ترجمة عن الفارسية، عن المجلة الشهرية “سينما”، للكاتب شاهبور عظيمي
في عام 2000 قام محمود بهرازنيا بإخراج فيلم عن عباس كيارستمي، حيث يستطلع آراء بعض المشاهدين الخارجين من صالة عرض ”سينما العصر الجديد“ بطهران بعد انتهاء عرض فيلم «طعم الكرز» عام 1997، ويسألهم عن آرائهم في الفيلم، تقريباً قال الجميع أنّ الفيلم لم يكن جيداً وأنّهم لم يفهموه وأنّه كان بلا معنى، فقط شخص أو اثنين قالوا بتردّد أنّهم شاهدوا فيلماً مختلفاً، وحين قيل للجمهور بأنّ هذا الفيلم قد حصد الكثير من الجوائز العالمية تعجّبوا لذلك، إذ كيف لفيلم بلا معنى كهذا أن يحصد الجوائز.
بعد سنوات يظهر ناقد معروف (بعد سنوات من فيلم بهرازنيا) ليتهم كيارستمي بأنّه لا يعي ما يقوله بأفلامه، ولا إلى أي جغرافيا يشير، و”قس على ذلك”.
يركب السيد بديعي السيارة ويسعى وراء شخص ليهيل عليه بعض التراب، ويمنح الشخص لأجل ذلك نقوداً، بصرف النظر عن هذا لا توجد قصة أخرى في العمل، فلا نعلم من هو ومن أين جاء، ولا ماذا يعمل وهل لديه زوجة وأولاد أو لا، وما هي علاقاته السياسية والاجتماعية، وأساسا لمَ يودّ أن يموت، أو لمَ يريد إنهاء الحياة ولا يريد أن يرى جمال الحياة ويستمتع بلذتها، وعلى حدّ تعبير السيد باقري (وما الذي نفعله في متحف الحياة البرية).
إذا كنت تبحث في فيلم كيارستمي عن إجابات لهذه الأسئلة، فإنّك قد أخطأت وجهتك، لأنّه تجنّب جميع هذه المظاهر التي تؤدي إلى عنوان وموضوع محدّد، قبل موته بعشرين عاماً فكر كيارستمي بموته عن طريق موت إحدى شخصيات أفلامه، وبالتأكيد كان قد فكر في الحياة والموت وهذه المسألة الفلسفية لم تحل بالطبع، على الأقل تحت العدسة المكبّرة في «الحياة ولا شيء آخر» (1991) و«تحت أشجار الزيتون» (1994) و«ستأخذنا الريح» (1999)، وفي الذهاب إثر شابين في «أين منزل الصديق؟» كانا يلعبان أثناء اضطراب زلزال في منجيل، وفي حياة «حسين وطاهرة» وفلسفة الوجود التي آمن بها حسين ووسط كل هذا الموت كان يؤمن بالحياة، وفي النهاية تبقى المرأة العجوز التي كانوا ينتظرون موتها ولا تموت، حيث كلّ مظاهر الموت، وفي الجانب الآخر حيث الحياة التي تناولها كيارستمي، لكن في هذه المرة يريد بديعي، بطل فيلم كيارستمي، أن يذهب إثر شيء يفرّ منه الجميع عادة، ولكلّ شخص أسبابه الخاصة ليعيش ويحيا، والآن قد يكون المذاق الحلو للتوت هذا السبب للحياة.
هذه النقطة غير مهملة في «طعم الكرز» وفي الوقت ذاته فإنّ لكلّ شخص تفسيره الخاص لمقصد ونوايا بديعي ولا أحد يعرف بأي منظور يصمّم بديعي أن يدفع بالرحلة الأخيرة، في أحد استفسارات بديعي يتخيّل شاب أنّه شاب منحرف وارتكب فاحشة ما.
روحاني أفغان وباقري كلّ منهما يحاول فرض وجهة نظره الشخصية على قرار بديعي، أحد الأشياء المرتبطة بالأخلاق والحياة والوجود (وهو نفسه يحمل في طياته مسألة الخلود التي يريدها الإنسان حتى في موته، ولكن ليس هذا موضوع نقاشنا في هذا المقام) لكن وبشكل قاطع يعرفون أن لا أحد يستطيع مساعدة بديعي.
في الواقع يبدو أنّ كيارستمي قد توصّل إلى حقيقة خلف الكواليس بأنّه لا يستطيع حتى مساعدة بطل الفيلم، والشيء الوحيد الذي يستطيع فعله هو إخراجه من عالم خيالي بنكهة الكرز، والحصول على النوم! المشهد الأخير من هذا المنظور ذو أهمية كبيرة، أشار كيارستمي مراراً إلى أنّ مقصده وغرضه، هو أنّ كلّ شيء حتى المخرج يمكن تغييبه في سينماه، يريد نزع دوره كمخرج لدرجة أنّه يجلس كمشاهد ليرى ما هو مصير أبطاله، يبدو أنّها نظرة فلسفية عن الدور الذي تلعبه السينما في حياة الناس العاديين.
إنّ نظام الحياة الفكري لعباس كيارستمي هي دائماً أولوية، لكن هذا الجمال لن تشعر به طالما كنت حياً، فالبحث لأجل اكتشاف الأخوين أحمد بور ليس له معنى، يذكرنا الأمر بما قبل الزلزال حيث يتعقّب ويبحث إثر اثنين، بعد زلزال كوكر، يذكرنا الأمر بما قبل الزلزال، حيث أنّه لن يجد هذين الاثنين قبل وقوعه، لأنّ الحياة تمضي، حيث يعيش أحمد بور حياته.
فقط بعد الزلزال والموت الجماعي يكون لحياة أحدهم معنى، ويحتفي حسين وطاهرة اللذان يعيشان وسط الموتى بالحياة، ووجودهم في فيلم كيارستمي له أهميته (نتذكر هنا مشهداً في فيلم «الحياة ولا شيء آخر» حسين وحياته وكيف أنّ كيارستمي قد بنى عليه لاحقاً في فيلم «تحت أشجار الزيتون» الحياة الخيالية لـ «حسين وطاهرة»).
كيارستمي زوّد «حسين وطاهرة» بسرّ الحياة ولم يخبرنا حتى بالطريقة التي أعطاها لحسين لنسيان طاهرة، (غيّب دوره كمخرج). ولكن في «طعم الكرز» هذه المرة يقف الموت بالضدّ من الحياة في صف واحد وينتظر بطل فيلم كيارستمي.
لكن الحياة ومظاهرها تناديان بديعي، واحدة تلو أخرى، ونحن إلى أي مدى سنسافر ونعود مع بديعي؟ هل تتذكرون؟ نحن معه في القبر، أنا وأنتم وبالطبع عباس كيارستمي أيضاً! لكن العتمة والرعد والبرق واللحد يمكن اعتبارهما مكاناً واحداً.
من ذلك الوقت وبعدها يعمل كيارستمي على الميتافيزيقيا في السينما، وما يؤكده هو بديعي كبطل لفيلم كيارستمي وكيارستمي نفسه، ومدير التصوير ومهندس الصوت والجنود الجالسين للاستراحة والكاميرا الشخصية.
الجنود ينظرون إلى الكاميرا الموجّهة صوبهم: لقد تحول الفيلم إلى حياة والحياة إلى فيلم، أليس هذا مشهداً قبل موت بديعي؟ هل مات بديعي؟ هل أعطانا كيارستمي عنواناً خاطئاً لكي لا نعدّ الموت غير طبيعيّ ونتحدث عن الحياة؟
بمجرد أن نجتاز مدينة لواسان ونجلس بجانب قبره يمكننا أن نفكر بالافتراض الذي أشار إليه الخيّام من مئات السنين:
سنترك الدنيا فما بالنا / نضيع منها لحظات النعيم