Author Name

كاتب فلسطيني سوري

للكاتب/ة

كيت بلانشيت وواكين فينيكس، اختارا خطاباً إنسانياً مباشراً، يُذكّر بأن نصف سكان غزة أطفال، وأن أكثر من ثلثيهم لاجئون. بلانشيت، الحائزة على الأوسكار، لطالما استخدمت منصتها للدفاع عن اللاجئين، لكن دخولها على خط غزة يُعدّ خطوة جريئة في سياق أمريكي شديد الاستقطاب.

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

07/11/2025

تصوير: اسماء الغول

شفيق طبارة

كاتب فلسطيني سوري

شفيق طبارة

ناقد سينمائي، يكتب في عدة صحف ومجلات عربية، يغطي سنويا عدداً من المهرجانات السينمائية العربية والعالمية. عمل كمدير فني لمهرجان "نورينت" في سويسرا. ويعمل مستشاراً فنياً لعدد من شركات الإنتاج العربية والعالمية. أصبح هذا العام مصوت دولي لجوائز الغولدن غلوب.

في قلب صناعة الفنون والترفيه الأميركية، لطالما شكّل الخطاب الحرّ ركيزة رمزية تُفاخر بها هوليوود، لكنها اليوم تجد نفسها في مواجهة مرآة قاسية، تعكس تناقضاتها الأخلاقية والسياسية. فغزّة، بما تمثّله من مأساة مستمرة، لم تكتف بتحريض الضمير العالمي، بل دفعت هوليوود إلى مساءلة ذاتها، بل إلى انكشاف داخلي غير مسبوق. في أعقاب هجوم 7 أكتوبر، سارعت هوليوود إلى إعلان تضامنها مع إسرائيل، حيث أدان مئات الممثلين البارزين ما وصفوه بـ«المجزرة»، في مشهد بدا مألوفاً ضمن تقاليد التعبير السياسي التي لطالما ميّزت الوسط الفني الأمريكي. مع بدء وتصاعد العمليات العسكرية في غزّة، بدا أن معقل السينما يعيش حالة من التردد أو حتى الصمت. فبينما تتوالى صور الدمار والضحايا، يغيب الصوت الجماعي الذي اعتادت هوليوود أن ترفعه، وكأن القضية الفلسطينية ما زالت تُعامل كاستثناء أخلاقي، أو كملف شديد التعقيد لا يحتمل الوضوح.

ولكن، مع تزايد عدد الشهداء ووضوح عملية التطهير العرقي، في لحظة فارقة من تاريخ الخطاب الفنّي العالمي، خرج عدد من أبرز نجوم السينما عن صمت طال أمده، ليعلنوا تضامنهم الصريح مع الشعب الفلسطيني في ظل العدوان المستمر على غزّة. هذا التحوّل لا يُقاس فقط بعدد الأسماء، بل بثقلها الرمزي داخل الصناعة، وبالجرأة التي تنطوي عليها مواقفهم في بيئة إعلامية وسياسية غالباً ما تُعاقب الانحياز للفلسطينيين.

خافيير بارديم، بينيلوبي كروز، وبيدرو ألمودوفار لا يمثلون مجرد أسماء إسبانية مرموقة، بل يشكّلون ثلاثياً فنياً له تاريخ طويل في الدفاع عن القضايا الإنسانية والعدالة الاجتماعية. توقيعهم على رسالة تتّهم الجيش الإسرائيلي بارتكاب «إبادة جماعية» ليس فعلاً احتجاجياً عابراً، بل إعلاناً سياسياً واضحاً من داخل أوروبا، حيث تُحاط القضية الفلسطينية غالبًا بسياج من الحذر الدبلوماسي. ألمودوفار، تحديداً، يُعد من أكثر المخرجين تأثيراً في السينما العالمية، وموقفه يُضفي شرعية أخلاقية على الخطاب المناصر لفلسطين، ويمنحه بعداً ثقافياً يتجاوز اللحظة الإعلامية. هو الذي في فيلمه «Parallel Mothes» (2021)، نبش في التاريخ وممن دفنوا جماعياً خلال حقبة فرانكو، وتركنا في نهاية الفيلم مع مقولة للكاتب والروائي المعروف إدواردو غاليانو: «لا يوجد تاريخ صامت. بغض النظر عن مقدار امتلاكهم له، كسره، والكذب بشأنه، فإن التاريخ البشري يرفض أن يغلق فمه».

أما مارك روفالو، فموقفه ليس جديداً، لكنه هذه المرة أكثر وضوحاً واحتجاجاً. توقيعه على رسالة جماعية إلى جانب أكثر من 380 شخصية سينمائية، وظهوره في حفل الأوسكار الأخير بدبوس يُعيد تعريف العلاقة بين النجومية والضمير. روفالو، المعروف بمواقفه التقدمية، يربط بين الفن والسياسة دون مواربة، ويُطالب بكسر صمت الصناعة، في وقت تتردّد فيه المؤسسات الكبرى في اتخاذ موقف. يُظهر هذا كيف يمكن للنجومية أن تتحوّل إلى فعل تعبوي، يُخاطب جمهوراً عالمياً بلغة مباشرة.

جولييت ستيفنسون، الممثلة البريطانية المخضرمة، اختارت طريقاً أكثر عملية، بتنظيم حملات لجمع التبرعات الطبية لغزّة. نشاطها يُجسّد البُعد الإنساني للتضامن، ويُعيد الاعتبار لفكرة أن الفنّ لا ينفصل عن الواقع، بل يتفاعل معه ويُداويه. أما أوليفيا رودريغو، فموقفها جاء بصيغة أخلاقية مباشرة، حين قالت إن التخلي عن القضية الفلسطينية يعني التخلي عن «إنسانيتنا المشتركة». هذه العبارة تختصر جوهر التحوّل: لم تعد فلسطين قضية سياسية فقط، بل اختباراً أخلاقياً للضمير العالمي.

ريهانا، سيلينا غوميز، وجون ستيوارت اختاروا نبرة أكثر رقة، لكنهم لم يتجاهلوا الحدث. ستيوارت، اليهودي التقدّمي، استخدم برنامجه الساخر «ذا ديلي شو» لانتقاد الهجوم الإسرائيلي، واصفاً إياه بأنه «غير متناسب». هذا الموقف، رغم بساطته، يحمل أهمية خاصة، لأنه يكسر حاجزاً داخل الخطاب الأمريكي الإعلامي، حيث يُنظر غالباً إلى انتقاد إسرائيل كخط أحمر.

أنجلينا جولي وبيدرو باسكال، من خلال منصاتهما الإعلامية ووسائل التواصل، سلّطا الضوء على الأزمة الإنسانية في غزة، وساهما في حملات الدعم الدولية. جولي، المعروفة بنشاطها الإنساني، تُضفي على القضية بُعداً عالمياً، بينما يُعيد باسكال، بنجوميته المتصاعدة، توجيه الأنظار نحو فلسطين في لحظة من التعتيم الإعلامي. أهمية هذه المواقف لا تكمن فقط في محتواها، بل في توقيتها وسياقها.

تيلدا سوينتون، ستيف كوغان، وتشارلز دانس، من خلال توقيعهم على رسالة «فنانون من أجل فلسطين في المملكة المتحدة»، لا يقدّمون مجرد تضامن رمزي، بل يضعون أنفسهم في مواجهة مباشرة مع خطاب رسمي يصف دعم فلسطين بالتحريض. سوينتون، المعروفة بتجاربها السينمائية الجريئة، تضيف إلى موقفها بعداً فلسفياً، حيث يُقرأ تضامنها كامتداد لرؤيتها الجمالية التي ترفض التبسيط الأخلاقي. أما دانس، بصفته أحد وجوه السينما البريطانية الكلاسيكية، فيُضفي على الرسالة وزناً مؤسساتياً، يحرّك ما تبقى من ضمير داخل الأكاديميات الفنية البريطانية.

كيت بلانشيت وواكين فينيكس، اختارا خطاباً إنسانياً مباشراً، يُذكّر بأن نصف سكان غزة أطفال، وأن أكثر من ثلثيهم لاجئون. بلانشيت، الحائزة على الأوسكار، لطالما استخدمت منصتها للدفاع عن اللاجئين، لكن دخولها على خط غزة يُعدّ خطوة جريئة في سياق أمريكي شديد الاستقطاب. فينيكس، المعروف بمواقفه الراديكالية، يُعيد عبر هذا الخطاب تأكيد التزامه بقضايا التحرر، ويُوظّف نجوميته كمنبر للضغط السياسي.

سوزان ساراندون، بصفتها سفيرة للنوايا الحسنة ومساهمة في التجمع النسوي الفلسطيني، قدّمت موقفاً شعرياً بقدر ما هو سياسي: «لن يتحرر أحد حتى نتحرر جميعاً». هذه العبارة تُعيد صوغ التضامن كفعل تحرري شامل، وتُربط القضية الفلسطينية بنضالات نسوية وأممية، ما يمنحها بعداً يتجاوز الجغرافيا.

ما يميّز هذه اللحظة هو أن المواقف لم تعد تُعبّر فقط عن قناعات فردية، بل باتت تُشكّل مشهداً متكاملًا من التوترات الأخلاقية داخل صناعة الفنّ. النجوم، بأسمائهم الثقيلة، باتوا يُعيدون رسم حدود الخطاب، ويُجبرون المؤسسات على إعادة التفكير في علاقتها بالعدالة، بالضحايا.

هوامش

موضوعات

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع