برنامج "الجيل القادم": تعزيز الثقافة السينمائية لدى جمهور مستقبليّ

2021-11-07 01:00:00

برنامج
من عروض الأطفال اليوم ضمن برنامج الجيل القادم، صفحة المهرجان على فيسبوك

كما تميزت الأفلام التي عرضت خلال المهرجان بالجودة السينمائية، من حيث إتقان بناء الحوار المرتبط بالأحداث، وتوظيف اللغة المناسبة، كذلك درجة الإضاءة والألوان كانت جذابة للأطفال، أما فيما يتعلق بالموسيقى، فقد استخدمت بذكاء لتأكيد ثيمات الفيلم، ورفع عنصر التشويق أثناء المشاهدة، وجذبهم للمتابعة حتى النهاية.

ما عاد تعليم الأطفال يقتصر على ما يتلقونه من الوالدين والغرف الصفية، بصيغ وعظيّة، تنفّر أكثر مما ترغّب، إذ تعددت الأساليب والمصادر في عصرنا، لكن يظل البحث دائمًا عن تجربة مثمرة، وممتعة بطبيعة الحال، يمكن للأطفال من خلالها استكشاف آفاق جديدة والتعرّف على القضايا المحلية والعالمية. وبما أننا نعيش في عالم الصورة، إذ غدت جزءًا مهمًا من حياتنا، فلا بد من استغلال هذه الأداة في تنمية الطفل، وتطوير ذائقتهِ الفنية، وتعريفه بالثقافات الأخرى، وتشجيعه على ممارسة حقه في التعبير عن أفكاره بحرية.

من هنا، حرص القائمون على برنامج "الجيل القادم" -ضمن النسخة الثامنة لمهرجان "أيام فلسطين السينمائية"، الذي تنظمه مؤسسة "فيلم لاب فلسطين" منذ العام 2014 في عدّة مدن فلسطينية- أن يمنحوا الأطفال متعة اكتشاف العالم، والاقتراب منه بعواطفهم وحواسّهم، من خلال أفلام مختارة بعناية، محتواها إيجابيّ وخلّاق، لتساهم أيضًا في تنمية ثقافة الأطفال، وتعزيز تقديرهم للثقافة السينمائية ولغة الصورة المتحركة، إيمانًا من المؤسسة بأهمية دعم تطورهم عقليًّا وعاطفيًّا واجتماعيًّا، فقد بات من الضروري تثقيفهم بصريًّا، لفهم الحياة ومواجهة تحدياتها، والسينما ليست ترفيهًا فحسب، وإنما صارت تلعب دورًا مهمًا في بناء ثقافة بصريّة عند أفراد المجتمع.

لذلك تميزت أفلام البرنامج الذي استهدف الأطفال من فئتين عمريتين، الأولى الأطفال ما بين 6-10    سنوات، والثانية فئة اليافعين ما بين 11-15 سنة، بمحتواها الجيد عالي الجودة، بعيدًا عن الأفلام التجارية التي يتابعونها عادةً في قنوات التلفزيون، غنيّة بالأفكار الجديدة المُلهمة، والمشاهد الإبداعية التي تعد بمثابة دعوة للتفكير النقدي، محفّزة خيالهم، دافعةً إياهم إلى التساؤل.

بعد انتهاء المشاهدة، كان يفتح باب النقاش مع الأطفال حول الأفلام المعروضة، مما يتيح لهم التعبير عن آرائهم، والاستماع إليها من مهنيين مختصّين، كونها تلامس مشاكلهم وأفكارهم، بالتالي يمكن اقتراح حلول لها، أو إعادة التفكير فيها بصورة عقلانية، إضافة إلى إكسابهم مهارات تحليل الأفلام، وتنمية الحس النقدي لديهم تجاه الأفكار وما يصل إليهم من وسائل الإعلام المختلفة. 

ومن الواضح أن الأفلام خضعت لمعايير فنية وتربوية دقيقة، إذ اختيرت بعناية لتلائم ثقافة الطفل الفلسطيني واهتماماته، فكانت قصيرة لكي لا يشعر بالملل، متنوعة المواضيع تقدم له معارف جديدة، خالية من مشاهد العنف والألفاظ النابية، أو ما قد يسيء إلى نفسيته ويؤثر عليه سلبيًّا. 

ومع أن الأفلام تقدم أفكارًا جديدة للطفل الفلسطيني، إلا أنها من النوعية التي تلامس واقعه وحياته، إذ ترصد لحظات إنسانية يجد نفسه فيها، ما يساعده في فهم العالم بشكل أفضل، بذلك حرص برنامج "الجيل القادم" على احترام عقل الطفل، وإطلاق مخيلته، ومقاربة واقعه قدر الإمكان، بما يحقق المتعة والفائدة، فتضمنت قيمًا إنسانية كالحرية والمساواة والصداقة والوفاء.

كما تميزت الأفلام التي عرضت خلال المهرجان بالجودة السينمائية، من حيث إتقان بناء الحوار المرتبط بالأحداث، وتوظيف اللغة المناسبة، كذلك درجة الإضاءة والألوان كانت جذابة للأطفال، أما فيما يتعلق بالموسيقى، فقد استخدمت بذكاء لتأكيد ثيمات الفيلم، ورفع عنصر التشويق أثناء المشاهدة، وجذبهم للمتابعة حتى النهاية.

ويلاحظ أيضًا أن الأفلام لا تحمل رسالة أيديولوجية، موجّهة، كالأفلام التي تبثها قنوات التلفزيون، وإنما تركز على القيم الإنسانيّة المشتركة، والمعرفة التي يحتاجونها في الحياة. هذه خطوة لا بد منها لتغيير ذائقة المجتمع، وتوجيهها نحو الأعمال الهادفة غير التجارية.

من ناحية أخرى، تكمن أهمية برنامج "الجيل القادم" في صناعة جمهور فلسطيني مستقبلي يمتلك ثقافة سينمائية عالية، يتمتّع بحس نقدي تجاه ما يقدم له من أعمال، بمعنى أن يسعى البرنامج إلى زرع ثقافة سينمائية لدى الجيل الجديد، ليكون في المستقبل، جمهورًا متذوّقًا للأفلام غير التجارية، وسط الانتباه لضرورة صناعة الأفلام في الحالة الفلسطينية، وتأسيس قطاع كبير من صناع السينما. 

ومثال على ذلك، فيلم "فهيم" الذي عرض مساء السبت الخامس من تشرين الثاني (نوفمبر)، في مسرح قصر رام الله الثقافي، بحضور جمهور من الأطفال والناشئين، إذ يناقش في إحدى ثيماته مسألة العدالة وحقوق الإنسان، متقاطعًا مع واقع الأطفال الفلسطينيين تحت الاحتلال، حيث يعانون من الظلم والانتهاك اليومي لطفولتهم، رغم ذلك ينتهي الفيلم نهاية سعيدة، بانتصار الأمل على اليأس، ليبث التفاؤل في نفوس المشاهدين.

 فيلم "فهيم" درامي كوميدي فرنسي استند على سيرة ذاتية لفهيم محمد وكزافييه بارمينتر وصوفي لو كالينيك، من إخراج بيير فرانسوا مارتن لافال، حول حكاية فهيم الموهوب ذو الأعوام الثمانية، الذي اضطر إلى الفرار من بلده بنغلاديش، مع والده المعارض للسلطة إلى باريس، حيث يُرفض طلبهما للجوء، فتتردى أحوالهما كمهاجرين غير شرعيين حتى يصلا مرحلة التشرد واليأس، لكن بضربة حظ، يتعرف فهيم إلى سيلفان، أحد أهم مدربي الشطرنج في فرنسا، الذي يدربه ويعطيه هدفًا في الحياة.