عباس علي موسى - مجلة رمان الثقافية https://rommanmag.com/archives/author/158rommanmag-com مجلة ثقافية فلسطينية مستقلة Sat, 02 Nov 2024 08:42:01 +0000 ar hourly 1 https://wordpress.org/?v=6.6.2 https://rommanmag.com/wp-content/uploads/2024/10/cropped-romman_logo-pink-32x32.png عباس علي موسى - مجلة رمان الثقافية https://rommanmag.com/archives/author/158rommanmag-com 32 32 لحظة القبلة وقبلة اللحظة https://rommanmag.com/archives/20223 Wed, 16 Sep 2020 09:50:44 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d9%84%d8%ad%d8%b8%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%a8%d9%84%d8%a9-%d9%88%d9%82%d8%a8%d9%84%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%84%d8%ad%d8%b8%d8%a9/ ربما ليس الأثر الذي تركته وتتركه جائحة كورونا على العالم أقلّ وطأة هاهنا! في مدينة قامشلي، يبدو أنّ الجائحة استثنتها عن العالم إلى حين ظهرت الحالات لدينا متأخرة بعد أن صار نصف الشعب عارفا بأمور الفايروس أكثر من الأطباء ربما، لما لهذه الجائحة من إفرازات معرفية اندلقت وتندلق علينا المعارف حولها كما لم يتم مع […]

The post لحظة القبلة وقبلة اللحظة appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
ربما ليس الأثر الذي تركته وتتركه جائحة كورونا على العالم أقلّ وطأة هاهنا! في مدينة قامشلي، يبدو أنّ الجائحة استثنتها عن العالم إلى حين ظهرت الحالات لدينا متأخرة بعد أن صار نصف الشعب عارفا بأمور الفايروس أكثر من الأطباء ربما، لما لهذه الجائحة من إفرازات معرفية اندلقت وتندلق علينا المعارف حولها كما لم يتم مع جائحة أو وباء آخر عبر التاريخ على ما أعرف.

إذن لنعد إلى الجائحة وحكايتنا معها. إنّ الجائحة هاهنا تأخذ أبعادا أخرى، ففي بلاد شهدت كورونا بالفعل وبأعداد هائلة بالآلاف كان هناك تعامل مع كيان ما، مرض ما، له وجوده، لكن وعلى اعتبار أنّنا لا نشهدها شهود جائحة تطال الآلاف، فإنّ الجائحة تأخذ شكلا آخر، فنحن نخشى تداعياتها أكثر منها، فنفكّر بالعمّال المياومين، وأفكّر أنا بقريبي الذي خسر عمله لمدة شهرين متكبّدا خسائر فادحة في هذه الأيام العصيبة مع هبوط انتحاري لليرة السورية.

هنا خشية من جائحة فاقة الفقر، فالحياة التي تزداد وتيرة الاستهلاك فيها، والبلاد التي تشهد أتون الحرب وألوانها، والسجون والشهداء والعزلة والأمل واليأس، إذن هناك خشية من أمور أخرى تفرزها الجائحة أو لنقل تعرّي عن جانبها.

سحابة شهرين مكثت في المنزل، كان أطفالي فرحين بملازمتي شبه الطوعية، لكنّهم كانوا يحتاجون للخروج من قمقم العزلة، لذا كنت أُخرج بهم في مشاوير قصيرة ضمن الحارة التي حفظوا كلّ شوارعها القصيرة في مربعنا عن ظهر قلب، بإمكانهم أن يعرفوا أو يتعرّفوا على كلّ ما في الطريق، فبعد مئتي متر سيجدون ذات الأطفال يلعبون كرة قدم صغيرة يستعجلون عبورنا، فرحين لخلوّ الشارع إلا من سيارتي سلحفاتية السرعة، وذلك طمعا منا في تزجية أكبر وقت ممكن في مربع الحارة.

بعد فترة الحظر الكلّي تطوّر الأمر فكبُر المربّع، لكنّه لا يزال غير كافٍ لرغبة الأطفال من الخروج من قمقم العزلة، فالحدائق لا تزال مٌغلقة والشوارع مغلقة في غالبيتها، وهكذا تناوب الحظر الكلّي وأعقبه الجزئي حتى تم إلغاء كافة أنواع الحظر.

 

لكن ماذا عن لحظة القبلة؟!

في فترة العُزلة والحظر، صار الجميع مثقّفا في حيثيات الجائحة، بل صاروا يُجارون الكُسالى من أطباء المدينة من اختصاص الأنف والحنجرة، وخاصة أنّهم يتلقّون تحديثات مستمرة حول الجائحة، وصار الجميع عليما بها وبطرق تداولها وحتى إجراءات الدول ومنظمة الصحة العالمية، والتطوّرات المستمرة، وكذلك نظريات المؤامرة التي حُيكت أو حيكت عنها.

أعرف أنّ الكثيرين كانوا ولا يزالون غير مبالين، ويؤمنون بنظرية أنّ من شرب من صنابير مياه المدرسة فلن يُصاب بالفايروس أبدا (وهذا سمعته من أكثر من شخص، حيث تعدّ صنابير المدارس الملوّثة في العهد الذهبي للبعث علامة فارقة على اكتساب المناعة)، لكن في المقابل ثمة من بالغ في العناية بالنظافة وصار يُمعن في استخدام ديتول وأخواتها (كنت أقول قبل الجائحة كلما شاهدت إعلانات ديتول، أنّ هذه الشركات أنفقت أطنانا من المال لإقناع السوق الخليجية بضرورة الوصول بالنظافة إلى حدّ أن تصير وسواسا).

بالنسبة إليّ لا أبالغ في النظافة ولا في تدابير الوقاية ولا أتسيّب فيها، لكنّني التزمت فيما التزمت أن أغسل يدي بالصابون ووجهي بفرك الماء جيدا، لكن، هل هذا الإجراء جيّد؟!

بالتأكيد سيربت البعض على كتفيّ ويضحك آخرون، لكن دعوني أقول لكم أنّني خسرت قُبلتي!

لا شيء يزيد من الحب كالقُبلة، ولا شيء يعوّض ملوحة شفاهنا المتعبة وهي تطبع قُبلة.

أدرتُ المفتاح ودخلت، فكان طفلاي بابتساماتهم المختبئة وراء امتعاض مُصطنع، وتذكّرت أنّ عليّ أن أغسل يدي ووجهي بداية، ثم أعود فأحضنهما وأقبّلهما كما اعتادا، لكن المسافة بين صنبور الماء والمِنشفة والعودة واصطناع لحظة الولوج إلى المنزل أفقَدتْ القُبلة طعمها ونكهتها الكرزية.

للقُبلة لحظتها، التي لا يمكن أن تعوِّض حرارتها إن غيّرتَ ميقاتها (اطبعِ القُبلة لميقاتها!) فإنّ قوما (يؤخّرون القُبلة عن ميقاتها) يفقدون الحبّ، وتتيبّس شفاههم.

لا أعلم كيف أقوّم هذا الأمر دون أن يغرز ضميري، لكنّ الحبّ والخوف، يدفعك لتأخير ميقات القبلة، ويدفعك إلى ألقِ الخسارة. 

منذ أكثر من مائة يوم وأنا أعاود الكرّة ذاتها، وصارت القُبلة كرزيّة، لكن كالكرز الذي تصنعه الصين، وترسلها إلينا عبر حاويات يحملها البحر. إنّها الصين تُرسل إلينا فاكهة بلاستيكية وترسم للعالم حياة جديدة خالية من القُبل ومن أشياء حميمة أخرى، أولم يقل بونابرت يوما “الصين تنين نائم لا توقظوه”.

The post لحظة القبلة وقبلة اللحظة appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
سهراب سبهري، انتقادات وردّ: كنت أعرف أنّ رجال الشرطة ليسوا شعراء (ترجمة عن الفارسية) https://rommanmag.com/archives/19451 Fri, 12 Oct 2018 18:31:33 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%b3%d9%87%d8%b1%d8%a7%d8%a8-%d8%b3%d8%a8%d9%87%d8%b1%d9%8a%d8%8c-%d8%a7%d9%86%d8%aa%d9%82%d8%a7%d8%af%d8%a7%d8%aa-%d9%88%d8%b1%d8%af%d9%91-%d9%83%d9%86%d8%aa-%d8%a3%d8%b9%d8%b1%d9%81-%d8%a3%d9%86/ ولد سهراب سبهري (سهراب سپهری) في كاشان بإيران عام 1928، وكان مهتما بشكل خاصّ بالثقافة المشرقية، حيث سافر إلى الهند، وباكستان، واليابان والصين، كما عرضت أعماله الفنية في المعارض واستمرت مشاركاته ولوحاته الفنية في المعارض حتى نهاية حياته. توفي والده الذي أصيب بالشلل في العام 1962، وفي العام ذاته ترك جميع الوظائف الحكومية. بعد ذلك […]

The post سهراب سبهري، انتقادات وردّ: كنت أعرف أنّ رجال الشرطة ليسوا شعراء (ترجمة عن الفارسية) appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>

ولد سهراب سبهري (سهراب سپهری) في كاشان بإيران عام 1928، وكان مهتما بشكل خاصّ بالثقافة المشرقية، حيث سافر إلى الهند، وباكستان، واليابان والصين، كما عرضت أعماله الفنية في المعارض واستمرت مشاركاته ولوحاته الفنية في المعارض حتى نهاية حياته.

توفي والده الذي أصيب بالشلل في العام 1962، وفي العام ذاته ترك جميع الوظائف الحكومية. بعد ذلك نشط سبهري في مجال الشعر والرسم بشكل أكبر، وأوجد أسلوبه وطريقه الخاصة، وسافر إلى العديد من البلدان لحضور فعالياته الفنية والثقافية. في هذا المقال نعرض تعليقات وآراء عدد من النقّاد والشعراء حول الشاعر سهراب سبهري:

شاملو: أفضّل أن يكون الشِعر نفيراً لا تهويدة

يجب أن أجد فرصة أخرى لقراءة شعره، ربما يتغيّر رأيي حيال أعماله، وهذا يعني أنّه ربما تكون إعادة قراءته تستطيع تبرير التصوّف العرفاني لديه، والذي لم يكن له علاقة بالظروف الاجتماعية التي أعقبت انقلاب 32. هذه القصائد تكون أحياناً أكثر من رائعة، تتجاوز الجمال حتى… على الأقل هي بالنسبة إليّ ليست جميلة فحسب، ولكن ماذا أقول؟ أستطيع القول أنّ اختلافنا هو في مسألة كيفية استخدام الشعر، وربما تكون خطيئتي أنني أفضّل الشعر نفيراً لا تهويدة، يعني أن يوقظ ويحفّز لا أن يهدهد ويُنيم.
 

من لوحات سهراب سبهري

فروغ فرخزاد: عالَمه الفكريّ والحسّي هو الأكثر إثارة للاهتمام بالنسبة إليّ

يبدأ سبهري في الجزء الأخير من ديوانه (آوار آفتاب/ حطام الشمس) وبطريقة جديدة وساحرة للغاية، ويستمرّ على هذا المنوال، سبهري مختلف أبداً. وعالمه الفكريّ والحسّي هو الأكثر إثارة للاهتمام بالنسبة إليّ.

إنّه لا يتحدّث عن المدينة والزمن والناس، بل إنّه يتحدّث عن الإنسان والحياة، وهذا سبب انتشاره، في سياق الوزن فإنه وجد طريقه، لو أنّه صرف كلّ مجهوده في الشعر، لرأيتَ أين كان سيصل.

مهدي إخوان ثالث: من بين أعمال “سبهري” في (ثمانية كتب) ثمة أربع أو خمس قصائد ليست سيئة

من بين أعمال سبهري في (ثمانية كتب) ثمة أربع أو خمس قصائد ليست سيئة، إنّها حسّاسة جداً ولطيفة، وبرأيي أنّها في مواضع عديدة متأثرة بأشعار فروغ فرخزاد الأخيرة. هو في البداية خبر وجرّب كلّ الأساليب في الشعر.

في الآونة الأخيرة من حياته شقّ طريقه وأسلوبه الخاصّ، لكن للأسف لم يمهله الموت لينجِز عملاً أكثر، لكن سهراب سبهري كان رجلاً محترماً ومؤدّباً وفناناً تشكيلياً محترفاً، فقط في بعض قصائده الأخيرة بإمكانه أن ينقل رسالة إلى قارئه، لأنّ أحد أهداف الشعر هو إيصال رسالة…

في أشعاره السابقة ذهب بلا جدوى إلى هنا وهناك وأراد أن يفعل ما لم يفعله الآخرون، ولكن وكما قلت سابقاً، كان نبيلاً، ولأجل ذلك، ولأنّه كان لديه أصالة في عمله، عاد مرة أخرى إلى المكان والمربّع الأول البسيط، وحاول الاقتراب من الناس في قصائده الأخيرة. هو كان باحثاً ومستكشفاً وقدّم في لوحاته ما هو أفضل بكثير في قصائده، ربما كان يبحث عن طريقة للتواصل مع الناس، واستطاع ذلك في بعض قصائده الأخيرة.

رضا براهني: ليس لطيفاً ولا يكترث بألمي وألم أمثالي؟

يجب أن نكون شعراء هذه العالم المضطرب لنكون معاً. ليس عملاً صائباً أن ندير ظهرنا لهذه الحياة، لكن للأسف سبهري أدار ظهره لهذه الحياة المضطربة. في أحد قصائده بعنوان “المسافر” يطلب سبهري من (الريح دائماً) أن تريه (الحضور غير اللطيف)، لكن هذا العالم ملوّث بالخباثة، لدرجة أن لا أحد يظهِر حضوراً لطيفاً لسبهري…

عندما يتحوّل العالم إلى شيء يطبق على صدرك، وثلثا العالم جائع، والشعب الساذج منغلق، حينها يكون غير لطيف، ولا يكترث بألمي وألم أمثالي؟

محمد رضا شفيعي كدكني: أبعدهم عن “نيما”، “إخوان” و”شاملو”

إنّ شعره موجود في سلسلة واحدة ومشكلٌ من مصاريع وشطور مستقلّة، حيث تجمع الوزن دون القافية، ونادراً ما نجد له شعراً موزوناً. فهو أبعدهم عن نيما، إخوان وشاملو، وأعتقد أنّ من الممكن القول أنّه نوع من الشعر الهندي الحديث، حيث أنّ المجاز يأخذ الحيّز الأكبر في صياغاته…

لقد أمضى سبهري حياته أكثر من مجرّد قول الشعر، بل قضاه في اجتراح طريقة وأسلوب خاصّ في الشعر ومع ”وقع أقدام الماء“ وفّق في أسلوب شعري خاص، وذات الأسلوب في ”نحن لا شيء نحن نظرة“ وتوجّه لمقارعة القارئ ليوقظه…
 

من لوحات سهراب سبهري

سيروش شيمسا: ظاهرة غير قابلة للهضم

بقدر ما كان سبهري قريباً من محبّي وعاشقي الأدب، كان مرفوضاً في أوساط بعض الشعراء، وهؤلاء عمدوا إلى ذلك لأمرين، أحدهما أنّ قصائده غير شائعة وقريبة من الناس وغير سياسية، وعلاوة على ذلك لم تكن موزونة، ولم يكن يعترف بالوزن حتى، وبرأيي أنّ تلك النظرة الرافضة لم تكن مبنية على أساس علميّ، ويجب أن تؤخذ منافسات الشعراء في ذلك العصر بعين الاعتبار.

سبهري هو أحد أعظم الشعراء المعاصرين، وكلّما مرّ الوقت تبدو عظمته وعظمة فروغ بالوضوح أكثر، على عكس أولئك الشعراء الأيديولوجيين. وفقاً للعديد من عشّاق الشعر ومحبيه، فإنّ سبهري قد تفوّق على الآخرين من حيث البصيرة والمواضيع ومن حيث اللغة والبناء، وقد حقّق مستويات عالية في كلّ الجوانب الفلسفية والوجود ونظرية المعرفة والتي لم يتناولها معاصروه…

يبدو أن سمعة وشهرة سبهري بين الناس أظهر غرابة أولئك الذين ظنّوا أن نجاح الشعر هو في كونه سياسياً واجتماعياً، لذا أعرب هؤلاء عن دهشتهم وحيرتهم وطرح المسألة وتبريرها بطريقة علميّة.

رد الشاعر على الانتقادات: كنت أعرف أنّ رجال الشرطة ليسوا شعراء

لكن بعد كلّ هذه الانتقادات ربما يكون ما كتبه سهراب سبهري كردّ على هذه الانتقادات أمراً مثيراً للاهتمام:

بوجود الجوع، تزداد شقائق النعمان سوءاً، فحين مات والدي، كتبت: تحول رجال الشرطة كلّهم إلى شعراء، وحضور الفاجعة عجّل بتجميل العالم.

كانت الكارثة والفاجعة في الطرف الآخر، وإلا لما كنت عرفت أنّ رجال الشرطة ليسوا شعراء! لقد بقيت في العتمة بالقدر الذي أستطيع الكتابة فيه عن النور، لكن لا أريد البوح والكشف عن هذه الحقيقة، لقد رأيت الآلاف من الجياع في أرض الهند، لكنّي لم أتحدث في أيّ وقت عن الجوع، ولن أتحدث عنه أبداً، لأنّي كلّما حاولت ومضيت لأتحدّث عنه تصيبني الحموضة في فمي”.

 

العنوان الأصلي للمادة والمصدر:. نشرت في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2017، في موقع (IRAN ART): اشعار سپهری به روایت هنرمندان/ از شاملو و مخالفت‌هایش تا فروغ فرخزاد و تمجیدهایش

من لوحات سهراب سبهري

The post سهراب سبهري، انتقادات وردّ: كنت أعرف أنّ رجال الشرطة ليسوا شعراء (ترجمة عن الفارسية) appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
“هيا نشتر شاعرًا”… الجدار كنافذة مطلة على البحر https://rommanmag.com/archives/19417 Thu, 13 Sep 2018 07:55:39 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d9%87%d9%8a%d8%a7-%d9%86%d8%b4%d8%aa%d8%b1-%d8%b4%d8%a7%d8%b9%d8%b1%d9%8b%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d8%af%d8%a7%d8%b1-%d9%83%d9%86%d8%a7%d9%81%d8%b0%d8%a9-%d9%85%d8%b7%d9%84%d8%a9-%d8%b9%d9%84/ “هيا نشترِ شاعرًا” هي رواية للبرتغالي أفونسو كروش، رواية قصيرة، أو قصة طويلة، لا فرق، المهمّ في هذا العمل هو مقدار الوجوم الذي سيُصيب القارئ فيما لو يقرأ الرواية، والذي سينضمّ إلى صفّ المتسائلين عن جدوى الشعر، وعن جدوى العمل الإبداعي بشكل عام. هل هي بالفعل أمور غير ذات قيمة؟ هل هي نوع من الاغتراب […]

The post “هيا نشتر شاعرًا”… الجدار كنافذة مطلة على البحر appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
“هيا نشترِ شاعرًا” هي رواية للبرتغالي أفونسو كروش، رواية قصيرة، أو قصة طويلة، لا فرق، المهمّ في هذا العمل هو مقدار الوجوم الذي سيُصيب القارئ فيما لو يقرأ الرواية، والذي سينضمّ إلى صفّ المتسائلين عن جدوى الشعر، وعن جدوى العمل الإبداعي بشكل عام.

هل هي بالفعل أمور غير ذات قيمة؟ هل هي نوع من الاغتراب عن الواقع؟ هل هي هروب من المسؤولية؟ هل الشعراء بائعو كلمات وحسب؟ وهل الشعر هدر للوقت؟

بطريقة ساخرة/ساحرة يلجأ أفونسو إلى طرح هذه الأسئلة من خلال أسرة غارقة في الأرقام والحسابات، وفي مدينة يبدو أنّ كلّ شيء فيها هو كذلك، تبدو للقارئ مدينة لما ستؤول إليه المدن الصناعية الكبرى في المستقبل، وربما مدننا نحن أيضاً في وقت من الأوقات، هذه المدينة يمكنك فيها شراء كلّ شيء حتى الشعراء والنحاتين والرسامين!

تذهب ساردة الرواية (فتاة صغيرة) مع والدها إلى متجر وتطلب منه شراء شاعر، ويوافقها الأب، بدعوى أنّ الشعراء (غير متطلّبين ولا يثيرون الفوضى) كما قالت أمها، فالشعراء لا يطلبون سوى دفتر، ورقة بيضاء وقلم، وهذا كلّ ما في الأمر.

تمضي الأيام بخير والشاعر يملأ البيت بالكلمات والكتابة والمجاز، ويصيبهم بـ “لوثة الشعر” ومع أنّ نهاية الشاعر تبدو مأساوية وهي تركه في الحديقة والرجوع دونه بعد الأزمة الاقتصادية إلى البيت، إلا أنّ الشعر الذي تركه في البيت يبدو أنّه أنقذ الجميع بطريقة أو بأخرى.

في هذا العمل حاول أفونسو أن يفترض بيئة للإجابة على تساؤلاته/نا عن قيمة الكلمة، الأدب، والفنّ، والإبداع، ربما ليلفت النظر إلى هذا الموضوع الجدليّ الكبير، والتساؤل عن نظرة السلطات إلى الأمر من باب الأمور غير المفيدة، وعدم تخصيصهم لميزانيات مناسبة للثقافة، واعتبارها من كماليات الحياة، وعدم الاستثمار فيها، وكأنّ أفونسو كروش يحكي عن دول العالم الثالث، أو عن الدول التي تمتلك ميزانيات ضخمة ويقتصر صرفها على الثقافة “من الجمل أذنه”.

بعض السرد عن الشعر والثقافة… “الشعرمعر” الأمور غير ذات الفائدة

في حوالي العام 2008، كنتُ في دمشق، وككلّ الشباب الذين يعملون صيفاً ويدرسون في الجامعة إثر افتتاح الدوام في الخريف، وجد لي أحد الأصدقاء فرصة عمل، وكان العمل آنذاك في توزيع الجرائد بأحد أحياء دمشق الراقية، حيث كان المشتركون يجدون جريدتهم اليومية في صندوق بلاستيكيّ صباحاً، ليقرؤوها مع فنجان قهوتهم، كما عهدوها/ناها في الأفلام السينمائية، وكانت هذه الصناديق عند الكثير من المشتركين تمتلئ دون أن يقرؤوها أو يكترثوا لأمرها، ربما كانت الفكرة “أتيكيتاً” لدى الكثيرين، والبعض بطبيعة الحال يتصفّحها، والبعض حتما يقرأ ما يهمه في أحد الأعمدة والزوايا، وكنتُ أوزّع الجرائد لأكثر من مائة مشترك، وكان متوسط عشر نسخ تظلّ في جعبتي دون أن أضعها في صندوق الاشتراك، وذلك إما لأنّ أصحاب المنزل مسافرون أو لا يقرؤون الجريدة، فكنتُ بدوري أستبدلها عند الباعة بجرائد أخرى، ليتسنى لي قراءة عدة جرائد في اليوم الواحد، وتبعاً لاهتمامي طبعاً، وكنت أنا وصديقي الشاعر مستأجرَين، فنقرأ أنا وهو عن الثقافة والشعر والأدب ونتشارك في النقاشات حيال الثقافة.

لا أذكر التفاصيل بدقة، لكن أتذكر أنّ الشاعر لقمان ديركي كان له عمود ثابت في الجريدة، وهي عمود ساخر يتحدّث فيه الشاعر عن أمور عديدة ولأنّ العمود كان يومياً فإنّ التطرّق إلى الشعر والشعراء كان يتكرّر حتماً، وأتذكر كيف أنّه كان يتحدّث عن الشعر من خلال رؤية الأسرة له، حيث كان يقول فيها أنّ والده كان ينعت الشعر ويضعه في خانة (الأمور غير ذات الفائدة) وهو يصنّف ضمن “الشعرمعر” (صيغة تهكمية).

برز التساؤل حينها عميقاً، كنتُ سأجد أجوبتهم جميعاً في هذه الرواية لو أنّها صدرت آنذاك، وكنا سنقرأ “هيا نشتر شاعرًا” كما لو أنّنا نقرأ الجريدة اليومية، نقرأ الصفحة الثقافية، ونقطع منها مقالاً نحبّه، ونضع الباقي تحت الطعام كسفرة.

الحرب اليومية والشعر

في ظروف كالتي نعيشها في سوريا ثمة حرباً يومية، حرباً يوميّة حقيقية غير مجازية، حرباً تُسفك فيها الدماء، يموت فيها البشر ويتألمون كأي حرب قرأنا عنها في السابق. يكون السؤال عن جدوى الشعر مندفعاً إلى الأمام، ومن يقترف الشعر سيكون في نظر الناس كمن يقترف عظيماً.

نعم، وسط كلّ هذه الحرب، ينبغي عدم ازدراء الشعراء، عدم ازدراء الشعر، عدم ازدراء الفنون والأدب. منذ حوالي الشهر بادرت البلدية في المدينة مع فنانين بتزيين جدران المدينة بصور للروايات ودواوين الشعر، ومن خلال الصور الملتقطة بإمكانك رصد مشاعر الناس، فهناك من ينظر متهكّما، ومنهم من تلامس الجدران الملونة تلك شغاف قلبه ومنهم من يمتلئ قلبه بالجمال، ومنهم من لا يرى فيها ضيراً، ولا نفعاً ربما.

في أحد الشوارع التي تضجّ عادة بالمرفّهين عن أنفسهم، نحضّر -أنا وصديقي الشاعر- لافتتاح مكتبة وكافيه، قبل عدة أيام مرّ أحدهم بجانبي وقال (ومن سيقرأ أو يشتري هذه الكتب – مع عتاب وسماجة)، اكتفيت بابتسامة.

في معرض الكتب الأخير في المدينة منذ عدة أشهر، جاء أحد الأصدقاء من مدينة أخرى بغرض حضور المعرض واقتناء بعض الكتب، كان سائق السرفيس قد سأله عن وجهته حين سأله عن عنوان المعرض، فقال له: حقاً! هناك من يسافر من مدينة لأخرى من أجل الكتب أيضاً.

The post “هيا نشتر شاعرًا”… الجدار كنافذة مطلة على البحر appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
الدور الأول والقبلة الأولى: ذكريات ويدا قهرماني عن السينما الإيرانية (ترجمة) https://rommanmag.com/archives/19343 Mon, 02 Jul 2018 12:26:43 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%88%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%88%d9%84-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%a8%d9%84%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%88%d9%84%d9%89-%d8%b0%d9%83%d8%b1%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d9%88%d9%8a%d8%af/ نُشرت هذه المذكرات في 2013، في موقع بي بي سي فارسي، أعدّتها الصحفية الإيرانية فيروزه خطيبي المقيمة في لوس أنجلوس. وقد بقيت ويدا قهرماني حتى نهاية عمرها؛ أي 2 يونيو 2018 في سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة، حيث توفيت. تمت الترجمة عن الفارسية: اولین بازی و اولین بوسه؛ خاطرات ویدا قهرمانی از سینمای ایران   “الكثيرون يعتقدون […]

The post الدور الأول والقبلة الأولى: ذكريات ويدا قهرماني عن السينما الإيرانية (ترجمة) appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>

نُشرت هذه المذكرات في 2013، في موقع بي بي سي فارسي، أعدّتها الصحفية الإيرانية فيروزه خطيبي المقيمة في لوس أنجلوس. وقد بقيت ويدا قهرماني حتى نهاية عمرها؛ أي 2 يونيو 2018 في سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة، حيث توفيت.

تمت الترجمة عن الفارسية: اولین بازی و اولین بوسه؛ خاطرات ویدا قهرمانی از سینمای ایران
 

“الكثيرون يعتقدون أنّي أول ممثلة في السينما الإيرانية، لكن في الحقيقة، أنا أول فتاة جاءت من خلف مقاعد الدراسة لتقف أمام كاميرا السينما”.

بدأت ويدا قهرماني الممثلة السينمائية والمسرحية والقاصّة في رابطة الكلمة/ كانون سخن، بمدينة لوس أنجلوس، خطابها بهذا الكلام، كما سمعته من والدتها، وتحدثت عن السيّد بابا خان معتضدي أول مخرج وصانع أفلام سينمائي إيراني:

في ذلك الوقت كان السيّد بابا خان الذي كان مقرّبا من العائلة، قد عاد لتوّه من أوروبا، فأخرج في الحال علبة بها دولاب أشبه بفرامة اللحم، وكانت بيده وهو يلحقنا نحن الأولاد، حيث كنّا نلعب نحن أولاد وبنات العمومة معاً في الفناء.

أخبرنا بابا خان أن نقف في طابور، ونأتي إليه واحداً إثر آخر، ولم نكن نفهم البتة ما كان يفعل، وعندما قام فضل الله أحد أبناء عمومتنا باختراق الصف، سقط الأولاد على بعضهم البعض، ضحك السيّد خان بابا أيضاً وقال له: افعلها مجدّداً”.

بعد عدّة أيام عاد إلينا بابا خان مع شريط أسود، غسل الشرائط في سائل أخضر، وألقاه على أذرع الأطفال، حيث أمسكنا بها في خطوط متوازية، ثم طلب إلينا أن نتقدّم بها إلى حبل الغسيل!

“بعد بضعة أمسيات، بضيافة العم جان، قام السيّد بابا خان بوضع مجموعة كراسٍ وعلّق ستارة كتّان بيضاء في الفناء.

نحن الأطفال افترشنا سجادة على الأرض.

فجأة ومن داخل مربع الضوء، أسفل الكرسي سقطت صورنا على الستارة، نحن أيضاً نظرنا إلى أنفسنا، وبعدها نظرنا إلى الضوء والصورة على الستارة، وتساءلنا مستغربين، كيف أنّنا هنا وهناك بذات الوقت! حينها قال السيّد خان بابا: هذا ما تخبرك به السينما.

دخول ويدا قهرماني إلى السينما أيضاً قصة أخرى

”كان ذلك في العطلة الصيفية وكنت في السنة الأخيرة من الثانوية، حيث صادف أن مضيت مع والدتي إلى الصالة الصيفيّة لسينما ديانا التي كانت على سطح المبنى، وعرضوا فيلماً لــ صاموئيل خاجيكيان بعنوان ”دختری از شیراز/ فتاة من شيراز“ حيث كان ابرا خوان المعروف في ذلك الحين، وفرح عافيت بور يمثلون فيه. كان الفيلم جذاباً كثيراً بالنسبة إليّ.

في منتصف الفيلم أشعِلت الأضواء، حيث يشتري المشاهدون الوجبات الخفيفة، وأعلنوا أنّهم يبحثون عن فتاة بالغة 17 عاماً أو أكثر للفيلم اللاحق لـ خاجيكيان.

قلت لأمي: أريد أن أمثل؟ أجابتني بأنّها لن تقول شيئا أو تعارِض إن وافق والدي. والدي والذي كان ضابطاً في الجيش، وخلافاً لتوقّعاتي أبدى موافقته في الليلة ذاتها، فذهبت أنا ووالدتي في صبيحة اليوم التالي إلى استوديو ديانا الذي كان في البناية ذاتها التي تعرض الأفلام السينمائية.

أدخلونا إلى غرفة التوجيه التي كان يجلس فيها مجموعة كبيرة، من بين هؤلاء الوجه الوحيد المألوف الذي رأيناه في الأفلام كان ناصر ملك مطيعي، بعدها تم الإقرار والموافقة، وبدأ التصوير في سفح جبل دماوند.

أول قبلة في السينما الإيرانية

دخلت ويدا قهرماني المجال السينمائي عام 1955 في وقت لم تكن هناك خمسة أو ستة أفلام قد انتجت في إيران.

“كنت في السنة الأخيرة في المدرسة الثانوية، حين ذهبت ووقفت أمام كاميرا صاموئيل خاجيكيان ولعبتُ دوراً أمام ملك مطيعي. في ذلك الوقت كان التمثيل بالنسبة لفتاة غير مغنّية ولا ممثلة مسرح غير مناسب بتاتاً، وكان الفيلم أيضاً ببداية ونهاية هوليودية. في بداية المشهد بدء المزاح والمداعبات ما بين فتاة وشاب مستلقيين على الأرض وانتهى بقبلة طويلة، وكان تلك في الواقع أول قبلة في السينما الإيرانية”.

بعد عرض فيلم ”تقاطع الحوادث/ چهارراه حوادث“ في سينما ديانا في عطلة النوروز، طرِدت ويدا قهرماني من المدرسة: “كانت هذه أول ضريبة لي في التمثيل، وكانت أول مواجهات حياتي. في ذلك الوقت لم يستطع وزير الثقافة الذي كان صديقاً للعائلة، أن يتدخل ويقوم بتسجيلي في أيّ مدرسة. قالوا أنّ الاعتراض قام به أولياء الأمور والطلّاب الذين قالوا أنّ وقوف طالب مدرسة أمام الكاميرا والتمثيل أمر سيئ وغير مقبول. سافرتُ من طهران إلى خاش، مكان ما وسط الصحراء، وبعدها تزوجت بالشابّ الذي أحببته”.

بعد فترة وجيزة قال صاموئيل خاجيكيان عن ويدا قهرماني أنّ “لديها موهبة غريبة في محاججة وإقناع الناس” حيث أقنعت زوجها داويت يقيازاريان أن تعود مرة أخرى إلى التمثيل: “قبل زوجي بالأمر، لكن بشرط أن يكون هو وأحد إخوتي حاضرين أثناء مشاهد التصوير”.
 

Vida Ghahremani, 1960′s

بهروز وثوقي، الصبي الذي يدرس تحت الشجرة

مع فيلم ”عاصفة في مدينتنا/ طوفان در شهر ما“ لـ خاجيكيان من إنتاج سنة 1958 عادت ويدا قهرماني مرة أخرى إلى السينما: “في الفيلم، كان من المقرّر أن أفرّ من بين يدي كرشا رؤوفي الذي أراد اغتصاب الفتاة في الفيلم، لكنّه انتابه الحرج الشديد أمام زوجي، وكيف أنّه سيقوم بأداء دور المغتصِب، لكن في النهاية وبعد عدة محاولات أخذ أحدهم داويت إلى غرفة الإنتاج في الأعلى في الطابق العلوي، وقمنا بالمشهد”.

تقول السيدة قهرماني: “في هذا الفيلم كان من المقرّر أن يقوم أخي (الذي أدّى دوره حسين دانشور) بإنقاذي، حيث أنني كنت حتى نصفي غارقة تحت وابل النيران، هذا المشهد تم إعادته لعدة مرات بسبب مشكلات مختلفة، فقد كان مجموعة من الشباب يقفون أمام الاستوديو بحجة الدراسة تحت الأشجار لأجل امتحانات نهاية العام، وكان هناك الكثير من الجلبة وهم يراقبون التصوير، وفي بعض الأوقات كان لهم دور الكومبارس أيضاً”.

تقول السيدة قهرماني: “بعد عدة سنوات حين مثل بهروز وثوقي في فيلم “وداعا طهران/ خداحافظ تهران” لـ خاجيكيان، قال لـ صاموئيل أنّ هذا الفيلم ليس الفيلم الأول الذي يمثله له، فأنا أحد الصبيان الذي كانوا يدرسون تحت الشجرة ويظهرون في أحد لقطات فيلم ”عاصفة في مديتنتا“.

ويدا قهرماني شاركت في مجموعة أفلام أخرى مثل ”النار والرماد/ آتش و خاکستر“ من إخراج خسرو برويزي، في دور أمام الممثل ويكن، و”غدا سيكون مشرقا/ فردا روشن است“ من إخراج سردار ساكر بمشاركة الممثل محمد علي فردين، والممثلة برخيده وملكة رنجبر، وفيلم ”عدو المرأة/ دشمن زن“ من كتابة وإخراج برويز خطيبي ومشاركة ناصر ملك مطيعي.

آخر أفلامها قبل أن تترك السينما مرة أخرى كان فيلم ”عشق وانتقام/ عشق وانتقام“ من إنتاج عام 1965 بسيناريو لزوجها داويت يقيازاريان ومشاركة وإخراج محمد علي فردين: “عندما ذهب ابني الصغير مع جدته لمشاهدة أفلامي قالت لوالدها، هل اسمك فردين؟ من وقتها قرّرت ترك التمثيل في الأفلام إلى الأبد”.

كوجيني والثورة

في وقت لاحق قامت ويدا وداويت يقيازاريان كمنتجين ومقدّمين فنيين بتقديم برنامج مرح أسبوعي على أول شبكة تلفزيون إيرانية والعائدة لـ ثابت باسال بعنوان “شارع الحظ/ جاده شانس“ وفي ذات الوقت قاما بافتتاح مقهى تريا ومعرض موند في شارع حافظ، وبعد فترة افتتحا محلاً باسم كوجيني في شارع إليزابيت ”شارع الفلاح حاليا“.

كان كوجيني ملهى ليليًا، حيث تقام فيه حفلات راقصة، ويرتادها الأزواج الشباب مع موسيقى فرق الروك اندرول والبوب الإيراني في ذلك العصر من قبيل فرقة ”بلك كتز/ القطط السوداء“: وقد غنّى الفنان فرهاد مهراد أغنيته المشهورة ”جمعه“ لأول مرة في كوجيني وكذلك قام الفنان آبي بأول تجربة أداء له في كوجيني”.

مع انفصال ويدا قهرماني عن زوجها، ذهبت في العام 1970 إلى إنكلترا، من أجل إتمام دراستها في تعليم الأطفال، وعاشت لفترة في برشلونا بإسبانيا. لدى عودتها إلى إيران، تزامن ذلك مع قضية الرهائن في السفارة الأمريكية، فغادرت السيدة قهرماني إيران إلى الولايات المتحدة، حيث تلقت دعوة لمتابعة تعليمها العالي في جامعة نورمان في ولاية أوكلاهوما.
 

A Thousand Years of Good Prayers

العطل السوداء

جاءت ويدا قهرماني في أواخر الثمانينات إلى لوس أنجلوس بقصد التمثيل: “في أحد الأيام كنت مع شهره آغداشلو إلى جانب واجه مانكاساريان، وكان هناك أحد الإيرانيين العاملين في السينما في هوليود، يبحث عن شخصيات شرق أوسطية للمشاركة في فيلم بعنوان ”العطَل السوداء/ تعطيلات سياه“ من إنتاج لي ريميكس، وذهبنا إلى فريق الممثلين”.

السيدة قهرماني قالت: “لقد قمت بتسع تجارب أداء وجربتها دون أن أعلم معنى هذه الكلمة. وبعد فترة أخبروني أنّه بيننا نحن الاثنين قد وقع الاختيار عليّ، وبعد فترة ولأجل البدء بالعمل على الفيلم ذهبنا إلى تركيا.

بالطبع في ذات العام مثّلت مع شهره ومجموعة آخرين من الفنانين الإيرانيين المقيمين في لوس أنجلوس في فيلم ”نزلاء فندق آستوريا/ مهمانان هتل آستوریا“ من إخراج رضا علامة زاده، الفيلم الذي يحكي قصة مجموعة من النازحين الإيرانيين في تركيا. في العام 2008 شاركت أيضاً في فيلم “رجم ثريا/ سنگسار ثریا“ حيث أديتُ دور إحدى النساء في القرية”.

انتقلت ويدا قهرماني بعد عدة عروض من قبيل ”من أين أنا، من أين الحب/ من از کجا، عشق از کجا“ من إخراج بري صابري إلى المشاركة في مجموعة مسلسلات تلفزيونية للمحطات فارسية اللغة، متنقّلة ما بين لوس أنجلوس إلى شمال كاليفورنيا ومدينة سان فرانسيسكو.

ألف عام من الصلاة الطيّبة

واصلت ويدا قهرماني في سان فرانسيسكو عملها في التمثيل للمسرح والسينما، وظهرت قهرماني في أحد الأدوار الرئيسة في فيلم ”ألف عام من الصلاة الطيبّة/ هزار سال دعاى نيكو“ للمخرج الشهير اين وانغ من هونغ كونغ. والفيلم هو قصة رجل صيني جاء إلى أمريكا لإقناع ابنته بالزواج مجدّدا، لكنّه وليصل إلى مقصده يتعرّف بامرأة إيرانية ويقع في حبّها: “إنّه كان فيلماً شاعرياً كثيراً، واشتغل كثيراً على مشاعر الآباء”.

بالإضافة إلى كتابة القصص القصيرة والعمل الفني التشكيلي، تعاونت ويدا قهرماني لأكثر من 15 عاماً مع فرقة مسرح “الخيط الذهبي/ ريسمان طلائي“ أحد المراكز الثقافية غير الهادفة للربح للترويج لمسرح الشرق الأوسط في “بي آريا” التي كانت تديرها ابنتها تورنج بقيازاريان: “هنا نعمل ونطرح العروض التي تمسّ مسائل الناس وقلقهم في الشرق الأوسط”.

لعبت قهرماني أيضاً دوراً في الدراما الحديثة حول رحلة دوك النكتون إلى الشرق الأوسط، حيث أن موضوعها كان مرتبطاً إلى درجة كبيرة بطهران وكوجيني”.

The post الدور الأول والقبلة الأولى: ذكريات ويدا قهرماني عن السينما الإيرانية (ترجمة) appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
طعم الحياة والموت… عن «طعم الكرز» لعباس كيارستمي (ترجمة عن الفارسية) https://rommanmag.com/archives/19297 Thu, 31 May 2018 07:35:21 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%b7%d8%b9%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%8a%d8%a7%d8%a9-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%88%d8%aa-%d8%b9%d9%86-%d8%b7%d8%b9%d9%85-%d8%a7%d9%84%d9%83%d8%b1%d8%b2-%d9%84%d8%b9%d8%a8%d8%a7/ ترجمة عن الفارسية، عن المجلة الشهرية “سينما”، للكاتب شاهبور عظيمي في عام 2000 قام محمود بهرازنيا بإخراج فيلم عن عباس كيارستمي، حيث يستطلع آراء بعض المشاهدين الخارجين من صالة عرض ”سينما العصر الجديد“ بطهران بعد انتهاء عرض فيلم «طعم الكرز» عام 1997، ويسألهم عن آرائهم في الفيلم، تقريباً قال الجميع أنّ الفيلم لم يكن جيداً وأنّهم لم يفهموه […]

The post طعم الحياة والموت… عن «طعم الكرز» لعباس كيارستمي (ترجمة عن الفارسية) appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>

ترجمة عن الفارسية، عن المجلة الشهرية “سينما”، للكاتب شاهبور عظيمي

في عام 2000 قام محمود بهرازنيا بإخراج فيلم عن عباس كيارستمي، حيث يستطلع آراء بعض المشاهدين الخارجين من صالة عرض ”سينما العصر الجديد“ بطهران بعد انتهاء عرض فيلم «طعم الكرز» عام 1997، ويسألهم عن آرائهم في الفيلم، تقريباً قال الجميع أنّ الفيلم لم يكن جيداً وأنّهم لم يفهموه وأنّه كان بلا معنى، فقط شخص أو اثنين قالوا بتردّد أنّهم شاهدوا فيلماً مختلفاً، وحين قيل للجمهور بأنّ هذا الفيلم قد حصد الكثير من الجوائز العالمية تعجّبوا لذلك، إذ كيف لفيلم بلا معنى كهذا أن يحصد الجوائز.

بعد سنوات يظهر ناقد معروف (بعد سنوات من فيلم بهرازنيا) ليتهم كيارستمي بأنّه لا يعي ما يقوله بأفلامه، ولا إلى أي جغرافيا يشير، و”قس على ذلك”.

يركب السيد بديعي السيارة ويسعى وراء شخص ليهيل عليه بعض التراب، ويمنح الشخص لأجل ذلك نقوداً، بصرف النظر عن هذا لا توجد قصة أخرى في العمل، فلا نعلم من هو ومن أين جاء، ولا ماذا يعمل وهل لديه زوجة وأولاد أو لا، وما هي علاقاته السياسية والاجتماعية، وأساسا لمَ يودّ أن يموت، أو لمَ يريد إنهاء الحياة ولا يريد أن يرى جمال الحياة ويستمتع بلذتها، وعلى حدّ تعبير السيد باقري (وما الذي نفعله في متحف الحياة البرية).

إذا كنت تبحث في فيلم كيارستمي عن إجابات لهذه الأسئلة، فإنّك قد أخطأت وجهتك، لأنّه تجنّب جميع هذه المظاهر التي تؤدي إلى عنوان وموضوع محدّد، قبل موته بعشرين عاماً فكر كيارستمي بموته عن طريق موت إحدى شخصيات أفلامه، وبالتأكيد كان قد فكر في الحياة والموت وهذه المسألة الفلسفية لم تحل بالطبع، على الأقل تحت العدسة المكبّرة في «الحياة ولا شيء آخر» (1991) و«تحت أشجار الزيتون» (1994) و«ستأخذنا الريح» (1999)، وفي الذهاب إثر شابين في «أين منزل الصديق؟» كانا يلعبان أثناء اضطراب زلزال في منجيل، وفي حياة «حسين وطاهرة» وفلسفة الوجود التي آمن بها حسين ووسط كل هذا الموت كان يؤمن بالحياة، وفي النهاية تبقى المرأة العجوز التي كانوا ينتظرون موتها ولا تموت، حيث كلّ مظاهر الموت، وفي الجانب الآخر حيث الحياة التي تناولها كيارستمي، لكن في هذه المرة يريد بديعي، بطل فيلم كيارستمي، أن يذهب إثر شيء يفرّ منه الجميع عادة، ولكلّ شخص أسبابه الخاصة ليعيش ويحيا، والآن قد يكون المذاق الحلو للتوت هذا السبب للحياة.

هذه النقطة غير مهملة في «طعم الكرز» وفي الوقت ذاته فإنّ لكلّ شخص تفسيره الخاص لمقصد ونوايا بديعي ولا أحد يعرف بأي منظور يصمّم بديعي أن يدفع بالرحلة الأخيرة، في أحد استفسارات بديعي يتخيّل شاب أنّه شاب منحرف وارتكب فاحشة ما.
 

روحاني أفغان وباقري كلّ منهما يحاول فرض وجهة نظره الشخصية على قرار بديعي، أحد الأشياء المرتبطة بالأخلاق والحياة والوجود (وهو نفسه يحمل في طياته مسألة الخلود التي يريدها الإنسان حتى في موته، ولكن ليس هذا موضوع نقاشنا في هذا المقام) لكن وبشكل قاطع يعرفون أن لا أحد يستطيع مساعدة بديعي.

في الواقع يبدو أنّ كيارستمي قد توصّل إلى حقيقة خلف الكواليس بأنّه لا يستطيع حتى مساعدة بطل الفيلم، والشيء الوحيد الذي يستطيع فعله هو إخراجه من عالم خيالي بنكهة الكرز، والحصول على النوم! المشهد الأخير من هذا المنظور ذو أهمية كبيرة، أشار كيارستمي مراراً إلى أنّ مقصده وغرضه، هو أنّ كلّ شيء حتى المخرج يمكن تغييبه في سينماه، يريد نزع دوره كمخرج لدرجة أنّه يجلس كمشاهد ليرى ما هو مصير أبطاله، يبدو أنّها نظرة فلسفية عن الدور الذي تلعبه السينما في حياة الناس العاديين.

إنّ نظام الحياة الفكري لعباس كيارستمي هي دائماً أولوية، لكن هذا الجمال لن تشعر به طالما كنت حياً، فالبحث لأجل اكتشاف الأخوين أحمد بور ليس له معنى، يذكرنا الأمر بما قبل الزلزال حيث يتعقّب ويبحث إثر اثنين، بعد زلزال كوكر، يذكرنا الأمر بما قبل الزلزال، حيث أنّه لن يجد هذين الاثنين قبل وقوعه، لأنّ الحياة تمضي، حيث يعيش أحمد بور حياته.

فقط بعد الزلزال والموت الجماعي يكون لحياة أحدهم معنى، ويحتفي حسين وطاهرة اللذان يعيشان وسط الموتى بالحياة، ووجودهم في فيلم كيارستمي له أهميته (نتذكر هنا مشهداً في فيلم «الحياة ولا شيء آخر» حسين وحياته وكيف أنّ كيارستمي قد بنى عليه لاحقاً في فيلم «تحت أشجار الزيتون» الحياة الخيالية لـ «حسين وطاهرة»).

كيارستمي زوّد «حسين وطاهرة» بسرّ الحياة ولم يخبرنا حتى بالطريقة التي أعطاها لحسين لنسيان طاهرة، (غيّب دوره كمخرج). ولكن في «طعم الكرز» هذه المرة يقف الموت بالضدّ من الحياة في صف واحد وينتظر بطل فيلم كيارستمي.

لكن الحياة ومظاهرها تناديان بديعي، واحدة تلو أخرى، ونحن إلى أي مدى سنسافر ونعود مع بديعي؟ هل تتذكرون؟ نحن معه في القبر، أنا وأنتم وبالطبع عباس كيارستمي أيضاً! لكن العتمة والرعد والبرق واللحد يمكن اعتبارهما مكاناً واحداً.

من ذلك الوقت وبعدها يعمل كيارستمي على الميتافيزيقيا في السينما، وما يؤكده هو بديعي كبطل لفيلم كيارستمي وكيارستمي نفسه، ومدير التصوير ومهندس الصوت والجنود الجالسين للاستراحة والكاميرا الشخصية.

الجنود ينظرون إلى الكاميرا الموجّهة صوبهم: لقد تحول الفيلم إلى حياة والحياة إلى فيلم، أليس هذا مشهداً قبل موت بديعي؟ هل مات بديعي؟ هل أعطانا كيارستمي عنواناً خاطئاً لكي لا نعدّ الموت غير طبيعيّ ونتحدث عن الحياة؟

بمجرد أن نجتاز مدينة لواسان ونجلس بجانب قبره يمكننا أن نفكر بالافتراض الذي أشار إليه الخيّام من مئات السنين:

سنترك الدنيا فما بالنا  /  نضيع منها لحظات النعيم
 

The post طعم الحياة والموت… عن «طعم الكرز» لعباس كيارستمي (ترجمة عن الفارسية) appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
من أرض الشعر إلى اللامكان (قراءة في لامكان الشاعر سهراب سبهري) https://rommanmag.com/archives/19195 Thu, 29 Mar 2018 08:31:03 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d9%85%d9%86-%d8%a3%d8%b1%d8%b6-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%b9%d8%b1-%d8%a5%d9%84%d9%89-%d8%a7%d9%84%d9%84%d8%a7%d9%85%d9%83%d8%a7%d9%86-%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%a1%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d9%84%d8%a7%d9%85%d9%83/ للشاعر الإيراني سهراب سبهري (1928-1980) تجربة شعرية ألهمت جيلاً كاملاً في إيران، ذا طابع حداثويّ متصل بالجذور والأصول للمدوّنة الضخمة من الشعر الفارسيّ بمختلف مراحله. حمل سهراب في تجربته الشعريّة قيم الحداثة والتحرّر الشعريّ، فكان رائداً في تحرير الشعر في الجيل الذي تلا نيما يوشج والحركة الحداثية للشعر الفارسيّ الحديث، لكن ما ميّز سهراب عن […]

The post من أرض الشعر إلى اللامكان (قراءة في لامكان الشاعر سهراب سبهري) appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
للشاعر الإيراني سهراب سبهري (1928-1980) تجربة شعرية ألهمت جيلاً كاملاً في إيران، ذا طابع حداثويّ متصل بالجذور والأصول للمدوّنة الضخمة من الشعر الفارسيّ بمختلف مراحله. حمل سهراب في تجربته الشعريّة قيم الحداثة والتحرّر الشعريّ، فكان رائداً في تحرير الشعر في الجيل الذي تلا نيما يوشج والحركة الحداثية للشعر الفارسيّ الحديث، لكن ما ميّز سهراب عن أقرانه هو أنّه حمل الصور مركّبة بما يشبه تجريدات وسُريالية بيكاسو وسلفادور دالي.

قدّم سهراب في شعره صوراً وتركيبات شعرية غاية في الرقّة والاحتراف، بحيث تبدو بسيطة كالماء ومعقّدة بالنسبة لمن ينظر إليها من خلف ستار، وأنّه بنى فضاء وأرضاً خاصة به وبالقصيدة الشعريّة، فنجح في أن يكون شاعراً وفناناً تشكيلياً وخطاطاً بآن، يحمل صوره الشعريّة ويودعها في لوحاته ويخطّها عبر نفث إحساسه في الكلمات.

هيجستان/ من اللامكان إلى ما خلفه

من خلال ملامح اللامكان في قصيدة سهراب تبرز ملامح أرض موعودة، مليئة بالحبّ، لكنّها ليست مكاناً سماويّاً حتماً لما لها من علاقة بالأرضيّ، فهي تفيض بتويجات تحمل أخبار تفتّح الزهر في أقصى الأرض، وهي تحملُ آثار فرسان أرقّاء يعتلون ربوة من شقائق النعمان، وفي هذه الأرض تدقّ أجراس المطر حيث تظمأ أوراق الشجر، إنّها ملامح “هيجستان/ لامكان” سهراب الأرضيّة، وفيها يبدو الجمال والحياة في أبهى صورها، لكن وراء هذا الجمال تبدو الوحدة الصامتة والرقيقة، لدرجة أنّه يجرحها حضور أيّ قدم غريبة، إنّها تذكرنا هنا بجنة آدم وحوّاء حيث كانا وحيدين في لامكان سماويّ بالضدّ من لامكان سهراب، حيث كان كلّ شيء كما يشتهي المرء، لكنّ الإنسان الذي جُبل على العيش مع المجموعة مهما كان الأذى الذي سيطاله حتى وإن كان ثمنه ترك الجنان، فكان الخروج من الجنة، ليكون امتحان الرغبة في حياة شقاء، لكن مع الجماعة البشرية التي ستتوالد من رغباتهما اللانهائية في أرض الرغبات، بعيداً عن المكان السماويّ ذي الرغبات المتحقّقة دون أن تشتهي عدم وجودها وتوافرها.

إذن لامكان سهراب أرضيّ، لكنّه فيها وحيد، وفي وحدته الرقيقة التي يستلذّ بها يخشى تفطّرها الذي يبدو مشتهى بذات اللحظة، فسهراب، يطلب ضمناً من الآخرين أن يقتحموا عليه وحدته وعزلته، وإلا فما معنى أن يكرّر ”إن جئتم في طلبي“، فهذا اللامكان الذي تأتيه الأشياء دون لذة غيابها غير مشتهاة، فالأرض التي يغطّيها العطش واليباس وحوافر خيل بغية الحرب، على الرغم من تناقضاتها تضمّ أيضاً الحبّ والزهر وشقائق النعمان حتى وإن كانت تحمل المتاعب، إلا أنّها تحمل الشيء ونقيضه، تحمل الرغبة والاشتهاء، وتحمل التحقّق والتعثّر أحياناً، وبذلك تشيع لذة تفوق ما في اللامكان السماويّ أو الأرضيّ.
 
من لامكان الشعر إلى لامكان اللون

تجدر الإشارة إلى تجربة سهراب سبهري الفنيّة، حيث أنّه عرف كفنان لا تقلّ لوحاته أثرا وتأثيرا عن أشعاره، فهي رقيقة مثلها وتسافر كما قصائده خلف حدود اللامكان، حيث الطبيعة والأشجار، والحيوانات، إلى جانب وحدة الشاعر الغارقة في السكون، ومع “موت اللون” وهو من دواوينه الأثيرة التي حفلت بتجربة مضرّجة باللون فاقدا حيوية الحضور، تجده يقول حياله: 

لقد نسيتُ الرؤيا على وجه الأرض،
أسطورة تفتّق أزهار اللون.
يجب العبور من منحنى هذا الدرب للمضيّ بدون كلام :
ثمة لون جنب هذا الليل اللانهائي قد مات.

تمتزج لاأمكنة الشاعر ولاأمكنة الفنان تدريجا باللون والكلمة والصور، وعوض أن تكوّن مزيجا متينا وصلبا، يسوّي ويدحي الوحدة حتى ترقّ كضوء أو كجناحي فراشة رقيقة، يحرقها وقع الخطى، أو آنية خزفية تتفطّر لشدّة رقتها.

هيجستان/ أرض اللامكان، قصيدة (واحة في لحظة)

تجتاز قصيدة سهراب عن لامكانه تقليد الجزالة الشعريّة، كما تجتاز واقع القصيدة بوصفها فعلاً يوميّاً، بل حتى أنّها تجتاز العرفان الصوفيّ، لتشكّل عوالمها الخاصّة لكن بصوفيّة مانويّة أو بوذية أو زرادشتية، وكأنّها آيات من نفخ روح المعنى من تلك العوالم التي تجتاز الأرضيّ إلى ما خلف لامكان أرضيّ آخر، حيث ما يمكن أن يمثّل جنة فردوسيّة لزوجين كآدم وحوّاء إلى جنة أرضية لا تسع سوى الشاعر متأبطاً وحدته التي تغدو من شدة وحدتها حركة نسيميّة رقيقة كالمعنى وحادة تجرح الخيال.

يقول في قصيدة ”واحة في لحظة“:
إن جئتم في طلبي فأنا خلف اللامكان
وهو مكان ما  فخلف اللامكان تفيضُ عروق الهواء بتويجاتٍ
تحملُ أخباراً عن زهرة تفتّحت في أقصى أيكة في الأرض
وعلى الرمال آثار حوافر خيلِ فرسان أرقاء
اعتلوا صباحاً ربوةَ معراج شقائق النعمان
وخلف اللامكان مظلّة الرغبة مفتوحةٌ
فما أن تهبّ نسمةٌ للظمأ في صميم ورقة شجر
حتى تدقّ أجراس المطر
والمرء ها هنا وحيد
وفي وحدته هذه، يجري ظلُّ دردارٍ إلى الأبد
إن جئتم في طلبي مهلاً تعالوا، لئلّا تتفطّر
آنية وحدتي الخزفيةِ الرقيقةِ.

ومن اللامكان ينتقل سهراب إلى صرّة الكون وتحديد قبلة لامرئية، حيث أنّه يلجأ إلى الجوريّ الأحمر، حين يتوضّا لصلاة بنبض قلب النوافذ:

مسلمٌ أنا 
قبلتي، جوريٌّ أحمر
عين الماء موضع صلاتي
أسجد على النور
السهل سجادتي
أتوضأ بنبضات قلب النوافذ

ويلتئم اللامرئيّ مع النور والماء والجوريّ الأحمر ليجبل كينونة الشاعر، فيحمل العالم كشطحة صوفية فيصير “أنا اللامكان” “أنا الهيجستان” و”أنا اللاشيئستان”، ويدور ما بقيّ من مجرّات وأكوان حوله وهو مضرّج بالألوان والكلمات والنور.
 

The post من أرض الشعر إلى اللامكان (قراءة في لامكان الشاعر سهراب سبهري) appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>