انزلاق الصهيونية التاريخي نحو الفاشية

2021-05-16 10:00:00

انزلاق الصهيونية التاريخي نحو الفاشية
Jerusalem on May 7, 2021

إن العدوان الذي تدور رحاه عند كتابة هذه الكلمات أخطر وأشمل عدوان تشنّه الصهيونية على شعب فلسطين منذ النكبة. ذلك أنه، خلافاً لكافة الاعتداءات التي شنّتها دولة إسرائيل قبله منذ نشأتها إلى الآن، عدوانٌ شمل كافة أقسام الشعب الفلسطيني في آن واحد: بدأ العدوان في القدس العربية التي ضمّها الصهاينة إلى دولتهم عقب الاستيلاء عليها في حرب 1967، ثم شمل أراضي 1948 بالتزامن مع امتداده إلى غزة، وطال من ثم الضفة الغربية فضلاً عن القدس، وأخيراً فلسطينيي الشتات على الحدود اللبنانية، ولو بصورة محدودة فقط. وكاد يطالهم على الحدود الأردنية أيضاً لولا تولّي قوات المملكة الهاشمية مهمة التصدّي للمتظاهرين.

ولعلّ ما يجري داخل أراضي 1948 هو أحدث وأخطر ما في العدوان الراهن، إذ إننا معتادون على العدوان الصهيوني شبه المستمرّ في الأراضي المحتلة سنة 1967 بما فيها القدس، ولاسيما الاعتداءات الصغيرة والحروب المجرمة الكبيرة التي تُشنّ دورياً على غزة منذ أن انسحب الصهاينة من داخل القطاع في عام 2005. كما ألفنا حروب الدولة الصهيونية على من هجّرتهم من أرض فلسطين إلى مخيمات الأردن ولبنان (أما مخيمات سوريا فكانت دائماً تحت سيطرة مُحكمة من قبل نظام آل الأسد منذ نشأته، التي حصلت بالأصل إثر تصدّي حافظ الأسد لأعضاء القيادة السورية الذين كانوا ينوون عون المقاومة الفلسطينية في الأردن أثناء مجازر أيلول الأسود 1970). 

أما الاعتداء السافر المعمّم على فلسطينيي الداخل من قِبَل جماعات صهيونية شبيهة بشتّى العصابات العنصرية المتعطّشة للدماء التي شهدها التاريخ إزاء مختلف الأقليات، بما فيها تلك التي كانت تستهدف اليهود في أوروبا في المرحلة التاريخية التي بلغت ذروتها مع النازية، فأمر جديد. لكنّه في الحقيقة ليس بالمفاجئ على الإطلاق: فهو يندرج في انزلاق تاريخي للمجتمع اليهودي الإسرائيلي ودولته الصهيونية نحو أقصى اليمين الفاشي. هذا الانزلاق ملازم لطبيعة دولة إسرائيل بوصفها كياناً قائماً على الاستعمار الاستيطاني، وهو عنصري بطبيعته. فلا بدّ مع مرور الزمن من أن ينحو الكيان أحد نحوين: إما أن يتخلّى عن طبيعته الاستعمارية والعنصرية من خلال تمكين السكان الأصليين، أو أن يستكمل انزلاقه بالتحوّل إلى دولة عنصرية بصورة مكشوفة. وقد عرفت جمهورية جنوب أفريقيا توالي المرحلتين، فبعد استكمال تحوّلها إلى دولة تمييز عنصري ناجزة (نظام الأبارتهايد) في عام نكبة فلسطين، انعطفت نحو الاعتراف بمساواة الحقوق بين كافة سكانها وبالتالي إلى تسليم الحكم إلى الأغلبية السوداء في عام 1994. 

فقد فرضت موازين القوى التاريخية على الأقلية البيضاء في جنوب أفريقيا الإقرار بعجزها عن مواصلة انزلاقها بحيث آثرت الانتقال السلمي إلى المساواة في الحقوق حفاظاً على أمنها بالمنظور التاريخي. أما موازين القوى بين اليهود الإسرائيليين والشعب الفلسطيني فمختلفة تماماً إذ لا التعداد السكاني ولا المحيط الإقليمي من شأنهما أن يجعلا اليهود الإسرائيليين يرون أن صيانة أمنهم تقتضي تخلّيهم عن الصهيونية، بل إن الاعتبارين يحدوان بهم على المضي في الضمّ والتطهير العرقي من أجل تمتين دولتهم بصفتها دولة يهودية محضاً. 

هكذا انتقلت الدولة الصهيونية من ادّعائها المنافق أنها قائمة على مواطنة تعدّدية شاملة لأقلية فلسطينية أبقتها بمثابة الرهينة على الأرض التي استولت عليها في عام 1948، إلى كيان كرّس قانونياً طبيعته العرقية اليهودية عند بلوغه السبعين من العمر في عام 2018. وقد جاء ذلك تكريساً لانتقال الحكم الصهيوني من حكم ادّعى اليسار تحت هيمنة «حزب العمل» إلى حكم اليمين الصهيوني ذي الأصل الفاشي تحت هيمنة الليكود، ومن ثم توسيع رقعة الحكم إلى جماعات من طينة نازية صرفاً. أما الأمر المشجّع في وجه هذا التحوّل التاريخي الخطير، فهو أن انزلاق الدولة الصهيونية نحو الفاشية يترافق بتعاظم المناهضة لها والتعاطف مع الشعب الفلسطيني لدى شعوب البلدان التي شكّلت تاريخياً سندها الأساسي، بما فيها الولايات المتحدة بالذات. ولا بدّ لاستراتيجية النضال التحرّري الفلسطيني من أن تأخذ هذه التحوّلات المصيرية في الحسبان.