صحيح أن هذا المنظور يتفوق كثيرًا على منظورات كل الفرنسيين الذين أتينا على ذكرهم في هذه المداخلة المختزلة، على كثافتها، إلا أنه – هذا المنظور- قد يكون مدخلنا الأهم في مناهضة كولونيالية الدراسات المكانية والعمرانية والمعمارية ونزع كولونياليتها، بما يكفي حقًا لفهم حقنا الجسدي في حركتنا وأماكننا، ومدننا.
تتحرك المقولة الأساسية لهذه المداخلة بين فكرتين اثنتين أساسيتين؛ الأولى، وهي للفيلسوف الفرنسي جاك دريدا: "شيء ما ميت في كل هندسة"(1)، والثانية لفيلسوف فرنسي آخر، وهو بول ريكور، يقول فيها: "إننا حين ندرك الحركة فإننا ندرك الزمان، غير أن الزمان لا يُدرك كمختلف عن الحركة إلا إذا حددناه؛ أي إذا استطعنا تمييز لحظتين؛ الأولى كسابقة والثانية كلاحقة، وعند هذه اللحظة يتقاطع تحليل الزمان مع تحليل الذاكرة"(2).
قد تبدو المقولتان ومضمونهما متضادين (بين موت وحركة) أو مختلفين، أو حتى لا علاقة بينهما في بادئ الأمر، لكن بقليل من التأمل (ولو تمرينًا أوليًا في الفاعلية Agency)، يمكننا أن نرسم العلاقة التالية منطلقًا لفهم الرابط بين الموت والحركة في المدينة، وسياسات الهيمنة:
الهندسة (باعتبارها علمًا يرتبط بالعلائقية ما بين الأشياء ومجالاتها، يستلزم مكانًا وأجسادًا وحركة، سواءً بتحقيقها أو منعها) – الموت
الحركة (بما هي فعل يُخاض/يتحقق من خلال المكان والجسد في الزمن) – الذاكرة والتاريخ
نجد أن ثمة علاقة (دائرية، لو شئنا الدقة) بين نقيضين أوليين: الموت والحركة. وعليه، نخلص إلى أن الهندسة بقدر ما هي مسؤولة عن الحركة والمجال، فهي أداة لتحقيق الموت والثبات للجسد والمكان. وأما الحركة بما هي فعل يتحقق بالجسد والمكان، فإنها بشكل ما أو بآخر أمر يرتبط بالموت وسياساته، فأن تقوم الهندسة بتحريك شيء ما، يقتضي تثبيت غيره، بمحو أو طمس، في صور الفهم الأولي المجرد للفرضية، ومن ثم التحكم في الحركة وشروطها، وهو ما يحوّل الحركة إلى حالة الموت/الثبات المؤجل. لعل النموذج الأقرب لفهم هذه الدينامية والعلاقة المشتبكة كان حظر التجول في فترة وباء كورونا، حين تجسدت سياسات الحركة – الحياة المكانية، بما هي سياسة ثبات – موت.
لنا هنا أن نستعير من الفيلسوف الكاميروني أخيل مبيمبي: سياسات الحياة والموت(3)، بما هي سياسات ذاكرة ونسيان، لفهم مآلات ومواقع بعض السياسات العمرانية والتخطيطية الحالية، في البيئة العمرانية بالعموم، وفي مدينة القاهرة، بشكلٍ خاص (حتى لو أشار المتن إلى بعض المدن الأخرى)، بما هي شكل من أشكال الهيمنة على الحياة والموت والذاكرة والنسيان، وذلك لمركزية القاهرة بصفتها مدينة عربية، ومركزية الدولة المصرية في المنطقة، تاريخيًا وسياسيًا ومدينيًا.
الحركة تحدث في الزمن، أي أنه لا يمكن لحركة (ما) أن تتحقق إلا في الزمن، وعليه وبـ(ما) أن الحركة فعل زمني؛ فهي بالضرورة وحكمًا تاريخية، بمعنى أنها تتحقق في التاريخ؛ فتشكله ويشكلها، بما هو شبكة علاقات سببية وتبادلية في بعضها(4). إلا أن الحركة لا تختلط في/بـ المكان الذي اجتازته، هكذا يخبرنا فيلسوف فرنسي ثالث، وهو جيل دولوز (في لاحق هذا المتن لابد لنا من التخلص من كل هذه الفرنسية!)؛ فالمكان الذي تجتازه الحركة هو ماضٍ، بينما الحركة نفسها باعتبارها حاضرًا زمنيًا، لا تقبل أي انقسام، وإلا تغيرت طبيعتها (مجالها، مسارها، مقدارها، سببيتها، نتائجها، شكلها، تأثيرها، وغير ذلك). إلا أن الحركة بين مكانين تقتضي تغيرًا كيفيًا في هذا الكل (الأمكنة والحركة والمسافة المُجتازة، وبنية ومضمون ومحتوى وشكل النقاط التي يتم التحرك بينها).
نخلص من هذه المقاربة المدخلية إلى أن الحركة والتحكم الهندسي فيها، بما هو فعل تاريخي، إنما يهدف إلى تحقيق موتٍ ما في مكانٍ ما، من خلال شكل حركة/ثبات ما، كما يلي:
1. إحداث حركة لا تتداخل مع الأمكنة: مثل حالة الجسور و(الكباري) في القاهرة، وبالتالي فإن الأمكنة تتحول إلى بنية زمنية تاريخية ماضوية، على مستوى الرمز والمادة، تترسب على سطحها كل استعارات القدم والتخلف والأشكال، لصالح شكل من الحركة لا يقبل القسمة ولا يختلط ولا يتداخل مع الأمكنة، بل ويقدم نفسه باعتباره حلًا وتجاوزًا لذلك الموت والثبات. وفي هذا الشأن نقول إن حجم الجسور والكباري في القاهرة، وفي أحياء ما بعينها، حي "هليوبوليس" في المدينة نموذجًا، شكلت تجربة مكانية ومجالية منفصلة عن المدينة، فما عاد المرور من خلال المدينة أمرًا واقعًا، بل التعالي عليها والارتفاع فوقها في شكل يفصل تمامًا بين الحركة والمكان/المدينة والجسد والآلة.
2.تغيير البنية النوعية والكيفية للكل المديني من خلال استحواذ وهندسة شكل حركة مرتبط بالسلطة، حيث يحدث فعل الحركة: حالة تسييل (من جعل الشيء سائلًا) للكل المديني باتجاه العاصمة الإدارة الجديدة في القاهرة، التي يبنيها النظام المصري، جاعلًا من القاهرة مدخلًا لمدينته أو عاصمته (هو/النظام) الجديدة، في امتداد خطابي ورمزي وأدائي للكل المديني القاهري الماضوي. تقول الباحثة المصرية داليا وهدان: "لاحظت أن الانسياب المروري غير متسق بين قطاعات المدينة، فالاختناقات المرورية وسط وغرب وجنوب القاهرة أطول وأكثر تكدسًا – مما كان من قبل إنشاء المحاور - عن مثيلاتها باتجاه القاهرة الجديدة ومدينتي والعاصمة الإدارية الجديدة"(5). وبالتالي، فإن الحركة باتجاه الشرق في القاهرة لا تحدث على مستوى المكان فقط، إنما على/في الخطاب السلطوي.
يتضح الربط الهندسي والتخطيطي العمراني بين الموت والحركة، واستحواذ الدولة على سياسات الحياة والموت (النيكروبوليتكس)، من خلال الإحالة التالية:
تنقل إذاعة البي بي سي البريطانية عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء البيانات التالية، التي تشك الباحثة المصرية داليا وهدان في مصداقيتها(6):
"شهد العام 2021، 7101 حالة وفاة بارتفاع بلغ 15.2% مقارنة بالعام 2020، والذي شهد 6164 حالة وفاة على الطرق، بينما لقي 6722 شخص حتفهم في حوادث الطرق في العام 2019. وقد بلغت الإصابات في العام 2021 إلى 51511 إصابة، ربع هذا الرقم من المشاة"(7).
2
الحركة فعلًا تنبؤيًا
بالعودة إلى الحركة بما هي فعل يقع في الزمن، أي أنه تاريخي، فإن الحركة تخضع – بطبيعة الحال- إلى بنية القوى في التاريخ، ووسائل أو سياسات زمننة الوجود الإنساني في السياق الحداثي، وهنا يأتي دور الدولة القومية الحداثية ما بعد الاستعمارية. ولعل هذا ما يفسر الهوس التصميمي في القاهرة بمراقبة حركة الأجساد، وتحقيق شرطية مؤجلة للموت والحياة، في التصميم العمراني والتخطيط الحضري والبيئة المبنية في المدينة، وجعله أقرب ما يكون إلى تصميم حضري عسكري، بتعبير الكاتب المصري حسام الحملاوي، يهدف إلى إدامة تحديق الدولة في أجساد المواطنين وحركتهم(8).
هذا السلوك الدولاني ليس بالأمر المستحدث في سياق الدولة القومية الحديثة، وبالذات إذا عدنا لتاريخ العلاقة بين المدينة والدولة والحرب فيما يتعلق بسياسات الحركة. وهو أمر يرتبط بتاريخ الفكر العسكري من ناحية، والهندسة بما هي أداة سيطرة مكانية ومجالية. ولعل مبيمبي يلخصها في مفتتح كتابه الوحشية، حين قال: "أستعير مفهوم الوحشية من التفكير الهندسي"(9).
لو بحثنا تاريخ الهيمنة في الهندسة لوجدناها تمتد منذ لحظة اكتشاف الخط المستقيم(10) ومتتالياته في إدراك المكان، كالمنظور الهندسي، تلك الأداة التي تُزرع في عقول دارسي العمارة والتخطيط والتصميم، لغايات السيطرة المكانية وترويض المكان، والإعلاء من حاسة العين الثقافية. يقول الفيلسوف الفرنسي بول فيريليو: "إن النشاط العسكري الوحيد الذي تطلب مواظبة فكرية هو مشروع الخدمات اللوجستية للقلعة الحضرية. وإنه انطلاقًا من هذه المهمة اللوجستية الملتبسة نشأ الخلط بين تخطيط المعارك الحربية وتنظيم المجال الحضري. وقد عمدت الثورة البرجوازية هذا الخليط وسمته ’الدفاع الوطني‘"(11). وفي موضع آخر يؤكد: "الخلاصة أن سلطة الدولة السياسية باعتبارها ’سلطة طبقة تضطهد طبقة أخرى‘ ليست سوى سلطة ثانوية، فسلطة الدولة الفعلية هي مدينة Polis وشرطة Police أي مركز للتحكم في المواصلات Voirie، وذلك بمقتضى أن الخطاب السياسي منذ فجر الثورة البرجوازية ليس سوى استعادة واعية إلى حد كبير لفكرة الحصار القديمة، وهو بذلك يخلط بين إدارة المجتمع ومراقبة حركة المرور (مرور الأشخاص والبضائع)"(12).
إن الحركة، مبدئيًا، هي ممارسة سياسية أيضًا بقدر ما هي تاريخية، فهي متعلقة بالظروف الاجتماعية للحركة وأنظمتها. ولعل هذا ما ميّز "الحراك" العربي في 2011، الذي يمكننا أن نستعير بشأنه وصف شكسبير القائل: "الموت الذي يقهر موته".
يدعونا هذا الأمر إلى تأمل السياسات السلطوية تجاه أماكن مدينية ما بعينها، أريدَ لها أن تشهد شكلًا من أشكال الحركة. يحضرنا هنا التصميم الخاص بميادين مثل ميدان التحرير وميدان رابعة في القاهرة، اللذان تحولا إلى مساحات مرور، لا يمكن التوقف فيهما، ولكن لماذا؟
حين يتوقف الجسد/الجسم المتحرك عن الحركة، ولو للحظة، فإن المكان يخرج عن ماضويته التي أشرنا إليها سابقًا، ويُعاد استدخاله في بنية الحركة – ولو لحظيًا- وهو ما يخلخل سلطة السلطة على الحركة، وانفصالها عن المكان، وعدم قابليتها للتقسيم أو التجزئة.
ولتوضيح هذا الأمر يمكننا أن ننظر إلى سياسات لإعادة تشكيل التجربة والخبرة المكانية في المدينة لموقع ما شهد صدمة ما (Trauma)، مثل ميدان رابعة الذي شهد مذبحة رابعة عام 2013، وميدان التحرير الذي احتضن بشكل رئيس ثورة 2011، وأثر تلك السياسات على حركة الذوات المواطنية (المصرية) خلال هذه المساحات، بوصفها تجارب مكانية حركية.
لقد تحول ميدان رابعة - مع الاحتفاظ ببعض معالم الميدان الرئيسة التي كانت موجودة في وقت الحدث الصادم: المذبحة (التروما) - إلى مساحة مرور وعبور للمواطنين، وهو ما يؤكد تحويل المكان المادي (البيئة المبنية) إلى بنية ماضوية تتعزز بالحركة خلال المكان، عن طريق تحويله إلى ممر كبير، وبناء جسر (كوبري) فيه، بعد إزالة كل الرموز المرتبطة بالمكان، أيًا كانت، بهدف تحويل الحدث وكأنه كان أمرًا ضروريًا لاستمرار تاريخ الجماعة القومية.
وهذه التغيرات الحضرية المتعلقة بالحركة والمكان، يمكننا أن نصفها بكونها سياسات محكومة بتوجه براغماتي في تصميم المكان والتجربة الحركية فيه، يمكننا إجمالها في الجدول التالي:
في المقابل نجد أن ميدان التحرير في القاهرة، قد خضع إلى شكل آخر من السياسات التصميمية الحضرية المتعلقة بالحركة، فقد تحول هو بدوره إلى مساحة عبور حركي، لكنها مختلفة من حيث دينامية البناء وفراغات الحركة وممراتها. ففي ميدان التحرير تتكثف تكوينات معمارية مادية بغية فرض شكل أدائي وخطابي على المكان والحركة خلاله، مثل المسلة والتماثيل الفرعونية، مع وجود مساحات للجلوس حول الميدان وفيه، يحيط بها رجال الأمن المتخفين، ما يجعل أي محاولة للجلوس (توقف الحركة) تجربة أمنية ليست مرغوبة أبدًا، فضلًا عن وجود العشرات من كاميرات المراقبة (عدد كاميرات المراقبة في القاهرة وحدها بلغ 46562 كاميرا، بمعدل كاميرتين لكل 1000 فرد، و39 كاميرا لكل ميل مربع)(13).
لو أردنا تكثيف ذلك في جدول مشابه لما هو سابق، فسيتضمن ما يمكننا تسميته بالسياسات الرمزية للمكان والحركة (وهي معرفة في الجدول بالرقم 1) والسياسات السياقية (وهي معرفة في الجدول بالرقم 2)، كما يلي:
شكلت الأسهم الحمراء والخطوط البرتقالية المتقطعة والمتصلة، في حالة ميدان التحرير، أشكال ضغط وتأثير وتحويل ونفاذ بين شكلين من السياسات أعلاه: الرمزية والسياقية، اختلفت بنيويًا وعلائقيًا عما هي الحال في ميدان رابعة العدوية، من حيث علاقة الحركة الجسدية بالمكان. إذ أمكننا رصد استجابات مختلفة تتعلق بالحركة في الميدان وربط المكان والحركة بالظرف السياسي، وبالتحديد حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، حيث شهد ميدان التحرير مسيرات وتجمعات لمواطنين مصريين دعمًا للقطاع وأهله(14)، وهو ما حرك الذاكرة المكانية والسياسية والحركية للمصرين والعرب، وأقلق النظام في مصر.
كيف للحركة أن تكون فعلًا تنبؤيًا؟
في الوقت الذي يُنظِّر البعض، دون تفكير كافٍ، لفكرة التسكع في المدينة Flâneur التي طرحها الفيلسوف الفرنسي ميشال دو سارتو، باعتبارها معيارًا كليانيًا أو حتى جوهرانيًا (لبعض المغالين) للحق في المدينة، فإنهم بذلك لا يعون الفرق بين الحركة Mobility والتحرك Movement في المدينة. حيث أن معيار قابلية المدن للمشي لا يمكنه أن يعكس ممكنات فعل الحركة كفعل مواجهاتي مركب في المدينة. فالقاهرة مثلًا بحسب بعض المواقع من أكثر المدن قابلية للمشي(15)، وكذلك مدينة الرياض(16)، وغيرها، لكن هذا المشي لهدف، أو حتى التسكع، لا يمكنه أن يحمل ويعكس ويفعِّل الحركة بما هي فعل سياسي مركب، يبدأ من الجسد، ويصل إلى الطبقة الخارجية من الدولة القومية الحديثة، بل ويؤثر على مقولاتها التاريخية الأساسية. كما أن أحد الإشكاليات الأساسية في استدعاء تلك الأدوات الغربية لفهم سيرورة المدينة العربية، بل ومفهوم المكان والفضاء والجسد في هذا الجزء من العالم (وهو ما لم تنج منه هذه المداخلة بشكلٍ كامل) أن تلك الاستدعاءات لها تحيزاتها وصورها وتصاويرها الإدراكية الواردة إلينا من سياقات مختلفة، وأحيانًا متضاربة، إنما تلق على المكان وعلى أجسادنا نحن أيضًا بطبقة سردية ميتة، وإن خضعت للنقد، تبعده عن قدراتنا ومساحاتنا المعاشة في فهم وتفكيك مباني القوى والهيمنة المكانية التي نخضع إليها جميعًا في هذا الجزء من العالم، وما أحوجنا إلى مقاربات نازعة ومناهضة للكولونيالية في آن، لنتمكن من فهم كل هذه الطبقات والتحيزات والموت، والتي تبدأ من تصميم الخطوط المستقيمة في مدارس وكليات العمارة والتخطيط الحضري، وصولًا إلى الحرب والرواية والمدينة والتاريخ.
يذكرنا هذا الأمر بمباحث موضوعة الحركة في العصور الإسلامية، حيث كان الميل العام إلى التفرقة بين الحركة والكون في المؤلفات الإسلامية، حيث عُرِفت الحركة بأنها: الخروج من القوة إلى الفعل على سبيل التدرج، حتى أن بعض المتكلمة – المعتزلة خاصة - قد أثاروا نقاشات واسعة حول معضلات تلك المسألة. نذكر من أكثرهم إثارة للجدل كان أبو اسحق النظّام (إبراهيم بن سيار النظّام) شيخ المعتزلة البصري، وأقربهم إلى فهم الطبيعة فهمًا ماديًا (كما يصفه بذلك هادي العلوي) (17)، والذي قال بأن الأجسام كلها متحركة، وأن السكون هو شكل من أشكال الحركة. ويتساءل النظّام: لا أدري ما السكون إلا أن يكون يعني كان الشيء في المكان وقتين أي تحرك فيه وقتين أو مرتين (18). يذهب النظّام إلى القول بأن الأجسام متحركة في الحقيقة ساكنة في اللغة، ومرد الفرق بين الحركة والسكون عنده إلى الاصطلاح.
صحيح أن هذا المنظور يتفوق كثيرًا على منظورات كل الفرنسيين الذين أتينا على ذكرهم في هذه المداخلة المختزلة، على كثافتها، إلا أنه – هذا المنظور- قد يكون مدخلنا الأهم في مناهضة كولونيالية الدراسات المكانية والعمرانية والمعمارية ونزع كولونياليتها، بما يكفي حقًا لفهم حقنا الجسدي في حركتنا وأماكننا، ومدننا.
الهوامش:
كُتبت هذه المادة على هامش ورشة "أخلاقيات العمران: مقاربة نازعة للكولونيالية"، والتي أقامها معهد العمران للدراسات التطبيقية – أفريقيا والشرق الأوسط، قدمها المؤلف بالتعاون مع أكادميين وباحثين آخرين، في مايو أيار 2024، في القاهرة - مصر.
1. دريدا، جاك. 2023، "أن تفكر: أن تقول لا"، ترجمة جلال بدلة، بيروت: دار الساقي، ص 53.
2. ريكور، بول. 2009، "الذاكرة، التاريخ، النسيان"، ترجمة جورج زيناتي، بيروت: دار الكتاب الجديد، ص 48.
3. يُنظر: Mbembe, Achilles. 2019, “Necropolitics”, Durham: Duke University Press.
4. يُنظر: فاين، بول، 2021، "كيف نكتب التاريخ"، ترجمة سعود المولى ويوسف عاصي، الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.
5. وهدان، داليا. 2024، "في عرض الطريق": دراسات عن الحركة والتنقل في القاهرة"، تحرير داليا وهدان ولمياء بلبل، القاهرة: دار المرايا، ص18.
6. المصدر نفسه، ص 19.
7. المصدر نفسه، ص 19.
8. يُنظر: https://rosaluxna.org/publications/cairos-panopticon-2-0-the-history-and-present-of-state-surveillance-in-egypt/
9. مبيمبي، أخيل (أشيل)، 2021. "الوحشية: فقدان الهوية الإنسانية"، ترجمة نادرة السنوسي، بيوت: دار الروافد الثقافية – ناشرون، ص 15.
10. يُنظر: بروزاتين، مانليو، 2018. "قصة الخطوط"، ترجمة السنوسي استيته، البحرين: هيئة البحرين للثقافة والفنون.
11. فيريليو، بول، 2017. "السرعة والسياسة: من ثورة الشارع إلى الحق في الدولة"، ترجمة: محمد الرحموني، بيروت: الشبكة العربية للأبحاث والنشر، ص 35.
12. المصدر نفسه، ص 32.
13. المصدر: https://www.comparitech.com/vpn-privacy/the-worlds-most-surveilled-cities/
14. يُنظر: https://www.alquds.co.uk/%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D8%AA%D8%B4%D9%87%D8%AF-%D9%85%D8%B8%D8%A7%D9%87%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%AD%D8%A7%D8%B4%D8%AF%D8%A9-%D8%AF%D8%B9%D9%85%D8%A7-%D9%84%D9%84%D9%81%D9%84%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D9%86%D9%8A/
15. https://www.walkscore.com/score/cairo
16. https://www.walkscore.com/score/riyadh
17. العلوي، هادي، 1983. "نظرية الحركة الجوهرية عند الشيرازي"، بيروت: دار الطبيعة.
18. الصدر نفسه، ص 13