لا أعرف لمَ لمْ يكن للمجلة، منذ إطلاقها عام ٢٠١٦، شعار يلخّص رؤيتها ومهمّتها، وموقعها ضمن الصحافة الفلسطينية والعربية مجالاً، والثقافية تخصصاً. في كل الأحوال، في هذه الأيام تعيد المجلة إطلاقها بشكل تدريجي، وتجديدي بادئة من لوغو جديد، ومنصّة حديثة، وهوية بصرية أقرب لتكون تطوّراً لرؤية المجلة منذ إطلاقها الأول. هذا كله استلزم اليوم شعاراً بالكلمات، أو استحضره.
يلخّص الشعارُ المجلّةَ، وبرأيي كلّما أوجز وتكثَّف صار أقرب إلى المراد منه، وإن حمل ذلك غموضاً حضورُه ضروري لأي شعار، لطبيعة الإيجاز أصلاً. بذلك خطرت لي قبل أشهر عبارة “نكتب لفلسطين”، وفيها ما يُقال. العبارة من كلمتين كل منهما جوهري في عمل المجلة، الكتابة وفلسطين، أيّ كلمة ثالثة ستكون إضافة شكلية وصالحة للحذف. لكن العبارة ليست تأليفاً تاماً، هي تحديث لغيرها تاريخية. فعبارتنا نوع من الاستمرارية في الكتابة لفلسطين.
“بالدم نكتب لفلسطين”، هو شعار الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين، في زمن الثورة. ظهرت على غلاف مجلة “فلسطين الثورة” عام ١٩٧٣، في الذكرى الأولى لإطلاقها: “بالدم كتبنا .. وبالدم نكتب لفلسطين”. والعبارة لأمين عام اتحاد الصحفيين العرب وأحد مؤسسي الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين، الشهيد حنا مقبل، كما كتب رشاد أبو شاور في عدد مجلة “الهدف” الذي نعى الشهيد، عام ١٩٨٤، في مقالته “يا أخوي حنا”، قائلاً: “ألست أنت من وضع شعار اتحادنا بالدم نكتب لفلسطين؟!”.
استعادت “رمان” الشعار بتحديثه، فلتكن الكتابة لفلسطين بكل وسائل الحياة الممكنة، بالحبر واللون، وبالرقم بالنقر على لوح المفاتيح أو شاشتها، وهو كذلك بكل أساليب الفنون، فليست المجلة نصوصاً وحسب، بل صور كذلك، وليست مقروءة وحسب بل مرئية كذلك. اخترتُ أن تكون “نكتب لفلسطين” عصرية كما هي روح المجلة، ومستمدة من إرث ثوري ونضالي كما هي الروح ذاتها للمجلة.
عبارة الشعار بكلمتيها، الأشد تكثيفاً لما هي المجلة، نكتب ولفلسطين، تختلف عن الشعار الأصلي، “بالدم نكتب لفلسطين” في كون الأخيرة أقرب إلى تصريح بحقيقة هي أننا بذلك نكتب، أي بالدم. أما التحديث الرمّاني فكان باستهلال العبارة بفعل مضارع ومستمر، فنحن الآن، وفي كل آن نكتب لفلسطين، لأنها، الكتابة هذه، مستمرة منذ كانت بالدم والحبر، وهي في حالة دوام غير منقطع، إلى الكتابة بكل الأشكال التقنية والفنية الممكنة. فعل الكتابة هو الأساس هنا.
طالما أن فلسطين حالة مستمرة، بنكبة مستمرة، بكفاح مستمر، الأنسب لها، في الحديث عن الكتابة لها ومن أجلها، مهما كانت أداة الكتابة، هو أن تكون الكتابة فعلاً مستمراً، مستحدَثاً ومستجِدّاً دائماً. فنحن، تماماً ككنفاني، “نكتب لفلسطين” بالأدب والنقد والفن، وإن ختم غسان كتابتَه بآخر ما سال منه، حبره الأحمر.
ولأن فلسطين مسألة هي بالنسبة لي، ولأهلها، ولملايين من المؤمنين بها، محكُّ الحق والعدل في هذا الكون، فأي كتابة عن فلسطين، البلد العربي المشرقي، ستعني حتماً كتابةً عن لبنان وسوريا، عن البلدين الملتحمين بفلسطين تاريخاً وثقافة و، أساساً، راهنا كفاحياً من أجل مشرق عربي تتجاور فيه الحريات والحرية، جمعيةً وفردية، حيث البلاد وطناً لا مستوطنة.
نكتب لفلسطين حين نكتب للبنان وسوريا. نكتب لفلسطين حين نكتب للمقاومة والثورات. نكتب لفلسطين حين نكتب للمستضعَفين والمفقَرين. نكتب لفلسطين حين نكتب للعلمانية والديمقراطية. نكتب لفلسطين حين نكتب للكرم والكرامة من الجنوب الفلسطيني إلى الجنوب اللبناني. وحين نكتب في الآداب والفنون وكل ما يجعل من هذه البلاد أجمل.