بعد أقل من شهرين على سقوط بيت دجن أصدر بن غوريون أوامره بهدم القرية مع الإبقاء على بعض المنازل والمباني لتكون في خدمة الحركة الاستيطانية التي شهدتها اراضي القرية من أعمال بناء وتطوير بنى تحتية لصالح المشروع الصهيوني. وأقامت حكومة اسرائيل على أراضيها المستعمرات التالية: مشمار هضفعا، حيميد، غانوت.
تقع "بيت دجن" الى الجنوب الشرقي من مدينة يافا، على بعد 9 كم منها. وكانت هذه القرية تقع في السهل الساحلي الأوسط إلى الجنوب من خط سكة حديد: يافا- القدس.
شيء من التاريخ
"بيت دجن" قديمة العهد، عُرِفت من أيام سنحاريب الأشوري (القرن الـ 7 قبل الميلاد)، باسم "بيت دجانا". أما اسمها في الفترة الرومانية فأصبح "بيت داجو". أما التسمية "داجون" فتعني "الغلّة" و "مخزن الحبوب" أي "الأهراء". وسميت بهذا الاسم نسبة إلى الإله الكنعاني "داجون"، الذي ظهرت صوره على قطع النقود الكنعانية ملتحيًا ذا خصلات طويلة من الشعر، مُمسِكًا بكلّ يد من يديه سمكة. كما ينتهي نصفه الأسفل على هيئة سمكة مغطاة بالفلوس ومزودة بالزعانف. وكانت مكانة الإله "داجون" عالية ومرموقة عند الكنعانيين. وانتشرت عبادته على طول الساحل الفلسطيني، حيث كانت تنتشر زراعة الحبوب. أمّا المعنى اللغوي للتسمية "داجون" فهناك من يُشير إلى أنّها تعني "الحبوب"، ومِمّا يؤكد هذا الاتجاه أنّ نصوصًا عديدة وكتابات قديمة أشارت إليه كإله "القمح والحبوب" و"إله الزراعة والمواسم". وهذه التفسيرات تشير إلى أنّه كان رمزًا للخير والخصب. ويذكر أنّه توجد خارطة للعالم في كلية الزراعة في جامعة كلوج برومانيا محددًا عليها مواقع لأخصب تربة في العالم كله، وكانت بيت دجن بين تلك المواقع.
لا بد لنا من التنويه هنا إلى أنّ بيت دجن قد ورد ذكرها في عدد من كتابات الرحالة والجغرافيين العرب والمسلمين الذين زاروها. وورد ذكرها لدى البشاري المقدسي في القرن الرابع الهجري معتبرًا إيّاها شبه مدينة وليست قرية بحسب مقاييس ذاك الزمان. وذكرها أيضًا ياقوت الحموي في القرن السابع الهجري باسم "داجون". وأثناء حروب الفرنجة تمّ إنشاء قلعة صليبية فيها باسم "كاسيل مين"، هدمها صلاح الدين الأيوبي، إلاّ أنّ ريكاردوس أعاد بنائها في 1191م. وتنتشر في أراضي القرية آثار قديمة العهد تعود إلى الفترات الكنعانية، وبعضها إلى البيزنطية. كما ووجدت مقابر قديمة يخمن علماء الآثار أنّها تعود إلى العصر البرونزي. كما وتنتشر فيها قبور من العصرين الروماني والمملوكي.
"أثقلت أغصان شجر البرتقال بالثمار سنة النكبة، وكُنّا نسند الغصن المثقل بالخشب كي لا ينكسر. هل كان شجر البرتقال يودّع أهله؟"
عدنان محمد محمد شحادة أبو شعر – من أهالي القرية.
المعالم الدينية
تكثر في بيت دجن الأماكن الدينية، ومنها المقامات. فمقام أحمد الزاوي فيها لا نملك حوله معلومات. أما مقام سعد الانصاري فيعتقد اهالي القرية أنّه منسوب إلى سعد الدولة القواسي وهو قائد مسلم أوفده الوزير الأفضل الفاطمي أمير الجيوش في مصر على رأس حملة عسكرية كبيرة إلى فلسطين عام 1101 لمواجهة الفرنجة بعد سقوط بيت المقدس بيدهم في 1099. والتقى الجيشان قرب بيت دجن إلى الشمال الغربي من مدينة الرملة، فانتصر الفرنج وتردى بسعد الدولة فرسه فخرّ صريعًا ميتًا. واستخدم المسجد الذي فيه مقامه مستودعًا ثم تمّ هدمه في وقت لاحق. وهناك في بيت دجن مقام على اسم الشيخ عثمان. ولا تتوفر لدينا معلومات حوله. سوى أنّه كان بالقرب من معمل الطوب الذي امتلكه صبري الجبريني حتى العام 1948. أما مسجد بيت دجن فقد حمل عدة أسماء منها الجامع الغربي وجامع الشيخ مرزوق.
السكان والأراضي
بلغ عدد سكانها في عام 1596م قرابة 633 نسمة. وكانت حينها تتبع ناحية الرملة في لواء غزة، وفقا للتقسيمات العثمانية القديمة. أما في عام 1871 م فبلغ عدد سكانها قرابة 740 نسمة موزعين على 148 منزلا. وكانت القرية في ذاك العام تتبع ناحية اللد وفقا للتقسيمات الادارية التي اعتمدتها الدولة العثمانية خلال فترة الاصلاحات التي تُعرف بـ "التنظيمات".أما في فترة الانتداب البريطاني فقد بلغ تعداد سكانها وفقًا للإحصاء الأول في العام 1922 قرابة 1715 نسمة، ليرتفع في احصاء 1931 إلى 2653 نسمة موزعين على 592 منزلاً. واستمر العدد في الارتفاع، ليصل في العام 1945 إلى قرابة 3840 نسمة، بينهم 130 مسيحيًا. أمّا في عام النكبة فبلغ العدد قرابة 4545 نسمة، موزعين على قرابة ألف منزل. وهذا ما يبين لنا تسارع نمو هذه القرية واقتصادها ومكانتها في القرى التي شكلت ظهير مدينة يافا.
واعتبرت "بيت دجن" رابع قرية في قضاء يافا من حيث عدد سكانها وأيضًا من حيث مساحة أراضيها. وبلغت مساحة أراضيها ما يعادل 17327 دونمًا. امتلك اليهود 1975 دونمًا بالشراء بواسطة سماسرة الأراضي والتسريب. وتمّ تخصيص 554 دونمًا للطرق والسكك الحديدية التي تمرُّ بالقرب من القرية. أمّا القرى والبلدات التي تحيط بها، فهي: الساقية، الخيرية، يازور ومستوطنة حولون، وعدد من قرى قضاء الرملة المجاورة.
عائلات القرية
عرفت من عائلات القرية: الدجاني وهم مقدسيون في الأصل. واشتهر بعضهم في يافا وعملوا في التجارة وخدمات الدولة في الفترتين العثمانية والانتدابية. وعرفنا ايضًا من العائلات: حمودة، البيشاوي أبو شعر، البطش، الناطورـ حبايب، ابو العون، بشير، أبو الشاويش، وغيرها.
"كُنّا نُربّي شجرة البرتقال كما نُربي أبناءنا. وزرعنا في بيت دجن الورد والياسمين والفُلّ صفوفًا صفوفًا"
محمد حسني العسود – من أهالي القرية.
التعليم
تلقى أبناء القرية تعليمهم في الفترة العثمانية في كتاتيب القرية. ولكن في العام 1920 بادر الأهالي إلى تأسيس مدرسة للبنين. وكان الصف الرابع هو نهاية التعليم الابتدائي، إلى أن تمّ إكمال الابتدائية لتشمل السابع وذلك في العام 1940. وجدير ذكره هنا أنّ عدد طلاب هذه المدرسة في عام اكتمالها وصل الى 353 طالبًا. وارفقت بالمدرسة الابتدائية قطعة أرض مساحتها 15 دونمًا استعمل قسم منها للزراعة وعليها مضخة تعمل بالكهرباء.
أمّا المدرسة الابتدائية للبنات فتمّ تأسيسها في العام 1934. ولأن كثيرين من الاهالي امتنعوا عن إرسال بناتهن إلى المدرسة فإنّ عدد الطالبات فيها لم يزدد كثيرًا مقارنة مع مدرسة البنين الابتدائية. فبلغ عدد البنات فيها في العام الدراسي 1945 قرابة 102 طالبة فقط. أي أقل من ثلث عدد البنين. أمّا الطلاب الذين أرادوا متابعة تعليمهم الثانوي فكانوا يتجهون إلى ثانويات في يافا وطولكرم ونابلس وحيفا. في حين أنّ من رغب في مواصلة تعليمه للمستوى الجامعي كان يسافر إلى بيروت أو القاهرة لهذا الغرض.
مصادر المعيشة
اعتمد معظم أهالي قرية بيت دجن على العمل في القطاع الزراعي، حيث زرعوا أكثر من تسعة آلاف دونم من أراضيهم بالحمضيات، وخصوصًا البرتقال. وكانوا يوردونه إلى تجار يافا الذين بدورهم يصدرونه إلى أوروبا. وشكلت زراعة الحمضيات أحد أهم مصادر رزق ومعيشة الأهالي لكونه مصدرًا مربحًا. كذلك زرعت مساحات شاسعة من شجر الزيتون. وكان إنتاج الزيت وفيرًا في هذه القرية. بالإضافة إلى عائلات عدة عملت في زراعة الخضراوات وتوريدها إلى أسواق يافا والرملة. في حين أنّ بعض العائلات اعتمدت على رعاية المواشي وتربية الطيور والدواجن. وعمل عدد كبير من شباب القرية خارجها، خصوصًا في يافا في الخدمات المتنوعة كالبناء والتجارة وغيرها.
بيت دجن والثورة الفلسطينية
شارك عدد كبير من أهالي القرية وخصوصًا الشباب والرجال في الثورة الفلسطينية الكبرى في النصف الثاني من الثلاثينيات، مقاومين المشروع الاستعماري البريطاني والمشروع الصهيوني. وبرز من بين المقاومين الشيخ يحيى الناطور الذي قاد فصيلاً نفذ عملية تفجير خط القطار المار بالقرب من القرية في عام الثورة 1936، وأيضًا في الدفاع عن القرية أمام هجمات العصابات الصهيونية المسلحة في عام 1948.
سقوط القرية وتهجير اهاليها في 1948
كانت القرية منذ كانون الثاني 1948 هدفًا لهجمات شنّتها قوات منظمة البلماح المتمركزة في مبنى كيرين كاييمت ليسرائيل ( الصندوق القومي اليهودي)، الكائن جنوبي طريق يافا- القدس العام مباشرة. وقد دمر منزل من منازل القرية في إحدى غارات البلماح. وجرح أربعة ودمر أحد المنازل. وأفادت صحيفة ( نيويورك تايمز) أنّ البريطانيين اشتبكوا مع سكان القرية يوم 19 شباط بعد أن توقفت إحدى قوافلهم العسكرية في القرية لاعتقال رجل كان يحمل بندقية. ويذكر مقال الصحيفة أنّ السكان صوبوا النيران على الجنود البريطانيين وقتل عدد من الأهالي والجنود. وربما لم تحتل بيت دجن إلاّ في نهاية نيسان إذ سقطت على يد لواء ألكسندروني في سياق تنفيذ عملية حميتس التي جرت بين 25 و31 نيسان والتي استهدفت سلمة ويازور وقرى عربية أخرى تقع إلى الشرق من يافا.
كان من المقرر لعملية حميتس (الخميرة) أن تُنفذ في أثناء عيد الفصح. وكان هدفها المباشر الاستيلاء على القرى الفلسطينية الكبرى الواقعة على جانبي خط سكة الحديد الذي يصل يافا بعمقها العربي. وكانت القرى الواقعة إلى الشمال من خط سكة الحديد (من الغرب إلى الشرق) وهي: سلمة والخيرية والساقيه وكفر عانة والعباسية ( اليهودية). أمّا تلك التي كانت تقع إلى الجنوب من خط سكة الحديد فهي: يازور وبيت دجن والسافرية وكان من شأن احتلال تلك القرى أن يعزل يافا- أكبر مدينة فلسطينية بسكانها السبعين ألفًا- عزلاً تامًّا ويضمن سقوطها في يد الهاغاناه. لذلك كان الهدف النهائي للعملية الاستيلاء على يافا.
في 29 نيسان شنّت منظمة الهاغاناه عملية حميتس وآنضوت الألوية الثلاثة كرياتي وألكسندروني وغفعاتي تحت قيادة دان إبشتاين قائد لواء ألكسندروني فهاجمت وحدات ألكسندروني انطلاقًا من قاعدتها في كفار أزار قريتي الساقية والخيرية واستولت عليهما. وانطلقت وحدات كرياتي من تل أبيب وهاجمت قرية سلمة وضاحيتي أبو كبير والجبلية من ضواحي يافا. ومع حلول ليل اليوم ذاته كانت سلمة قد سقطت في قبضة وحدات كرياتي وغفعاتي.
تصدّت كتيبة من جيش الانقاذ بقيادة ميشال عيسى وقوامها 250 رجلا جميعهم من الفلسطينيين للفرق اليهودية، وقامت بتنفيذ هجوم مضاد اضطرت وحدات غفعاتي إلى الانسحاب من التل بعد أنْ تكبدت خسائر فادحة بلغت 33 بين قتيل ومفقود ونحو 100 جريح بحسب ما جاء في ( تاريخ الهاغاناه). وكان ميشال العيسى ورجاله قد وصلوا الى الموضع في اليوم السابق ( 28 نيسان)، في مسعى لتخفيف الضغط المتصاعد عن يافا. وبقي العيسى في يافا حتى 10 أيار محاولا محاولة أخيرة يائسة الحؤول دون سقوط ضاحية أبو كبير. ثم قرر في اليوم ذاته الانسحاب جراء تضييق الخناق الذي فرضته عملية حميتس.
ظهرت أولى بوادر الاستسلام من فلسطيني يافا في 11 أيار. ثم استسلمت يافا رسميا للهاغاناه في 13 أيار وغادر البريطانيون المنطقة في اليوم التالي. وكانوا يقومون، منذ بداية عملية حميتس بمواكبة المدنيين المذعورين من يافا، على الطريق العام الرئيسي الى اللد والرملة اللتين كانتا يومها ملاذين آمنين. ويشير المؤرخ الإسرائيلي بني موريس إلى أن سكان بيت دجن أخلوا قريتهم في 25 نيسان1948 من جراء الضغط على يافا وعليهم أيضًا. وتشرّد الأهالي في القرى التي لم تسقط بعد. كذلك منهم من وصل الى اللد والرملة ثم تركوها بعد سقوطهما في تموز 1948.
بعد أقل من شهرين على سقوط بيت دجن أصدر بن غوريون أوامره بهدم القرية مع الإبقاء على بعض المنازل والمباني لتكون في خدمة الحركة الاستيطانية التي شهدتها اراضي القرية من أعمال بناء وتطوير بنى تحتية لصالح المشروع الصهيوني. وأقامت حكومة اسرائيل على أراضيها المستعمرات التالية: مشمار هضفعا، حيميد، غانوت.
بيت دجن ليست غائبة
بالرغم من المأساة الكبرى التي حلّت على قرية بيت دجن كأخواتها باقي قرى فلسطين المهجرة، إلا أنّ أبنائها بادروا إلى تأسيس جمعية خيرية لهم في عمّان – الأردن باسم "ملتقى بيت دجن/ يافا". وتنشط هذه الجمعية في تنظيم لقاءات تجمع فيها أهالي القرية المقيمين في الأردن للحفاظ على الروابط الاجتماعية بينهم. كذلك ساهم الدكتور سعيد البيشاوي وهو ابن بيت دجن بدراسة توثيقية عن قريته. وأيضا الدكتور ايمنجابر حمودة بكتاب مفصل عن القرية، أساسه التاريخ الشفوي من حافظة/ذاكرة الاهالي في الأساس. والهدف في هذه النشاطات الحفاظ على حضور بيت دجن في حياة ووجدان الاهالي اينما كانوا منتشرين.
"حوار عائلي" لشاعرة دجنية (19/8/1976)
بقلم: زينب حبش
لماذا يريدون رأسي
لماذا؟!
لأنّ برأسِكَ يا نور عيني
جواهِرَ تبهرُ أبصارهَمْ
لماذا يريدونَ أن يفقأوا مُقْلَتيّ؟!
لأنّ العصافير يا روح قلبي
تعششُ في مُقلتيْك
لماذا يريدونَ أن لا أغني؟!
لأنّ الثعالبَ يُزعجُها الشدوُ
تخشى زئيرَ الأسودْ
لماذا وُلِدْتُ بدونِ هُويّةْ؟!
لتحمل يا طفلي الحلوَ
أحزانَ هذا الوجودْ
لتصنَعَ يا طفلي الحلوَ
أحلامَ هذا الوجودْ