لا يبرر الكاتب قرارات المنظمة ولا يقبلها، إنما يوضح كل الظروف والضغوطات والمواجهات التي مرّت بها خلال ذلك العام والتي أدّت بالنهاية إلى ما حدث، ويشير أيضًا إلى كلفة المجازفة التي كان من الممكن أن تحدث لو تغير قرار قيادة المنظمة آنذاك.
عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية في بيروت، صدر عام 2018 كتاب "تحت الحصار، صناعة القرار في منظمة التحرير الفلسطينية خلال حرب 1982" للمؤرخ الفلسطيني رشيد الخالدي، وهو ترجمة للكتاب المنشور عام 2014، من منشورات جامعة كولومبيا. الكتاب يحتوي على ستة فصول وملحق للنقاط الإحدى عشرة التي وضعتها منظمة التحرير، بالإضافة إلى مقدمتين للطبعة الأولى وللنسخة العربية، وقد وضعه الكاتب أثناء إقامته في بيروت عامَي 1981-1982، ليكون بمثابة عمل تأريخي من قبل شاهد عيان على الأحداث التي وقعت حينها.
اعتمد الخالدي على مراسلات دبلوماسية حساسة وحديثة، بالإضافة إلى اطلاعه على أرشيف منظمة التحرير الفلسطينية ومقابلات مع العديد من الأشخاص الأمريكيين والإسرائيليين والفرنسيين والفلسطينيين واللبنانيين، ويشير أيضًا إلى الصعوبات والمشاكل التي واجهته في دراسة هذه الوثائق والمراسلات، حيث أن الظرف السائد كان يلعب دورًا محوريًا في محتويات هذه البرقيات والمراسلات.
نقرأ في الفصل الأول عن تفاصيل العلاقات الفلسطينية-اللبنانية واضطرابها قبل حرب عام 1982، حيث أدّت الاشتباكات بين المجموعات المسلحة التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية وفصائل محلية لبنانية في صيدا وقرى الجنوب الشيعي إلى نفور اللبنانيين الذين كانوا يعتبرون أن وجود منظمة التحرير الفلسطينية على أراضيهم يتخذ أهمية استراتيجية لفرض توازن في القوى مقابل السيطرة المارونية (ص53).
يفصّل الكاتب الأحداث التي سبقت حرب العام 1982، فيذكر أن مشكلة منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان كانت تتمثل في أن أي نمو في قوتها المحلية يؤدي إلى مضاعفة أعداد خصومها (ص57)، ويشير إلى الدعم الجماهيري الحاشد الذي كانت تتلقاه منظمة التحرير الفلسطينية والذي يشهد عليه خروج نحو مليون شخص في موكب تشييع القادة الثلاث، كمال عدوان، كمال ناصر وأبو يوسف النجار الذين تم اغتيالهم في قلب بيروت على أيدي قوات خاصّة إسرائيلية في 10 نيسان/ أبريل عام 1973، وهو الحدث الذي، بحسب الكاتب، ساهم بشكل أو بآخر في اندلاع اشتباكات بين الفدائيين الفلسطينيين والجيش اللبناني.
نقرأ أيضًا في هذا الفصل عن التحولات التي شهدتها منظمة التحرير الفلسطينية بعد قمة الرياض المصغرة واتفاق القاهرة الذي أفضى إلى عودتها إلى الجنوب اللبناني، وشيئًا فشيئًا تحولت منظمة التحرير الفلسطينية بنظر اللبنانيين من منظمة تستحق التعاطف والدعم إلى مصدر تهديد لاستقرار الدولة، الأمر الذي فجّر خلافات حادة ومواجهات دامية كان بالإمكان تفاديها.
يحاول الخالدي أيضًا التركيز على انشغال منظمة التحرير الفلسطينية بأمور لا علاقة لها بالاستعداد للمواجهة المحتملة مع إسرائيل بل دخلت في خلافات مع النظام السوري واشتبكت معه بدلًا من التركيز على تقوية تحالفاتها، كما كان وصول حكومة بيغن-شارون إلى السلطة إشارة واضحة لم تلتقطها منظمة التحرير الفلسطينية بأن الحرب ستقع.
الفصل الثاني من الكتاب يحاول إعطاء لمحة عن الاستعدادات العسكرية للطرفين، كما يبرز الكاتب أن الهدف الرئيسي من قيام إسرائيل بتلك الحرب كان القضاء نهائيًا على منظمة التحرير الفلسطينية وليس فقط طردها من المنطقة الحدودية، وبذلك ستجعل الضفة الغربية وقطاع غزّة مجهزين لضمهما إليها.
يقسّم الخالدي حرب عام 1982 التي بدأت في الرابع من حزيران/يونيو إلى أربع مراحل، الأولى معركة الجنوب اللبناني واستمرت لغاية التاسع من الشهر ذاته، الثانية هي مرحلة تطويق بيروت وانتهت في الثالث عشر منه، الثالثة هي معركة السيطرة على الجبال المطلة على بيروت واستمرت حتى السادس والعشرين من حزيران/ يونيو، أمّا الأخيرة وهي الأطول فكانت مرحلة حصار بيروت وامتدت حتى الثاني عشر من آب/أغسطس 1982.
وعن توقعات الطرفين من هذه الحرب يشير الكاتب إلى أن الجيش الإسرائيلي قد شعر بالمفاجأة من استماتة الفلسطينيين في القتال التي أظهروها في معارك مخيمات اللاجئين في الجنوب خلال المرحلة الأولى من الحرب، كما أن مخططاتهم بأن تلتقي القوات البرية القادمة من الجنوب بتلك التي دخلت عبر البحر خلال 24 ساعة لم تنجح، بل استغرقت نحو ثلاثة أيام، وهو الأمر الذي سبب خلخلة في الخطة العسكرية التي تم وضعها من قبل شارون.
سبّبت المقاومة الشرسة التي أظهرتها قوات منظمة التحرير الفلسطينية في بداية الحرب ارباكًا لقيادة الجيش الإسرائيلي، فقد كان من المتوقع أن يتم القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية خلال ثلاثة أيام بحسب أحد ضبّاط الجيش الإسرائيلي (ص94). أما عن الجانب الفلسطيني، فيذكر الخالدي أن قيادة منظمة التحرير الفلسطينية ممثلة بياسر عرفات، أطلقت تصريحات ونداءات عديدة بأن إسرائيل تجهز لهجوم واسع النطاق يستهدف القضاء على المنظمة، ويستشهد الكاتب بما ذكره يزيد صايغ بأن إسرائيل اعتمدت على عنصر المفاجأة، وأن عددًا كبيرًا من قادة منظمة التحرير لم يدرك الأهداف الإسرائيلية من هذه الحرب إلاً بعد بلوغ الحرب مرحلة متقدمة (ص98).
يعتبر الخالدي أن منظمة التحرير الفلسطينية كانت غير مستعدة لهذه المواجهة من نواحٍ كثيرة، لعل أهمها نقاط الضعف في تنظيمها العسكري وانشغالها بجبهات متعددة مثل صد الغارات الإسرائيلية أو المهام الشُرطية التي كانت تمارسها في بعض المناطق، والتخوف من أي عمل عدائي من القوات اللبنانية وغيرها، لكن الأهم من ذلك كله، هو عدم التكافؤ في الميدان بين قوات الطرفين.
يسلط الفصل الثالث الضوء على قرارات منظمة التحرير الفلسطينية من زاويتين، الأولى متعلقة بالإعلام والاتصالات والرأي العام والثانية تبرز دور العسكر في عملية صنع القرارات داخل المنظمة. يشير الكاتب إلى أن قدرة منظمة التحرير الفلسطينية على اتخاذ القرارات والتأثير على الرأي العام كان يعتمد على مدى توافر ودقة المعلومات المرسلة من الميدان، وكونها كانت تعتمد على شبكة واسعة من الاتصالات اللاسلكية في بداية الحرب، والتي تم الاستعاضة عنها لاحقًا بالخطوط الأرضية أو سعاة ميدانيين لنقل الرسائل والمعلومات، فإن أغلب المعلومات التي كانت تصلها وتعتمد عليها كانت صحيحة في الجزء الأكبر منها.
يقسّم الكاتب دور العسكر في عملية صنع القرار بحسب مراحل الحرب الأربعة، فخلال معركة الجنوب اللبناني التي امتدت من الرابع إلى التاسع من حزيران/ يونيو عام 1982 فيوضح أن الهدف من الغزو الإسرائيلي لم يكن واضحًا بالنسبة إلى العديد من الأشخاص من خارج قيادة الجيش، بينما كان هذا الأمر واضحًا بالنسبة لقيادات منظمة التحرير الفلسطينية. أمّا المرحلة الثانية التي استمرت خمسة أيام (9-13 حزيران/ يونيو) فقد كشفت أن إسرائيل تنوي أيضًا القضاء على الوجود السوري في لبنان بالإضافة إلى إنهاء منظمة التحرير الفلسطينية (ص123).
المرحلة الثالثة يصفها الخالدي بأنها الأصعب خلال الحرب بالنسبة إلى منظمة التحرير الفلسطينية على الرغم من عدم حدوث معارك كبيرة خلالها، وخلال هذه الفترة (14-26 حزيران/ يونيو 1982) بدأت الجهود الدبلوماسية الحثيثة في محاولات للضغط على قيادة المنظمة للاستسلام والانسحاب.
أدّى تأخر تطويق بيروت من قبل الجيش الإسرائيلي إلى تعزيز ثقة المنظمة بنفسها، كما أنها اعتبرت أن إطالة أمد الحرب يدل على ضعف إسرائيل، كما أن نتائج الهجوم الإسرائيلي على الجبال وقصف المدينة قد أضعفت إسرائيل سياسًا مما أدى إلى تزايد مساندة الفصائل اليسارية والمسلمة لمنظمة التحرير الفلسطينية، وكان لاستقالة وزير الخارجية الأمريكي أيضًا ألكسندر هيغ أثرًا كبيرًا في تقوية موقف المنظمة.
استمرت المرحلة الرابعة سبعة أسابيع ما بين 26 حزيران/ يونيو ولغاية 12 آب/ أغسطس 1982 وخلالها تم شن حرب نفسيه على منظمة التحرير الفلسطينية وانتشرت شائعات رحيلها الوشيك. بالإضافة لذلك، شهدت بيروت سلسلة من التفجيرات بواسطة سيارات مفخخة أدت إلى دمارًا واسعًا تم تنفيذها من قبل الإسرائيليين والكتائبيين للضغط على المنظمة.
بدأ الهجوم البري على بيروت بتاريخ الرابع من تموز/ يوليو، وهو اليوم الذي كان فيه العديد من صناع السياسات خارج واشنطن، وقد واجه هذا الهجوم العنيف الذي استمر لثمانية أيام مقاومة مفاجئة للإسرائيليين من قبل القوات المشتركة، وهو ما ظهر في خطابات وأحاديث قيادات المنظمة لوسائل الإعلام بأن المنظمة لن تستسلم ولن تغادر بيروت. الأسابيع اللاحقة شهدت أيضًا تحركات دبلوماسية وسياسية لوقف الحصار الإسرائيلي لبيروت، ويؤكد الخالدي أن الضغوط الإسرائيلية لطرد الفلسطينيين وفق شروطهم لم تنجح على الإطلاق وذلك بفعل الوقائع الميدانية خلال المواجهات، بل أدى ذلك إلى تمسك قيادة المنظمة بالنقاط الإحدى عشر التي اشترطتها للانسحاب من بيروت.
يخلص الكاتب في هذا الفصل إلى أنه وإن كانت منظمة التحرير الفلسطينية قد هزمت بعد 70 يومًا من القتال، إلاّ أن قادتها لم يظهروا ذلك من خلال تصريحاتهم بعد الثاني عشر من آب/ أغسطس، بل كان صمودهم ومنع الجيش الإسرائيلي المتفوق والمحاصر لبيروت من اجتياحها معنىً أكبر من خسارتهم ومغادرتهم المدينة. وفي الواقع، فإن الحرب التي خاضتها منظمة التحرير الفلسطينية ضد إسرائيل لم تخضها الجيوش العربية مجتمعة، وكما ورد في افتتاحية وكالة الانباء الفلسطينية (وفا) في 9 آب/ أغسطس 1982؛ "في النهاية، الشيء الوحيد الذي لم نتمكن من التأثير فيه هو سكون العالم العربي وشلله وإرادته المجمدة".
يتمحور الفصل الرابع حول الأحداث التي واجهتها المنظمة خلال شهر حزيران/ يونيو 1982، والتي شهدت تحركات دبلوماسية مكثفة لفرض الشروط الإسرائيلية والأمريكية على منظمة التحرير الفلسطينية وإجبارها على الاستسلام. ولعل الفترة الأصعب التي عاشتها قيادة المنظمة كانت في منتصف حزيران/ يونيو، ففي تلك الفترة كان هناك رأيان متعارضان حول التعامل مع الوضع القائم، فمن جهة، كان هناك من يقترح أنه لا بديل عن سحب القوات العسكرية التابعة للمنظمة من بيروت مقابل تحقيق مكسب سياسي ونصر معنوي مقابل الصمود، بالإضافة إلى احتفاظ المنظمة بوجود عسكري وسياسي في لبنان لحماية الفلسطينيين. مثّل هذا الاقتراح هاني الحسن، ودعمه بسام أبو شريف الناطق باسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وأحمد جبريل زعيم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين-القيادة العامة، وكل من سمير غوشة من جبهة النضال الشعبي وأبو العباس من جبهة التحرير الفلسطينية وقيادات من فتح مثل هايل عبد الحميد (أبو الهول) واللواء أبو الوليد.
الجبهة الأخرى ضمت قيادات فتح مثل أبو إياد وصخر أبو نزار، بالإضافة إلى جورج حبش وأبو ماهر اليماني من الجبهة الشعبية، نايف حواتمة عن الجبهة الديمقراطية، وكانت ترى أن الوضع ليسَ ميؤوسًا منه وأن نهاية الحرب لاتزال بعيدة، كما أن هناك فرصة جيدة للصمود وانتزاع شروط أفضل. كان لوزير الخارجية الأمريكي هيغ الدور الأبرز في الضغط على المنظمة للاستسلام، كما يذكر الخالدي عن مدير الأرشيف في مكتب رئيس منظمة التحرير الفلسطينية حين ورد إليه خبر استقالة هيغ "شعرت وكأننا انتصرنا في الحرب في تلك الليلة.
يشير الخالدي أيضًا إلى مخاوف ياسر عرفات وقيادات المنظمة التي تم صيغها على شكل شروط للقبول بالمقترحات الأمريكية والتي تمثلت بتقديم ضمانات ضد ارتكاب مجازر بحق الفلسطينيين المدنيين والعسكريين الذين سيبقون في لبنان حال غادرت المنظمة البلد، كما يؤكد على أهمية الإنجاز الذي حققته هذه القيادة من خلال صمودها وتماسكها ومهارتها التفاوضية على الرغم من وجود فجوة كبيرة في ميزان القوى بينها وبين إسرائيل.
نقرأ في الفصل الخامس عن الأحداث والتطورات التي قادت المنظمة للقبول بخطة فيليب حبيب، وكيف تحولت الضغوط اللبنانية الهادفة لدفع منظمة التحرير الفلسطينية للمغادرة إلى دعم صمودها لانتزاع شروط وضمانات أفضل من إسرائيل والولايات المتحدة.
كما يبرز الكاتب في هذا الفصل تفاصيل دخول الفرنسيين على خط المفاوضات بالتعاون مع مصر بهدف إصدار قرار يطرح على مجلس الأمن يشمل وقف فوري لإطلاق النار وانسحابات متبادلة، لكن مسودة القرار سقطت باستخدام حق النقض من قبل الولايات المتحدة الأمريكية. وعن دور السعودية وسوريا تحديدًا في الضغط على منظمة التحرير الفلسطينية لإرغامها على الاستسلام وقبول خطة حبيب، يشير الخالدي إلى معارضة النظام السوري لمعظم رغبات واقتراحات المنظمة بسبب خوفها من الهزيمة التي ستحل بها إن انتصرت المنظمة أو حققت أي مكسب سياسي.
يؤكد الخالدي في ختام هذا الفصل على أنه بحلول نهاية تموز/ يوليو من عام 1982، كانت الدول العربية، لاسيّما الكبرى منها قد تبنت وجهة النظر الأمريكية-الإسرائيلية والحكومة اللبنانية والتي تتلخص بأن جميع المشاكل التي نتجت عن هذه الحرب سوف تُحل عن طريق خروج منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت، وعليه، فإن النقاط التي تم وضعها خلال قمة جدّة والتي تم الافتراض أن أمريكا قد وافقت عليها، لم يتم أخذها بعين الاعتبار للتوصل إلى تسوية لإنهاء الحرب. وجدت منظمة التحرير الفلسطينية نفسها تحارب على جبهات عدّة، المواجهة العسكرية مع إسرائيل، التفاوض مع الولايات المتحدة الأمريكية، الضغوط العربية للاستسلام والانسحاب، وهو الأمر الذي أدى بالنهاية لقبول خطّة حبيب التي طالما حاولت رفضها وتعديلها.
الفصل الأخير جاء بعنوان قرارات زمن الحرب وتداعياتها، وفيه يناقش الكاتب نتائج قرارات منظمة التحرير الفلسطينية ويلقي الضوء على الجهود التي تم بذلها من قبل قيادات المنظمة للحصول على ضمانات أمريكية للحفاظ على سلامة المدنيين الفلسطينيين بعد الانسحاب من بيروت والتي جاءت على شكل وعود ضبابية لم تخرج إلى العلن ولم تلتزم فيها إسرائيل.
يشير الخالدي أيضًا إلى الانطباع الذي تركه آرييل شارون لدى فيليب حبيب عن قيادات المنظمة في حديثه: "كان شارون يرغب بشدّة في النيل منهم"، وأنه كان مستعدًا لإجهاض أي اتفاق للجلاء في سبيل التخلص من مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية (ص 235). ما يثير الاهتمام في تلك الفترة، هو ما ورد على لسان هاني الحسن عن أن الضغوط العسكرية الإسرائيلية لم تنجح أبدًا في جعل الفلسطينيين أكثر استجابة للشروط الأمريكية أو الإسرائيلية، بل أنها زادت من تمسكهم بعدم المساومة (ص 237).
الجزء الأخير من هذا الفصل يخصصه الكاتب للحديث عن المجازر التي وقعت بعد خروج منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت، وحين طُرح السؤال على فيليب حبيب فيما إذا كانت الولايات المتحدة قد فشلت في الوفاء بوعودها للفلسطينيين أجاب بكل وضوح "بالطبع".
تقع المسؤولية الأولى عن هذه المجازر على عاتق إسرائيل بحكم علاقتها بحزب الكتائب اللبنانية، وهي التي سهّلت لمليشيات الحزب الوصول إلى المخيمات الفلسطينية وارتكاب أفظع المجازر فيها. كما يلقي الخالدي جزءًا من هذه المسؤولية على منظمة التحرير الفلسطينية حين قبلت بالضمانات الأمريكية الواهية التي عرضها حبيب، والتي كانت بلا قيمة على أرض الواقع، ويبرر هذا اللوم بأنه لربما كان من الأجدى لمنظمة التحرير الفلسطينية الصمود للحصول على شروط أفضل مما كان، وأن أي معاناة إنسانية من الممكن أن تحدث جراء هذا الصمود، ستكون أقل من المجازر التي ارتكبت حينها.
يتساءل الخالدي في نهاية كتابه عمّا إذا كانت قرارات منظمة التحرير الفلسطينية عام 1982 مبررة. وهل كان يجدر بها التمسك بمقترحاتها؟ هل كان عليها أن تصمد أطول؟ ولا يبرر الكاتب قرارات المنظمة ولا يقبلها، إنما يوضح كل الظروف والضغوطات والمواجهات التي مرّت بها خلال ذلك العام والتي أدّت بالنهاية إلى ما حدث، ويشير أيضًا إلى كلفة المجازفة التي كان من الممكن أن تحدث لو تغير قرار قيادة المنظمة آنذاك.
أخيراً، في التاريخ الفلسطيني ما بعد النكبة عام 1948، هناك محطات مهمّة مرّ بها الكفاح المسلح الفلسطيني، ولعل من أهمها الوجود الفلسطيني في لبنان وحرب عام 1982، لذلك، يعتبر هذا الكتاب، البحث، المرجع، ركنًا أساسيًا في فهم ما حدث، وكيف اتخذت قرارات كبيرة أثرّت على حياة مئات الآلاف من الفلسطينيين في لبنان ودول أخرى، كما يؤرخ هذا الكتاب آخر حكايات الكفاح المسلح الفلسطيني المنظم، ويكشف الكثير من الحقائق الماضية التي من المهم أن يتم تداولها في مواجهة الشائعات والروايات التي تشوّه الحقيقة.