في الذكرى السنوية ليوم الأسير الفلسطيني

فنون بصرية تعانق شمس الحرية نصرةً للأسرى

2022-04-27 17:00:00

فنون بصرية تعانق شمس الحرية نصرةً للأسرى
عمل بشار الحروب المشارك بالمعرض

وأما عن مشاركتي في هذا المعرض، فقد تم تقديم عملين فنيين، وهما نتيجة مشروع والمعرض الفردي "زمن مكسور" الذي أقيم في مدينة رام الله في العام ٢٠١٦ والذي تحدث عن الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، وكان المشروع نتيجة فترة من التعايش مع معتقلين سياسيين وهم يعيدوا بناء سجن المسكوبية لمدة خمس وأربعون يوماً في فيلم رائد أنضوني. 

افتتحت مؤسسة الدراسات الفلسطينية في الأول من شهر نيسان/ أبريل الجاري، معرض "تحية لأسرى وأسيرات الحرية"، في قاعة "الكلمة الرمز فلسطين" في مبنى المؤسسة في بيروت، بمشاركة 29 فناناً وفنانة من كافة أنحاء فلسطين والعالم العربي والعالم، بأعمال تتعلق بمفهوم الأسر والحرية. يضم المعرض، الذي يأتي متزامناً مع الذكرى السنوية ليوم الأسير الفلسطيني الذي يحييه الشعب الفلسطيني في 17 نيسان/أبريل من كل عام، والذي يستمر حتى نهاية الشهر الجاري، لوحات أُنجزت بمواد مختلفة، ومنحوتات، وأعمالاً تركيبية، وڤيديوهات، وصوراً فوتوغرافية، وبوسترات، أنجزها فنانات وفنانون تشكيليون، بعضهم من الفلسطينيين، كانوا هم أنفسهم أسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي. "رمان"، وفي سياق متابعتها للتظاهرة الفنية، التقت بعدد من الفنانات والفنانين...

أسمى غانم: مالكوم إكس فلسطينياً

برأيي أنّ المشهد الفني الفلسطيني جزء لا يتجزأ من الواقع المعاش تحت الاحتلال في فلسطين، فبمجرد تنظيم معرض جماعي كامل تحية للأسرى هو رسالة مهمة ليس فقط لأسيراتنا وأسرانا أنفسهم في سجون الاحتلال بل للعالم أجمع بتسليط الضوء عليها كقضية عالمية. وأعتقد أنّ جمالية هذا النوع من الفنون هو أنها تطرح الأسئلة عموماً أكثر من أن تقدم خدمة بشكل مباشر لقضية الأسرى فالسؤال الأهم هو: كيف يمكن النظر للشعب الفلسطيني الذي يعيش في سجن كبير تحت الاحتلال؟ وكيف يمكننا تفسير حالة الأسر العقلية والاحتلال العقلي لكل مواطن فلسطيني؟

الفن برأيي يحاول أن يضفي مساحة من الخيال كي نبقى أحراراً على المستوى العقلي فاستمداد الحرية العقلية هو أمر مهم جداً لكل أسير فلسطيني كي تبقى معنوياتهم قوية رغم صعوبة تجربة الأسر وهذا ما يعززه الفن، ومن خلال معارض وإنتاجات كهذه تعزز لدى الأسرى ثقتهم بأنفسهم وعدم شعورهم بالوحدة أو الغربة.

أما بالنسبة لعملي المشارك في المعرض وعنوانه "مالكوم اكس فلسطينياً"، فقمت برسم مالكوم اكس الناشط والمفكر الأمريكي من أصول أفريقية الذي تم اغتياله في أميركا في العام 1965 لأنه كان يشكل خطراً مباشراً كمناضل ومقاوم مسلم من أصول أفريقية يحارب ضد النظام العنصري في أميركا. في عملي الفني قمت برسم "مالكوم اكس" بزي الأسرى الفلسطينيين وكأنه واحد منهم، وذلك للتأكيد على أنّ قضية الأسرى الفلسطينيين هي قضية عالمية تخص جميع شعوب العالم، خاصة الشعوب المضطهدة. كما ولذلك أهمية في ربط القضايا العالمية ببعضها البعض كما فعل مالكوم اكس وغيره من المناضلين والمفكرين العالميين الذين أبدوا تأييدهم للقضية الفلسطينية وصولاً إلى أنّ فكرة الحرية هي فكرة تشاركية جماعية.

في لوحتي طرح لعدة أسئلة؛ كما وتخيل عدة قضايا مثل: "ماذا لو كان مالكوم اكس فلسطينيا؟" ربما لكان أسيراً أو شهيداً تماماً كما حصل له في أميركا. كم من مفكر ومناضل فلسطيني كـ "مالكوم اكس" يقطنون السجون حالياً؟ كل أسير فلسطيني يستحق تسليط الضوء على مسيرته النضالية وإيصال قصته وقصة الشعب الفلسطيني للعالم تماماً كما فعل "مالكوم اكس" وغيره في حركة "الفهود السود"، أو حتى المفكرة والناشطة أنجيلا ديفيس التي تمزج في كتاباتها ومحاضراتها الجامعية لتعزيز التواصل والترابط ما بين قضية الأمريكيين من أصل أفريقي والقضية الفلسطينية. هذه نماذج لا تقل عن أي نموذج شجاع للأسرى الفلسطينيين كما وقد يكون الهام بالنسبة لنا أن نوثق قصتنا وفكرنا عن طريق تنظيم المزيد من المعارض التي تحتوي مثل هذه القضايا المهمة وغيرها من مشاريع بحثية أو موسيقية أو ثقافية أيضاً.

بشار الحروب: في أثر الذكريات المأسورة

للفنون دور مهم في إثارة قضية الأسرى الفلسطينيين والتركيز عليها فهم جزء أساس ومهم في حركة التحرر والمقاومة. ويأتي هذا المعرض في مرحلة مهمة وحساسة حيث يرزح الأسرى تحت ظروف قاسية وسيئة وفرض العقوبات عليهم وعلى عائلاتهم من قبل الاحتلال، كذلك على المستوى الرسمي نرى محاولة لتغييب هذه القضية وعدم إعطائها هذا الحضور الذي يجب أن تكون عليه. كذلك لم نرَ نشاطات ثقافية تهتم بقضية الأسرى منذ سنوات ذات زخم عالي. كما أنّ المؤسسات الثقافية تبتعد عن تقديم هذا النوع من الفنون ذات الصبغة الثورية والتقليل من شأن هذا الموضوعات، والتركيز على موضوعات فارغة المحتوى، والتي تضعها في المناطق الآمنة وتحافظ على استمرارها وصورتها أمام الآخر.

في هذا المعرض أشارك بمشروع "في أثر الذكريات المأسورة" هذا المشروع الذي تم تنفيذه في عام ٢٠١١ في زنازين سجن الفارعة. في عام ١٩٩٤ وبعد قيام السلطة الفلسطينية، أخلت سلطات الاحتلال الإسرائيلي سجن الفارعة بالقرب من طوباس بعد أن استخدمته على مدار سنوات كمركز للاعتقال والتعذيب. بقي المبنى مهجوراً لفترة من الزمن ثم رُمم وتحوّل إلى مركز شبابي. ولكن قبل إعادة تأهيل المكان، وقبل أن يختفي أثر كتابات الأسرى عن جدران الزنازين القديمة، قمت بنقل الأثر المتروك على الجدران باستخدام الغرافيت والورق، حيث أقدّم سلسلة من الأعمال تحفظ ذاكرة المكان وتستحضرها في الذاكرة الجمعية بعد أن تم محوها. المتأمل لسلسلة الأعمال قد يرى عبر ذاكرة الأسرى أسماء وتواريخ ورسومات ورموز حفرت بالأظافر أو أدوات بدائية بسيطة. كما أشارك بعمل فيديو عنوانه "الأعراف" تم تصويره داخل الزنازين في سجن الفارعة القديم. 

إبراهيم المزين: التحريض على الثورة

في الحقيقة لا تستطيع الفنون البصرية تقديم أي شيء لقضية الأسرى سواء وضعها على جدول أعمال الشعوب وحكوماتها حول العالم، ونحن نتحدث هنا عن الأسرى الفلسطينيين. أنتم تعلمون أنّ عدد الأسرى منذ احتلال عام 1967 قد بلغ نحو 800 ألف حالة أسر مما يعني أنه لا يوجد بيت فلسطيني في الداخل لم يدخل أحد أفراده السجن بما يشمل الفنانين بالطبع وبعضهم له أعمال في المعرض.

قضية الأسرى موضوع شأنه شأن الأرض والمقاومة... إلخ حاضر في الفنون البصرية وأحد موضوعاتها الثابتة، وهذه الموضوعات وغيرها تأخذ حضوراً متفاوتاً يضاء عليها حسب الفعل. في الماضي كنا نقول إنّ أحد أهداف الفن هو التحريض على الثورة وعدم قبول الواقع، ولكن في الفترة الأخيرة ربما أصبح العكس هو الصحيح فالأسرى يمتلكون زمام المبادرة المقاومة كذلك، وأصبحوا هم من يحرضنا على أن نقوم بدورنا.

أما بما يخص عملي المشارك في المعرض، فقد طلب مني عشية افتتاح متحف ياسر عرفات أن أقوم بعمل لوحة عن الأسرى للعرض الدائم في المتحف، فقمت بعمل هذه اللوحة ولكنهم عندما شاهدوا العمل طلبوا مني أن أنجزها ضعف الحجم وهكذا فعلت فأصبح لدي عملين واحد يعرض في متحف ياسر عرفات، والثاني يعرض في معرض "تحية لأسرى وأسيرات الحرية"، في بيروت.

منذر جوابرة: زمن مكسور 

تبنى عملية الإبداع الفني في حقيقتها الأولى بناءً على قضايا محددة، ولا تبحث عن العدم، وربما يكون انطلق الفن من الحاجة والبحث عن الطاقة التعبيرية التي تساهم في التواصل والتعريف والحوار… إلخ. ومن هنا فإنّ الأسس الجوهرية للقضية الفلسطينية ترتهن على بعض المحددات ومن بينها قضية الأسرى، وباعتبار أنّ الفن لغة الشعوب وهي الرحلة الوحيدة المسموح فيها للتعبير عن قضايا شعبنا وبعيداً عن تأطيرها بمفاهيم "الإرهاب، والتخريب"، على أنّ الفنان يصبح ملزماً في بعض المراحل للتفاعل مع القضايا المختلفة ومن بينها قضية الأسرى كحدث إنساني متفاعل على طول الوقت لمعتقلين لا زالوا يعانوا لغاية هذه اللحظة، والسؤال لماذا نبحث عن آلام وقضايا أخرى، بينما هي موجودة بيننا وتحت أعيننا، لكن ما يفتح السؤال هو: كيف نقدم هذه القراءة وما هي الأدوات التي يمكن استخدامها للتعبير عن مثل هذه القضايا؟

وأما عن مشاركتي في هذا المعرض، فقد تم تقديم عملين فنيين، وهما نتيجة مشروع والمعرض الفردي "زمن مكسور" الذي أقيم في مدينة رام الله في العام ٢٠١٦ والذي تحدث عن الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، وكان المشروع نتيجة فترة من التعايش مع معتقلين سياسيين وهم يعيدوا بناء سجن المسكوبية لمدة خمس وأربعون يوماً في فيلم رائد أنضوني. 

ومن خلال هذه الأعمال التي جاءت من خلال مرحلة بحث ومتابعة للتفاصيل واليوميات مع المعتقلين، وكيف تعاملوا مع الوقت ما بين الداخل/الخارج، كيف يمكن الإحساس بهذا الزمن؟! ما علاقة خيط الصوف، وكيف يمكن العودة للذاكرة، ماذا تعني الطفولة، كلها أسئلة يعاد التذكير بها والتساؤل حولها في هذا المشروع.

جواد إبراهيم: عين تحدق بالقاتل

مؤسسة الدراسات الفلسطينية هي مؤسسة مستقلة لا يحكمها أي فصيل سياسي لذلك هي مؤسسة بحثية فكرية خالصة بعيدة عن التطبيع، وأنا تأكدت من ذلك من خلال طرح بعض الأسئلة على مدير عام المؤسسة وبناء عليه أنا شاركت في هذا المعرض. أشرت إلى هذا لأني أرى أنّ شريحة المثقفين الفلسطينيين هي الخاصرة الرخوة للقضية الفلسطينية؛ فهذه الشريحة -للأسف- ما بعد أوسلو ذهبوا باتجاه التطبيع والآخر وفهم الآخر ورموا أنفسهم بأحضان الآخر إلخ ليكتشفوا الكذبة الكبيرة وهي اليسار الإسرائيلي والحزب الشيوعي الإسرائيلي. في ظل هذا الوضع نحن نعيش في حقل ألغام في قضايا التطبيع وأنا حريص جداً جداً على المشاركة أو التفاعل بأية فعالية أو مهرجان إلا إذا تأكدت منه، والحقيقة أنني تعرضت أكثر من مرة لمثل هذه المشاكل وأصدرت بيانات بهذا الخصوص موضحاً موقفي.     

وبالحديث عن المعرض؛ فهو جاء دعماً للأسرى، لكني كنت أتمنى لو كان على هامش المعرض ندوة حوارية يشارك فيها من المحررين من الخيام، ومن المحررين هنا في فلسطين، ليوضحوا تماماً ما هي قضية الأسرى. 

قضية الأسرى هي إحدى أعمدة القضية الفلسطينية المهمة جداً والتي يجب أن يلتفت إليها الجميع، فلا نترك الأسرى بمفردهم وبمعاناتهم وبنضالاتهم لتحقيق مطالبهم وعلينا ألا نذهب باتجاه الحلول الفردية ففي هذا الموضوع الحل جمعي، وموضوع الأسرى مهم جداً، واللوحة لا تعبر على الإطلاق إلا القليل وهي ليست إلا لفت نظر لموضوع الأسرى.

وفي هذا السياق، إذا أردنا الحديث عن العمل الفني وخدمته لقضية الأسرى، فاسمح لي أن أقول إنّ وجدانياتنا مثقوبة فبالتالي في ظل الاحتلال ماذا تعني اللوحة لأم أو أب شهيد أو أسير؟ ماذا تعني اللوحة للقمع في الأقصى؟ ومع هذا نقول إنه لا بد أنّ لكل واحد يستطيع تقديم شيء في هذا الاتجاه فليكن.

أما عن لوحتي التي شاركت فيها في هذا المعرض فهي تحت عنوان "عين تحدق بالقاتل"؛ عبارة عن شخص معصوب العينين لكن في طرف العصبة عين تطل على القاتل الذي هو دائماً بنظر الأسير ونظرنا جميعاً الجندي الصهيوني، فمجرد أن يقف الفلسطيني أمام جندي من جنود الاحتلال فيكون لديه قناعة تامة أن هذا هو القاتل، فعيوننا تحدق دائماً بهذا القاتل القبيح. 
اللوحة زيت على قماش متر بمتر. أنا رسمت أكثر من مرة الأسرى، ورسمت حتى في اعتقالي الإداري وأنا في صحراء النقب، كنت أرسم على ورق وعملت تقريباً معرض في الخيمة، وكان كل الرفاق والأخوة والزملاء يدخلون لمشاهدة اللوحات، وساهمت بأني رسمت على بطاقات الصليب الأحمر الرسائل لنكتشف أنه ما من بطاقة كان يرسلها الأسرى لذويهم بالمناسبات وصلت للمرسل لأنّ الجلاد في الكيان كان يصادرها. كما أنجزت أكثر من بوستر عن الأسرى.

قضيتنا لا تقتصر -وأنا أوجه حديثي لكل المثقفين الفلسطينيين- على الرواية والشعر والكتاب... بل يجب أن تنخرط مع الجماهير في النضال ضد هذا الكيان القبيح الذي لا بد في يوم أن يزول. وأنا عشت الانتفاضة الأولى بكل تفاصيلها وعايشتها واعتقلت أكثر من مرة ولي الشرف، وأنا أمام التجارب الأخرى لا أساوي شيء.

 

ملصق المعرض، عمل لمنذر جوابرة