي عقدتها في قريتي الرامة بحضور ما لا يتجاوز 25 شخصاً لكل لقاء، لم تضاهي أمنيتي بعقد حفل توقيع كبير تستحقه الموسوعة التاريخية الواقعة في 640 صفحة من القطع الكبير، لكنّ هذه اللقاءات منحتني الفرصة لأفرح وأحتفي وإن كان بصورة مختصرة بالكتاب. وبعدها بأسبوع فرض إغلاق لعدة أشهر وتم منع التجمعات، بينما كانت ما تزال مسموحة في الضفة، فتمكّنت من عقد أمسيات عن الكتابين في الخليل ورام الله وبيت ساحور. ورغم الشعور ببعض الضيق إزاء عام 2020، إلا أنّه عام إنجاز ونجاح على الصعيد الشخصي.

الناشر والروائي سمير الجندي (القدس): قطاع النشر مهدد بالتوقف

لقد عمّ بلاء جائحة كورونا بلادنا مثلما عمّ في كافة بقاع الأرض إلا أنّ معاناتنا مضاعفة كوننا في القدس نعيش تحت جائحتين ألا وهما الاحتلال وكورونا. إنّ الجائحة تسببت بأن تكون ذريعة إضافية يستخدمها العدو الإسرائيلي في الضغط علينا ضغطاً يثقل معاناتنا، حيث أنّه المسؤول الأول عن المكان الذي يسيطر عليه أمنياً، وبذلك هو المطالب إنسانياً وأخلاقياً بأن يوفر الوقاية والعلاج إلا أنّه بدلاً من ذلك أخذ يضيق علينا تحركاتنا في ممارسة العمل التطوعي والإنساني لمد يد العون لكل من يحتاج اهتماماً طبياً جراء هذه الجائحة فقام باعتقال الشباب حين نزلوا للشوارع لتعقيم المرافق بعد أن امتنع هو عن فعل ذلك. كما قام بمخالفة الناس بسبب وبدون سبب بحجة عدم لبس الكمامات مثلاً.

أما من حيث النشر فإنّ الضائقة المالية التي سببتها الجائحة منعت الناس عن شراء الكتب فكسدت أعمالنا بشكل شبه تام، وأغلقت المكتبة بعد أن توقفنا عن دفع رواتب العاملين. والآن نحاول الحفاظ على الحدّ الأدنى من وجودنا، فنشتغل من البيت ولا نستطيع توفير الكتب الورقية لمن يطلب الكتاب من خارج فلسطين فنحن محاصرون في مساحة ضيقة للعمل، وفرصنا ضيقة لدرجة انعدام بيع الكتاب الورقي إلكترونياً. وتوقفت الأندية الثقافية عن الاجتماع مثل السابق إلا ما ندر وهذا حدّ من استمرارنا في تطوير عملنا الثقافي. كما أنّ تجار الورق وأصحاب المطابع يطالبون بدفع كلفة الطباعة سلفاً وهذ حدّ من إصدارنا للكتب الجديدة. لقد تراكمت ديوننا كناشرين بسبب الجائحة التي أوقفت أعمالنا فلا معارض داخلية وخارجية ولا ندوات أدبية ولا أندية ثقافية. إنّ قطاع النشر مهدد بالتوقف وهو بحاجة إلى الدعم مثلما يتم دعم الغذاء والدواء.

الإعلامية والمخرجة السينمائية نضال رافع (حيفا): يعتبرون الثقافة والفنون ترفاً

كما في مناطق مختلفة من العالم كانت الأوضاع صعبة جداً في كافة المجالات منذ بدء الجائحة، أما عن وضعنا الثقافي والفني بالبلاد مع تزايد الخوف من تفشي فايروس كورونا فكان بالغ الصعوبة لأنّ بعض الأشخاص من حولنا يعتبرون الثقافة والفنون ترفاً وأنّها ليست خبزنا اليومي ولا هي الزيت والزعتر! للأسف الشديد هذا غير صحيح لأننا نتحدث هنا عن الطرق التي يمكن من خلالها أن نعبر في الشدائد عن أحاسيسنا ومشاعرنا وخوفنا وقهرنا ومآسينا، فكان مهم جداً مواصلة العمل بميادين الثقافة والفنون لأنّنا انتبهنا إلى أنّه من خلال الكتابة والفن يمكن التعبير أكثر عما في دواخلنا. 

لعل من إيجابيات هذه الجائحة أنها منحتنا من الوقت ما جعلنا نتوقف عند الكثير من تفاصيل حياتنا الصغيرة التي لم نكن ننتبه لها من قبل. الطبيعة، الناس، وكل التفاصيل الصغيرة من حولنا التي أزحنا الغبار عنها - لتوفر الكثير من الوقت - فوجدنا الكثير من الأشياء الجميلة. شخصياً عدت لأوراقي ومحفوظاتي فرتبت أرشيفي الشخصي والعائلي الذي لم أكن قادرة على التفرغ له من قبل.

ويجب الاعتراف أنّنا لم نكن -جميعاً في هذا العالم- مستعدين لهذه الجائحة، التي غيرت الكثير من عاداتنا وطبيعة عملنا فكان اعتمادنا بشكل كبير على تقنية الزوم والتواصل عن بعد، وهذا لم يكن مألوفاً من قبل، فأنا بالعادة أتنقل بين حيفا والقدس ورام الله للمشاركة في فعاليات وندوات ومهرجانات، لكن هذا لم يحدث خلال سنة كورونا، لكني متأكدة أنه سيكون هناك أعمال جديدة في الفترة القادمة في كافة مجالات العمل الفني والثقافي غناء وموسيقى ومسرح وسينما وأدب... إلخ لأنّ الكثير من الأصدقاء والصديقات أخبروني أنّ فترة الحجر الصحي كانت فرصة لهم للعودة إلى الكثير من الأعمال التي كانت مركونة في الأدراج لسبب ما والاشتغال عليها من جديد لترى النور في قادم الأيام.

فلسطين من غير جائحة كان التحرك والتواصل بين جغرافيتها الممزّقة صعب جداً لما يفرضه الاحتلال من حواجز ومنع للتنقل بين المدن الفلسطينية، فمثلاً غزة التي كنا نظن أنّها بعيدة جداً عنا، وجدناها في شهور الحجر أقرب ما تكون إلينا -كغيرها من مدن ال 48- بفضل تقنية زوم، وصارت المدن الفلسطينية الواقعة كلها تحت الاحتلال أقرب ما تكون لبعضها البعض ونحن نجلس خلف شاشات أجهزة الكومبيوتر، وهذا عرفنا على الكثير من إبداعات زملاء وأصدقاء لنا من كل المدن الفلسطينية، خاصة من غزة المحاصرة.     

الفنان المسرحي إياد شيتي (مدير مسرح المجد / حيفا): فنون أو لا نكون

باعتقادي، أنّ أكثر المتضررين من جائحة كورونا هو الوسط الفني والثقافي إذ أنّ طبيعة عملنا عمادها حضور الجمهور والتواجد في قاعات العروض (على أنواعها الفنية والثقافية)، ولأنّ التباعد وعدم التجمهر هو أساس وشرط للتغلّب على هذه الجائحة، ولأنّنا نعي الخطورة ونلتزم بالتعليمات والإرشادات الصحية فقد توقفت نشاطاتنا كلياً في هذه الفترة العصيبة.

تتكوّن "جمعية مسرح المجد" من ما يقارب الأربعين فرداً ما بين فنانين وتقنيين وموظفين، وجميعهم دون استثناء توقف عملهم وبالتالي خسروا رواتبهم -حسب مبدأ " فري لانسر"- والتي كانت بمثابة مصدر رزقهم الوحيد فحدّث ولا حرج توابع هذه المأساة. ولأنّ الفنون هي وجه الحضارة والثقافة، وفي الأساس هي تغذية للروح ومتعة للمشاهد واستمرارية للفنان وفنه وليست فقط لتغذية الأمعاء، فقد كان الضرر كبير جداً. وكما تعلمون ردّ ترتشل في الحرب العالمية الثانية على وزير دفاعه عندما اقترح الوزير أن يلغي ميزانية الثقافة ويحوّلها لميزانية الدفاع، بالقول: "لكن إذا لم يكن لنا ثقافة، فما الذي نقاتل من أجله بالضبط؟". وقيل في المسرح: "أعطني مسرحاً أعطيك أمة". وأنا أقول: "فنون أو لا نكون".

الفنانة المطربة ربى شمشوم (الناصرة/لندن): أبعاد سيئة جداً

في نظري، جائحة كورونا كان لها تأثير كبير على نشاطي ونشاط كل الفنانين والموسيقيين من حولي. ففي النصف الأول من سنة 2020 كانت محاولة لاستيعاب ما يحدث. أنا شخصياً كنت محظوظة لأنّني ابتدأت بالعمل على ألبومي في شباط/فبراير ٢٠٢٠، أيام قبل أن تُغلق أبواب العالم. لكني واصلت العمل مع المنتجة الموسيقية عن بعد، حيث كانت هي في ميونخ وأنا في لندن، بينما العازفين في أماكن مختلفة في بريطانيا وفي عدة بلدان أوروبية. في هذه الفترة كنت مضطرة لأن أسجل ثلاث أغاني من ألبومي الجديد في البيت، فكنت عملياً مهندسة صوت. هذه الجائحة لها أبعاد سيئة جداً بالذات على الموسيقيين الذين يعتمدون على العروض الموسيقية للمعيشة، وبنفس الوقت، أظن أنّها علمتني شخصياً، والكثيرين من حولي، كيفية التأقلم في واقع غير اعتيادي.

الكاتب والقاص عبد الغني سلامة (رام الله): الحياة الثقافية الضحية الأبرز للجائحة

ها نحن ندخل "طواعية" السنة الثانية في الحجر المنزلي، في بداية الجائحة كنا مرتعبين، وحائرين، نزجي الساعات والأيام، كمن يدفع عربة ثقيلة، لا يعرف متى سيفرغها، وإلى أين سيصل. كنت أرى نصائح متخصصو التنمية البشرية مرهقة، ومملة، ومثالية. في هذه الأجواء تغدو القراءة متعبة (إذا صارت مفروضة)، شاهدتُ الكثير من الأفلام، وبقي الكثير من الوقت. مارستُ الرياضة قليلاً ثم توقفت. أشغال البيت لا تنتهي، نتعاون عليها، عقّمنا كل ركن في المنزل، وأعدنا ترتيب الأثاث، وتخلصنا من أشياء كثيرة لم تعد ذات قيمة.

صباحاً، أشربُ القهوة مع زوجتي خلود في الحديقة، تُنعشنا نسمات الصبح، نراقب العصافير وهي تتقافز فرحة بهذه الفسحة، وبهذا الصمت الجليل. نتأمل المدى البعيد، ونتخيل شكل المستقبل، وندخل في حوارات شتى، في العصارى نسقي أشتالنا، وهذا ما يخفف علينا وطأة الحجر. ننظر إلى ماضينا القريب جداً، بشيء من الحنين (نستالوجيا)، حين كنا نخرج من بيوتنا بكل سهولة، ونصافح بعضنا بحرارة، ونقتحم الازدحامات دون وجل. يخنقنا هذا الحنين. أشتاق للأمسيات الثقافية والندوات، وحفلات توقيع الكتب، والمهرجانات الأدبية التي كانت تمتاز بها رام الله، وقد حرمتنا الجائحة منها، لكنها لم تتوقف كلياً، فقد صارت تنفذ بتقنية زوم. وكان لي نحو خمس مشاركات من هذا النوع. وهو عدد لا يقارن بالسنوات السابقة.

أطيل الوقوف أمام مكتبتي، فأفزع من فكرة أنّني لم أقرأ روايات كثيرة ومهمة، فقد انشغلت طيلة السنوات السابقة بالمقالات، والدراسات البحثية، كل مقال يحتاج يوماً أو أكثر من القراءة المتخصصة، أما الدراسة فتحتاج شهراً على الأقل. صار لدي وقت أطول للقراءة؛ فقررت العودة لعالم الروايات الجميل والممتع، قرأت عشرات الروايات، وبعض الكتب المتخصصة، ومئات المقالات. أنجزت مخطوطتين كانتا شبه ناجزتين، وحالياً اشتغل على مجموعة قصصية جديدة. الحياة الثقافية بأمسياتها وندواتها وأنشطتها كانت الضحية الأبرز للجائحة.

هناك محاولات جادة للتكيف مع الوضع الجديد، عن طريق التواصل الافتراضي، لكنه لن يكون بديلاً كافياً. سيطول مكوثنا في بيوتنا مع صعوبة ذلك، هي فرصة أن نحس بمعاناة الأسرى، وهي معاناة لا تقارن بما نعانيه. وفرصة أن نستشعر معاناة النساء اللواتي يمضين أعمارهن حبيسات البيوت، وأن نشعر مع من ليس لديهم بيوت. وسكان العشوائيات، واللاجئين، والمشردين.

الشاعر والأكاديمي طارق الصيرفي (نابلس): فرصة ثمينة للقراءة

تمكن فايروس كورونا من الانتشار الواسع في أنحاء العالم أجمع، خلال أقل من سنة واحدة، وهو بذلك قد عطّل جميع مناحي الحياة الاقتصادية والصحية والسياسية والاجتماعية والثقافية، ويمكن القول إنَّ شَللاً شبه تام أصاب الكرة الأرضية بأسرها، نتيجة انتشار هذه الجائحة، التي ألقت بظلالها على القارات كافة دون استثناء، وهذا يدعونا، على الرغم من التطوّر الكبير في العديد من الدول، إلى التأمل بمدى قوة هذا الفايروس وجبروته، وضعف الإنسان إزاءه.

قلت: إن هذا الفايروس قد عطّل مناحي الحياة، ومنها الثقافية، فهو بالفعل كذلك، إذ أوقف العديد من الأنشطة الثقافية المتنوعة التي يمارسها العالم عموماً، وفلسطين على وجه الخصوص، حيث أعلن الرئيس الفلسطيني، منذ بداية هذه الجائحة، حالة الطوارئ، وذلك بشكل شهري، وتم إغلاق مناحي الحياة باستثناء المؤسسات الصحية والتموينية، وشمل الإغلاق المؤسسات التعليمية والثقافية كافة، مما أدى إلى توقف الأنشطة الثقافية على نحو تام. أما على الصعيد الشخصي فأنّني لم أشترك بأي نشاط ثقافي إلكتروني، ولكنني أقول إن هذا الإغلاق منحني فرصة ثمينة ووقتاً طويلاً للقراءة والاطّلاع على العديد من الأعمال الأدبية شعراً ونثراً ودراسة، كما أنّني في الآونة الأخيرة زرت معرضاً للكتاب، لتغذية العقل والثقافة، في نابلس ضمن إجراءات صحية مشددة. ونتمنى من الله أن تزول هذه الغمّة.

الشاعر والروائي سليم النفار (غزة): الحرمان من متعة اللقاء بالجمهور

لا شك بأنّ جائحة كورونا تركت آثاراً واضحة، على نسق حياتنا الشخصية والأدبية والثقافية، فقد حرمتنا التدابير الصحية الواجبة في سياق الانتشار السريع للوباء، من اللقاءات الوجاهية مع جمهورنا، تلك اللقاءات التي تخلق حالة تفاعل جميلة، وغنية بمنعكساتها بين الكاتب ومُتلقيه. وفي ذات الاتجاه تركت الجائحة آثاراً إضافية، متعلقة بتنقلنا سواء بين المحافظات الفلسطينية، أو تنقلنا خارج البلاد واللقاءات الثقافية مع المثقفين من الشعوب الأخرى، وما تتركه تلك اللقاءات من آثارٍ إيجابية من حيث التواصل، والاطّلاع على التجارب الأخرى بشكل حيّ.

ولا بد من الاشارة إلى حالة الركود، التي أصابت الأنشطة، على مستوى المراكز والمؤسسات الثقافية العامة، سواء في غزة أو المحافظات الأخرى، والتي اعتمدت بعضها على اللقاءات الإلكترونية، في محاولة لسدّ الفراغ الوجاهي، وإبقاء قناة تواصل، ولكن تبقى تأثيراتها ومردوداتها المتوخاة دون المستوى المأمول.

ولا نستطيع أن نغفل الأثر الأكثر سلبية والمتمثل بوقف معارض الكتاب، لما تمثله من الواسطة الأكثر جدوى في تواصلنا مع الجمهور الواسع في عدة أماكن من العالم، ولكن على الرغم من هذه التأثيرات السلبية المختلفة سواء في الخاص أو العام للمشهد، فأنا على المستوى الشخصي، وإن حُرمت من متعة اللقاء بجمهوري الذي أعتدت اللقاء معه، من خلال أمسيات الشعر والموسيقا، فقد تمكّنت من التواصل عبر وسائل التواصل الحديثة، وكثفت جهدي في قراءات مختلفة وأنجزت رواية جديدة، كنت قد بدأت فيها ما قبل الجائحة بأشهر قليلة. ولكنّ هذا التكيّف مع معطيات الحالة الوبائية، لا يعني بأنّنا نستطيع البقاء في هذه الآليات الجامدة، التي تسرق وهج الروح واحتياجاتنا للسلوك الذي وسم حياتنا الثقافية السابقة للجائحة اللعينة، فإنّ دوام هذه الحالة سوف ينتج لغةً مختلفة وعلاقات مختلفة أيضاً، أعتقد بأنّها ستكون أكثر برودةً، وأكثر ابتعاداً عن توهجات النفوس التي لا تُحسُّ إلا عبر اللقاءات الوجاهية.

الكاتب والروائي محمود جودة (غزة): مصائب طالت الفعل الثقافي

لقد كان لجائحة كورونا الأثر البالغ على الحياة الثقافية في قطاع غزة، بسبب توقف معظم النشاطات الثقافية الحقيقية التي تجذب الجمهور المثقف، وتخلق واقعاً حوارياً حول شتى مواضيع الأدب والفنون في فلسطين، وليست تلك الحفلات الدعائية التي ينفذها البعض تحت مسميات ثقافية غير حقيقية وغير فاعلة، والتي لاقت رواجاً في ظل جائحة كورونا، لخصوصية التمويل والتنفيذ، بالإضافة إلى تحوّل الفعاليات إلى النمط الإلكتروني والمشاركة عن بعد، والتي زادت المصائب مصيبة، حيث فقدت الأنشطة روحها الحقيقية التي تنبع من المشاركة الوجاهية في الفعل الثقافي.

أما على الصعيد الشخصي، فقد توقفت معظم مشاركاتي الثقافية بسبب الحذر من الإصابة بالفايروس، اللهم إلا من بعض المشاركات القليلة في جلسات حوارية محصورة العدد، وصولاً إلى تأجيل حفل توقيع روايتي "حديقة السيقان" والتي تناقش مسألة مبتوري مسيرات العودة، حيث كان مقرراً أن يقام الحفل في ذكرى انطلاق مسيرات العودة، وبحضور مجموعة من مصابي تلك المسيرات، لإحياء تلك الأيام، وتسليط الضوء من جديد على معاناتهم، وعلى حجم الجريمة المرتكبة بحقهم.