كفر قاسم: المجزرة المتجددة

2016-10-29 08:08:34

كفر قاسم: المجزرة المتجددة
تحية للشهداء . إسماعيل شموط

ملينكي: ما هو مصير من يعود إلى القرية بعد انتهاء عمله وهو لا يعلم بمنع التجول؟

شدمي: الله يرحمه.

"شموئيل ملينكي" و"يسخار شدمي"، الأول ضابط في لواء حرس الحدود والثاني سيده وقائد اللواء في الجيش "الإسرائيلي"، دار هذا الحوار في صباح يوم الاثنين 29/10/1956 عندما أُعطيت الأوامر بقتل كل من "يخرق حظر التجول" الجديد في المنطقة، وحوالي الساعة الرابعة والنصف من اليوم ذاته. قام رقيب في الحدود باستدعاء "وديع أحمد صرصور" مختار كفر قاسم وأبلغه أن حظر التجول من اليوم يبدأ في الساعة الخامسة مساءً عوضاً عن التاسعة، وأجابه المختار بأن هذا الوقت غير كافٍ لإبلاغ الناس، خاصة مَن هم خارج القرية، فوعده الرقيب أن يتم السماح لهؤلاء بالمرور وتركهم سالمين.

طُوقت القرية، وأقيمت الحواجز في منطقة الفلماية على المداخل، وفي تمام الساعة الخامسة، بدأ الجنود الصهاينة بإطلاق الرصاص صوب كل من يتحرك من بيته، رجالاً وأطفالاً ونساءً، حصدوا تسعة وأربعين روحاً، أمروا الناس القادمين بالاصطفاف، وأعدموهم برشاشات العريف "شومر" التي كانت متمترسة على المدخل الرئيسي. 

أثناء ذلك، كان الملازم "غيرائيل دهان" يقود سيارته على المواقع بين جثث الضحايا، ويقول: "لم يصل عدد القتلى إلى الحد المطلوب بعد، أريد مزيداً من القتلى"، إلى أن جاء أمر وقف القتل من "ملينكي"، بعد قتل 49 شخصاً من أبناء كفر قاسم، مدينة الشهداء، منهم عشرة صبية بأعمار صغيرة وعجوز في السادسة والستين من عمرها، كلهم قتلوا كنوع من تصفية الوجود الفلسطيني في تلك المنطقة واستكمالاً لاقتلاع وجود 40 ألف فلسطيني، وهذا ما أكدته عدد من الصحف والاعترافات التي كُشفت بعد زمن طويل من المجزرة.

إبان فترة قصيرة من ارتكاب الصهاينة مجزرة كفر قاسم، تمكن عضوا الكنيست الإسرائيلي "توفيق طوبي" و"ماير فلنر" من دخول كفر قاسم واختراق الحظر، ومن ثم خرجا الى الرأي العام ليكشفا أمر المجزرة، فاضطرت حكومة الاحتلال حينها لعقد محاكمة، وحكمت على مرتكبي المجزرة ما بين ثماني إلى سبع عشر سنة، ولكن اكتشف فيما بعد أن هذه المحاكمات قد خُفضت إلى الثلث تقريباً، وظهر ذلك جلياً عندما حوكم "يسخار شدمي" المسؤول ومصدر الأوامر في إطلاق النار، واختصر الحكم في توجيه توبيخ له ودفع غرامة مقدارها قرش واحد!

ولكَم يشبه من مات لـ"خرقه حظر التجول" في كفر قاسم وهو لا يدري ولا يعلم، من مات في مخيم اليرموك أو مخيم خان الشيح وهو يحاول خرق الحصار طلباً للطعام والماء من أجل أن يستمر وجوده رافضاً التخلي عن مكانه أسوة بمن حافظ عليه داخل فلسطين.

تزامنت المجزرة مع العدوان الثلاثي على مصر، بعد إعلان الراحل "جمال عبد الناصر" تأميم قناة السويس، إذ قام "تسفي تسور" المسؤول العسكري عن منطقة المثلث التي امتدت من أم الفحم شمالاً إلى كفر قاسم جنوباً، في صباح يوم المجزرة بإبلاغ قادة الجيش في تلك المنطقة بأن سياسة "بن غوريون" في التعامل مع العرب داخل منطقة الحكم العسكري هي ضمان الهدوء التام على هذه الجبهة، لصالح عمليات سيناء.

المجزرة التي حاولت اقتلاع سكان كفر قاسم لم تأتِ بنتائجها، وأعطت أصحاب الحق وأصحاب المكان قوة من أجل الحفاظ على الأرض والاستمرار في الدفاع عنها، وما هو عدد السكان إلا دليلاً على هذا القول، فعدد سكان القرية كان زمن ارتكاب المجزرة 1500 نسمة، والآن هو 22 ألف، يقومون في كل عام منذ ارتكاب المجزرة بإحياء ذكراها ويبدأون من بداية شهر تشرين الأول الاستعداد لها، والخروج بمسيرات وإعادة ترميم النصب التذكاري لضحايا المجزرة ومقبرة الشهداء، وفي هذا العام تم تحديد أسبوع كامل لإحياء الذكرى تتخللها نشاطات وفعاليات متنوعة إلى جانب نشر وثائق ومواد نادرة في وسائل الإعلام تتعلق بأحداث المجزرة.

منذ ذلك الوقت وحتى الآن، ارتكاب المجازر واستهداف الفلسطيني ومحاولات إبعاده وإقصائه عن مكانه لا تزال مستمرة، مع اختلاف التسميات لفعل الإبعاد والقتل والتهجير، والمشترك في ذلك هو مطاردة الفلسطيني حتى في الأماكن التي لجأ إليها بعد العام 1948، وما حصل من موضوع فرض حظر التجول لا يبتعد كثيراً في فرض حصار على اللاجئ الفلسطيني في سورية لسنوات داخل مخيمه والذي ذهب ضحيته مئات اللاجئين بسبب الجوع ونقص الدواء والشراب، ولكَم يشبه من مات لـ"خرقه حظر التجول" في كفر قاسم وهو لا يدري ولا يعلم، من مات في مخيم اليرموك أو مخيم خان الشيح وهو يحاول خرق الحصار طلباً للطعام والماء من أجل أن يستمر وجوده رافضاً التخلي عن مكانه أسوة بمن حافظ عليه داخل فلسطين.