بشار حمدان - مجلة رمان الثقافية https://rommanmag.com/archives/author/95rommanmag-com مجلة ثقافية فلسطينية مستقلة Sat, 02 Nov 2024 08:41:13 +0000 ar hourly 1 https://wordpress.org/?v=6.6.2 https://rommanmag.com/wp-content/uploads/2024/10/cropped-romman_logo-pink-32x32.png بشار حمدان - مجلة رمان الثقافية https://rommanmag.com/archives/author/95rommanmag-com 32 32 مسرّات قطر السينمائية… بين التراث والحداثة https://rommanmag.com/archives/19453 Sat, 13 Oct 2018 12:01:00 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d9%85%d8%b3%d8%b1%d9%91%d8%a7%d8%aa-%d9%82%d8%b7%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%8a%d9%86%d9%85%d8%a7%d8%a6%d9%8a%d8%a9-%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b1%d8%a7%d8%ab-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%ad/ ضمن "مهرجان سينما فلسطين–الدوحة" و "مهرجان قلنديا الدولي"

The post مسرّات قطر السينمائية… بين التراث والحداثة appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>

في عام 2013 يتم إغلاق دار سينما الخليج في الدوحة، وهي أول دار سينما قطرية وقد تم تأسيسها عام 1975، وعلى الرغم من المطالبات بإعادة فتح هذه الدار لتكون معلماً تاريخياً شاهداً على بداية النشاط السينمائي في قطر، إلا أن السينما ما تزال مغلقة، في الوقت الذي تشهد فيه البلد نشاطاً سينمائياً ملحوظاً..

هذا لم يمنع من حضورها في فيلم “أعترف أنني بقيت أراقبك طويلا” -إنتاج 2016- للمخرجة روضة آل ثاني التي أعادت الحياة إلى هذه الدار وعلى الرغم من خلوها من أفلام تُعرض على شاشاتها إلا أن المكان صار نفسه فيلماً على الشاشة لتحكي لنا مخرجته عن تجربة سينمائية عاشها سُكان قطر، وتعكس من خلال تجوال فتاة صغيرة في أروقة المكان وبين الأشرطة السينمائية القديمة شغفها بالسينما، ويكتمل المشهد وهي تُشاهد لقطات من فيلمي الرسوم المتحركة بعرائس الظل وهما ”سندريلا“ (1922) و ”ثمبلينا“ (1954) للمخرجة الألمانية روتا رينيجر، ترافقهما أغنية الجندول للموسيقار محمد الوهاب..

لتعيدنا إلى “الزمن الجميل” وكأنها تحكي لنا عن تاريخ السينما من خلال دار الخليج التي كانت حافلة بعروض الأفلام السينمائية وشاهدة على محاولات إنتاج سينمائي في قطر.

أعترف أنني بقيت أراقبك طويلا

لمحة عن السينما القطرية

يوثق الباحثون لإرهاصات إنتاج سينمائي في قطر بدأ في خمسينات القرن الماضي من خلال شركات النفط التي قامت بتصوير عدة أفلام عن الحياة في هذا البلد.

في عام 1970 تأسست شركة قطر للسينما وكان لها دور كبير في إنشاء العديد من دور السينما ومنها سينما دار الخليج، وكانت أولى المحاولات لإنتاج الأفلام من خلال الفيلم الروائي “الشراع الحزين” عام 1974 للمخرج المصري محمد نبيه، ليتبعه إنتاج سينمائي متقطع طوال السنوات التي تلت هذه التاريخ، ومن الأفلام التي أنتجت لاحقاً الفيلم الوثائقي “السمّاكين في قطر” للدكتور مدكور ثابت، وفيلم عن الفنون التشكيلية لخيري بشارة، والفيلم الروائي “حارس الفنار” عام 1983 بإشراف المخرجين المصريين كمال أبو العلا وفهمي عبدالحميد واشترك في إخراجه عدد من مخرجي التلفزيون، وقد ساهم إنشاء وحدة للأفلام التسجيلية في تلفزيون قطر بإنتاج عدد من الأفلام.

وفي عام 2009 تم الاحتفاء ببدء إنتاج وزارة الثقافة والفنون القطرية لأول فيلم روائي طويل هو “عقارب الساعة” للمخرج القطري خليفة المريخي، وتشير صحيفة الراية في خبرها حول الفيلم في نوفمبر 2009  بأنه بعد إنتاجي فيلمي الشراع الحزين وحارس الفنار مرت سنوات طويلة “كان فيها إنتاج الأفلام متعثراً ولم يتم تحقيق إنتاج أفلام روائية حقيقية باستثناء بعض مشاريع التخرج لعدد من الدارسين القطريين في معاهد السينما المختلفة”، وفي نفس العام شهدت قطر انطلاقة مهرجان الدوحة ترايبيكا السينمائي وقبله وفي عام 2005 انطلق مهرجان الجزيرة للأفلام التسجيلية.

وكان لتأسيس مؤسسة الدوحة للأفلام في عام 2010 دور كبير في جعل صناعة السينما في قطر أكثر تنظيماً وذلك بهدف “ضم كافة المبادرات السينمائية في قطر تحت مظلة واحدة” كما تشير في موقعها الإلكتروني ولرفع ” الذائقة السينمائية والمساهمة في بناء صناعة سينمائية إبداعية ومستدامة في قطر” وقد ساهمت المؤسسة وشاركت في دعم وتمويل العديد من الأفلام المحلية والإقليمية والعالمية والتي ترشحت في العديد من أهم مهرجانات العالم وحازت على العديد من الجوائز ومنها “تمبكتو” لاسماعيل سيساكو، و”ذيب” لناجي أبو نوار و”في محبة فينسنت” لدوروتا كوبيلا وهيو ولتشمن، و”البائع” لأصغر فرهادي و “كفر ناحوم” لنادين لبكي و “اصطياد أشباح” لرائد أنضوني وتقوم المؤسسة بتنظيم مهرجان أجيال السينمائي وملتقى قُمرة السينمائي ويتم فيه استضافة خبراء سينمائيين من مختلف أنحاء العالم.. بالإضافة إلى العديد من الفعاليات السينمائية وعروض الأفلام المختلفة على مدار العام.

مسرّات قطر

ومع الاهتمام المتزايد بالسينما في قطر وتنوع العروض السينمائية المختلفة على مدار العام تشهد الدوحة هذه الأيام انطلاق فعاليات ”مهرجان سينما فلسطين-الدوحة“، وهو مبادرة فردية مستقلة، ومن ضمن فعالياته برنامج “مسرات قطر” ويتضمن أفلاماً صُنعت في قطر لمخرجين قطريين وعرب مقيمين فيها، وسيتم لاحقاً عرض الأفلام ضمن جولة في خمس مدن فلسطينية.

وبالإضافة إلى فيلم “أعترف بأنني بقيت أراقبك طويلاً” تُعرض ثمانية أفلام روائية ومنها فيلم “كشته” للمخرجة الجوهرة آل ثاني وفيه جعلت من الرحلات إلى البرّ للتخييم والصيد -وهي عادة الكثيرين من سكان قطر- إطاراً عاماً للحكاية، حول طفلين شقيقين يصحبهما والدهما في رحلة إلى الصحراء، ونشاهد في الفيلم براعة في التصوير تأخذنا إلى جمال المكان، وتألقاً في تصميم الملابس والعناية بتفاصيل المشهد، وأداءً لافتاً للطفلين يبدو جلياً خلال شجارها المستمر والدائم والذي يوقعهما في مأزق فيتعاونان في سبيل إيجاد الحل.. مأزق وقعا فيه رغم تحذير والدهما لأحد ابنيه حينما صوب السلاح إلى شقيقه الأصغر قائلا له “لا تصوب سلاحك على أحد، وإلاّ قد يقع ما لا يمكن إصلاحه”.
 

كشته

لكن فيلم “المصعد” للمخرجة حميدة عيسى والحاصل على منحة صندوق الفيلم القطري عام 2017، يحاول إصلاح ما قد يقع من أخطاء، إذ تعلق امرأة قطرية مع خادمتها الفلبينية في مصعد المنزل، لتبدأ بلوم الخادمة وتحميلها المسؤولية، في نقد لاذع وجريء لفئة في المجتمع القطري تُعامل العمال الأجانب بازدراء وفوقية، فيلم يحاول أن يذكّر هذه الفئة بأصل المجتمع القطري وتراثه القائم على الطيبة والصبر، نشاهده في لقطات قارب الصيد، واستخدام أغاني الصيادين وحوار مع امرأة عجوز، ترتدي الزي التقليدي، تُذكر المرأة المتكبرة بأصلها، وتستعيد الماضي المجبول بعرق الصيادين في سبيل لقمة عيشهم قبل الازدهار الاقتصادي واكتشاف النفط والغاز.
 

المصعد

فيلم يكرّس مقولة المخرج المصري الراحل توفيق صالح “السينما أداة تغيير لا تكريس لتخلّف الواقع ودغدغة مشاعر الجماهير قبل النوم مع كل الأماني الطيبة بأحلام سعيدة”

وإلى واقع مسكون بالطيبة والصبر، وعلاقة دافئة بين طفلة وجدها صاحب الذاكرة الضعيفة، يأخذنا فيلم “سْمِجة” -وهي كلمة باللهجة القطرية وتعني سمكة- للمخرجة أمل المفتاح لنُشاهد قصة لولوة التي تطلب من جدها أن يشتري لها سمكة ذهبية، ونراها تحاول تذكيره بطرق طفولية جميلة تترافق مع لحظات عنايتها واهتمامها به، في فيلم يعتمد الصورة أساساً للحكاية مع التقليل من الحوارات.
 

سْمِجة

بينما في فيلم “شيشبرك ” للمخرجة بيان دحدح وهو إنتاج فلسطيني قطري مشترك، يُعتمد على الحوار لسبر غور علاقة بطلة الفيلم مع أمها، وخلافها معها والذي تستحضره المخرجة من خلال طبخ الفتاة للشيشبرك -وهي أكلة مشهورة في بلاد الشام وفلسطين- لصديقها الأجنبي الذي تشعر بالوحدة في غيابه وتنتظر عودته، فنسمع انتقادات أمها لها حول قلة خبرتها في الطبخ، خلاف يبدو عميقاً حينما نسمع البطلة معظم الوقت تتحدث بالإنجليزية بينما تتحدث أمها باللهجة الفلسطينية، وربما في دلالة على محاولة الانفصال عن الماضي قبل أن تبدأ باكتشاف أهميته في حاضرها المتشح بالوحدة في فيلم تدور كل أحداثه في نفس المكان هو المطبخ، ومع ذلك تغلب التصوير على محدودية المكان باختيار زوايا وأحجام اللقطات بعناية.. وكما يقول المخرج السوفييتي الراحل ميخائيل روم في كتابه أحاديث حول الإخراج السينمائي ”إن المَشاهد في السينما متنوعة مثلما هي الحياة متنوعة، ومع أي قطعة من الحياة تعامل المخرج فإن عليه إيجاد الحل الدقيق للمشهد، سواء جرى في حقل ضخم وواسع، أو في مكان آخر ضمن حدود غرفة صغيرة..“.
 

شيشبرك

وفي مكان أوسع ومحاولة اكتشاف العلاقة به تحكي لنا المخرجة روان ناصيف في فيلمها “سكون السلحفاة” عن سعيها لاكتشاف تفاصيل المكان الذي تعيش فيه بقطر، وهي -كما تقول في مقابلة لها على البي بي سي ضمن برنامج سينما بديلة – بأنها وبسبب سفرها الدائم تسعى لتعزيز الانتماء للمكان الذي تمكث فيه مهما كانت المدة قصيرة ولخلق التفاعل معه، ولهذا كان وطنها حقيبة بعكس ما قال الشاعر الراحل محمود درويش “وطني ليست حقيبة وأنا لست مسافر“.
 

سكون السلحفاة

في الفيلم لمسة شاعرية، ومزج للأصوات المختلفة وكيف تتناغم وتتآلف فيما بينها، مع الملاحظة والتأمل وهو أسلوب متبع في السينما منذ البدايات كما في فيلم “المطر” – 1929- لبوريس ايفنز ومانوس فرنكن.. وتحاول المخرجة أيضاً رصد نمط المكان فترصد مثلاً متى تمر الطائرات من فوقه لتوثق لروتين الحياة فيه في الوقت الذي يبدو فيه المكان معظم الوقت فارغاً إلا من عمّال وحراس أمن نرى انعكاساتهم من خلال الواجهات الزجاجية للمحلات المنتشرة فيه.

هذا الانعكاس نراه مُختلفا في فيلم “دُنيا” للمخرج عامر جمهور وهو إنتاج أردني قطري مشترك حينما تحمل الفتاة الصغيرة دُنيا المرآة وتنظر إلى نفسها محاولة تقليد أمها المضطهدة من زوجها، لينقل لنا الفيلم انعكاس العلاقة السيئة بين أمها وأبيها على شخصيتها.. مستحضرا العنف الذكوري وقمع المرأة التي تحاول الانتقام لنفسها وسط مجتمع يتجاهل ألمها ومعاناتها مثّله الشرطي الذي تتعارك معه بعد أن اكتشف وجودها مع ابنتها في مكان ناءٍ حيث تحاول الأم دفن جثة زوجها في علاقة خالية من الحب متمثلة بالقسوة التي شاهدناها في أداء الطفلة الصغيرة لدورها.
 

دُنيا

وفي حكاية عن الحب وكبح جماح شهوات النفس، وصولاً إلى أعلى مراتب العشق تبدو هذه قصة فيلم “رحلة إلى من الحب” للمخرج عبد الله الملا وحكاية شخص محطم يعيش حالة من الصراع الداخلي مستعيناً برموز وأفعال صوفية ظهرت بالفيلم من خلال رسوم متحركة لرقص صوفي، والمرأة التي يلتقيها في بداية الفيلم، وللسبحة في يده -وبحسب الإمام الساحلي، هي كلمة مشتقة من التسبيح وهو تفعيل من السبح الذي هو المجيء والذهاب لأن لها في اليد مجيئاً وذهاباً.

الحب الذي يكتوي بناره بطل الفيلم حينما يكون في الحانة التي يظهر فيها مجموعة من الأشخاص المحطمين بأرواحهم الحزينة، وكأننا في بعض تفاصيل هذا المشهد أمام قصة “قبو البصل” للكاتب الألماني غونتر غراس.. وتصبح الحانة -الخمّارة- تجسيداً لأعلى مراتب العشق، ولدى الصوفية فإن أعلى مراتب العشق التي يتجلى ويفني فيها العاشق في الذات الإلهية تشبه “السّكر” فيغيب عن هذا العالم.
 

رحلة إلى من الحب

وبقصة تدور حول الفناء والخلود، يقدم المخرج عبد الجبار مكي فيلمه “أتباع جلجامش” والمستوحى من أسطورة “ملحمة جلجامش” وحكاية طفل يموت والده ولكنه ممنوع من دخول غرفته فيسعى جاهداً إلى معرفة ما الذي يخفونه عنه في هذه الغرفة، حتى يكتشف بأن فيها جلجامش وقد نجح في سعيه للوصول إلى الخلود -بعكس ما جاء في الملحمة التي يموت في آخرها- قائلاً للصبي الصغير: ”تخيل عالم خال من الموت، سيفقد السيطرة وسيتساوى جميع الناس.. قصتي صارت خيالية ثم صارت ملحمة لمحو فكرة البحث عن الخلود“.

الأفلام التي تُعرض تلقي الضوء على سينما بدأت تتشكل ملامحها تعكس شغفاً بالفن السابع لدى جيل شاب، يسعى لأن يحكي قصته ويوثق تفاصيل الحياة في بلد متمسك بتراثه وهويته مليء بالحكايات وتتنوع الأعراق والثقافات فيه.. وعلى الرغم من أن الأفلام في معظمها تجارب أولى وحصيلة ورشات تدريبية، إلا أن المتابع يلحظ المحاولات الجادة للتمكن من الأدوات الفنية والتقنية ومحاولة تسخيرها لخدمة الحكاية بأفضل طريقة ممكنة مما يبشر بمستقبل سينمائي متميز.

The post مسرّات قطر السينمائية… بين التراث والحداثة appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
تجليات الوطن والغربة في «ذاكرة باللون الخاكي» https://rommanmag.com/archives/18861 Mon, 21 Aug 2017 12:12:13 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%aa%d8%ac%d9%84%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d9%88%d8%b7%d9%86-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%ba%d8%b1%d8%a8%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%b0%d8%a7%d9%83%d8%b1%d8%a9-%d8%a8%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%88%d9%86/ “دمي مختلط بتفاصيل المدينة (دمشق) حتى ريحة المازوت”. هكذا يصف الكاتب والقاصّ إبراهيم صموئيل علاقته بالوطن؛ العلاقة المحكومة بالعشق مهما كان الوطن أسيراً لدى الطغاة الذين يشوهون كل شيء، علاقة صموئيل هذه التي يتناولها المخرج السوري الفوز طنجور في فيلمه الوثائقي «ذاكرة باللون الخاكي» من إنتاج الجزيرة الوثائقية 2016، ويخلق فيه من ذاكرته صوراً نشاهدها […]

The post تجليات الوطن والغربة في «ذاكرة باللون الخاكي» appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
“دمي مختلط بتفاصيل المدينة (دمشق) حتى ريحة المازوت”. هكذا يصف الكاتب والقاصّ إبراهيم صموئيل علاقته بالوطن؛ العلاقة المحكومة بالعشق مهما كان الوطن أسيراً لدى الطغاة الذين يشوهون كل شيء، علاقة صموئيل هذه التي يتناولها المخرج السوري الفوز طنجور في فيلمه الوثائقي «ذاكرة باللون الخاكي» من إنتاج الجزيرة الوثائقية 2016، ويخلق فيه من ذاكرته صوراً نشاهدها ويأخذنا معها عبر الزمن في رحلة تتقاطع فيها حكايته الشخصية مع أربع حكايات إنسانية أخرى، ليدفعنا لطرح تساؤلات حول ماهية هذا الوطن واضطرارهم للهروب منه بسبب قمع النظام، حالهم كحال ملايين اللاجئين، لكن ما هو الوطن؟

في مقالته ”بقالة في السويد“ يتساءل الكاتب إبراهيم جابر إبراهيم عن الوطن: ”هل هو حقيقة تمشي على الأرض أم ضرورة “نوستالجية” كخبز الأمهات وشايهنّ؟“، وينهيها بسؤال آخر: “لماذا كان علينا دائماً أن نبرهن لهذا الوطن عن حبنا: مخبز الوطن، بقالة الوطن، صالون الوطن، دجاج الوطن، بار ومقهى الوطن، حزب الوطن، وكأننا عبيد هذه البقرة المقدسة، وكأنّ كل مواطن يولد متهماً ومطعوناً في وطنيته؟ حتى يثبت العكس: أن يموت والده في معركة، أو يكتب قصيدة طويلة في مديح الوطن، أو أن يُوفّق في شراء بَقّالة ويسميها: سوبرماركت الوطن“.

في الفيلم الذي كتب مخرجه السيناريو بالاشتراك مع المنتج لؤي حفار، يروي المخرج قصة علاقته النوستالجيّة مع الوطن، منذ تشكّل وعيه على اللون الخاكي الذي يرتديه طُلاب المدارس في سوريا -والخاكي أو الكاكي، بحسب ويكيبيديا، هي كلمة فارسية تعني: ترابي زيتي، وهو لون الأزياء العسكرية-ويحكي المخرج كيف صار هذا اللون طاغياً على ألوان الحياة في سوريا، دلالة على حقبة حكم البعث، التي لم تزل مستمرة حتى اليوم، ورمزاً لنظامٍ يحاول أن يفرض سطوته على كل تفاصيل المجتمع، كما يقول الرسّام خالد الخاني في الفيلم. 

يعود بنا المخرج بالذاكرة عبر سيارة تدخل نفقاً معتماً، ليبدأ القصة من البداية، بعد أن نُشاهد طفلاً يرتدي الزي الخاكي وكأنه ينفذ عقوبة مدرسية، واقفاً تحت المطر ويخبرنا بأنه وُلد في زمن الخاكي في السلمية، التابعة لمحافظة حماة، وكان والده شيوعياً، لكنه بعد انضمام الحزب الشيوعي إلى الجبهة التقدمية التي أسسها النظام انسحب لأن “السقف واطي“.
 

يصحبنا الفوز طنجور في رحلة طويلة، تقارب الساعتين، حاول فيها أن يختزل عمراً كاملاً ليقول لنا كلّ ما في قلبه من أمل وألم وحلم ونوستالجيا عن الوطن؛ الوطن الذي يجعل أقصى حلم للمواطن هو ألا تنقطع الكهرباء والماء. هذا الوطن العاجز عن تحقيق أحلام بسيطة لساكنيه. فما ذنب هذا الوطن؟

يعود طنجور إلى جذور هذه الإشكالية، ليُحمّل الذنب لنظام فرضَ عليهم لوناً واحداً، وحكمهم بيد من حديد، ولولاه لما غادر المخرج بلاده، ويختار بيروت ليبقى قريباً من الشام. لكن “الهواء ثقيل” فيها، لذا يغادرها مع عائلته إلى النمسا، في الوقت الذي نراه من مهجره يعود من جديد لذاكرته “الهشة والسريعة وكلها بلون الخاكي” التي تركها أمام باب المنزل.

يستحضر المخرج طفولته، ويستعيدها بلقطات تمثيلية نعيشها معه في التفاصيل، كيف كان يهرب من دروس حزب البعث إلى سينما الزهراء، هروبه لعوالم قصص تشيكوف وتولستوي عند اختناقه من عالمه الواقعي، في الزمن الخاكي، الأمر الذي كان دافعاً له لدراسة السينما، ليذهب بذاكرته عميقاً حيث طفولته وهو يلعب مقلّباً قنوات الراديو، ومرّةً في صالة السينما، غارقاً في انطباعاته عن الحياة والحرية، الشاشة التي كان يرجع من خلالها إلى حاضره، ومن الواقع الحالي لشخصيات فيلمه، ليمر على صورٍ متعددةٍ في الوطن، كالانتقال من لوحة خالد، إلى بالون يحلق في السماء ومنها إلى لقطة عامة درون-  تُظهر آثار الدمار في سوريا،كأنه يتساءل: هل تستحق الحرية كل هذا؟ 

في ذاكرة باللون الخاكي يُفصح طنجور عن الحقيقة التي في داخله عما عاشه في زمن الخاكي، ويحاور نفسه وضيوف فيلمه الذين تجمعهم به علاقة شخصية، حول حياتهم التي كانت قبل لجوئهم. مثل الكاتب والأديب إبراهيم صموئيل، الذي كانت إحدى قصص مجموعته «رائحة الخطو الثقيل» هي قصة أول فيلم صنعه طنجور وعلى أساسه قُبل لدراسة السينما في مولدافيا “هذا البلد الفقير الذي نسيته كل الخرائط”. وعندما عاد للشام وأراد صنع فيلم عنها، كان أول شخص خطر بباله هو إبراهيم لأنه أكثر شخص يُشبه دمشق؛ الرسام خالد الخاني، الذي هدم النظام منزله واقتلع عيون والده في الثمانينات خلال أحداث مدينة حماة التي شهدت مجزرة ارتكبها النظام السوري هناك وتعرف عليه المخرج  بالصدفة خلال البحث عن شاهد من المدينة.

في حواره الذاتي مع نفسه يحكي المخرج بأنه خاف حين سمع قصة الخاني، لذا سأله: “بعد كل اللي صار معك.. كيف قدرت تصير رسام؟” خالته أماثل وهي المعارضة التي ظلت مختفية عن أعين النظام لمدة عشرين عاماً، تحكي كيف أن في دم السوري كريات دم بيضاء وحمراء وكريات بلون الخاكي، وصديقه المخرج الوثائقي شادي الذي اعُتقل أكثر من مرة لدى النظام، وظل مُصراً على سلميته وإيمانه بانتصار الثورة، والذي يقول: “في الحالة السورية، الناس لا يمكن ترجع لورا لأنه الناس ذاقت طعم الحرية”.

استخدم المخرج لقطات ومقابلة أرشيفية مع صموئيل من فيلمه «دمشق.. سيمفونية مدينة»، 2010، ليوضح بأنه قد عاد له في فيلمه «ذاكرة باللون الخاكي» بعد حوالي سبع سنوات ولكنه لم يعد في دمشق بل انتقل إلى الأردن، ومن صور لطفل يتحسس قطرات المطر من خلف الزجاج يأخذنا إلى صموئيل الذي قضى عمره كله يسعى إلى “تلوين الحياة“، وينظر من الشباك.

هذه الحياة التي كانت محكومة بالعقوبة كما يتذكرها طنجور، وفيها الأمل هو “النطرة بطابور طويل قدام مؤسسة التموين العسكرية لجيب لأمي حصتنا من الرز والسكر المر“، أما الحرية الوحيدة التي عرفها فكانت اختياره لنوع العقوبة، ولكن مع ذلك شكلت السينما متنفساً له، فقد استطاع أن يُشاهد سوريا من خلال الأفلام، وعندما خرج منها حملها معه. وهنا يعيدنا إلى تلك الحالة النوستالجية وارتباطه بالوطن، الذي يشتاق له على الرغم من كل القهر والوجع، وكيف ظلّ يردد شعارات البعث لمدة 12 عاما (أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة… أهدافنا وحدة، حرية، اشتراكية.. إلى الأبد يا حافظ الأسد)، ومع لقطات للدمار الذي لحق بسوريا، ولمبنى مهدم كُتب عليه ”طلائع البعث أمل المستقبل“، يخبرنا عن مدى كرهه لكلمة “الأبد”، بينما كانت “حرية” هي الكلمة الوحيدة التي يقولها بصوت عال. 
 

كان واضحاً في الفيلم تأثّر طنجور بالمخرج السوفيتي أندريه تاركوفسكي (1932-1986)، إذ بدت صور الذاكرة وما يختلج في داخل الشخصيات ولقطات وحدتهم هي ما يطغى على بناء المشهد العام في الفيلم وعلى حساب الأماكن التي كانت صورها بالفيلم مبعثرة كلمحات تعكس رؤيتهم الخاصة للوطن وما فيه، ومعنى البعد عنه، فلم يكن المكان الذي يعيشون فيه مهماً بقدر غربتهم الذاتية؛ هذه الغربة التي طالت بعضهم منذ وجوده في الشام، مثل إبراهيم وحديثه عن ضيق الزنزانة التي سُجن بها وكيف كان غريباً في وطنه، وعن خالته التي قالت لها أمها حينما هربت عن أعين النظام: “سترجعين اليوم” ولكنها لم ترجع وظلّت مختبئة في بلدها وغائبة عن بيت أهلها حوالي عشرين عاماً.

يقول تاركوفسكي في كتابه «النحت في الزمن»: إنني أدرك تماماً أنه، من وجهة نظر تجارية، سيكون مفيداً أكثر الانتقال من مكان إلى آخر وتقديم لقطات مأخوذة من زاوية متقنة إلى أخرى، وتوظيف مناظر طبيعية ساحرة ومواقع داخلية مؤثرة. لكن بالنسبة لما أحاول أساسا أن أفعله، فإن المؤثرات أو المظاهر الخارجية تؤدي ببساطة إلى إقصاء وتضبيب الهدف الذي أنشده. إنني مهتم بالإنسان لأنه يحتوي الكون داخل ذاته“.

يتذكر المخرج الياسمين، الجمعة، المخيمات، محاكم أمن الدولة، المخابرات، الشعارات، قوانين الطوارئ، الدستور مع صورة لقصف جوي، ثم يقول: “تغيب الدار وأهلها ونصبح صوراً مبعثرة وأفلاماً تسجيلية قصيرة على اليوتيوب”. في حين نراه طفلاً صغيراً يركض في الحقل توقاً إلى الحرية. 

يعود بنا طنجور إلى أحد أفلام تاركوفسكي وهو «نوستالجيا» حينما نشاهد طفلاً صغيراً يدرس وبجانبه شاشة التلفاز تعرض الفيلم الذي يتحدث عن ”شاعر يذهب إلى إيطاليا في القرن الثامن عشر لجمع مادة عن الموسيقار الروسي ماكسميليان بريوزوفسكي الذي كان عبداً مملوكاً لإقطاعي، فذهب مبتعثاً من سيده إلى إيطاليا وهناك حقق نجاحاً موسيقيا كبيراً، وظلّ هناك لسنوات طويلة لكنه عاد مدفوعاً بالنوستاليجا الروسية إلى العبودية، وبعد فترة قصيرة انتحر شنقا..“ وكأنه يؤكد على أن النوستالجيا السورية ترافقهم رغم ما في الوطن من قهر وعبودية لنظام اللون الخاكي، وكما تقول أماثل: “مثل حبل سري بزودك بالحياة وبنفس الوقت بخنقك“.
 

نسمع المخرج وهو يردد كلمات باللغة الألمانية التي يُحاول تعلمها، في إشارة إلى علاقته بغربته وتفاصيل منفاه ومنها: شباك، مدينة، حرية.. ويختمها بالقول: “أريد أن أعيش” مع لقطات لقصف وانفجارات في سوريا. تختصر حكاية شعب بأكمله يريد أن يعيش بحرية.

وبطفل ينظر من النافذة، وكأنه ينظر إلى الحاضر خائفاً من الهرب خارج الوطن، ويسأل نفسه: أيهما كان أفضل؟ ينقل لنا الجواب على لسان إبراهيم: “مجرد انتقالك من بلدك هو مقبرة.. السمكة إذا تمّ بيع النهر تقفز لتموت على البر.. وأنا ما بدي أنباع.. أنا لست مُلكاً لأحد إلى يوم القيامة“.

هو الصراع الدائر في نفوسهم ما بين البقاء في الوطن والعبودية للطغاة أو معاقرة الحرية التي لم تنجح في انتشالهم من نوستالجيا الوطن، الذي يعيش ثورته، وكما يقول شادي: “ما طلعنا خوف من البلد، ومش إنه تركنا الثورة.. أكثر شجاعة إنك تواجه السلاح بصدرك العاري، تحمل السلاح مش مزحة، شوف سوريا وين صارت؟ وبالنهاية ممكن تتقسم سوريا، وصار ميّت نص مليون بسوريا. أكيد بتستاهل الحرية والديمقراطية، بس بالنهاية كان ممكن ما ندفع كل هالثمن وننتصر، نحن عدونا الديكتاتورية والقمع والحكم الشمولي“.

هي ليست حكاية الفوز وحده ولا أبطال فيلمه، بل حكاية شعب بأكمله، “أنا مواطن عادي، مقسم ومطروح بعلن وأنا بكامل الشتات انشقاقي النهائي لـ ٢٣ مليون حلم…” إلى أن يختم حديثه بالقول “لهلأ أطول ثانية بعيشها هي كل ليلة لما غمّض عيوني وأتمشى بشوارع الشام للصبح“.

طوال الفيلم يمزج المخرج ما بين صور ذاكرته ولقطات متنوعة وعديدة تعكس حالة الحنين والشوق إلى الشام، والتوق إلى الحرية؛ فنرى الجاكيت الخاكي معلقاً على حبل غسيل في أحد الحقول وكأنه يحاول الهرب منه، وعجوز على بسطة خضار وسط الدمار يشاهد التلفاز ويسمع الأخبار؛ وما بين توظيف لقطات من المنفى للغابة والأوراق المتساقطة عن الشجر وتساقط الثلج، وبين لقطات دمار في بلاده، وصور قاسية للاجئين سوريين في محطات المترو، في أماكن مختلفة من أوروبا، يجمع صور الماضي والوجع اليومي ليعيد حكاية الثورة والحرب في سوريا منذ البداية؛ بين ما حصل وما كانوا يتمنوه وبين ما وصلت إليه الأحوال، نرى طفلا يركض في الحقل ثم جندي في ثكنته يطلق رصاصة لا نعرف لها مستقراً، ولكن يُمكن لها أن تغتال وطناً بأكمله.

يبرع الفوز طنجور في استعادة ذاكرته ويعرضها حيةً أمام المشاهد ويدخله إلى عالمه الخاص، مازجاً ما بين ماضيه وحاضره، وندرك مدى إصابته بــ”العودة” إلى الشام حين يحكي: “هون بفيينا بضل بردان، برد يبنخر العظم، بذكرني ببرد الشام، مالو حل ”.
 

The post تجليات الوطن والغربة في «ذاكرة باللون الخاكي» appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
أرشيفنا المسروق والضائع في الأرشيفات العالمية https://rommanmag.com/archives/18796 Sun, 23 Jul 2017 16:07:11 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%a3%d8%b1%d8%b4%d9%8a%d9%81%d9%86%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b3%d8%b1%d9%88%d9%82-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%b6%d8%a7%d8%a6%d8%b9-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b1%d8%b4%d9%8a%d9%81%d8%a7%d8%aa/ عن محاولات جمع وتوثيق الأرشيف الفلسطيني

The post أرشيفنا المسروق والضائع في الأرشيفات العالمية appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
تنبه الفلسطينيون بوقتٍ مبكرٍ مع انطلاق الثورة الفلسطينية إلى أهمية توظيف الثقافة والفنون والسينما في معركتهم لأجل مزيد من الشرعية لقضيتهم، وكثيراً ما نقرأ أو نسمع عن كيف كانت هذه الثورة غنية بالإنتاج البصري بهدف توثيق مراحل القضية والثورة، فلاحقت حكايات اللاجئين والفدائيين وتاريخ فلسطين. ضمن معركة تخوضها مع الاحتلال لحفظ الهوية وصيانة الذاكرة، هذه الذاكرة التي سعت “إسرائيل” إلى محوها منذ النكبة، حين نهبت عشرات الآلاف من الكتب وأرشيف الصحف والمجلات والسجلات المدنية، بالإضافة إلى أي نتاج بصري سينمائي وفوتوغرافي، ومواد صوتية للإذاعات الفلسطينية التي كانت آنذاك.

وقد يبدو الحديث مكرراً عن أهمية الأرشيف الفلسطيني المسروق، أو المشتت في بقاع الأرض، حاله حال اللاجئين، وضرورة جمعه واستعادته، وبنفس الوقت سيكون من الإجحاف انكارنا للمحاولات على مستويات عديدة أغلبها فرديا، لملاحقة هذه الأرشيف وتتبعه والحصول على ما يُمكن منه، ومنها على سبيل المثال إعادة إحياء “جماعة السينما الفلسطينية” عام 2004 من قبل المخرج الراحل مصطفى أبو علي وهو أحد المؤسسين لسينما الثورة، وكانت تهدف الجماعة إلى إنشاء صندوق للسينما وتأسيس وحفظ الأرشيف السينمائي الفلسطيني، بينما لا تزال زوجته المخرجة خديجة حباشنة تعمل على مشروع ترميم وحفظ الأفلام الفلسطينية القديمة.

وكذلك مبادرة الكاتب والناقد الفلسطيني الذي رحل عنا مؤخراً، بشار إبراهيم، الفردية والأبرز، في جمع وأرشفة ما وصل إليه من الأفلام الفلسطينية القديمة والحديثة، وتأليفه عدة كتب مهمة حول الموضوع ومنها “السينما الفلسطينية في القرن العشرين” و”فلسطين في السينما العربية”، وكانت وزارة الثقافة الفلسطينية قد قررت اعتبار العام 2005 عام السينما الفلسطينية بمناسبة مرور 70 عاما على تصوير أول فيلم فلسطيني، ومن ضمن الأنشطة  المقررة آنذاك إعادة طبع كتاب بشار إبراهيم عن “السينما الفلسطينية” وتأسيس مهرجان دولي للأفلام في فلسطين، لكن لم يُكتب لهذا المشروع أن يرى النور ولم تتم حتى إعادة طبع الكتاب.. الأمر الذي علق عليه المخرج صبحي الزبيدي بمقالة بعنوان “2005 لا عام السينما ولا ما يحزنون”.

مشروع أفلام فلسطين:

في إسطنبول قبل حوالي عامين، أعلن منتدى فلسطين الدولي للإعلام والاتصال عن تأسيس “مركز الفيلم الفلسطيني”- أو مشروع “أفلام فلسطين”، لكن للأسف يسير العمل فيه ببطء شديد، وكوني أعمل فيه متطوعاً، فأستطيع ملاحظة أن هناك العديد من الصعوبات التي تشوب التواصل مع المعنيين وجمع نُسخ من الأفلام والحصول على حقوق عرضها على الموقع الإلكتروني للمركز، عدا عن قلة عدد العاملين عليه وعدم تفرغنا له، على الرغم من جمعنا لبيانات مئات الأفلام، وكانت المساهمة الأكبر فيها من قبل الراحل بشار إبراهيم الذي لم يبخل علينا بأية مساعدة.

ومن المبادرات لجمع الأرشيف الأخرى التي سطع اسمها مؤخرا هي “خزائن” وقد أسسها عام 2016 الباحث فادي عاصلة، وعرّفها مؤسسها بأنها “مبادرة تطوعية هدفها بناء منظومة مشاريع معرفية تغذّي بعضها بعضاً، وتطمح لأن تكون بعد سنين مورداً للباحثين، كما تشكل أرشيفا لتوثيق النشاط الإنساني العربي في شتى العواصم مع الاهتمام بالإنتاج الفلسطيني خاصة” وقد نجحت المبادرة في جمع العديد من المواد عن فلسطين، وأيضاً مواد أرشيفية “إسرائيلية” حول القرى الفلسطينية وغيرها. كما نجح الباحث أحمد مروات في الحصول على العديد من الصور الفوتوغرافية التي كان الجيش “الإسرائيلي” قد استولى عليها، بالإضافة إلى أرشيف صوتي لإذاعة “هنا القدس” والتي تأسست عام 1936.

ومن المفارقات في موضوع الأرشيف الفلسطيني التي قد لا تعُجبنا، هي محاولات “إسرائيلية” تُنبهنا لأهمية هذا الأرشيف، وتسلط الضوء على كيفية قيام “إسرائيل” بالاستيلاء عليه خصوصاً خلال النكبة عام 1948 واجتياح بيروت عام 1982، فلاحقت هذه المحاولات أرشيفنا الذي تم اخفاؤه، وعملت سلطات الاحتلال على تجيير الكثير منه لصالحها.

وربما كانت مقالة صحيفة هآرتس، لعوفر عوديت والمنشورة في الأول من هذا الشهر، بعنوان “لماذا دُفنت صور وأفلام فلسطينية لا تُحصى في الأرشيفات الإسرائيلية”، والتي قامت مجلة رُمان بترجمتها، صادمة لما تضمنته من معلومات عن كمية الأرشيف الفلسطيني في مستوعبات جيش الاحتلال، فهذه المقالة التي تتحدث عن جهود ممتدة لسنوات عديدة للباحثة الإسرائيلية رونا سيلا (أمينة المتحف والباحثة في التاريخ البصري في جامعة تل أبيب) تشير إلى وجود 38 ألف فيلم (بكرة)، و2.7 مليون صورة، و96 ألف تسجيل صوتي، و46 ألف خريطة وصور جوية تم جمعها منذ عام 1948، والتي تمثل غنائم حرب تم الاستيلاء عليها، أبرزها ما تم نهبه من بيروت عام 1982، وقد وثقت سيلا تجربتها مع الأرشيف في فيلم بعنوان  «المنهوب والمخفي»، ولم يكن هو الفيلم “الإسرائيلي” الأول عن الأرشيف الفلسطيني المنهوب، فقبلها وفي عام 2012 عرضت الجزيرة الإنجليزية فيلماً للمخرج الهولندي “الإسرائيلي” بني برونير بعنوان “أعظم سرقات الكتب” مستنداً على أطروحة دكتوراه للباحث د. غيش عميت من جامعة بئر السبع، حول سرقة “إسرائيل” لعشرات الآلاف من الكتب في فلسطين -30 ألف كتاب من القدس وحدها- وكيف أن هذه السرقة كانت تتم بشكل ممنهج ومنظم برعاية الجيش الإسرائيلي وبمساعدة أمناء ما يعرف بالمكتبة الوطنية الإسرائيلية في القدس بالإضافة إلى الجامعة العبرية ومن المكتبات التي نُهبت محتوياتها (مكتبة محمد إسعاف، النشاشيبي، المكتبة الخاصة لخليل السكاكيني، مكتبة المدرسة العمرية).. ربما لم يأت الفيلم بجديد على المستوى العام للحكاية الفلسطينية المتناقلة حول سرقة هذه الكتب، ولكنه أتى بتفاصيل وبمقابلات لشهود من الفلسطينيين و”الإسرائيليين” حول ما جرى، وكيف تم التعامل مع هذه الكتب وتصنيفها.

والفيلم في حينه كان قد استضاف رونا سيلا، والتي أشارت إلى أن الأرشيف الإسرائيلي يحتوي على كنز من المواد الفلسطينية، وقد تحدثت بالفيلم عن انزعاجها من غياب تاريخ عائلتها البصري، والذي يبدأ عام 1948 لوالديها الذين نجا من المحرقة، فليس لديها سوى صورتين لأجدادها، وهذا يضايقها لأنه ليس هناك ماض ولا تاريخ.. وتتساءل خلال الفيلم عن الفراغ التاريخي فيما لو كان على نطاق وطني أوسع. 

قد يتساءل البعض أو يظنون بأن “إسرائيل” كانت كريمة معنا لأنها أنقذت -بحسب وصفهم- جزءاً كبيراً من أرشيفنا ولم تتلفه، لكن كما يقول الكاتب الفلسطيني علاء حليحل في الفيلم “أعيدوا لنا كتبنا، لا يمكن أن تزدهر أي نظرة إنسانية ثقافية عندما تأخذون الكتب وتدعون أنكم تنقذونها، وبعد ذلك تصرون على الاحتفاظ بها بينما يطالب بها الورثة.. هذه ليست نظرة إنسانية ولا ثقافية إنها عملية محو للهوية وقمع لما حدث عام 1948″،

فما حصل وما فعلته “إسرائيل” ليس بحثاً ولا توثيقاً للأرشيف الفلسطيني، بل كما تُعده رونا سيلا بحسب مقالة هآرتس، هو “اختراق هام فيما يتعلق بتأريخ التاريخ الفلسطيني” إذ أن العديد من المواد فُقدت أو دمرت أو نهبت واعتبرت غنائم حرب. والمادة التي عثر عليها تمثل صوراً من تاريخ الشعب الفلسطيني وعلاقاته طويلة الأمد بالأرض والمكان، وهو ما يقدم بديلاً للرواية الصهيونية التي تنفي وجود الفلسطينيين.

بحسب المقالة يقول المتحدث باسم الجيش “الإسرائيلي”: إن الأرشيف يحتوي على 642 فيلماً كغنائم حرب.. يتناول معظمها اللاجئين، وقد أنتجتها الأونروا في الستينات والسبعينات، وأشار أيضاً إلى 158 فيلماً استولت عليها “إسرائيل” في حرب لبنان عام 1982، وهي مدرجة بشكل منظم في فهرس غرفة القراءة. ويضيف بأنه: ليس هناك سجل منظم، وهناك 127 ملفاً للصور الفوتوغرافية والنيجاتيف في الأرشيف.. التقطت بين فترة الستينات والسبعينات، تشمل مجموعة متنوعة من المواضيع. 

وتجدر الإشارة إلى أن هناك أفلاماً فلسطينية تتبعت أرشيفنا ومنها «خارج الإطار» – 2017 ، للمخرج مهند اليعقوبي، وعرض فيه مشاهد ومقاطع عديدة من أعمال سينمائية مختلفة جمعها بعد بحث في العديد من الأرشيفات الشخصية والمؤسساتية، ومنها ما يُعرض لأول مرة.

وأيضاً فيلم «ملوك وكومبارس» – 2004، الذي تتبع فيه مخرجته عزّة الحسن مصير أفلام سينما الثورة الفلسطينية واستعرضت الروايات حول اختفاء هذه الأفلام وأين قد يكون مآلها. وفي مقابلته مع الكاتب والمخرج الفلسطيني مهند صلاحات يذكر المخرج العراقي قاسم حول، أحد مؤسسي سينما الثورة الفلسطينية، ومخرج «عائد إلى حيفا» بأنه: بعد عام 1982 وخروج المقاومة الفلسطينية من بيروت، تم في دمشق إنتاج فيلم «الهوية الفلسطينية» والذي يتحدث عن سرقة الوثائق الفلسطينية بهدف إلغاء الهوية والذاكرة الفلسطينية، وكيف سُرقت الوثائق من مركز الأبحاث والدراسات الفلسطينية، مؤسسة غسان كنفاني، أرشيف مجلة فلسطين الثورة مجلة شؤون فلسطينية، ومجلة الهدف.

نحن اليوم نجد أنفسنا أمام روايات متعددة حول مصير الأرشيف الفلسطيني بشكل عام، وإن كُشف مصير بعضه إلا أن هناك قسماً كبيراً ما يزال مفقوداً، ولعل من أبرزه أرشيف مركز الأبحاث الفلسطيني الذي تأسس عام ١٩٦٥ واستهدفته “إسرائيل” مرات كثيرة سواءً بالقصف أو بمحاولة اغتيال رئيسه المفكر أنيس صايغ عام ١٩٧٢، إذ يوجد هذا الأرشيف، بحسب الرواية السائدة، في الجزائر. وكان الجيش “الإسرائيلي” قد استولى عليه عام ١٩٨٢ قبل أن يتم إرجاع ١١٣ صندوقاً خشبياً، تضم العديد من محتويات مكتبة المركز، في عملية تبادل للأسرى عام ١٩٨٣، وهذا الأرشيف ما يزال منسياً ولم تتابعه الجهات الفلسطينية المعنية بالشكل المطلوب، بحسب مقالة الكاتب صقر أبو فخر في صحيفة العربي الجديد – نوفمبر 2016 “نكبة ذاكرة بقايا مركز الأبحاث الفلسطيني في الصحراء الجزائرية” 

ومكتبة المركز كما يقول أبو فخر في مقالته كانت تضم خمسة آلاف كتاب بالعربية، وثلاثة آلاف كتاب بالعبرية، واثني عشر ألف كتاب بالإنجليزية عدا عن الدوريات الشهرية والفصلية والوثائق والمخطوطات والأشرطة الصوتية، بالإضافة إلى أوراق مجموعة وثائق حكومة عموم فلسطين، وثائق جيش الإنقاذ، آلاف البيانات التي صدرت عن منظمة التحرير وعن الفصائل المختلفة ومئات الكتب النادرة عن الآثار في فلسطين وغيرها الكثير.

في عام ٢٠٠٨ في مهرجان الشرق الأوسط الثاني في أبو ظبي (والذي صار اليوم مهرجان أبو ظبي السينمائي)، وفي حدث غير مسبوق آنذاك، تم الإعلان عن جمع وعرض مجموعة من الأفلام الفلسطينية لمخرجين عالميين يعود تاريخ إنتاج بعضها إلى السبعينات والثمانينات ضمن برنامج بعنوان “٦٠ سنة على تقسيم فلسطين” ومن بينها ثلاثية المخرج الهولندي جورج سلويزر «أرض الآباء» و«سبب للذهاب»، و«وداعاً بيروت» أخرجها بين الأعوام ١٩٧٤-١٩٨.. ونفس المخرج كان قد أكمل سلسلته بفيلم رابع تم إنتاجه عام ٢٠١٠ وكان عنوانه «عائلة من الأرض – وطن» وفي هذه الرباعية تتبع، طوال تلك السنوات، قصة عائلتين فلسطينيتين، كما عُرض فيلم «كل شعب مضطهد له الحق» -تم إنتاجه عام ١٩٧٥- للمخرج الدانمركي نيلز فيست.  وبحسب الناقد الراحل بشار إبراهيم فإن ١٠ أفلام من التي عُرضت في المهرجان تم استقدامها من الأرشيف السينمائي الوطني الفلسطيني الموضوع في عهدة الأرشيف الألماني الاتحادي.

وهنالك كذلك الفيلم الوثائقي «تل الزعتر» لمصطفى أبو علي والإيطالي بينو أدريانو واللبناني جان شمعون، والذي يوثق لمجزرة تل الزعتر عام 1976، وقد تم الحصول عليه من مستودعات شركة إيطالية في روما ومن ثم ترميمه بفضل الفنانة والمخرجة الفلسطينية إميلي جاسر والمخرجة الألمانية مونيكا ماورر والتي عملت سابقا مع وحدة أفلام فلسطين التابعة لمنظمة التحرير وأخرجت عدة أفلام عن فلسطين، وحاليا تعمل على فيلمها “تصوير الثورة Shooting Revolution”، ورقمنة ما يقارب من 100 ساعة تم تصويرها خلال الثورة الفلسطينية.

نحن أمام نتاج ضخم حتى لغير الفلسطينيين، وكما هي المحاولات السابقة في تتبع من عاصروا أو عايشوا مراحل مختلفة من التاريخ الفلسطيني بل وعملوا على توثيقه، لا بد من عمل منظم يحصرهم لمقابلتهم، في محاولة لجمع وأرشفة ما بين أيديهم من أية مواد.

ودائماً ما كنت أتساءل لماذا لم نسعَ مثلا لمقابلة المخرج الفرنسي الكبير جان لوك غودار والذي أخرج فيلمين عن فلسطين هما «حتى النصر» عام ١٩٧٠ عن بدايات الثورة الفلسطينية، وفيلم «هنا وهناك» عام ١٩٧٤، وفيه عاد إلى فيلمه الأول ليرصد التطورات التي جرت بين عامي ١٩٧٠و١٩٧٤ من خلال المقارنة بين عائلة فرنسية تعيش حياتها اليومية وبين الشعب الفلسطيني الذي يناضل في سبيل تحرير بلده.
 لماذا لم نوثق تجربته آنذاك كما يجب؟ بل ونسأله عن مصير المواد الخام لأفلامه.. ليس نتاج غودار وحده بل نتاج مئات المصورين والمخرجين والصحفيين والفنانين والكتاب..

وختاما لن أنسى ما حييت أشرطة “الريل” المهملة التي شاهدتها بأم عيني عام ٢٠٠٧، أثناء عملي على فيلمي عن فرقة العاشقين، في دائرة الإعلام والثقافة في ساحة الشهبندر بدمشق ولا أشرطة “اليوماتيك” لحفلات الفرقة، وكيف كان الغبار يملأ المكان، ولكن كان الأمر أكثر مدعاة للتفاؤل حينما قابلت في العام ٢٠١١ الكاتب الأردني نزيه أبو نضال والذي كان فدائياً في فتح، حينما كنت أعمل على فيلمي «فدائي سابقاً»، وأخبرني باحتفاظه بأعداد كثيرة من صحف ومجلات كانت تصدر إبان الثورة الفلسطينية وقد جمعت وحُفظت في عشرات المجلدات، وكذلك الأمر عندما قابلت الفنانة التشكيلية تمام الأكحل ٢٠٠٨ ، في فيلمي «ما زلنا معاً» والذي أخرجته عنها وعن زوجها الفنان الراحل إسماعيل شموط وكيف كانت تحتفظ بكل نسخ الصحف التي كتبت عنها وعن زوجها ومنذ عام ١٩٥٥، بل وما تزال تحتفظ بشريط زفافهما عام ١٩٥٩، وأيضاً فيديوهات لمعارض أقيمت لهما ومنها أحد المعارض في عام ١٩٦٤ في الولايات المتحدة.

وقبل عدة أشهر رفعت قناة على اليوتيوب تُسمى Palestinian Cinema Archive عدة أفلام فلسطينية قديمة منها: «ليس لهم وجود» عام 1974 لمصطفى أبو علي، و «وطن الأسلاك الشائكة» عام 1980 للمخرج العراقي قيس الزبيدي، و«لأن الجذور لن تموت» عام 1976 للمخرجة اللبنانية نبيهة لطفي، وطبعاً على اليوتيوب الكثير من المقاطع والتسجيلات والأفلام الموزعة بين العديد من القنوات.

المحاولات السابق ذكرها تدل على جهد لا بأس به، وإن كان في معظمه جهد أفراد إلا أننا ما زلنا نأمل بوجود مبادرة تجمع كافة الأطراف على اختلاف توجهاتهم وانتماءاتهم الفصائلية لحفظ وتوثيق قضيتنا وذاكرتنا الجمعية.

The post أرشيفنا المسروق والضائع في الأرشيفات العالمية appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>