هنالك قول في الأفلام وأجزائها، هو أن الجزء الثاني يكون عادة أقل جودة من الأول، بانياً أساساً على نجاحه الذي يكون، عادة كذلك، مبعث القرار في الدخول إلى جزء ثان سيكون مربحاً باحتمالات كبرى.
فيلم “جوكر” الأول (٢٠١٩) كان تحفة سينمائية بفضل أول يعود إلى أداء خواكين فينيكس. الفيلم الثاني وهو للمخرج ذاته، الأمريكي تود فيليبس، “جوكر: جنون باثنين” (Joker: Folie à Deux) فيلم جيد، أداء فينيكس فيه يجعله مقارباً الامتياز. ما دون هذا الأداء يفقد الفيلم كثيراً من مبررات إنتاجه، إن أسقطنا جانباً مبرر الربح التجاري.
الفيلم المشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان فينيسيا السينمائي، والمنتظَر بعد نيل الأول جائزة الأسد الذهبي في المهرجان ذاته، وفينيكس فيه أوسكارَ أفضل ممثل بدور رئيسي، كان مخيباً لحجم التوقعات. وكان تائهاً في ذاته، متقدماً بفضل أداء بطله أولاً، والغنائيات فيه، ليكون لسبب مبهَم وليس مستنكَراً، فيلماً غنائياً تشارك في بطولته ليدي غاغا.
يبدأ الفيلم وينتهي بجوكر في السجن، استتباعاً لأحداث الفيلم الأول، ويستمر الفيلم بجوكر في علاقته مع السجانين والسجناء، وخلال محاكمته. الحالة النفسية التي صُوّر بها جوكر، فعله وردود فعله، كلامه، ضحكاته، ملامحه، وكلها متغيرة، كلها كانت ساحرة. بالوصول إلى المحاكمة، وبدء جوكر المرافعة عن نفسه، ثم انعطاف الأحداث، بدأ الفيلم يبحث عن طريق للخروج، كأنه كان يدور حول نفسه، أو حول بطله منتشياً به، وأدرك في لحظة أن لا بد من الخروج، فكان ذلك افتعالاً قطع الفيلم عن وتيرته ولم يراكم عليها.
النهاية مخيبة، في إظهار شديد الوضوح للرغبة بالاستمرار في سلسلة ناجحة تجارياً بشخصيات جديدة. شيء كهذا يكون عموماً فكرة لشركة الإنتاج، وكاتب السيناريو والمخرج يدبّران أمرهما. بداية الفيلم اتكأت على سابقه، في استخدام متكرر للقطات سريعة منه وفي إلصاق لشقّي القصة ببعضهما، لكنها بداية جيدة أودت إلى منتصف جيد في فيلم تخطى منتصفه ولا يزال أحدنا يسأل متى سنخرج من دوّامة الأحداث في السجن ويحدث شيء في الفيلم. هذا “الشيء” كان في نهايات المحاكمة وهنا بدأ الفيلم إقحامات أساءت إلى عمومه وأودت إلى مشاهد ختامية مبتذلة (بفكرة للمنتج؟).
كان يمكن تحويل مرافعة جوكر عن نفسه، بعد ضرده محاميته، إلى المشهد “الشيء” في الفيلم، إلى “المشهد” في الفيلم، لينطق المجنون بما عجز عنه العقلاء. ليدافع عن حالة نفسية شديدة التعقيد. لكنها كانت عبثية وعابثة بالفيلم كله. وكانت هامشاً قصيراً في وقت هي التي احتاجها الفيلم كي تكون متناً وطويلاً.
لم يستثمر الفيلم نقاط قوة فيه، كرقص رائع وسريع للجوكر انقطع فجأة. تحويل الفيلم إلى “ميوزيكال” نسبياً، كانت فكرة جيدة لكنها لم تغطّ النقص في السيناريو، ولفيلم بساعتين وثلث. الخيبة في الفيلم هي احتماليات لروعة كانت في الفيلم الأول. الخيبة كانت في التخلي عن الدخول والتعمّق حواراتياً، في حالة نفسية أخرجها فينيكس وأظهرها أدائياً بأبدع حالاته وحالاتها.
الفيلم في النهاية عمل فني جميل، وفضلُ معظم ذلك يعود إلى بطله.