في الأعوام الأخيرة، خطرت فكرة وتطوّرت بتأنٍّ، استغرقت زمناً تضمَّن العام الأخير الذي بطَّأ الشغل وشتَّت التركيز لهول المصاب، بالتسمّر أمام صوره وأخباره. كانت الفكرة بتطوير جوهري لمجلة “رمّان” الثقافية، بدأ ذلك بتسجيل مؤسسة غير ربحية مرخّصة في فرنسا، باسم Romman Culture. فتحنا لها حساباً مصرفياً فرنسياً، وبدأنا البحث في توسعة موارد المجلة، مع الحفاظ على المموّل الدائم والشريك، “بوابة اللاجئين الفلسطينيين”، الضامن للمجلة خطها التحريري، الوطني، وعدم الميوعة التي يُحدثها الارتهان إلى التمويلات الغربية.
تقدَّمنا بهدوء وما زلنا في بداية الطريق، لكن خطواتنا الأولى صارت خلفنا. المجلة الآن متاحة للدعم المالي غير المشروط، من أفراد ومؤسسات، عربية وأجنبية، تحت عنوان واحد، هو استقلاليتنا التحريرية، وهو ما عاينتُه في تحرير المجلة منذ إطلاقها عام ٢٠١٦، وما صار عنصراً هوياتياً في مضمون المجلة وشكلها لا مساومة عليه، وما أبقاها منسجمة مع مبادئها الأولى كما صرَّحتُ بها في نصِّ تعريف المجلة عن نفسها، وفي مقالات منفردة على طول الأعوام الثمانية من عمرها.
اليوم، تنطلق هذه النسخة الإلكترونية الجديدة، وهي تجديد بصري وتقني لم تنَله المجلة منذ إطلاقها الأول، متضمّناً تجديداً في لوغو المجلة للمرّة الأولى، مفتتحين إمكانات تقنية للمنصّة الجديدة لم تكن تستوعبها تلك القديمة، ومعلنين من خلالها أكثر مما هو تجديد، بل إعادة انطلاقة شكلية ومضمونية.
في الشكل، منذ يومها الأول اعتمدت المجلة على الصورة إضافة إلى النص، مع الوقت زاد التركيز على الصورة بوصفها عملاً فنياً لا يُرفق بالنص، بل يرافقه. في الأعوام الأخيرة زاد أكثر، مع فكرة أن المنصّة المقالاتيّة هي كذلك غاليري لأعمال فنية صارت من هوية المجلة. ولأن مواد بعينها تتطلب صوراً لا تكون أعمالاً فنية، أدخلنا أخيراً مجال التصميم إلى بعض المواد، وهو ما سيكون عنصراً بصرياً مضافاً إلى المجلة.
في المضمون، منذ انطلاقتها اعتمدت المجلة على مقالات الرأي الثقافي، وعلى التحام الثقافي بالسياسي، وعلى خطٍّ تحريري جريء وعصري ومحكم. وبحسب ما حاولتُ في ٨ أعوام من التحرير الصحافي، لم تحِد المجلة عن خطها في التماهي مع حق شعوبنا في الحرية الجمعية والحريات الفردية، في المقاومة والثورة، وذلك من موقع اليسار ومبادئه الإنسانية وانحيازاته إلى المستعمَرين والمستضعَفين والمفقَرين من أهلنا.
مع الانطلاقة الجديدة اليوم، في الذكرى السنوية الأولى للحرب الإبادية، وهي، لنكبويّتها، ذكرى لكارثة لا تزال في طور الحدوث والتكبّر والتوسّع، على فلسطينيين ولبنانيين في هذه المرحلة، وقد حاولنا منذ أشهر العمل على أن تكون الانطلاقة الجديدة في هذه الذكرى وإن تأخرنا قليلاً، لإضفاء قيمة معنوية لإعادة الإطلاق، في التحام تام مع شعبينا الفلسطيني واللبناني، كما كان الانطلاق الأول التحاماً تاماً مع الشعبين الفلسطيني والسوري، وهو مستمر بذلك متى استمرّت الكارثة لأي من الشعوب الثلاثة، مهما تحوّرت وتحوّلت. في المرحلة المقبلة إذن، ستشتغل المجلة أكثر على مضمونها وشكلها، وعلى تخصّصها الثقافي، وقد أعلنت عن بدء أولى مراحل التطوير من خلال المنصّة الإلكترونية، وابتكارات تحريرية بصرية في الآونة الأخيرة.
نحاول مع هذه المنصّة الإلكترونية توسِعة مصادر دخلنا، بإمكانية التبرّع مباشرة لحساب المجلة المصرفي. نحاول بناء فريق مهني أسسُه الأولى بدأت مسبقاً بالعمل، ونحاول الاشتغال أكثر على المقالات، صحّتها وجودتها، وإن تطلّب ذلك الحدّ من عددها. سنبقى مجلةً معنية بمقال الرأي والنقد والتعليق والدراسة، بالمقال المقروء يوم نشره، وأعواماً من بعده. ودائماً من موقع المجلة الثقافية الفلسطينية، شقيقة المشرقيين والعرب.
ولأول مرة، ستتخذ المجلة لنفسها شعاراً هو “نكتب لفلسطين”، ولهذه ستكون مقالة خاصة قريبة.