صالح ذباح - مجلة رمان الثقافية https://rommanmag.com/archives/author/196rommanmag-com مجلة ثقافية فلسطينية مستقلة Sat, 02 Nov 2024 08:42:48 +0000 ar hourly 1 https://wordpress.org/?v=6.6.2 https://rommanmag.com/wp-content/uploads/2024/10/cropped-romman_logo-pink-32x32.png صالح ذباح - مجلة رمان الثقافية https://rommanmag.com/archives/author/196rommanmag-com 32 32 “بشتقلك ساعات”… سينما تسدّد دينًا مع الثقافة الجماهيرية https://rommanmag.com/archives/20996 Sun, 02 Oct 2022 11:24:48 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%a8%d8%b4%d8%aa%d9%82%d9%84%d9%83-%d8%b3%d8%a7%d8%b9%d8%a7%d8%aa-%d8%b3%d9%8a%d9%86%d9%85%d8%a7-%d8%aa%d8%b3%d8%af%d9%91%d8%af-%d8%af%d9%8a%d9%86%d9%8b%d8%a7-%d9%85%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d8%ab/ تبدو مهمّة التمرّد على الأفلام المصنوعة في المنطقة العربيّة شبه مستحيلة، تحديداً في السينما الروائية التقليدية التي يحاول بعض صنّاعها المناورة في مساحات إبداعية ضيّقة للخروج من حالة ركود على مستوى السرديات والتناولات البصرية في مناخٍ عامّ أصلاً لا يحفّز على المجازفات الفنية، فيصعب الإشارة إلى ما هو متخطّ للرائج سوى محاولات قليلة، ويوماً تلو […]

The post “بشتقلك ساعات”… سينما تسدّد دينًا مع الثقافة الجماهيرية appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>

تبدو مهمّة التمرّد على الأفلام المصنوعة في المنطقة العربيّة شبه مستحيلة، تحديداً في السينما الروائية التقليدية التي يحاول بعض صنّاعها المناورة في مساحات إبداعية ضيّقة للخروج من حالة ركود على مستوى السرديات والتناولات البصرية في مناخٍ عامّ أصلاً لا يحفّز على المجازفات الفنية، فيصعب الإشارة إلى ما هو متخطّ للرائج سوى محاولات قليلة، ويوماً تلو الآخر تثبت الأفلام التسجيلية والتجريبية تفوّقها على التجارب الروائية إن اعتمدنا هذه التقسيمات غير المنصفة أحياناً، إلّا أن أول فيلم طويل للمخرج المصري محمد شوقي حسن يبدو اقتراحاً سينمائياً يراهن على كسر كل القيود الموضوعة على ما يتوقّع أن يكون فيلماً ناطقاً بالعربية.

“بشتقلك ساعات” المأخوذ عنوانه من الأغنية التسعيناتية الشهيرة، أو في تسميته الإنجليزية المقتبسة من القصيدة الشكسبيرية المكتوبة في حب رجل: “هل أقارنك بيوم من أيام الصيف؟” يفكّك بأساليب بصريّة مشاكسة معنى وشكل الرواية سينمائياً وثقافياً، وما من إرث قصصي أكثر غزارة وإلهاماً من حكايات ألف ليلة وليلة ليبني شوقي من عناصرها الإطار الكبير لقصة الفيلم التي ترويها شهرزاد بصوتها العذب (دنيا مسعود) حول علاقة غرامية تجمع شابين يلتقيان في نادٍ ليلي: أحدهما متعدد العلاقات والآخر لا يزال قليل التجربة وغير مستعد لهذا الشكل من الانفتاح، ومنذ الثواني الأولى تنكسر بسخرية شقيّة عدة مفاهيم تراودنا عمّا يجب أن تكون عليه قصة حب تردّدها على مسامعنا شهرزاد مستهلّة إيّاها بالكليشيه الأبدي المضحك: نظرة، فابتسامة، فموعد، فلقاء!

تدخل على هذه العلاقة خطوط سردية لعلاقات عاطفية وحميمية أخرى تحوّل الفيلم إلى شبكة متفرّعة من القصص يصعب الإمساك بها أو فهمها أحيانا أو معرفة أماكن حدوثها الجغرافية، هذا الإرباك المقصود يتمرّد على السرد الخطي وكذلك على نمطية العلاقات الزوجية وكم بالحري إن كانت بين شبّان، بكتابة سلسة وذكية وبسيطة للحوارات بين الشخصيات ليتحوّل الفيلم إلى كولاج من القصص المتداخلة بدون مركزيّة لأي بطل من الأبطال وبأسلوب فيه دوران في فلك سردي متبعثر، والذي كان بالإمكان تقصيره أو استثماره بانقلاب سردي آخر في نهاية الفيلم كي لا يتسرّب الملل في ثلثه الأخير، لكن هذا لا يقلل من جمالية الحالة الثائرة غير المنقطعة عن الإرث الثقافي العربي بأشكاله المتنوعة من قصص وأغاني وشعر(وديع سعادة)، لكن بتوجّه كويري متّسق يزعزع الرقابة الأبوية على تلقّي وتأويل الفنون، في مشاهد تبدو صادمة ولم تتعوّد عليها العين العربية في التعامل مع البوح والعاطفة والجسد الخاصّين بالرجال على الشاشة.
 

بين المقدّمة والخاتمة تتحوّر في الفيلم مرجعيّات كثيرة تعود إلى الثقافة الجماهيرية المصرية بخفّة دم ورشاقة تكسباها معنى جديداً، إذ يتغذّى المخرج علي “كليشيّتها” ليقدّمها بتأويل ساخر وإيقاع غير منتظم أقرب بروحه إلى مدينة ملاهي مكتظّة بالشخوص والأضواء والتجريب البصري، مستخدماً تحريك الرسوم والخلفيات المحوسبة والمؤثرات البصرية ومقاطع صوتية تعود لكلاسيكيات السينما المصرية. أما عناوين فصول الفيلم فمعظمها مقتبس من أشهر الأغاني المصرية لنجوم التسعينات والألفينات، والتي يغنّي بعضها أبطال الفيلم (أحمد الجندي، سليم مراد، نديم بحسون، أحمد عوض الله، حسّان ديب) بأصوات رجالية حسّاسة متأثرة بلا شك كمخرج العمل بعالم “الفوازير” والفيديو كليب وأعماق بحار مسلسل ألف ليلة وليلة، لتصبح هذه التوليفة سدادًا لدين قديم يُخرج الفانتازيا من قمقمها ويحرّر التصورات الكويرية حيال ما أفرزه تيار الفن المركزي،  وكأنها محاولة لاستعادة الثقافة الجماهيرية وتأويلها من جديد على طريقة مجتمع الميم وتفكيك السيادة الذكورية المرتبطة بشكل وثيق بعصر التلفزيون الرسمي والقناة الرسمية وكل ما ترتب على تصوّرات إعلام الدولة القومية، الذي لا زال يملي على الجمهور طريقة فهم أحادية للفن عبر قمع خفّي قلّما يتطرّق إليه أحد في السينما على هذا النحو المسلّي والمناور. 

لا تتخطى عادة الشخصيات المثلية في الأفلام العربية التقليدية (عندما توجد) إطار المحاسبة الأخلاقية والانتقام “الرباني” للشخصية كي يخرج المشاهد من قاعة العرض قرير العين، دون معالجة فنية أو سردية لهذا التنوع المتاح واستثماره في قصص جديدة ومنصفة، ويضطر دوما المؤلفون أو المخرجون إلى الالتفاف والإيحاء لدى تناول شخصيات من هذا القبيل، وهو أمر لا يستغرب في جو عربي عام لا يسمح بتناولات جريئة لارتباطه الوثيق بالرقابة ومصادر التمويل الرسمية أو الخوف من انقلاب الجمهور على صنّاع الأفلام والممثلين عبر تيارات محافظة أصبحت سيفًا على رقاب الفنانين في عصر منصات التواصل الاجتماعي (حالة فيلم “أصحاب ولا أعز” مثالا). وعلى الجانب الآخر عندما تُقرع أبواب المنتجين في الغرب قد يتم استغلال صنّاع الأفلام لإنتاج أعمال مستشرقة للذات، متنصّلة من مشاربها الثقافية، تقوم بإدانة مجتمع كامل ووصمه بالتخلف. قفز “بشتقلك ساعات” المشترك إنتاجه بين مصر، لبنان وألمانيا على امتداد ٦٦ دقيقة عرض عن كل هذه المتاهات ولم يقع في فخّ يُنصب عادة لأفلام تتناول الجنسانية والمثلية، لتتدفّق فيه بحرارة مشاعر الحب والنشوة والحيرة والاستكشاف دون جلد للذات وباحتفاء كرنفالي برّاق، أكثر ما يميّزه الصدق وعدم خوفه من التجريب الحقيقي. 

عندما عرض الفيلم للمرة الأولى في بدايات هذا العام في قسم “منتدى” (فوروم) في مهرجان برلين السينمائي الدولي قوبل بموجة هجوم في الإعلام المصري واتهم بإساءته لمصر، تهمة لطالما كانت جاهزة لمهاجمة أي سينما تغرّد خارج السرب من أيام شاهين وخان ووصولا إلى عمر الزهيري ومحمد شوقي. تجربة الأخير تطرح أملا في شقّ طريق لسينما عربية غير مكبّلة لا يهمّها أن تغازل جمهوراً متخيّلا، قد نتّفق أو نختلف على مدى تواصلنا مع هذه الأفلام أو مع الخيارات الفنيّة لصانعيها، لكن لا يملك أحد وصاية أخلاقية على عرضها أو منعها من ذلك. المحاربة على مزيد من الحريّات في التصورات السينمائية هي الطريقة الوحيدة لكسر اللعنة الجاثمة على الأفلام العربية.

The post “بشتقلك ساعات”… سينما تسدّد دينًا مع الثقافة الجماهيرية appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
“أميرة”… بالنوايا الحسنة وحدها لا تُصنع الأفلام! https://rommanmag.com/archives/20705 Wed, 17 Nov 2021 10:13:17 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%a3%d9%85%d9%8a%d8%b1%d8%a9-%d8%a8%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%88%d8%a7%d9%8a%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%b3%d9%86%d8%a9-%d9%88%d8%ad%d8%af%d9%87%d8%a7-%d9%84%d8%a7-%d8%aa%d9%8f%d8%b5%d9%86%d8%b9/ من المفترض أن تغمرنا الأخبار القادمة من الأردن بالسعادة والفخر لاختيار فيلم “أميرة” للمخرج المصري محمد دياب (“٦٧٨”، “اشتباك”) ممثّلا عن دولة الأردن في تقديم ترشيحاتها لجوائز الأوسكار، خصوصًا وأنّ الفيلم يتناول قضيّة ملهمة وهامّة مثل تهريب النطف للأسرى الفلسطينيين من خلال إنتاج عربيّ مشترك فيه جمْع من الفلسطينيين والمصريين والأردنيين يبثّ الروح مجدّدًا في […]

The post “أميرة”… بالنوايا الحسنة وحدها لا تُصنع الأفلام! appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>

من المفترض أن تغمرنا الأخبار القادمة من الأردن بالسعادة والفخر لاختيار فيلم “أميرة” للمخرج المصري محمد دياب (“٦٧٨”، “اشتباك”) ممثّلا عن دولة الأردن في تقديم ترشيحاتها لجوائز الأوسكار، خصوصًا وأنّ الفيلم يتناول قضيّة ملهمة وهامّة مثل تهريب النطف للأسرى الفلسطينيين من خلال إنتاج عربيّ مشترك فيه جمْع من الفلسطينيين والمصريين والأردنيين يبثّ الروح مجدّدًا في احتمالية تحقيق الوحدة العربيّة بشكل ما، مذكّرًا إيّانا بتجارب نُفّذت تحت سقف المؤسسة العامّة للسينما السورية منذ ما يقرب الخمسة عقود مثل فيلم “المخدوعون” (١٩٧٢) لتوفيق صالح عن رواية “رجال في الشمس” لغسان كنفاني، أو حديثًا فيلم “باب الشمس” (٢٠٠٤) ليسري نصرالله عن رواية إلياس خوري، مع الفارق الشاسع بين هذين الشريطين واجتهاد نظرة صنّاعهم إلى الفلسطيني إنسانًا وفلسطين قصّةً، وبين ما قدّمه فيلم “أميرة” من استسهال مفرط في تكريس الكليشيهات وعدم بذل مجهود جدّي في بناء شخصيات دراميّة تتحرّك خارج الخانة التي تملؤها وكأنها قصاصات ورقيّة، تفتقد الدافع المنطقي لأفعالها، ليتحوّل العمل بعد ثلثه الأوّل إلى “بارودي” عن فيلم فلسطيني وليس شريطًا من المفترض أن يكون جادّا ويحترم ذكاء مشاهديه أيًّا كانوا. 

ما من شكّ حول النوايا الحسنة لصنّاع العمل، لكن بالنوايا الحسنة وحدها لا تُصنع الأفلام. لا يقع الخلل في غياب المعرفة الكافية عن فلسطين في بعض تفاصيل عملية التهريب على الرغم من الاعتماد على مستشارين فلسطينيين (وهنا تكمن المأساة) فلنترك الخيال جامحًا في هذا المضمار ولننظر إلى مدلولاته الأبعد حول انتصار إرادة الحياة خارج قضبان الزنزانة، يقع الخلل بنيويًّا في الكتابة الضعيفة وعدم تعامل مؤلّفي العمل مع الشخصيات المكتوبة على الورق بتَماهٍ وحساسيّة، مع تنحية للفعل السينمائي والكاميرا كأداة تأويل بصري، لتُستبدل بتركيب يصلح أن يكون عملًا إذاعيًّا لا حاجة للكاميرا فيه، أو في أحسن الأحوال إلى حلقة تلفزيونيّة.

يطرح “أميرة” سؤالا جوهريا حول كينونة الإنسان إن كان ابن بيئته أم ابن اختياراته، من خلال قصّة أميرة (الشابة تارا عبّود في أداء جيد جدًّا لأول روائي طويل تشارك به) فتاة مراهقة وابنة للأسير نوّار (علي سليمان) وليلى (صبا مبارك) الذين أنجباها من خلال عملية تهريب النطف قبل ١٦ عامًا، ويحاولان إنجاب طفل آخر بهذه الطريقة، إلى أن يتكشّف من خلال تحاليل المادة الوراثية للنطف المهرّبة أمرًا قد يشكّك في نسب أميرة لأبيها المفترض (مع نهاية ميلودراميّة فجّة) لتبدأ رحلة بحثها عن الحقيقة. تبدو هذه السطور المعرّفة عن الحبكة جذّابة جدًّا، وحتمًا أنّها جذبت خيال مخرج العمل الذي قدّم في الماضي أعمالا ذات ثقل وعمق دراميّين مثل فيلم “٦٧٨” (٢٠١٠) وفيلم “اشتباك” (٢٠١٦) الذي افتتح مسابقة “نظرة ما” في مهرجان “كان”، لكن تأتي التطوّرات في حبكة “أميرة” على هيئة صفعات متتالية انحدرت فيها البداية الواعدة لفيلم سينمائي إلى تتمّة مخيّبة أقرب إلى مسلسل يعصر العواطف، حين تقرّر ليلى أن تؤلف قضايا تمسّ شرفها لتنقذ ابنتها، ويتمّ حشو الفيلم بأحداث مُقحمة وغير منطقية وكأنّ المخرج يبحث عن أقصر خط يصل بين البداية والنهاية لإتمام القصة، وما زاد الطين بلّة التحوّلات اللامنطقيّة لشخصيّة أميرة من فتاة مسالمة رقيقة تحب التصوير لتصبح مسلّحة تتعلم استعمال مسدّس في خمس دقائق، أمّا الطامّة الكبرى، فهي الكتابات المرافقة لنهاية الفيلم التي تؤكّد على عدم وجود أي طفل أو طفلة ذوي شكوك في نسبهم خلال عمليات تهريب النطف. إذًا لماذا بحق السماء كلّ هذه الحبكة المرهقة أصلًا؟
 

لا أستطيع أن أغدق في لوم مخرج مصريّ مثل محمد دياب وشركة إنتاج مصرية مثل “فيلم كلينيك” لمحمد حفظي، وهم أصحاب فكر فنيّ يسهم بالاستثمار في مشاريع سينمائية مختلفة وجادة بعيدة عن التهريج السينمائي التجاري في السوقين المصري والعربي، على تقديم فيلم عن الفلسطينيين بهذه الطريقة، في الوقت الذي يقدّم به الفلسطينيون أحيانًا عن أنفسهم نسقًا سينمائيّا يشبه هذه التناولات التي لا تتجاوز السطح وتكرّس الكليشيه وتخفض السقف المتوقّع من التعبير السينمائي عن فلسطين (انظر/ي مقال سينما الحواجز… حاجز في وجه السينما الفلسطينيّة) ليصبح من الصعب الإشارة إلى فيلم روائي فلسطيني متميّز وكاسر للرتابة في العقد الأخير، حيث تشكّل هذه الأنماط حاجزًا وسقفًا لا يتخطّى مستوىً متوسّطًا من الأفلام والفكر المتواضع المحرّك لها، ويُحتفى بها على أنّها إنجاز سينمائي عظيم، وتصبح مشهديّة التصفيق بعد عرض هذه الأُفلام المتوسّطة سواء في مهرجانات عربيّة أو عالميّة، هي شهادة التصديق على أحقيتها وتقييمها بعيدًا عن أي ممارسة نقدية تجاهها… تصفيق مشهديّ يقلّد تصفيقًا حقيقيًّا، لسرديّة تحبس رموزًا بدلًا من أن تحرّرها، لنبقى غارقين في دوّامة القشور هذه دون مَخرَج. 

يقول محمّد دياب في أحد لقاءاته إنّه ما من حديثٍ سياسيٍّ مباشرٍ في الفيلم، وإنّ أفضل طريقه لفعل ذلك هي رؤية حياة الناس وهذا صحيح، لكن للأسف ما وصفه كدراما شكسبيريّة في نفس اللقاء تحوّل إلى مسلسلٍ مكسيكيٍّ هزيل، لا تبرّر هشاشته حتى النوايا الطيّبة من وراء صناعة الفيلم الذي يصعُب أن يؤخذ على محمل الجدّ، على الرغم من وجود طاقات تمثيليّة كبيرة فيه مثل علي سليمان وصبا مبارك وتارا عبّود. على سبيل المقارنة، تناول الفيلم الروائيّ القصير “بونبونة” (٢٠١٧) لركان مياسي المتواجد أيضا خارج فلسطين، قضيّة تهريب النطف، وكان بإمكانه أن يذهب نحو خيارات ميلودرامية لكن على عكس المتوقّع نسج حالة بصرية فيها قدر من الجماليّات والاجتهاد تنفذ بسلاسة وعمق إلى المتلقّي، تجارب ومقارنات كهذه تحفّز على الإبداع والرهان على ما هو جماليّ وعميق.

ما من شكّ أنّ تواجد المضمون الفلسطيني في منصّات عالمية كما حصل في الآونة الأخيرة، أو ترشيح فيلم “أميرة” من قبل الأردن لجوائز الأوسكار، هامّ جدًا، تحديدًا في العام الأخير الذي شهد تطبيعًا عربيًّا مهينًا يحاول أن يكنّس فلسطين تحت بساط الانفتاح والسلام الزائف، لكن لا يكفي صناعة أفلام عن فلسطين والتعامل معها كتلةً عدديّةً تشغل حيّزًا في المهرجانات أو المنصات ويُصفّق لها، بل يجدر بالصنّاع أن يبحثوا عن طرق معالجات تنال تقدير المتلقّي وأن تحفّز طموحًا فنيّا في المقام الأول قبل التواجد السياسي لفلسطين. 

The post “أميرة”… بالنوايا الحسنة وحدها لا تُصنع الأفلام! appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
“الغريب” جثّةً تحت التفاح الجولاني… حوار مع المخرج أمير فخر الدين https://rommanmag.com/archives/20689 Sat, 06 Nov 2021 22:45:43 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%a7%d9%84%d8%ba%d8%b1%d9%8a%d8%a8-%d8%ac%d8%ab%d9%91%d8%a9%d9%8b-%d8%aa%d8%ad%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%81%d8%a7%d8%ad-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d9%88%d9%84%d8%a7%d9%86%d9%8a-%d8%ad%d9%88/ “أُريدُ مِنْ زَمَني ذا أنْ يُبَلّغَني مَا لَيسَ يبْلُغُهُ من نَفسِهِ الزّمَنُ” بهذه الأبيات للمتنبي يفتتح المخرج الجولاني أمير فخر الدين شريطه الروائي الطويل الأول “الغريب” في مقدّمة تشي بشاعرية ستأخذ بالانسياب والتآلف على امتداد الفيلم بأنساق وعناصر بصريّة تتوالى لتشكّل وحدة فيلمية ينصهر بها المكان والشخوص وحوارها والتوظيفات الصوتية من حولها بحرفيّة تخلق رمزيّة […]

The post “الغريب” جثّةً تحت التفاح الجولاني… حوار مع المخرج أمير فخر الدين appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>

“أُريدُ مِنْ زَمَني ذا أنْ يُبَلّغَني مَا لَيسَ يبْلُغُهُ من نَفسِهِ الزّمَنُ”

بهذه الأبيات للمتنبي يفتتح المخرج الجولاني أمير فخر الدين شريطه الروائي الطويل الأول “الغريب” في مقدّمة تشي بشاعرية ستأخذ بالانسياب والتآلف على امتداد الفيلم بأنساق وعناصر بصريّة تتوالى لتشكّل وحدة فيلمية ينصهر بها المكان والشخوص وحوارها والتوظيفات الصوتية من حولها بحرفيّة تخلق رمزيّة دون كليشيهات، تأويلاتٍ دون مباشرة، وخصوصية تعبيرية دون انغلاق على نفسها. “الغريب” أقرب إلى تداخل حسّي بإيحاء من فنون أقدم كالشعر والرسم لم تكن لتكتمل لولا الفعل السينمائي، هو فيلم يؤكّد ضرورة السينما كفن لا يستبدله الشعر أو الرسم أو الأدب، تخرج من قاعة العرض دون أن تراودك شكوك حول الحاجة الملحّة إلى السينما كفن قادر على دمج بعض الفنون مجتمعة والخروج بما هو أشمل. يؤكّد لقاء المخرج الثلاثيني الحسّاس الأفكار السابق ذكرها، لما يحمله من فهم مركّب لمقاصد العمل السينمائي وبنائه، يغمرك لطفه وعضويّة تفكيره في الفن دون ادّعاء. كان متحمّسًا لسماع الآراء من كلّ الحضور بعد العرض العربي الأول لفيلمه الذي افتتحت به فعاليات مهرجان “أيام فلسطين السينمائية” في دورته الثامنة بعد أن نال من فترة وجيزة على ترشيح الفيلم ممثلّا فلسطين في التقديم لجوائز الأوسكار، ترشيحًا يعتبره شرفيًّا وهو ابن الجولان السوري المحتل الذي زجّ به الواقع سياسيا وسينمائيا مع الفلسطينيين تحت نفس المحتلّ. مثّل الفيلم سوريا وفلسطين في مشاركته في الدورة الأخيرة من أيام البندقية السينمائية في مسابقة “أيام المخرجين” وبالرغم من كل الإشادة يقول فخر الدين إنّه متشوّق في الأساس لرؤية ردود أفعال ونبض جمهور عربي حيال الفيلم. 

عدنان “الغريب” (أشرف برهوم في دور استثنائي) في هذا الشريط عاطل عن العمل، يشرب الكحول طوال الوقت، ولم ينهِ دراسة الطب في موسكو. السمة الرئيسية لحياته الجفاء والاغتراب عن زوجته ليلى وابنتهما، وعن والده الذي يحرمه من ميراثه ويحمل تجاهه الكثير من القسوة. محاولة إنقاذه لشاب سوري متسلّل يحاول أن يوثّق بكاميرا بسيطة الحرب الطاحنة في الوطن الأم التي نراها صوتًا عنيفا آتيا من خلف التلال الحالمة، تصحبنا إلى رحلة وجودية لها مكان وزمان محدّدان، لكن تتخطّى ارتداداتها ما هو أبعد من ذلك.  

كان “لرمّان” هذا الحوار مع المخرج أمير فخر الدين على هامش مهرجان “أيّام فلسطين السينمائية” في دورته الثامنة.
 

ما هي الأسئلة والمشاعر التي حرّكت بداخلك صنع هذا الفيلم وما هو نوع التوجه للحالة التي يعيشها عدنان الشخصية الرئيسية؟ 

أستطيع القول إنّ الفيلم مجموعة مشاعر لناس أعرفها ليست فقط لي… هو أشبه بكولاج شعوري، كان لدي أسئلة عديدة، وابتدأ أوّل سؤال من ذلك الشعور بأنك مختلف ويٌنظر إليك كغريب. دومًا ما أثارت اهتمامي الأغنام السوداء على مستوى الأدب الذي قرأته والأفلام التي شاهدتها…الشخصية التي تخوض صراعًا داخليًّا وغير قابلة للاكتمال مع محيطها، لكن صراعها الداخلي أعمق بكثير من هذا الصراع الخارجي، شعور الغربة الداخلي هو ما حفّزني. من أوائل الإلهامات الأدبيّة كان “التحوّل” لفرانتس كافكا، قرأتها ما يقرب من العشرين مرّة وأشعرتني بشيء ما أعرفه، وبغضّ النظر عن غياب أسباب لاستيقاظ شخص متحوّل إلى صرصور في الرواية، أثار فضولي المعالجة وكونه يعاني مع عائلته ويفقد صلته بهم لاختلافه عنهم وشعرت كم هو قريب. هذا النوع من الأدب يعالج النتيجة وليس السبب وهذا هو نوع التوجه الذي تبنيته في معالجة الفيلم وكتابة النص، يشرب عدنان الكحول، ولا أحد يدري لماذا، وما من أحد يعلم إن درس الطب في موسكو فعلا أم لا، هنالك شخصية أو ظرف أو عاطفة معطاة، طريقة المعالجة هذه توسع آفاق الشخصية والمشاعر المرتبطة بها. 

في شريطك القصير “بين موتين” (2017) تمهيد وتعارف على أدواتك كمخرج وارتكاز للمكان كجزء أساسي من السردية البصرية، وبان ذلك بوضوح في “الغريب”. عندما تعمل على هذا النوع من السرد البصري هل تضع ذلك مسبقا في الكتابة؟ ما هي علاقة المكان بالسينما التي تصنعها؟   

المكان والزمان معا…أحاول أن أجسد المكان من خلال استخدامه وليس نسخه كما هو، أُكسبه أبعادًا تشخيصيّة ليحاكي العالم الذي تحاول خلقه حول شخصية بشرية ما، هذه الشخصية موجودة في مكان معين، إذا نسخت المكان دون عمق يبقى سطحيًّا ويفصل الشخصية عن مكانها، وأعتقد أنه لا يوجد مكان للفصل بين الشخصية والمكان في السينما، على المكان أن يلعب دورًا. استغرقت الكتابة أكثر من ثلاث سنوات، أول عمل يتطلّب مدّة كهذه، تحتاج إلى بناء الخبرة ولا تريد أن تتنازل لنفسك وفي نفس الوقت أنت محاط بشكوك تراودك. 

في العقود الأخيرة سيطر البطل المضادّ شخصيّةً رئيسيّةً على السرديات المقدّمة مثلا في السينما الفلسطينية وتحديدا لدى المخرجين الرجال، في “الغريب” لمست مساحات رجولة هشة ومقموعة على أكثر من مستوى وتداخل درجات القمع فيما بينها. اختيارك لهذا النوع من البطل هل هو خيار تعبيري صعب أم كان موجودًا بشكل تلقائي في شخصية عدنان ووالده؟ أين تقع الرجولة فيما تقدّم؟

علينا أن نضع مكان الرجولة بالذات تحت المجهر، نحن كمجتمع عربي وذكوري، نرث الحروب ونورّثها لمن بعدنا، نخون مهمّاتنا كأجيال حتّى لا نواجه ذواتنا، وكذلك في شريطي القصير “بين موتين” أول ما أردت الحديث عنه هو الرجولة الهشّة، على السطح يبان الكبرياء ولا يريد الأب (محمد بكري) أن يتحدث مع زوجته (إلهام عرّاف) في الحقل المفتوح وأصوات الحرب تتوالى من خلف التلال وهما نفس الأم والأب في الغريب، قد يكون لديه انزعاج وغضب مما يحصل على صعيد الوطن… هذه الشخصيّات منّا وفينا وظاهرة في الشريط، واستطيع القول إنّ هنالك شيئًا في رتابة الشخصيات أو أحاديّتهن على مستوى بنائهن، مثل كميل الأب في “بين موتين”، اهتممت بأن يكون مونوتون… أن يبدأ من نفس المكان الذي ينتهي به وأن لا يمرّ بتغيير وهذا بالضبط ما أراه في العِند الموجود في الرجولة، فعندما تضعها أمام المشاهد وترى شخصية كهذه في السينما تنكشف فورا هشاشتها، عندما يظهر عنيدا ولا تعالجه أو تجعله يصل إلى غايات معينة ينكشف ضعفه، خاطر بشخصية رتيبة مونوتون ولكن الجمهور بهذا المفهوم يلمس هشاشاتها، هنالك مثلث علاقة بين الفكرة والإطار والمشاهد وهذا مثلث برأيي فيه معادلات رهيبة وأحاول دائما أن أفهم كيف يمكن ان استخدمه بأفضل الطرق.

في فيلم وجداني من هذا القبيل لا بدّ أنك استوحيت بعض الأحداث من شخصيات حقيقية أو من أحداث من الطفولة…

 لا أحبّذ أن أفسر وأعطي تأويلات للفيلم لكن طفولتي في الفيلم موجودة مثلا في مشهد حوار يدور بين عدنان وزوجته حين يتحدّثان عن الهجرة وتركّز الكاميرا على الطفلة، أستطيع القول إن طفولتي موجودة في هذا المشهد، أذكر أهلي وهم يتحدّثون عن الهجرة لكندا، وكان ما بينهم اختلاف حول الفكرة، أشعر الآن أنّني أتطرق لأوّل مرّة لهذا المشهد بهذه المشاعر، يوم صنعت المشهد لم أكن أحمل هذه الوعي تجاهه. أحاول أن أصنع أفلاما محرّكها المخاوف المستقبلية وامتنع عن عكس تجربة شخصية، أفضّل خلق عالم خاصّ تقودني فيه الثيمة ومخاوفي المستقبلية وليس تجاربي السابقة، بالتأكيد من الممكن إيجاد طفولة ما، بنت عدنان بشكل ما هي طفولتي في الصمت والتأمل بعلاقة الوالدين. 
 

قدّمت مشاهد طويلة دون قطع مثل مشهد السيارة التي يستقلّها عدنان مخمورًا مع صديقه حين يوقفهم جنود إسرائيليون والذي بنيت فيه عالمًا كاملًا متخيلًّا من وراء زجاج ضبابي وأطياف خارج السيارة حيث صوّر كل المشهد من خلف ظهري الشخصيتين المظلمتين، وصنعت كذلك مشاهد تأمّلية معتمدة على حركة ممثل ولو محدودة ضمن ميزانسين معيّن، تتطلّب هذه الأنماط من المخرج حسابًا دقيقًا في توجيه الممثلين كي تنساب مع الإيقاع الشاعري للشريط ولا تفسد روحه. كيف تعاملت مع ممثّلين هم “غيلان” ومتمرّسين؟ تحديدا أشرف برهوم بطل الرواية الذي قدّم واحدًا من أجمل أدواره وبلا شك محمد بكري في دور شبه صامت لكن ذو حضور راسخ ونوعي في الذاكرة بعد المشاهدة.

بإمكاني القول إنّ هذه اللغة كانت متطرفة بالنسبة لهم نوعا ما وأقصد المشاهد الطويلة وعدم القطع، دار بيننا نقاش حول هذا الأمر… كنت أقرّبهم من هذا العالم. الأمر أشبه بأن تضعهم على خشبة مسرح وكان حظّي وافرًا بالعمل مع ممثلين مسرحيين محترفين يستطيع كل منهم أن يأخذ دور بطولة لوحده. اعتمدت هذه الخامات المسرحيّة لكنّ الأمر أشبه بأن تحضر إيقاع المسرح إلى السينما وتختزل منه كل “الأوفر” الذي يحتاجه الممثل المسرحي للتواصل مع الجمهور. أهم نقطة في الفيلم لم تكن ماذا نُظهر بل ماذا نخبّئ، وكانت هذه إحدى التقنيات التي طالما ناقشناها، ماذا لن نفعل في هذا المشهد وهذا يعطيك مساحة من الحرية والمسؤولية في نفس الوقت… أريد أن أبقي مجالا للسحر يكون فيه الممثل متداخلًا مع الشخصية ومرتاحًا فيها لأنه بحاجة إلى هذا الشعور في مشهد طويل ولا يجدر به أن يكون تقنيا فقط، قد تناسب التقنية مشاهد ذات خاصية معيّنة وميزانسين مختلف، لكن في مشهد ديناميكي مثل مشهد السيارة فيه ثلاث ممثلين في الداخل وفي الخارج خمسة عشر كومبارس مع سيارة جيب جيش ويمتد نحو الأربع دقائق ونصف فالأمر معقّد جدا، أنا حذر من عملية القطع وهذا يعود بي إلى شخصيّة المكان وأهمية الزمن نفسه. أنت مخطئ إن تصوّرت أنّ الأنسب عمل مراجعات كاملة قبل التصوير، لم نقم بمراجعة لمشهد كامل قبل التصوير لكن يدور نقاش ليس فقط حول المشهد بل حول الشخصيات نفسها…لأنّنا لو دخلنا إلى غرفة وتدرّبنا، أين شخصية المكان؟ أنت بحاجة أن تعيش اللحظة ذاتها وأن تعيد نحت الحالة الزمانية والمكانية .

يقول عدنان للبقرة في بداية الفيلم اهربي ولا تكوني مثلي… بقرة تعاني في الفيلم وحليبها مخضّب بالدماء، كلب عدنان مبتور الرجل ويسير على ثلاثة أرجل. التقاء الحيوانات مع شخصية عدنان فيه جانب آخر من تماهي الغرباء أليس كذلك؟ 

يجسّد الكلب والبقرة بالتأكيد ميتافور معيّنا، خاصّة عندما لا تدرّ البقرة حليبًا وتخذل الأب الذي لا يقتنع أن البقرة مريضة ويتّهم البرد القارس، نعود هنا مرّة أخرى إلى هشاشة الرجل الذكوري عندما تنظر إليه زوجته وتطلب منه بكلّ حنان أن يكفّ عن حلبها، هنا تكمن نظرتي لدور المرأة في المجتمع، كم هنّ حسّاسات وأقوى منّا بكثير، رؤيتهنّ أبعد، تقول لزوجها أن يكفّ عن هذه القسوة لأنّها لا تجلب سوى الدمّ، إن كانت أصوات الحرب البعيدة تقريب للحرب الداخلية لدى عدنان، فأصوات الكلاب الأخرى كذلك بعيدة ولا نرى كلبا سوى كلب عدنان، ويدافع الأخير عن كلبه ويقول ” هو تمام، المشكلة بالكلاب الثانية”…تتحول الأصوات البعيدة بمرحلة ما إلى محاكاة لمشاعره المهشّمة. 
 

لا يمكن التعامل مع “الغريب” من منظار سينمائي تأريخي بمعزل عن امتداد ما لإرث السينما السورية وتعاملها مع الجولان المحتلّ بالذات عمر أميرالاي ومحمّد ملص. هل ترى نفسك امتدادًا لهذا الإرث وأين تجد نفسك من السينما الفلسطينية، كونك معلّق سينمائيا وسياسيّا بين سوريا الوطن الأم والداخل الفلسطيني المحتلّ؟

أشعر أني أنتمي إلى أميرالاي وملص وإلى السينما السورية بالتأكيد، وهما ملهمان جدا لي خاصّة أميرالاي حتى في أفلامه الأولى، التأمل ورؤية التفاصيل التي تمرّ مرور الكرام في أي فيلم آخر كان يأخذها أميرالاي ويعطيها اهتمامًا فائقًا… أحب “طبق السردين” كثيرا. أشعر أنني متأثر بالتأكيد، السينما الفلسطينية وصلت لي، أقصد أنا وصلت إليها من بعد السينما السورية، عندما أتابع أي فيلم فلسطيني أشعر بقرب رهيب وأشعر أنه يحاكيني، الجولان هو نقطة انصهار ما فيها كل شيء معلّق، الشيء الجيد الوحيد الذي قد يخرج من حالة كهذه هو مسؤوليتك، لا تحصل على إرث فجأة، أنت مسؤول عن تكوين إرثك… انعدام الاتصال المباشر بين وطن أم ومؤسسات وسينماهات وبعدنا عن الشعب الفلسطيني جغرافيا يجعلك في هذه الحالة المحفّزة التي أتحدث عنها. 

سؤال يهمّ كل صانع أفلام في عمله على شريطه الروائي الأول تحديدا في فلسطين والجولان السوري المحتلين كيف تخطّيت فخ الإنتاج الإسرائيلي وماذا تحدّثنا عن رحلة إنتاج الشريط. 

كما هو معروف الخيار الأسهل اليوم هو تحصيل تمويل إسرائيلي على أنّها مستحٍقّات كونك دافع ضرائب وإلى آخره… لكن في هذا الطرح تجاهل مقصود للواقع. أن تقنع العالم أنه يحق لك هذا التمويل يبدو وكأنك تقبل المنظومة نفسها وتقبل بالاحتلال، طبيب في مستشفى يختلف عن فنان فهو لا يخاطب جماهير ولا أريد أن أدخل كثيرًا في هذه المقارنات، لكن إحدى الصعوبات هي بالتأكيد التمويل، عليك أن تعلم أن رفضك للتمويل الإسرائيلي معناه خروجك إلى رحلة غير سهلة، ولكن على الأقل تشعر أن هذا جزء من الواقع وما من حاجة لدراما… يجب أن أسعى وهنالك طرق، إسرائيل “ما بتصدّق تدعمك” لأنك عربي لتصنع بروباجاندا تخدمها، وإن كنت كفنان غير واعٍ لهذه اللعبة معناه أنّك تحاول خداع نفسك فقط كي لا تعاني وأنا لا أستطيع فعل ذلك. توجّهت لصناديق تمويل سينمائي في العالم العربي مثل “آفاق” و”المورد الثقافي” في لبنان، ومن معهد الدوحة للأفلام، ومن صندوق دعم هامبورغ للأفلام، المشكلة تكمن في المنافسة الكبيرة في هذه الأجسام حيث تتنافس مع كل العالم العربي، لكن في نظرة أخرى يجب على ذلك أن يحفّزك، ستقابل رفضًا لدى تقديمك، لكن على الإنسان أن يأخذ هذا الرفض ويتطوّر من خلاله. صُنع الفيلم بالمنح وشركتي ميتافورا وفريسكو أنتجتا الفيلم. 

التفاح والكرز قابعان كعنصرين رومانسيّين في النظرة الخارجية إلى الجولان، تحديدا في المخيّلة الإسرائيلية الاستشراقية. عناصر كالأرض، والتفاح، والماء والضباب أعدت تأويلها بصريا في الفيلم. في الشريط أكسبت التفاح معنى آخر تدفن تحته جثّة!

عندما تكتب شعرًا تنتقي الكلمات والوزن. ليس بالضرورة المقفّى، تبحث عن الإحساس والقيمة وليس فقط عن النغمة، أعتقد أن الصورة تمرّ في حالة شبيهة. لماذا أحب السينما؟ أنا لست متكلّمًا، ولا أعتبر نفسي كاتبًا… أعطني ورقة وقلمًا لن أعرف أن أكتب مشاعري، إنما أكتب للفيلم لأن معالجة الصورة والصوت في بالي… لا أحب أن أعطي تأويلات لمشاهد، أفترق عن الصورة بعد صنعها والمفروض أن تنشرخ عنها لأنها ليست لك بل للجمهور وأعتبر هذا نوع من الاحترام. التفاح والأرض والماء المتساقط على التربة في لقطات معينة ذات مساحة صغيرة مصورة من فوق top shot مع حركة كاميرا مبتعدة تدريجية، تكشف الصورة الأكبر… تلك هي الشاعرية، لا يكفي أن تكون رؤية رمزية بل يجب أن تدعمها بلغة سينمائية يتكون فيها نمط معيّن متكرر بشكل يبحث ويشجّع المشاهد على بناء سردية ما. 

في خياراتك البصرية والسمعية صهر للفنون الأقدم كالشعر والرسم. اقتباس بيت شعر للمتنبّي في بداية الفيلم ونص الخاتمة الذي يلقيه عدنان بأداء وجودي مؤثر لأشرف برهوم فيه فلسفة وإيقاع يكمل فهم الفيلم، ماذا تقول عن هذه الاقتباسات؟

النص الأخير كتبت أغلبه واقتبست من جبران خليل جبران ومن شاب سوري يدرس في ألمانيا أبهرني خصوصا أنه خاطب فتاة اسمها ليلى. كتب جبران عن الغريب، وأرى أنّه لم ينل حقّه من التقدير وهو ملك الأبسورد والوجودية وفي النهاية تنسب هذه الألقاب لكتاب من الغرب مثل كامو جاءوا بعده بخمسين عاما، انا كمستهلك للأدب فخور عندما أقرأ لجبران أو للمتنبّي…لدينا كنوز وفي فيلمي قدّمت لهم تحيّة كتخليد وإعجاب، وكذلك تأكيد على أنّ حالة الغريب حالة إنسانيّة قديمة.

“الغريب” جزء من ثلاثية قادمة، ما هو تصورك للأفلام المستقبلية؟

إن كان هذا الفيلم عن الغريب بين أهله وناسه، فالقادم سيكون عن غريب بين غرباء. عدنان شخصية لا تغادر مكانها مثل معنى اسمه وكما جاء في الفيلم شجرة التفاح التي تغرس في غير تربتها تفقد طعمها، يواجه معاناته من خلال هذا الطرح الفلسفي ويفضّل أن يظلّ جزءًا من المعاناة على أن يهجر بيته. سيتناول الفيلم القادم الشخص غير القادر على العودة من المنفى أو المهجر… سأطرحه عليك بسؤال شاعري: ماذا يحدث إن قام الماضي بنسياننا؟ أما الجزء الثالث فأنا متشوّق له جدا، ستكون شخصيته الرئيسية امرأة وأختتم بها لأنها في اعتباري الأمل والقدرة على التحمّل والشجاعة. هنالك لوحة من عصر النهضة أثّرت في وجعلتني أفكر بهذه الثلاثية، وهي لوحة “مشهد من الطوفان الكبير” للفرنسي جوزيف ديزيريه، ترى فيها رجلا عاريًا على صخرة وتحته في الماء رجلا عجوزا يشرف على الموت غرقًا وما من أمل في إنقاذه، ومن ناحية أخرى تتكئ امرأة على غصن زيتون رافعةً طفلها إلى الرجل كي ينتشله، وبعكس كل الإضاءة في اللوحة يظهر وجه البطل مظلّلًا صوب زوجته والطفل ويحاول جاهدًا إنقاذ العجوز الميت وبجانبه وشاح أحمر في تلميح إلى الدين، يحاول بطل اللوحة أن ينقذ الماضي والتراث والدين ولا يفكر بالمستقبل والإنسان، رأيتها مناسبة جدا لأي شعب أو مجتمع وبالتحديد مجتمعنا المتعلق بالإرث الذكوري والتقاليد والمشوّش عن أي نظرة نحو المستقبل والسلام. 

“وفي أرضنا حيث تختفي الشمس لم يعد لنا وجوه

وقد كان ذنبنا أنّنا حاولنا رسم بعض الملامح لوجودنا

قد تثمر غراسنا يومًا

ويبلغ أطفالنا المغنم

ويفوزوا بضالّتنا

ولكن ألا تخشين يا ليلى أن تفقد شجرة التفّاح طعمها إن نمت في غير تربتها؟”

من نصّ الخاتمة لفيلم “الغريب”
 

The post “الغريب” جثّةً تحت التفاح الجولاني… حوار مع المخرج أمير فخر الدين appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
سينما الحواجز… حاجز في وجه السينما الفلسطينية https://rommanmag.com/archives/20483 Thu, 06 May 2021 11:26:58 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%b3%d9%8a%d9%86%d9%85%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%88%d8%a7%d8%ac%d8%b2-%d8%ad%d8%a7%d8%ac%d8%b2-%d9%81%d9%8a-%d9%88%d8%ac%d9%87-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%8a%d9%86%d9%85%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d9%81/ تساءلت في مقال سابق بعنوان “بعد أربعين عاما السينما الروائية في فلسطين إلى أين؟”، عن مدى تحقّق التجديد والجماليات التي انتظرناها من أفلام فلسطينية شاركت في مهرجانات ومحافل عالمية كان من أبرزها “٢٠٠ متر” في أيام فينيسيا السينمائية لأمين نايفة و”غزة حبي” في الدورة الـ٧٧ من مهرجان البندقية السينمائي الدولي للأخوين ناصر، وأضيف إليهم فيلم […]

The post سينما الحواجز… حاجز في وجه السينما الفلسطينية appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
تساءلت في مقال سابق بعنوان “بعد أربعين عاما السينما الروائية في فلسطين إلى أين؟”، عن مدى تحقّق التجديد والجماليات التي انتظرناها من أفلام فلسطينية شاركت في مهرجانات ومحافل عالمية كان من أبرزها “٢٠٠ متر” في أيام فينيسيا السينمائية لأمين نايفة و”غزة حبي” في الدورة الـ٧٧ من مهرجان البندقية السينمائي الدولي للأخوين ناصر، وأضيف إليهم فيلم “الهدية” لفرح نابلسي الحائز على جائزة البافتا كأفضل فيلم قصير ووصل إلى ترشيحات الأوسكار الأخيرة عن فئة الأفلام القصيرة، وعن الغشاوة التي تصيب أعيننا لدى تفحّص أفلام كهذه فنيّا بسبب الاحتفاء السياسي بها والنشوة العارمة لرفع اسم فلسطين وقصصها في الغرب، وهذا إنجاز نتيجة جهود صنّاع ومنتجين حاولوا أن يوصلوا صوتهم وفيلمهم إلي هناك ونجحوا بذلك… لكن كيف الوصول؟ 

في حين أن  فيلم “غزّة حبّي” الذي يتناول قصة حب بين أرملة عاملة وبحّار ستّيني بتوليفات شاعريّة إلى حدّ ما على مستوى الصورة واللغة السينمائية من خلال محاولة تأويل ما للحياة المستحيلة في غزة، وعلى الرغم من تحمّل القصة لمزيد من الخطوط السرديّة وعلى الرغم من مشهد الضحكات المتواصلة المنفّذ باستسهال لإنهاء الفيلم، إلّا أنّ مخرجا الفيلم حاولا الابتعاد عن الكليشيهات قليلاً وقفزا قفزة صغيرة فنياً عن فيلمهما الأول “ديغراديه” وقدّما فيلماً فيه رقّة ما على الشاشة وأداء تمثيلي جيّد للمشاركين فيه وانتصارًا عذبًا لشخصية الرجل الستيني على قسوة الحياة (الذي جسّده باقتدار الممثل سليم ضو).

يغرق فيلم “٢٠٠ متر” في الرتابة، تبديد طاقات ممثلين جيدين، وتضييع قصّة فيها كل مقوّمات الجذب لصالح تحويل الفيلم من عمل سينمائي إلى مادّة إخبارية. في الفيلم الذي يتناول قصّة أب فلسطيني محروم من العيش مع أسرته التي تسكن في بيت على مسافة مئتي متر منه بسبب جدار الفصل العنصري تتجمّع كل إشكاليات “أفلام الحواجز” لتصبح بذاتها حاجزاً بوجه التطور المنشود للسينما الفلسطينية: غياب إعادة التأويل البصري للواقع، تنحية دور الكاميرا في سرد القصة، والاكتفاء بنقل رتيب لواقع مرير، الحوارات تقليدية ومباشرة، لا تتحايل ولا تضيف لما هو جليّ، عدا عن كونها إخبارية، أيعقل أن نختتم الفيلم والأم تعدد المأكولات الفلسطينية في سرد محتفٍ بالتراث المطبخي؟ ناهيك عن الأداء التمثيلي المتواضع جدا لممثلين موهوبين لم يكونوا في أفضل حالاتهم حيث لا يبدو أن هنالك توجيه جدي من المخرج في أولى تجاربه الروائية الطويلة. لكن المشكلة الأكبر تبقى “طعج” الحبكة لتلائم الممولين الأجانب في إنتاج مشترك من هذا القبيل، وتصبح صحفية ألمانية في القسم الثاني من الفيلم مركز الأحداث وتتقاسم مع الفلسطيني بشاعة واقع الجدار والحواجز العسكريّة، وهكذا يصبح للمشاهد الغربي سبباً ليتعاطف معنا على حساب فكرة الفيلم الممتازة.

أصبحت أفلام من هذه النوعية شبيهة بما ولدته حالة اتفاقيات أوسلو من عقلية المؤسسات غير الحكومية (NGO’s) في الضفّة الغربيّة ، يتطلب فيها “الاتزان” مع الممول الغربي وحضور للخطاب الاستعطافي (لو أردتم مقارنة لإعادة تأويل واقع الحواجز والتحليق الفني فوق استدرار العطف على الرغم من وجود تمويل أجنبي شاهدوا “يد إلهية” لإيليا سليمان). لا شك بأن الاحتفاء الكبير بـ “٢٠٠ متر” عربياً نابع من تعاطف سياسي وتقدير لوصول فيلم فلسطيني عملت منتجته ومخرجه بدأب لإسماع الصوت الفلسطيني، وهذا إنجاز سياسي مهم لكن يشير إلى خلل في حالة صناعة وتلقّي الأفلام الفلسطينية الجاثمة تحت لعنة الإنتاج المشترك والرغبة في نيل إعجاب الممولين في الغرب. 

يتقاسم فيلم “الهدية” مع “٢٠٠ متر” الكثير من المشاكل السرديّة في خيارات المخرجة والكاتبة، من خلال التريلر نعلم تقريباً ما هي قصّة الفيلم القصير المتوقّعة منذ البداية حتّى النهاية. بلا شك يعرض الفيلم واقعًا مأساويًّا لحياة الفلسطينيين، لكن المأساة الفنية هي استسهال وضع ختم الحاجزعلى الفيلم، دون أن يقدّم أيّ جديد، الأداء التمثيلي للطفلة كان الأفضل في الفيلم، ممثّل كبير كصالح بكري تختزل طاقته التمثيلية إلى جمل حوار مكرّرة، على شخصية يوسف التي جسّدها لأن تقنع الجندي الإسرائيلي “الجيد” بإقناع الجندي الإسرائيلي “السيء” بعبوره الحاجز، وسط استجدائه وتبوّل الطفلة، هذه كلها خيارات سردية مستسهلة ومكرّرة. 

هذا لا ينفي أن وصول الهدية على منصّة مثل “نتفليكس” هو خدمة إخبارية سياسية عظيمة جعلت رئيس جهاز المخابرات الأمريكية السابق جون برينان ينصح الرئيس الأمريكي جو بايدن بمشاهدة الفيلم عبر مقالة نشرها في النيويورك تايمز لرؤية معاناة الفلسطينيين.

اختراق صور الفلسطينين “للمينستريم” ومنصات عالميّة يخفف من عجز الفلسطيني قليلًا ويجعله حاضرًا تماما كالمعنى المزدوج للفيلم (الهدية/ الحاضر) لكن هذا الحضور بهذه السردية مرهون بتنازل عن المغامرة الفنيّة والإبداع، ليصبح تدريجياً سقفاً للسينما الفلسطينية: سينما من منطقة نزاع، تستهوي مديري مهرجانات ومموّلين لقيمتها السياسية تماماً كما حصل مع أفلام عن سوريا أو السودان في سنوات سابقة، قدّم بعضها بورنو دماء للغرب (“إلى سما” نموذجاً)، وفي الوقت ذاته لا ينتقص كل ما ذكر أعلاه من التحديات الجسيمة التي تواجه صناع الأفلام، أكبرها المشكلة البنيوية في صناعة أفلام بين مطرقة التمويل الإسرائيلي (في حالة فلسطينيي الداخل) وسندان التمويل الغربي ورغبة صنّاعها بموضعة أعمالهم في المهرجانات الدولية، بالتزامن مع غياب صناديق وأجسام ثقافية فلسطينية وعربية قادرة على تغيير هذا الوضع لو توفّر الوعي والرغبة وتخصيص الموارد لإنشائها، وتحفيز المخرجين على المغامرة الفنية والنأي عن الاستسهال. 

مؤخّرًا تحوّل التكرار والملل السمة الرئيسية للأفلام الفلسطينية، بعد صعود وتنوّع شهدناهما منذ منتصف التسعينات لمدة عقد ونصف من الزمن (أصبحت المقولة أرشيفية) أرى فيها “سجل اختفاء” لإيليا سليمان اقتراحا تأسيسيًّا مهّد لما أتى بعده من أجيال طموحة من المخرجين والمخرجات، وشقّ طريقًا لما يمكن الوصول به تعبيرياً، دون استشراق ذاتي، بأصالة لا تتعارض مع التحديث ولا تتكئ على البكائيات التراثية، وناتجة عن أسئلة ذاتيّة للفنان حول مشروعة الفرديّ. الأمر أشبه بصفقة مع الشيطان: الفنان المشغول بتمثيل الجماعة سياسيًا، يخسر ذاته فنيًّا في أغلب الأحيان.

The post سينما الحواجز… حاجز في وجه السينما الفلسطينية appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
بعد أربعين عاماً… السينما الروائيّة في فلسطين إلى أين؟ https://rommanmag.com/archives/20209 Thu, 03 Sep 2020 08:58:37 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%a8%d8%b9%d8%af-%d8%a3%d8%b1%d8%a8%d8%b9%d9%8a%d9%86-%d8%b9%d8%a7%d9%85%d8%a7%d9%8b-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%8a%d9%86%d9%85%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d9%88%d8%a7%d8%a6%d9%8a%d9%91%d8%a9-%d9%81%d9%8a/ يشارك هذا العام ثلاثة أفلام فلسطينيّة في مهرجانات عالميّة: الروائي الطويل “غزّة حبيبتي” لطرزان وعرب ناصر في الدورة الـ 77 لمهرجان البندقية السينمائي الدولي في مسابقة “آفاق”، والروائي الطويل “٢٠٠ متر” لأمين نايفة في مسابقة “أيام فينيسيا  السينمائيّة”، وفي الدورة الـ 73 لمهرجان لوكارنو السينمائي الدولي يشارك “بيت لحم 2001” (روائي قصير) لإبراهيم حنضل ضمن […]

The post بعد أربعين عاماً… السينما الروائيّة في فلسطين إلى أين؟ appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>

يشارك هذا العام ثلاثة أفلام فلسطينيّة في مهرجانات عالميّة: الروائي الطويل “غزّة حبيبتي” لطرزان وعرب ناصر في الدورة الـ 77 لمهرجان البندقية السينمائي الدولي في مسابقة “آفاق”، والروائي الطويل “٢٠٠ متر” لأمين نايفة في مسابقة “أيام فينيسيا  السينمائيّة”، وفي الدورة الـ 73 لمهرجان لوكارنو السينمائي الدولي يشارك “بيت لحم 2001” (روائي قصير) لإبراهيم حنضل ضمن فئة Pardi di Domani، تأتي هذه المشاركات بعد أربعة عقود من انطلاق السينما الروائيّة الفلسطينيّة صاحبة نصيب كبير إن لم يكن الأكبر في الحضور العربي في المهرجانات السينمائيّة العالميّة.

حان منذ وقت طويل طرح سؤال جوهري حول سيرورة تطوّر السينما الروائية التي يصنعها الفلسطينيون على الشاشة سرديًّا وبصريًّا، مع كامل الاعتبار للوضع السينمائي الفلسطيني وخصوصيّته المعلومة على مستوى تعقيدات الإنتاج والبحث المُضني والمستمر لصنّاع الأفلام عن سُبل تتيح لهم تحقيق مشاريعهم، فقد تزامن مع الإعلان عن هذه المشاركات منذ أسابيع قليلة عرض منصّة الفيلم الفلسطيني لفيلم “عائد إلى حيفا” (1982) من إخراج العراقي قاسم حول عن  رواية غسّان كنفاني، وهو أوّل وآخر إنتاج روائي فلسطيني طويل محسوب على سينما الثورة الفلسطينيّة، بعد أكثر من خمسة عشر عاما من  الإنتاجات الوثائقيّة التي شكّلت بنيان وهويّة هذه السينما منذ عام 1967.

الكاميرا مسدّسًا

يطرح عرض الفيلم تساؤلات حول السينما الروائيّة الفلسطينيّة، سرديّاتها، اقتباساتها، ومآلاتها فيما لو استمرّ ت مثلا منظّمة التحرير الفلسطينية وجهازها السينمائي بالتواجد في لبنان. لا تترك تجربة سينما الثورة الفلسطينيّة لنا كثيرًا من الخيالات حول التوجّهات والخطوط الكبرى لشكل السرديّات التي كان سيُطلب حضورها على غرار ما أنتج من قبل المؤسسة في السبعينات، حاملًا تصوّرات اليسار الثوري في التعامل مع الكاميرا كمسدّس مصوّب نحو سرديّة المستعمرين في إعلامهم وأفلامهم، لكن ما لا يُأخذ في الحسبان أحيانًا، أن ذلك المسدّس بشكل ما صُوّب بادئ ذي بدء نحو القصص الفرديّة للفلسطينيين وأجهضها من باب ترتيب الأولويات.

شكّل “عائد إلى حيفا” بدايةً مبشّرةً لخطىً تحرّر السرديّة على الشاشة من شكل التوثيق الإخباري حيث تنصهر تمثّلات الفلسطينيين في هذه الأنماط وتخضع لاشتقاقات أشكال الحياة والموت من منطلق هرمي يدفع  بعيدًا بأي تفصيلة تخرج عن التجانس المتخيّل للجماعة.
 

المخدوعون

أثبتت تجربتا تحويل روايات كنفاني إلى أفلام أنتجتها جهات عربيّة وفلسطينيّة إمكانيّة توظيف السينما وسيطًا بصريًّا قادرًا على نفث الروح في الرواية الأصلية، ففي التجربة الأولى في فيلم “المخدوعون” (1972 للمصري توفيق صالح عن رواية “رجال في الشمس” من إنتاج المؤسّسة العامّة للسينما في سوريا) نجح العمل  باستثمار مرجعيّة أدبيّة هامّة والخروج من الشعور الطاغي لصفحات الرواية، من خلال توليف الموسيقى والمقاطع الأرشيفيّة وتوجيه الممثّلين، واستطاع حَوَل دمج الأرشيف الأصلي بمقاطع  تحاكي التهجير في النكبة أو استقبال الناجين اليهود من المحرقة في مواقع تصوير ساحلية لبنانية شبيهة بفلسطين، محاولًا عدم الانصياع للشكل الصارم في تحويل الأدب حرفيًّا إلى صور على الشاشة كما فعل مخرجون روس في تحويل شبه حرفيّ ومملّ للأدب الروسي الملحميّ في أواسط الستّينات (“حرب وسلام” 1966-67 من إخراج سيرجيي بوندارتشوك).

الاحتفاء السياسي بالسينما مُضلّل

كان مطلع الثمانينات بلا شكّ مفصليًا في تاريخ الشعب الفلسطيني وقياداته في لبنان، وشكّل تحوّلا في اتّجاهاته السينمائيّة، فخلال عامين خرج إلى النور فيلمان طويلان: “عائد إلى حيفا”، آخر إنتاج هامّ لحركة سينما الثورة و”الذاكرة الخصبة” (1980 لميشيل خليفي) أوّل فيلم طويل -دراما وثائقيّة- يصوّر داخل فلسطين من إنتاج أوروبي مشترك خطّ بداية جديدة لحركة السينما الفلسطينيّة على مستوى السردية وبنيويّة صناعة الأفلام، ليقول هذا التزامن بين اتّجاهين مختلفين سينمائيًّا الكثير عن الحال الفلسطينية وعن الانتقال من السرد الجمعي الخانق إلى السرد الفردي.

لا زلنا نعيش تردّدات موجة السينما الروائيّة التي بدأها خليفي ويشبّهها في كتاب “أحلام أمّة” لحميد دباشي بـ”استعمال الكاميرا كقلم”، تستطيع أن تدمج فيها الخيال والموسيقى والشعر صوريًا لسرد كلّ ما أقصَته سيادة الجماعة الذكورية. لكن بعد أربعة عقود، كم من السرديّات الفلسطينيّة على الشاشة فيها أصالة وتحديث وكسر أنماط تقليدية من القصص والسرد البصري؟ نعيش بلا شكّ حالة مركّبة فيها صنّاع أفلام موزّعون في بقاع متفرّقة داخل وخارج فلسطين، وسط غيابٍ لدولة مستقلّة ذات ميزانيّات قادرة على دعم أفلام بالشكل الكافي، فالاتّكال الأساسي على صناديق الدعم العربيّة القليلة والتمويل المؤسّساتي الأجنبي والتمويل الإسرائيلي في حالة بعض فلسطينيّي الداخل، الأمر الذي يدخلنا كلّ مرّة من جديد إلى حلقة مفرغة من العرض والطلب وتأثّر السرديّة الفيلميّة بذلك لتلبّي تصوّرات واستمناءات ما تتوقّعه جهة إنتاج غربيّة عمّا يجدر أن تكون عليه فلسطين خصوصًا في فترة سابقة، قبل أن تدفع الثورات العربية الملتهبة بقضيّة فلسطين إلى الهامش، لذلك إن أخذنا مرحلة بداية التسعينات حتّى بداية العقد الثاني من الألفينات، نلحظ غزارةً في عدد الأفلام الروائيّة وحضورًا عالميًا ملحوظًا، ونشوء جيل جديد من المخرجين والمخرجات من داخل فلسطين بتقسيماتها المختلفة ومن خارجها، وازدياد في طلب السوق السينمائي العالمي لقصص من فلسطين، وينطبق الأمر ذاته على السينما الإسرائيليّة في ازدياد حضورها العالمي من خلال مخرجين من أمثال عيران ريكليس وعاموس غيتاي، يغازلون وسطيّة سياسيّة وليدة حالة أوسلو، فقد سوّقت أفلامهم السينما الإسرائيليّة بصفتها سينما من منطقة نزاع، في فترة انصبّ فيها تعامل معظم جهات التمويل مع سينما الفلسطينيين وسيلةً إخباريّةً، دورها الإعلامي أكبر من قيمتها الفنيّة، فنجد اعتناء ما أكبر بسينما تتناول قصص انتحاريين أو واقع جدار الفصل العنصري من باب راهنيّة الأحداث وما يذاع في نشرات الأخبار وليس بالضرورة لتفوّقها الفنيّ، ويمرّ السوريون منذ الأزمة السوريّة بنفس الحال، وتتأثّر إمكانيّة الخروج بأفلام بطبيعة الحال بتوْق الغرب إيجاد عنصر إخباري في هذه الأفلام، خصوصًا وأنّ هنالك رغبة برؤية “وحش إسلامي” مشترك.
 

الذاكرة الخصبة

إن جمّعنا الأفلام الروائيّة الفلسطينيّة في الفترة الآنفة الذكر، سنجد تطوّرات إيجابيّة كبروز موجة من المخرجات النساء، وجيل من المخرجين الشباب بعد جيل هاني أبو أسعد، وإيليا سليمان ورشيد مشهراوي، ومحاولات للإتيان بقصص فرديّة جديدة تختبر حدود السرد، وحدود كسر الرموز، لكن ليس بالإمكان الإشارة إلى أعمال كثيرة نجحت في ذلك. في المجمل ينقصنا بعض التجريب والتجديد والشجاعة في خلق خصوصيّة تعبيريّة، فإن لم يستطع الفن البصري إعادة تأويل ما نراه، ما فائدته؟

لم يرافق التصاعد الإيجابي في الكمّ تصاعد مقابل في الكيف، وكثير من الاحتفاءات السياسيّة بالأفلام الفلسطينيّة تصيب عدسة فحصنا لإنتاجاتنا السينمائيّة بغشاوة في نقدنا لها. إن كان ميشيل خليفي قدّ بدأ روائيًّا التحوّل من السردية الجمعيّة إلى الفرديّة وبنى نموذجًا لسينما مؤلّف فلسطينية وبرهن عدم استحالة إنتاج فيلم روائي طويل، فإيليا سليمان أثّر جذريًا في تشكيل السرديّة الفردية وأسّس لنموذج اللابطل في السينما الفلسطينيّة، “سجّل اختفاء” (1996) نقطة تحوّل مركزيّة سرديًا، ولا زال يخرج من رحم هذين الخطّين عدد كبير من التصوّرات للأفلام الروائيّة، واستثمر جيل كامل من المخرجين (الرجال بالأساس) ثيمة اللابطل ومنحها خصوصيّته التعبيريّة مع تفاوت الجودة السينمائية لكنّها خطوة نحو التطوير بلا شكّ، في أفلام  مثل “عطش” لتوفيق أبو وائل، “حب، سرقة، ومشاكل أخرى” لمؤيّد عليّان، “بدون موبايل” لسامح زعبي، “مفك” لبسّام جرباوي، “بونبونة” لركان مياسي، “صفّير” لفراس خوري. ندور بلا شكّ لأعوام مستمرّة في دائرة سينما اللابطل التي أسّسها أدبيًا بشكل بارز غسّان كنفاني (“رجال في الشمس”) وإميل حبيبي (“الوقائع الغربية في اختفاء سعيد أبو النحس المتشائل”)، وعلى منحىً مُقابل تحاول المخرجات النساء وضع المرأة نوعًا ما في مركز السردية بعد أعوام من سينما الرجال الذين آثروا إبقاء المرأة في الخلفية أمّهاتٍ وأخواتٍ وحبيباتٍ للأبطال. تجارب خليفي وسليمان قد تكون الاستثناءات في ذلك وأحيانا أكثر راديكالية وخَلقًا بصريًّا من طرح المخرجات النساء أنفسهنّ، من الأمثلة الأبرز لأفلام بطلاتها نساء: “فيلا توما” لسهى عرّاف، “المرّ والرمّان” لنجوى نجّار، “ملح هذا البحر” لآن ماري جاسر، “3000 ليلة” لمي المصري، “برّ بحر” لميسلون حمّود. هنالك توقّع ما بعد كلّ هذه التجارب الروائيّة، أنّنا بانتظار ما هو مختلف ومُحدّث، في ظلّ أفلام تجريبيّة ووثائقيّة لصنّاع أفلام فلسطينيين/ات فيها خَلق وجنوح عن السرد التقليدي ثيمةً وشكلًا سينمائيّا، منها على سبيل الحصر لا القصر: “استعادة” لكمال الجعفري، “المطلوبون الـ18” لعامر الشوملي، “عالم ليس لنا” لمهدي فليفل، “في إثر مادّة سحريّة” لجمانة منّاع، “شقيقة موسوليني” لجونا سليمان.

فلسطين ليست فانوسًا سحريًّا

في ظلّ تفاقم الأزمات والحروب عربيًّا، لم تعد فلسطين ذلك الفانوس السحريّ لجذب أعين وجيوب المنتجين في العالم، بعدما اُستنفدت الكثير من الفرص لتكوين روايات سينمائية مختلفة، وأصبحت بعض الأفلام نسخ متكرّرة عن بعضها لا تجذب المموّلين خصوصًا وأنّ نصيب سينمات عربيّة أخرى طالت بلدانها المآسي كسوريا والسودان بات أكبر وباتت حالتها السياسية أكثر “جاذبيّة”.

لا يزال الكثير من القصص لم يُحكَ بعد، هنالك أنواع فنيّة لم نقترب إليها حتى الآن وبعد ٤٠ عامًا من انطلاق الموجه الروائيّة في السينما الفلسطينيّة، أفلام كويريّة، سرياليّة، موسيقيّة، اقتباسات وتطوير لروايات معاصرة، لا زالت هنالك تجارب إنسانية جميلة، دامية، مُلهمة نضجّ بها كلّ يوم في واقعنا العينيّ والافتراضي المليئين بالمفارقات والقمع ولا تجد طريقها إلى الشاشة، حيث ينتهي بنا الأمر أن نرى فلسطين وتمثّلاتها على الشاشة في أحيان كثيرة متشابهة وفاقدة الصلاحيّة، يحصل هذا في أحيان كثيرة تحت عبء تمثيل المجموعة دون الانهماك بما فيه الكفاية بالتعبير البصري الشخصي لصنّاع الأفلام والقيام بمجازفات فنيّة. هذه مهمّة الجميع، الأجيال المخضرمة والأجيال الجديدة الواعدة التي أثبتت من خلال تجارب روائية قصيرة مؤخّرًا أن هنالك أملًا في التحديث، وما يبشّر بالتحوّل الإيجابي على سبيل المثال مأسسة أرضيّة مهنيّة متمثّلة بمعهد سينمائي أكاديمي ككليّة “دار الكلمة” في بيت لحم، التي وصلت إنتاجاتها وأعمال طلابّها النوعيّة إلى محافل دولية (“أمبيانس” لوسام الجعفري في دورة العام المنصرم من مهرجان كان، “بيت لحم 2001” لإبراهيم حنضل في دورة هذا العام من مهرجان لوكارنو)، أهمّ ما في هذه المأسسة بناء كوادر متشعّبة التخصّصات تحفّز على العمل الجماعي ليتقن كلّ صاحب/ة تخصّص مهنته، في الإخراج، أو قسم التصوير أو الصوت أو كتابة السيناريو أو الملابس، والخروج عن مآزق تسبّبها قلّة التجربة في التخصّصات المختلفة، كي لا يكتب مثلاً مخرج ذات عين سينمائية جيّدة سيناريو غير مكتمل.

الحضور السينمائي الفلسطيني لافت في الدورات الحاليّة في المهرجانات العالميّة، خصوصا في فترة ركود سينمائي بسبب جائحة الكورونا، وقد تكون هذه المشاركات الإنجاز الفلسطيني الإيجابي الوحيد (في حالتنا البائسة اليوم) الذي أدخل على قلوبنا قسطًا من السعادة، لكن مع ذلك نريد أن نشاهد فيما يقدّمه صنّاع الأفلام تحديثًا مرجوًّا، وفتح نقاش بين السينمائيين والعاملين في الصناعة والنقّاد والصحفيّين حول أفق تطوير سرديّاتنا وتمثّلاتنا على الشاشة وعلاقة هيكليّات الإنتاج المختلفة بذلك.
 

عائد إلى حيفا

The post بعد أربعين عاماً… السينما الروائيّة في فلسطين إلى أين؟ appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
«شقيقة موسوليني» والبيت الذي صنع موتها https://rommanmag.com/archives/20132 Wed, 01 Jul 2020 08:25:13 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%b4%d9%82%d9%8a%d9%82%d8%a9-%d9%85%d9%88%d8%b3%d9%88%d9%84%d9%8a%d9%86%d9%8a-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%a8%d9%8a%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b0%d9%8a-%d8%b5%d9%86%d8%b9-%d9%85%d9%88%d8%aa%d9%87/ “كرهت الزفاف والعشق والرجال.. كرهت البيت الذي صنع موتي، كرهت كلّ أقاربي، حياتي عقيمة، جرداء، بلا طعم، بلا لون، بلا شكل، أنا مريضة، معلّقة بين الأرض والسماء، ممنوعة من الحب، من الحلم، من الأمل، ومن الحياة.” على وقع هذه الجمل المتردّدة على مسامع المُشاهد في الوقت الذي تجول فيه كاميرا متلصّصة داخل بيت في مدينة […]

The post «شقيقة موسوليني» والبيت الذي صنع موتها appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>

“كرهت الزفاف والعشق والرجال.. كرهت البيت الذي صنع موتي، كرهت كلّ أقاربي، حياتي عقيمة، جرداء، بلا طعم، بلا لون، بلا شكل، أنا مريضة، معلّقة بين الأرض والسماء، ممنوعة من الحب، من الحلم، من الأمل، ومن الحياة.”

على وقع هذه الجمل المتردّدة على مسامع المُشاهد في الوقت الذي تجول فيه كاميرا متلصّصة داخل بيت في مدينة الناصرة، يُفتتح الوثائقي الطويل “شقيقة موسوليني” (2018) للمخرجة جونا سليمان في أولى تجاربها الوثائقيّة الطويلة. سرعان ما نتعرّف إلى الصوت الآتي من سيّدة ثمانينيّة ترقد في سريرها تقرأ زاوية في مجلّة نسائيّة، وهي السيّدة هيام جرجورة جدّة المخرجة، نُخدع برنين إلقائها الرقيق لنُباغت بقولها مردفةً “شايفة شو الزلام؟ خرا!”، صدمة بداية الفيلم هذه كفيلة بتتبّع شخصيّة وثائقيّة فيها كلّ التناقضات التي يتمنّاها أي صانع أفلام، ولو حاول كتابتها كشخصيّة روائيّة لما استطاع تخيّلها كما ظهرت هيام، طبيعة مزاجها الحادّ وتسلّطها على من حولها، وفي نفس الوقت قلّة حيلتها وعجزها في كثير من مواقف حياتها، زاداها جاذبيّة وإثارة استطاعت من خلالهما سليمان أن تورّطنا في تفاصيل حياة جدّتها سليطة اللسان، المنسوجة بحساسيّة سردية بصريّة قادرة على لملمة شواهد زمنيّة وأرشفة مبطّنة تتوارى خلف امرأة مسنّة تصارع حاضرها المتكلّس، وتناكف باستشراس كلّ من يزعجها.

تدور معظم أحداث الوثائقي في البيت النصراويّ القديم وبعض المشاهد الخارجيّة (الآسرة) مصوّرة في صالون حلاقة نسائي، في هذين الحيّزين ننكشف لأوجه عديدة للسيدة ذاتها: في البيت ندّابة ومكتئبة ومشغولة بأعمال المنزل المُنهِكة لها في سنّها المتقدّم، أحيانا تتحدّث برقّة مع ابنها الخمسيني المستلقي إلى جانبها في السرير، تتساءل عن معنى الحياة وقد نهشَ العمر قَدْرًا كبيرًا من صحّتها، قلقة وعصبيّة ومتذمّرة من أحوال العالم حولها ولا توفّر شتائم لباراك أوباما وأبو مازن، لكن جمّ غضبها ويأسها آتٍ من العاملات الأجنبيّات اللواتي تتوافدن واحدة تلو الأخرى إلى المنزل، تحبّهن في البداية لكن سرعان ما تضيق بهنّ ولا تخلو تعليقاتها من ملاحظات عنصريّة بحقّهن أمام صديقاتها ومصفّف شعرها. 
 

هنالك تفاصيل دقيقة كوّنتها سليمان في مشاهد بليغة بصريًّا فيها تشريح لجسد جدّتها: لقطة مقرّبة لأصابع أرجل معقوفة تفصل ما بينها قطع قطنية وهي تعتلي ميزانًا يعانق عقربهُ بالكاد إشارة الخمسين كيلوغراما، بطلة مسنّة تتحدّث عن عذاباتها الأليمة في الماضي وهي تشدّ العقيدة بعنف من على وجهها المترهّل، انشغالها الدقيق بتسريحتها في صالون تصفيف الشعر وسعادتها المكبوتة وهي ترقب نفسها في المرآة، أمّا التوطئة السرديّة لشخصيّة موسوليني، وهو صاحب نصيب في عنوان الفيلم، فهي بلا شك ساحرة، اختارت سليمان منتصف الفيلم زمنيّا لتوليف قصّة الأخ فاحش الثراء الذي انتقل إلى إسبانيا من خلال شريط VHS.  كان لهيام وموسوليني أخ صغير لم يعش طويلا سميّ هتلر واضطرّ الأهل بعد فترة في طفولتهم مناداة ابنهم موريس بدلا من اسم الزعيم  الفاشيّ سيء الذكر. مقطع الفيديو الذي يظهر فيه حفل زفاف على تلفاز المنزل يتحوّل إلى قطعة هذيان في عالم أشباح: قصر كبير، حياة بذخ وثراء شديد، الشحرورة صباح تغني في حفل عيد ميلاد موسوليني، ويرافق كل هذا موسيقى كنسيّة وصوت ماريا كالاس من أويرا كاستا ديفا. لنرتطم بعدها مجدّدا داخل الدائرة المفرغة لحياة هيام وهي تشيخ على مدار السنوات الست التي صوّر فيها الفيلم. 

من خلال التكوين في اللقطة السينمائية والاستعانة بأغراض وأجهزة إلكترونية تنقل سليمان بشاعريّة، فقاعةً زمنيّةً سقطت عنها الصلاحيّة تمامًا كجدّتها في منزلها الكلاوستروفوبيّ: تمثال مصغّر للينين، أعداد مطويّة من جريدة “الاتّحاد” كالحزب الشيوعي الذي أصدرها، غسّالة “زوهار” الإسرائيليّة التي راجت منذ الستّينات، دفتر أرقام هواتف مكتوب بخط اليدّ، سمّاعة أذن شفّافة تلعب دورًا في نقل أصوات العالم الخارجي إلى أذن هيام وإلينا. لكن بعيدًا عن الأغراض وتوظيفها في إخبارنا عن الشخصية الرئيسيّة وخلفيّتها، هنالك شواهد زمنيّة وأرشفة مُدمجة في  تعبيرات وحديث السيّدة هيام تذكّر بطريقة كلام السيّدات الكبار في السنّ في الناصرة لدى وصفهم لذكرياتهم أو لصور أفراد عائلتهم بشكل يكاد ينقرض من حولنا، هنالك شيء بِكر في بدائيّة تقديس الصورة الملقاة داخل ألبوم صور ومخاطبتها لدى هذا الجيل، جادت علينا السينما الفلسطينيّة بهذا النموذج مثلا من خلال شخصية رومية فرح، عمّة المخرج ميشيل خليفي في فيلمه الوثائقي “الذاكرة الخصبة” الذي صوّر قبل أكثر من أربعين عاما وهي تخاطب صورًا معلّقة على حائط منزلها لأقارب لم تعد تراهم. 
مخرجة العمل جونا سليمان

في حديثها مع رمّان أخبرتنا جونا سليمان (والتي عملت كمديرة كاستينج في أفلام فلسطينية أيقونية مثل: “الزمن الباقي” و “إن شئت كما في السماء” لإيليا سليمان و”عمر” لهاني أبو أسعد) أنّ عملها على “شقيقة موسوليني” كان تجريبيًّا إلى حدّ كبير وكانت تراودها الفكرة لمدّة عشر سنوات قبل أن توافق جدّتها على المشاركة في فيلمها رغبةً منها في ترك ذكرى ما للعائلة وفي مساعدة حفيدتها ربّما الحصول على جائزة أو شيء من هذا القبيل، وعن طريقة عملها مع جدّتها تقول إنّها تجنّبت الحديث المباشر وأرادت أن تنحّي جانبًا أيّة معرفة سابقة لها وأن تستكشف الموادّ المصوّرة تدريجيّا، استعانتها بكاميرا صغيرة تكاد لا تُلحظ مكّنتها من نقل التفاصيل اليومية داخل البيت في طبيعية شديدة، وبعد تراكم ما صوّرته على امتداد عامين بدأت تلحظ وجود ملامح لسرديّة ما وإمكانيّة بنائها سينمائيًّا. في الفترة الأخيرة من تصوير الفيلم ومع بدايات تدهور حالتها الصحية أكّدت تجنّبها مشاهد تستدرّ عطف المتلقّي لتشدّد “ليس هذا فيلمي” إيمانا منها بالحفاظ على حِفّة معيّنة لا تجرح حضور جدّتها على الشاشة بالرغم مثلا من فظاظتها وشتائمها أحيانا. أمّا فيما يخصّ البعد الفلسطيني المباشر كان ملحوظًا ابتعادها عن تصدير فلسطين في المقدّمة بشكل قداسيّ جافّ، النهج الذي بات عائقًا أمام السينما التي يصنعها الفلسطينيّون، وحجر عثرة في وجه جمال وحقيقة القصص الفرديّة للشخصيّات، هذا ما تخطّته سليمان واضعةً المنطلقات الفنيّة في صدارة انشغالها التعبيري، وعبّرت لرمّان عن رغبتها في التحرّر من المكان التقليدي والمليء بالكليشيهات، إذ حذفت مثلًا من الفيلم بعض المشاهد الجميلة، كمشهد تجلس فيه جدّتها أمام البحر مرتديّةً ما يعرف بقبّعة كيبوتسات، مع كلّ رمزيّة التأمّل أمام البحر فلسطينيّا، “شعرت أنّ جدّتي غير معنيّة أصلا بالحديث عن النكبة أو التهجير من بيسان، أرادت أن تتحدّث عن حاضرها، بل على العكس، كونها عالقة في بيتها في هذه الوضعيّة، تحضر روح وعقليّة “ناجية من النكبة” على غرار معايشات الناجين من المحرقة.” وعن طريقة عمل الفيلم أضافت أنّ صعوبات صناعة أوّل فيلم وثائقي طويل كانت في جوهرها داخليّة، وأكبرها انعدام الأمان الفنّي للنهوض بالعمل، “أنت تعيش وحيدا في المشروع” تقول جونا، “لم تكن هنالك إمكانية احتكاك بصناعة سينمائية وثائقية في المكان الذي تواجدت فيه و بالشكل الفنّي الذي أطمح إليه، ومن ناحية أخرى لم أُرد أن أملي على الفيلم تصوّرًا مسبقًا”، مضيفةً أنّ تجارب مخرجين كنيكولاس فيليبير وعمر أميرالاي كانت ملهمة لها على مستوى طريقة العمل واكتشاف الفيلم خلال صنعه، وتراهما صانعي أفلام بمعنى الكلمة ولا تحبّ تصنيف “المخرج الوثائقي”. 
 

اختيار جدّة أو جدّ أبطالًا لأفلام وثائقيّة يبدو خيارًا جذّابًا لكثير من صنّاع الأفلام الوثائقيّة، شاهدنا منها عربيّا في السنوات الأخيرة : “المرجوحة” لسيريل عريس الذي تناول الشيخوخة وألم الفقدان من خلال حكاية جدّته وجدّه، “يا عمري” لهادي زكّاك عن جدّته التي تخطّت المائة عام وبدأت ذاكرتها بالاضمحلال، “جزائرهم” للينا سويلم حول انفصال جدّها وجدّتها الجزائريين في فرنسا بعد ستين عاما من الزواج، كلّ قدّم سرديّة خاصة ومختلفة على صعيد التناول الثيمي للشيخوخة أو التقدّم في السنّ، حيث تلك المسافة المشتركة بين ذاكرة الفرد وذاكرة العائلة أو الجماعة. سيبقى دائما الاختبار أمام المخرجين الخروج بما هو منعش وغير مكرّر في تناول المسنّ أو المسنّة، وفلسطينيّا هنالك نزعة ما مفهومة إلى تناول الجانب النكبوي على شكل شهادات مباشرة، وهذه نوعيّة لها دورها وأهميّتها في التوثيق، لكن ما قامت به سليمان هو بالفعل بناء سرديّة خارج القالب المتوقّع مسبقًا، وأرشفة فرديّة فيها نفس كوميدي خلقته من خلال التوليف الذكي والمتقن (المونتير أليكس بكري)  لزوايا تصوير غير مُحافظة في التقاط جسد جدّتها، ودون تجميل لواقع تسمع فيه الجدّة إذاعة “صوت إسرائيل” بالعربيّة ومن خلال اتّصالها بالإذاعة واللجوء إلى النجوم والفلك تتساءل عن مستقبلها، النكبة حاضرة  بكلّ تفصيلة دون البوح بذلك، نحن أمام بقايا إنسانة، تسكن بقايا مدينة، وتلملم بقايا زمن. 

The post «شقيقة موسوليني» والبيت الذي صنع موتها appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
«عودة أوزيريس»… خطاب التنحّي على الطريقة الفرعونيّة https://rommanmag.com/archives/20104 Tue, 09 Jun 2020 06:40:21 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%b9%d9%88%d8%af%d8%a9-%d8%a3%d9%88%d8%b2%d9%8a%d8%b1%d9%8a%d8%b3-%d8%ae%d8%b7%d8%a7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%86%d8%ad%d9%91%d9%8a-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%b7%d8%b1/ وفقا للأسطورة الفرعونية الشهيرة، يغدر الإله سِت بأخيه الإله الحاكم أوزيريس، يتسلّل ست إلى مضجع أوزيريس ليلًا آخذًا قياسات جسده، وعلى مأدبة حضرها ضيوف كثر من ضمنهم أخيه، يعلن سِت عن جائزة لمن يستطيع دخول صندوق قام بصنعه مسبقًا مفصّلا على حجم أوزيريس، وما أن دخل الأخير إلى الصندوق ليجرّب حظّه، قام سِت بإغلاقه ورميِه […]

The post «عودة أوزيريس»… خطاب التنحّي على الطريقة الفرعونيّة appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>

وفقا للأسطورة الفرعونية الشهيرة، يغدر الإله سِت بأخيه الإله الحاكم أوزيريس، يتسلّل ست إلى مضجع أوزيريس ليلًا آخذًا قياسات جسده، وعلى مأدبة حضرها ضيوف كثر من ضمنهم أخيه، يعلن سِت عن جائزة لمن يستطيع دخول صندوق قام بصنعه مسبقًا مفصّلا على حجم أوزيريس، وما أن دخل الأخير إلى الصندوق ليجرّب حظّه، قام سِت بإغلاقه ورميِه في النيل، لتبدأ الإلهة إيزيس بالتفتيش عن تابوت زوجها، وبعدما استطاعت إرجاعه من شواطئ جبيل إلى مصر، قام ست بتقطيع جثّته ورميها في النيل مجدّدًا، وما كان من إيزيس سوى لملمة القطع المتناثرة ليبعث أوزيرس من جديد ليكون إله إحياء الموتى وأوّل فرعون يحنّط. 
ملصق فيلم “عودة أوزيريس” ٢٠١٩ تصميم هيثم حداد

ما قام به الفنان البصري الفلسطيني عيسى غريّب شبيه إلى حدّ ما بما قامت به إيزيس. في عمله البصريّ “عودة أوزيريس” (13 دقيقة) المتأرجح على تخوم كونه فيلمًا قصير أو فيديو آرت، ولّف غريّب مشاهد مُجتزأة من 13 فيلما و6 مسلسلات مصرية، احتوت على أحد أشهر الخطابات العربية مأساويّةً في القرن العشرين، خطاب تنحّي الرئيس المصري جمال عبد الناصر يوم 9 يونيو عام 1967، في التقنيّة المعروفة سينمائيًّا بالـ supercut، وقد يكون أكثرها إبهارًا وشهرةً في تاريخ الفنون البصريّة عمل “الساعة” لكريستيان ماركلاي الذي رصد على مدار ٢٤ ساعة عرض متواصلة ظهور الساعات على اختلاف أنواعها في السينما وتطابق ظهورها مع الوقت الحقيقي للعرض.

حاول غريّب الخروج بحدّ كبير من التطابق بين صوت وصورة ناصر في التسجيل الأصليّ، وبين ظهورها في الأفلام والمسلسلات، واللافت في هذا العمل البصري البحث الواسع الذي صنعه غريّب في إيجاد الأعمال وفكرة بناء خطاب التنحي مستعينًا بما أفرزته الثقافة الجماهيرية المصريّة بصريًّا، وخلق تداخل بين حالة المتفرج وحالة الشخصيات داخل اللقطة وهي تجلس أمام التلفزيون أو بجانب مذياع. إنّنا أمام وسيط بصري يعرض حالة تلقي جموع مواطنين لوسيط بصري/سمعي آخر في لحظة انهيار مروّعة لأمّة ولرجل في آن واحد، وأغرب ما في الأمر أن خرج المهزوم بطلا من بعد الخطاب، ليُبعث من جديد بعد موته الرمزيّ تماما كأوزيريس.
 

صورة من فيلم “عودة أوزيريس” ٢٠١٩

في عمليّة التحنيط البصريّ هذه، يلازمنا نحيب شويكار في “الكرنك”، صرخة محسنة توفيق في “العصفور”، ذهول عبد المنعم مدبولي في “إحنا بتوع الأوتوبيس”، صدمة محمود عبد العزيز في “رأفت الهجان” وتشكيلات أخرى من التعبيرات التمثيليّة المتراوحة بين عظمة “مشخّصاتيّة” وبين مبالغة في التمثيل، كل تلك الوجوه والتعبيرات تتبادر إلى المخيّلة البصرية لدى الحديث عن تمثّلات فنيّة لحضيض وجدانيّ كالنكسة في تاريخ الأمّة العربيّة. بالإمكان تقسيم هيكل “عودة أوزوريس” إلى ثلاثة فصول: الترقّب، الصدمة والانكسار، والرفض، وهي حالات كرّستها السينما المصريّة في كثير من الأعمال، وكان في الانتقالات بين المقاطع المختلفة قدر عال من السلاسة والتناغم لخلق سردية منسجمة فيها توطئة وتصاعد وحلّ، باستثناء مقاطع خرجت قليلا عن الجو العام إيقاعا وصوتا في مقاطع من فيلم “الفاجومي” مثلا، لكن تجميعها على هذا النحو الفسيفسائي يفرش من جديد ملامح تيّارات وتوجّهات سينمائية وتلفزيونية تناولت عبد الناصر وحقبته في استقطابين بارزين: ماكينة بروباجاندا ساداتيّة همّت بدأَب تناول النكسة من باب المقارعة السياسيّة وإبقائها مخلّفًا تاريخيًّا وحيدا لمرحلة حكم عبد الناصر كدليل إدانة أبديّ (“الكرنك”، “إحنا بتوع الأوتوبيس”)، وتلك الأخرى التي عرضت خطاب التنحّي والهزيمة بشكل رثائيّ حزين على زعيمه المهزوم دون تمجيد حاكم آخر (“ذات”، “أم كلثوم”، “العصفور”)، لكن ما يوحّد هذين التوجّهين فكرة عدم تخطّي النكسة نفسيّا وبالتالي ضرورة العودة إليها لتأطير رزنامة الذاكرة التاريخية الجماعية من خلال السينما والتلفزيون. 
 

”جمال عبد الناصر, عمي” ٢٠١٩, صورة لتركيب العمل في الحيز

صرّح عيسى غريب لرمّان أنّ فكرة “عودة أوزيريس” وهو جزء من معرض بعنوان “خطاب الهزيمة” قدّمه مشروعًا لتخرّجه، تعود بشكل ما إلى طفولته في قرية كفر كنا في الداخل الفلسطيني، والمفاجئ في الأمر أنّ غريّب لا يعرّف نفسه ناصريًّا على الإطلاق أو حتّى من المتابعين الأوفياء للسينما والدراما التلفزيونية المصرية، لكن فكرة الانشغال بعبد الناصر كانت حاضرة في صغره، لتواجد صور الزعيم العربّي معلّقة في بيوت كثيرة في قرى ومدن الجليل وهي ظاهرة معروفة فلسطينيًّا وعربيًّا، كان يفتّش عن بورتريهات ناصر في كل بيت يزوره على تنوّعها: صور بالزيّ العسكري، صور ببدلات رسميّة، بعضها ملوّن، بعضها الآخر بالأبيض والأسود، قسم منها كان مرسومًا، وكان أكيدًا في طفولته أنّ هذا الرجل الكاريزماتي الوسيم هو عمّه الراحل يقابله على الحائط المقابل في بيت جدّته الكنّاويّة صورة عمّه عادل المتوفى في طفولته غرقًا في بحيرة طبريا. يقول غريّب أنّ في مرحلة لاحقة في نهاية التسعينات وبداية الألفينات بدأت هذه الصور تختفي من على جدران المنازل بشكل أقرب إلى طقس جماعي لم يتمّ اتّفاق مسبق عليه، ليُخيّل له أنّ هناك قبوًا كبيرا في الجليل خُبّأت فيه كل هذه الصور، وقام هو رمزيًّآ بلملمتها واستخراجها لتعلّق على حائط كبير في معرضه ليعيدها إلى الجدران، بالإضافة إلى زاوية في المعرض وضع فيها النص المكتوب للخطاب كاملًا، وقام بفهرسة المقاطع التي ظهرت فيها بورتريهات ناصر في الأفلام، ولوّن جملا من النصّ بألوان مختلفة تحيلك إلى الوقت المحدّد لظهورها على الشاشة، يقول غريّب إنّه حاول من خلال ذلك أن يبني سيرة بورتريهات فيها عنصر أزليّ، حيث أنّك في كلّ مرة تدخل فيها إلى زمن محدّد في فيلم “العصفور” مثلًا سيكون هنالك بورتريه معلّق للرجل ولن يتمّ إنزاله أبدًا، ومن الجانب الآخر للحائط عُرض الفيديو آرت، استمرّت مدّة البحث والتجميع عامًا كاملًا عوّل فيها على ذاكرة أهله وأصدقائه ومتخصّصين ومتابعين للسينما المصريّة، وقام بعمليّة مسح للحظات وجود الخطاب ومحاولة بناء النص من جديد بشكل قريب جدًّا من وتيرة النص الأصلي. لكن أكثر ما أثار دهشة غريّب الذي يتعامل مع عبد الناصر في خطاب التنحّي كدراسة حالة لقائد يخاطب شعبه معترفًا بفشله وبالرغم من ذلك يستطيع أن يخرج بطلًا في النهاية. 

“عودة أوزوريس” هو فرصة لمشاهدة قطع تاريخيّة تتحدّث عن قطع تاريخيّة أخرى في لعبة متبادلة وممتعة بين الحدث وتأويلاته السينمائيّة والتلفزيونيّة، لكنّها كذلك فرصة للتفكير في الطريقة التي تتشكّل بها تيّارات فنيّة في الأنظمة الحاكمة على اختلافها، وكيف تصبح بنفسها وثيقة مضلّلة أو دالّة، يستطيع الفنان البصري إعادة خلق معناها من جديد ووضعها في سياق مغاير، في محاولة منه لعدم التسليم بالسرديّات المُنزلة من أعلى، ولإتاحة التأويل الفرديّ للحظات تاريخيّة مفصليّة.
 

The post «عودة أوزيريس»… خطاب التنحّي على الطريقة الفرعونيّة appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
لينا سويلم: صنعت “جزائرهم” للتصالح مع الذاكرة https://rommanmag.com/archives/20056 Sun, 03 May 2020 11:26:30 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d9%84%d9%8a%d9%86%d8%a7-%d8%b3%d9%88%d9%8a%d9%84%d9%85-%d8%b5%d9%86%d8%b9%d8%aa-%d8%ac%d8%b2%d8%a7%d8%a6%d8%b1%d9%87%d9%85-%d9%84%d9%84%d8%aa%d8%b5%d8%a7%d9%84%d8%ad-%d9%85%d8%b9-%d8%a7%d9%84/ عايشة ومبروك سويلم زوجان جزائريان يعيشان في مدينة تيير الفرنسيّة، انفصلا بعد ستيّن عامًا من زواجهما على أرض الجزائر المستعمرة في حينه وانتقلا بعدها مباشرة إلى فرنسا بحثًا عن العمل لإعالة الأهل في الجزائر. بعد الانفصال، انتقل كلّ منهما للعيش في منزلين منفردين، في بنايتين تفصل بينهما عشرات الأمتار . تقوم حفيدتهما المخرجة الفرنسيّة الجزائريّة […]

The post لينا سويلم: صنعت “جزائرهم” للتصالح مع الذاكرة appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>

عايشة ومبروك سويلم زوجان جزائريان يعيشان في مدينة تيير الفرنسيّة، انفصلا بعد ستيّن عامًا من زواجهما على أرض الجزائر المستعمرة في حينه وانتقلا بعدها مباشرة إلى فرنسا بحثًا عن العمل لإعالة الأهل في الجزائر. بعد الانفصال، انتقل كلّ منهما للعيش في منزلين منفردين، في بنايتين تفصل بينهما عشرات الأمتار . تقوم حفيدتهما المخرجة الفرنسيّة الجزائريّة الفلسطينيّة لينا سويلم بالتحرّي وراء أسباب انفصالهما وفي الخلفيّة تلوح ذاكرة جماعيّة وشخصيّة تم ركنُها لعقود من خلال فيلمها الوثائقيّ الأول “جزائرهم” المعروض ضمن فعاليّات المهرجان الوثائقي السويسريّ الدولي “Vision du Reel” في دورته الواحدة والخمسين والمقامة فعاليّاتها أونلاين نظرًا للوضع الرهن عالميًا في أعقاب تفشي وباء الكورونا.

لينا سويلم خرّيجة جامعة السوربون الفرنسية في التاريخ والعلوم السياسيّة، ابنة لأب جزائري هو الممثّل عزّ الدين سويلم ولأمّ فلسطينيّة هي الممثلة هيام عبّاس، ولدت في فرنسا ونشأت في باريس. كان لرمّان معها هذا اللقاء حول فيلمها الوثائقي الأوّل الذي يتناول المنفى في منحاه الشخصي والإنساني، ويطرح مكاشفة الذاكرة كطريقة للمصالحة مع حاضر افترق فيه رفيقا درب بعد ستّين عامًا من الصمت.

هذه تجربتك السينمائيّة الأولى من خلال فيلم وثائقي طويل وكان إطلاقه أونلاين، حدّثيني أوّلًا عن رأيك بعرض الفيلم بهذه الطريقة؟

سبق انتقال المهرجان إلى صيغة الأونلاين سياق غير واضح المعالم قبل تفشّى وباء الكورونا، وكان لديّ أمل بحضور المهرجان، لدى علمي بالقرار الذي اُتخذ من قبل المهرجان كان الأمر صعبًا عليّ في البداية، وظننت أنّي لن أتقبّل فكرة العرض بهذه الطريقة، لكن بعد أيام معدودة أيقنت أنّها فرصة جيّدة لإطلاق فيلمي في هذا السياق وليس الأمر بذلك السوء، لأنّ مهرجان Vision du Reel عريق وهامّ وسعدتُ للغاية عندما اختير فيلمي وكنت متشوّقة لعرضه وأن أتواجد فعليّا في المهرجان وأشاركه مع الجمهور وألتقي بصنّاع أفلام آخرين، لكن إذا كان لا بدّ من عرض أونلاين فليس هناك أفضل من Vision du Reel كمنصّة سينمائيّة بدل من ألّآ يعرض أصلًا. وعندما وافقت كنت سعيدة بقراري ويتعاظم هذا الأحساس كل يوم مع مرور الوقت، فمثلا عُرض الفيلم قبل يومين (وقت تسجيل الحوار) وشاهده 230 مشاهد، وأتلقّى الكثير من الرسائل. لا شكّ بأنّي فرحة أن الفيلم استطلع أن يخاطب الناس وهم معنيون بالتعبير عن مشاعرهم تجاه الفيلم، وفي نفس الوقت حزينة أنّى لا أعيش تجربة التلاقي المباشر بالجمهور، لا تنسَ هذا فيلمي الأوّل في عرضه الأوّل، لم أعش تجربة العرض الأول  (premiere) من قبل ولم أحظ بعرض فيلمي في قاعة، لكني لا زلت متأمّلة أنّ ذلك سيحصل في مرحلة ما. 

لنعد إلى بداية رحلة “جزائرهم”،لماذا صنعتِ هذا الفيلم ؟

أردت دائمًا تصوير جدّتي وكنت معجبة بقصصها، شعرت أنّ هنالك شيء قويّ داخلها ومعاناة متراكمة لا تبوح بها، أكسبها هذا بنظري كاريزما أبهرتني. كنت أصوّر جدّتي كما الجميع يحب أن يفعل، لم أفكّر أنّني سأنجز فيلمًا من خلال تصويرها، لكن تدريجيًّا تطوّرت الأمور إلى أن علمت أنّها وجدي ينفصلان بعد ستّين عامًا من الزواج! أدركت حينها أنّ قصّتهم ليست عاديّة، هنالك شيء خاصّ لا يحصل كثيرا، الافتراق في جيل الثمانين، كان الانفصال بمثابة صدمة لي خصوصًا أنّ جدّتي هي من أخذت القرار، وكذلك فهمت أنّي لا أعلم شيئًا عن حياتهما السابقة، وكان غير مقبول بالنسبة لي أن يرحلا دون أن أعلم قصصهما ودون أن يمرّرونها إليّ، شعرت تلك الحاجة لتصويرهما وكسر الصمت قبل فوات الأوان.

هنالك بالتأكيد لحظة تحوّلوا فيها من جدّ وجدّة إلى شخصيات وثائقية، هل كان مريحا لهما الانكشاف أمام الكاميرا ؟

أحسست منذ البداية أن جدتي مستعدة أن تشاركني تجربتها امام الكاميرا، لكن في الحقيقة لم يشعرا كثيرا بحضور الكاميرا، كانت هنالك أحاديث حقيقيّة وجديّة، لم يُبن الفيلم بمنطق ميزانسين سينمائي معين، صوّر الفيلم بشكل طارئ مع كاميرتي لوحدي، كنت أصور وأسجّل الصوت، واستعنت أحيانا بأختي وأبي وبعض أقاربي. حاولت أن أفعّل عنصر الذاكرة في الحياة العائليّة اليوميّة، ولم أشعر أنهما غير مرتاحين، بالتأكيد كانت هنالك لحظات صمت وأبواب مقفلة في وجهك، جدّي مثلا لم يتكلّم في البداية على الإطلاق، لكن انفتح تدريجيًّا ، خصوصا عندما علم أني سافرت للجزائر، لمسقط رأسه في منطقة العماير وأريته صورًا من هناك. رحلة الفيلم هي رحلتي في حياتهم، كل شي اكتشفه الفيلم، اكتشفته أنا أيضا في نفس الوقت.

كان هنالك توقّع ما أن تصوّري مشاهد في الجزائر نفسها خصوصا أنّك سافرتِ إلى هناك، لماذا اخترتِ ألّا تصوّري مشاهد في الجزائر واكتفيتِ بمناظر قليلة من الطبيعة هناك؟

في البداية لم أخطط مطلقًا أن أصوّر في الجزائر لأنّ الفيلم عن المنفى وتجربة حياة هذا الجيل من الجزائريّين في فرنسا، ، حصلت على إقامة فنية في الجزائر وذهبت إلى العوامر هناك وأخذت كاميرتي ولم أتوقع ما كنت سأجده وابتدأت بالتصوير ، كان أمرًا لا يصدّق لم أتخيّل تلك المناظر، تلك الجبال المغطّاة بالثلوج، لم أعرف كيف أتصرّف في ذلك الحيّز الذي تعرّفا فيه على بعضهما البعض قبل ستّين عامًا، وها أنا في نفس المكان تحت الثلوج مع كاميرتي، كان الأمر كالحلم ، غير حقيقيّ، قابلت بالتأكيد بعض أفراد العائلة في القرية، وصوّرت معهم لكن قرّرت ألّا أظهرهم على الشاشة لأنّ الفيلم في النهاية عن جدّي وجدّتي وعمّا في عقولهم وقلوبهم، وليس عمّا يحصل اليوم في الجزائر بل ذكرياتهم عن وطنهم وهم بعيدون عنه، لذلك أسمّيها جزائرهم وليس الجزائر. 

في أحد المشاهد الدالّة تعلّق جدّتك لنفسها صور أو بطاقات مبروَرة كُتب عليها “أفضل أم في العالم” و “الجدة الأفضل تسكن في هذا البيت”، هذه المرأة تكافئ نفسها بنفسها وتقول لنفسها ما لا تسمعه من الآخرين ومن زوجها تحديدًا. ما هي أكثر المشاهد التي أثّرت فيكِ خلال تصوير الفيلم؟

أول مشهد يخطر في ذهني عندما أخبرَتني كيف تزوّجت جدّي. كنت أعلم أنّهما لم يعرفا بعضهما البعض وأن زواجهما كان مرتّبا من قبل عائلتيهما كما الجميع في تلك الفترة، لكن لم أكن أعلم أنها لم تره بتاتاً واكتشفتْه فقط حينها، ولذلك رد فعلي في الفيلم هو نفسه في الحياة ،كنت متفاجئة جدا وتأثّرت بأنها شاركتني تلك الذكريات الخاصّة والممنوعة، وشعرتُ كم حاولتْ ألّا تهوّل من قسوتها وشاركتها بطريقة طريفة وبضحك لتخفف من وطأتها، لتحمينا وتحمي ذكرياتنا عنها. كان مؤثرًا للغاية. ومع جدي هنالك اللحظة التي أريه فيها صورًا التقطتها في الجزائر في مسقط رأسه ، كانت تلك اللحظة الأولى التي أراه فيها مبتسما وعيناه تبرقان ، كانت المرّة الأولى في الفيلم يعبّر فيها عن عاطفة إيجابيّة ويمتلئ قلبه بشيء ما .

لدى جدك وجدتك ذكريات دامية على مستوى الذاكرة الجماعيّة في الجزائر تحت الاستعمار. هنالك شيء ما عالق لا يُحكى عنه وحاولت أن تصالحيهم معه، كمشهد جدّتك مع صور أمّها وتأثّرها، أو حتّي رمزيّة دخول جدّك إلى متحف صناعة السكاكين في مدينته تيير الفرنسيّة، وهو أفنى عمره كالكثير من الجزائريين في العمل في مصانع السكاكين

كان لي مذهلًا أنّه لا يتحدّث عن عمله، يجيب فقط بنعم أو لا، لذا فكّرت أن اصطحبه إلى مكان يوقد به ذكريات معيّنة، قرّرت أن نذهب معًا إلى حيث كان مصنعا عمل به، وإلى متحف صناعة السكاكين، كنت متأكدة أنّه سيقضي عشر دقائق من الصمت هناك ويغادر، لكنّي رأيت كم أثر الأمر عليه، كانت تلك حياة عمّال مضنية وصعبة، ترك الجزائر وأهله، وعمل كل حياته في مصنع سكاكين، وفجأة أقفلت كل هده المصانع وانطوت معها فترة من حياته. وقف جدّي هناك في المتحف وقد خسر كل شيء عرفه في حياته٬ زوجته، عمله ووطنه. صفّى وحيدًا وهو في هذا السنّ ممتلئًا بالحسرة.

تحول جدّك لجزء من المتحف 

صحيح، والمتحف في تيير غاب عنه أي ذكر للجزائريين، كل الجزائريين الذين عملوا وأفنوا عمرهم عمّالًا في مصانع السكاكين ، كانت محاولة لي في هذا المشهد أن أضعه مجدّدًا في التاريخ، حتى في الشرح المرفق داخل المتحف ذُكر أنّها صنعة فرنسية قديمة ولم يذكروا الجزائريين الذين تركوا بلادهم وأُحضروا إلى هذا العمل الذي عانوا فيه كثيرا.
 

لا شكّ في أنّ الهويّة هاجس يحرّكك و البحث فيها متّقد ومستمرّ ويرافق الظروف التي نشأتِ فيها. سينمائيًّا ، ما هي المرجعيّات التي ترينها ملهمة أو أثّرت علي الطريقة التي تصنعين بها أفلامًا وتتطرق للهويّة الجزائريّة أو الهويّة الأصلانيّة ؟

اعتقد أنّني اكتشفت ما أريد عمله عندما اكتشفت الأفلام الوثائقية، وكذلك عندما اشتغلت في مهرجانات سينمائية لحقوق الإنسان في الارجنتين، هنالك اكتشفت أفلامًا عالجت فنيًّا قضايا الهوية والمسائل الاجتماعيّة والذاكرة والتاريخ الجماعي، هذا الدمج جذبني بين الفن والمشاكل الراهنة ومعالجتها بشكل حسّي ومخاطبة الجمهور بها، مثلا فيلم act of killing لجاشوا اوبنهايمر من الأفلام التي أثّرت في، مع أنّ الفيلم يتناول قضيّة الإبادة الجماعيّة في إندونيسيا وهي قصّة ثقيلة جدًّا، لكنها سُردت سينمائيّا في تبيانها للفظائع دون أن تكون تراجيديّة الطابع وبطريقة جذّابة، وفيلم آخر أحبه “عالم ليس لنا” للفلسطيني مهدي فليفيل، هو كذلك يبدأ مع عائلته ويظهر في الفيلم، وله تجربة شخصيّة خاصة، فهو متواجد في أوروبا وأهله في المخيم ، ويبيّن كيف يؤثّر المنفى على ذاكرة الأجيال، لكن بنفَس فيه دعابة بالرغم من تراجيديّة بعض اللحظات، أعتقد أنّ أقوى التوليفات في هذه الأفلام هو الانتقال من الخفّة إلى الثقل وفي الخلفية قصّة جماعيّة تروى وهذا ملهم. 

واضح في الفيلم أنّ الأرشيف كان مدخلًا لبناء القصّة وأنت محظوظة بهذا الأرشيف العائليّ الذي صوّره والدك، كان هنالك توثيق لشكل المناسبات العائلية للجاليات الجزائريّة في فرنسا في التسعينات . هل مشاريعك المستقبليّة ستتعامل كذلك مع الأرشيف؟

كان الأرشيف بالفعل نقطة البداية، عندما انفصل جديّ وجدّتي وباشرت بتصويرهم رأيت كل الفيديوهات العائلية، كان أكثر من مجرّد ذكريات، كان إثباتًا للذاكرة التي لا يتحدّثون عنها، كان دليلا بصريًّا وإدماجه هامّ، استطعت ان أقول لهما ها هو الأرشيف ، لديكما قصّة خاصة، قصة منفى وأنا جزء منها أيضًا، وأنا طفلة في ذلك الأرشيف، واستخدمت القليل من الأرشيف نسبيا لأن أساس التغيير في الفيلم وأحداثه تحصل اليوم. المشروع القادم اريد ان اعتمد فيه أكثر على الأرشيف وأن أبني سردية من خلاله، من خلال الصورة، لكن عن طريق شقّي الفلسطيني وتحديدًا من خلال النساء في عائلة أمّي وكيف انتقل تمرّدهن من جيل إلى آخر . لدي فيديوهات كثيرة مصوّر في فلسطين، كانا والديّ يصوّران كل رحلاتنا العائليّة في التسعينات إلى الجليل والقدس وأريحا وغزّة وعكّا وطبريّة. تلك الشرائط هي برهان وجود لك عندما تُنكر هويّتك وأعتبر مشروعي هذا نوع من المقاومة البصريّة. 

عندما تقارني نفسك بجدّك وجدّتك ما هو الاختلاف ، وبكلمات أخرى ، كيف ساهم أو أنقص تعقيد هويّتك في تصوّرك لمن أنت؟ 

كنت محظوظة لأن والديّ الاثنين عملا في السينما، لذا كان لدي مدخل للعديد من الأشياء لا يحظى بها أناس آخرين من هويات مختلطة ممتزجة. بلا شكّ هنالك صعوبة أن تنشأ في دولة لا تتشارك معها التاريخ لكن تتشارك معها الثقافة، أنا ولدت في فرنسا وجزء من ثقافتي فرنسيّ بلا شكّ، لكنّي لست كأي فرنسي أو فرنسيّة آخرين، لدي عائلة في الجزائر وأخرى في فلسطين، وتاريخ جماعي ثقيل لقصص حروب واستعمار واحتلال، أحيانا من الصعب أن تجد مكانك وسط كل هذه التراكيب وتقول لنفسك إنّك ذو امتياز فأنت مولود في أوروبا وخارج كل هذا، لكن في ذات الوقت، يسري تاريخ عائلتك في دمّك وبطريقة ما عليك إيجاد التوازن. هنالك حاجة للتبرير أن تقول مثلا في فرنسا أنا فرنسية ولكني كذلك فلسطينية وجزائرية، والعكس عندما تكون في المكان الآخر، لكن ربّما نحن محظوظون في هذا السياق المعاصر أن خليط الثقافات مقبول دون أحكام كما في الماضي، هذا صراع يومي وصراع إيجابيّ. 

ما هي أهم الدروس التي خرجتِ بها في تجربتك الأولى في إخراج فيلم وثائقي طويل؟

أعرف أنّها جملة مكرّرة (تضحك) لكن آمن بنفسك! لم استسلم أبدًا حتى لدى مروري بلحظات لم يكن فيها دعم، وأنا محظوظة أنّ لدي في هذه الصناعة الكثير من الأصدقاء والداعمين الذين أصبحوا قريبين لي. عندما تعود إلى بيتك أنت وحيد وتواجه الأشياء بمفردك، وفقط من خلال العلاقات الإنسانيّة القويّة داخل الوسط السينمائي تستطيع التقدّم، وغايتي أن يشاهد الجمهور هذا الفيلم ويستطيع التواصل مع الذاكرة والإحساس فيه. 

The post لينا سويلم: صنعت “جزائرهم” للتصالح مع الذاكرة appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
“ليس هناك شرّ”… بل جمال في أن تقول لا! https://rommanmag.com/archives/19987 Mon, 02 Mar 2020 14:01:00 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d9%84%d9%8a%d8%b3-%d9%87%d9%86%d8%a7%d9%83-%d8%b4%d8%b1%d9%91-%d8%a8%d9%84-%d8%ac%d9%85%d8%a7%d9%84-%d9%81%d9%8a-%d8%a3%d9%86-%d8%aa%d9%82%d9%88%d9%84-%d9%84%d8%a7/ لم يكن مفاجئًا تواصل التصفيق الحارّ لدقائق عديدة وعدسة الكاميرا مثبّتة على كرسي أحمر شاغر ألصقت عليه ورقة بيضاء تحمل اسم المخرج الإيراني محمّد رسولوف بعد عرض فيلمه المؤثّر “ليس هناك شرّ ” في الدورة السبعين من مهرجان برلين السينمائي الدوليّ. بينما كانت المفاجأة الأكبر أن ينال الفيلم الذي عرض في اليومين الأخيرين من فعاليّات […]

The post “ليس هناك شرّ”… بل جمال في أن تقول لا! appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>

لم يكن مفاجئًا تواصل التصفيق الحارّ لدقائق عديدة وعدسة الكاميرا مثبّتة على كرسي أحمر شاغر ألصقت عليه ورقة بيضاء تحمل اسم المخرج الإيراني محمّد رسولوف بعد عرض فيلمه المؤثّر “ليس هناك شرّ ” في الدورة السبعين من مهرجان برلين السينمائي الدوليّ. بينما كانت المفاجأة الأكبر أن ينال الفيلم الذي عرض في اليومين الأخيرين من فعاليّات المهرجان الدولي جائزة “الدبّ الذهبي” بعد خيبة أمل نقّاد كثيرين من مستوى بعض الأفلام المشاركة في المسابقة الرسميّة للمهرجان.

رسولوف ممنوع من مغادرة إيران بتوجيهات حكوميّة وأحكام قضائيّة لاتّهامه بنشر بروباغندا معادية للنظام، ابتدأت ملاحقته قضائيًّا والتضييق عليه ومنعه من التصوير منذ عشرة أعوام، وصودر جواز سفره قبل ثلاث سنوات بعد عودته من مهرجان كان بعد أن نال فيلمه “رجل نزيه” جائزة أفضل فيلم عن فئة “نظرة ما”. 

يقدّم رسولوف في جديده ما يمكن وصفه بأنطولوجيا سينمائيّة رقيقة وأليمة تمتدّ على نحو ساعتين ونصف مكوّنة من أربع قصص بأربعة عناوين، رابطًا النسيج السرديّ للشريط بثيمة مركزيّة أفقيّة تصل ما بين الأجزاء الأربعة وتتمحور حول التعامل الفرديّ الأخلاقيّ للشخصيّات مع أحكام الإعدام في إيران، كلّ في عالمها وسياقها المختلفين.

استوحى رسولوف القصّة الأولى التي سبقها عنوان الشريط كعنوان لها أيضًا، من حادثة حقيقيّة عايشها عندما رأى أحد المحقّقين الذين استجوبوه في الماضي، خارجًا من أحد البنوك مستقّلا سيّارته، وخلال محاولة ملاحقة المحقّق استوعب رسولوف كم أنّ الرجل عاديّ وشبيه للناس من حوله، ويقول في أحد لقاءاته “إنّ ما من وحش أو شيطان في الحكاية (الترجمّة الحرفيّة لعنوان الفيلم عن الفارسيّة “الشيطان غير موجود”)، كل ما في الأمر أنّ ذلك الإنسان لم يسأل نفسه عن تصرّفاته”، أمّا في القصّة السينمائيّة فبطلها هشمت (إحسان مرحُسيني)، رجل هادئ في منتصف الأربعينات، رقيق وبارّ بأمّه المريضة، حنون مع طفلته، وحسّاس فوق العادة بالتفاصيل الأنثويّة، فلهُ ذوق خاصّ في فستان زوجته، ويصبغ شعرها بنفسه في البانيو، لكن تأتي الصاعقة الكبرى في أقل من النصف الدقيقة لنهاية الجزء حين نفهم مدى وحشيّة مهنته التي يقوم بها بشكل هادئ وروتيني كلّ يوم من خلال كبسة زرّ لا مبالية تسحب أرواح العشرات المتدليّة أرجلهم باستسلام قبل أن ينهمر سيلٌ لاإراديّ من بولٍ أخيرٍ لهم.

زرع رسولوف في هذه القصّة تحديدا رمزيّات بصريّة بليغة تحمل تضادًا بكبر حجم الفارق بين الحياة والموت من خلال ضوئين كالأحمر والأخضر، يسرح بهما هشمت في انتظاره أمام الإشارات ضوئيّة، أو لافتات المحلّات، ولا يتضّح معنى تلك الألوان تمامًا إلا من خلال المشهد الأخير من القصّة حين يتحكّم هشمت بحياة من ينتظرون أحكام الإعدام من خلال أزرار ضوئيّة مشابهة، وهو يحضّر الشاي لنفسه. 

“هنالك جمالٌ في أن تقول لا” يقول رسولوف في لقاء مصوّر عن طريق السكايب مع مهرجان البرلينالي، وهذا عمليّا ما عبّر عنه من خلال القصص الثلاثة الأخرى في الفيلم، ففي القصّة الثانيّة “هي قالت : أنت تستطيع فعلها” ذات الإيقاع التشويقي والمختلف كليًا عن إيقاع القصّة الأولى نشهد احتدام التخبّطات الأخلاقيّة لدى مجنّد شابّ يدعى بويا (كافيه أهانجار) في أوّل مهمّة تنفيذ حكم إعدام تلقى عليه، وهو على علم تامّ أنّ مخالفة تلك الأوامر وعدم إنهائه الخدمة العسكرية الإلزاميّة ستحرمه من الحصول على جواز سفر أو وظيفة، ينقل رسولوف (المحروم من جواز سفره) ذلك التوتّر من خلال مشاهد معتمة، أماكن ضيّقة، وتسارع إيقاع حركة الكاميرا تدريجيّا إلى أن يتحول هذا الجزء كليّا إلى جانر مطاردة بحت، ويثير أسئلة عديدة من خلال المحادثات التي تدور بين المجنّدين الذين يبدون للوهلة الأولى معتقلين، حول أخلاقيّة القوانين عمومًا، هل ما هو قانوني أخلاقيّ أو عادل؟ وتباعًا هل الخروج عن القانون هو بالضرورة فعل غير أخلاقيّ؟ الإجابة واضحة لرسولوف، لكن على بويا أخذ قراره الفرديّ في وجه منظومة كاملة، وعليه تخطّي هاوية شاسعة من المخاطرة وهذا ما يكسب الحبكة وقودها التشويقيّ بنجاح كبير. 
 

بصريّا وثيميّا، الانتقال من القصّة الأولى حتّى الرابعة هو انتقال من الظلمة والأماكن المغلقة إلى النور والبراح، من الانصياع إلى الرفض والتحرّر، فبعد نهاية المشاهد الليلية المظلمة لمطاردة بويا في القصّة الثانيّة، تبدو بداية القصّة الثالثة “عيد ميلاد” نوعًا من الهذيان الرومانسي: شابّ وسيم يسبح في بحيرة وسط أشجار خضراء، يرشّ عطره ويتفحّص وسامته في مرآته الصغيرة استعدادًا لرؤية حبيبته نانا التي تسكن في هذه المنطقة الريفيّة الساحرة (وهذا عمليّا ما أتاح للمخرج المحظور أن يصوّر براحة أكبر في أماكن بعيدة عن المدن ورقابة الأجهزة المخابراتيّة).

يخطّط ّهذا الشاب جافاد (محمّد فالزيديجان)، وهو مجنّد ينتظر بفارغ الصبر إنهاء خدمته العسكريّة، أن يتقدّم للزواج من نانا يوم ميلادها وزيارة عائلتها، لكن تتعقّد الحبكة تدريجيّا ويتضّح أنّ هنالك صلة ما تربط بين جافاد وإعدام أحد الأصدقاء المقرّبين للعائلة ذات التوجّه اليساري، يطرح رسولوف في هذا الجزء قسوة إدراك أن تكون مشتركا في جريمة بغطاء توفّره لك الدولة لتريحك من أي فرز أخلاقي محتمل قد تقوم به، تمامًا كأن تدخل إلى بيت دافئ يحتضنك فردًا جديدًا من العائلة، وترى صورة كبيرة معلّقة لشخص تحبّه هذه العائلة، قمت أنت بإعدامه. تتفوّق هذه القصص الثلاث المكتوبة والمصوّرة بإحكام لافت وبسلاسة لا تترك مكانا للشك في حرفيّة صانع هذا العمل، على القصة الرابعة “قبّلني” التي بدت أقلّ قوّة من الآخرين لاختتام الشريط بها لكن هذا لا يلغي بالطبع براعة رسولوف في قدرته على التنوّع في السرد روائيا وبصريّا والانتقال بين عوالم غريبة عن بعضها. في هذه القصّة التي تدور أحداثها في منطقة قاحلة وبعيدة عن العصريّة، ننكشف لمعنى أن تكون منبوذًا من قبل نظام سياسيّ، وأن تدفع أثمانا باهظة مثل الطبيب باهراد الذي يحاول أن يكشف أسرارًا عائلية للفتاة داريا (باران رسولوف ابنة المخرج التي تسلمّت الجائزة نيابةً عن والدها) وهي لا تدرك أنّ زيارتها لباهراد صديق والدها سوف تغيّر حياتها. 

على عكس ما قد يفهمه البعض بالسبب الترجمة الإنجيلزيّة لعنوان الفيلم (There Is No Evil/ ليس هناك شرّ)، وقد يُفهم أنّ رسولوف ينوي أن يمرّر من وراء قصصه الأربع معنىً مضادًا أي أنّ هنالك شرّ فعلًا وها أنا أريكم إيّاه، فإنّ فهم ترجمة عنوان الفيلم كما قصدها رسولوف عن الفارسيّة (شيطان وجود ندارد/ الشيطان غير موجود)، هي أخطر وأهمّ بكثير حيث أنّ الأفعال الشيطانيّة أو الشريرة يقوم بها أناس عاديّون وهم الأغلبيّة وما من كائن إبليسيّ موجود ليتجنّبوه ويحذروه، فهؤلاء يعتقدون أنّ ما يفعلونه أخلاقيًا وصحيحًا طالما تراه الدولة كذلك وتعرّفه على أنّه قانونيّ. 

عندما تحصل أفلام صنّاعها من دول قمعيّة أو على عداوة مع الغرب على جوائز في محافل دوليةّ غربيّة، تحوم دومًا تلك الشكوك حول صدقيّة وموضوعيّة تتويجات من هذه النوعيّة وسياسيّة القرار من خلفها، لكن حصول “ليس هناك شرّ” على جائزة الدب الذهبي في البيرلينالي، إنّما هو تتويج حقيقيّ للسينما المنسوجة بدقّة ورقّة متناهيتين، وتحاول أن تتحدّى القمع من خلال الفنّ، لذا أكّد رسولوف الذي أنجز فيلمه كاملًا بالسرّ ، أنّ هنالك بالفعل جمال في أن تقول لا! 

The post “ليس هناك شرّ”… بل جمال في أن تقول لا! appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
«نرجس.ع»… يوم في حياة متظاهرة جزائريّة https://rommanmag.com/archives/19980 Wed, 26 Feb 2020 11:37:02 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d9%86%d8%b1%d8%ac%d8%b3-%d8%b9-%d9%8a%d9%88%d9%85-%d9%81%d9%8a-%d8%ad%d9%8a%d8%a7%d8%a9-%d9%85%d8%aa%d8%b8%d8%a7%d9%87%d8%b1%d8%a9-%d8%ac%d8%b2%d8%a7%d8%a6%d8%b1%d9%8a%d9%91%d8%a9/ مهرجان برلين السينمائي الدولي في دورته السبعين

The post «نرجس.ع»… يوم في حياة متظاهرة جزائريّة appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>

زيّنت شوارع الجزائر الثائرة شاشات عرض مهرجان برلين السينمائي الدولي في دورته السبعين (20.2 – 1.3) من خلال العرض العالميّ الأولّ لفيلم “نرجس.ع” (وثائقي 80 دق) للمخرج الجزائري البرازيلي كريم عينوز والمعروض ضمن فئة “بانوراما” في المهرجان.

نرجس هي الفتاة التي يرافقها الفيلم الوثائقي المصوّر بالكامل بهاتف محمول، ورغم ذلك، أو عمليا لذلك خرج في نصفه الأول تحديداً بجماليّات سينمائية خلقها احتدام اللحظة التاريخيّة. حظينا بلقطات مقرّبة جدّا لنساء وشبّان جزائريين لم يشعروا بوجود كاميرا أو معدّات تصوير تقف حاجزاً أمام تلقائيتهم، وتدفّق أملهم الجارف ورفضهم للعهدة الخامسة لرئيس مُقعد في دولة أغرقها الفساد.

نرجس من مواليد العشريّة السوداء أو العقد الأسود الدامي في تاريخ البلد الذي أنهكته المجازر في التسعينات، ممثلّة شابّة وناشطة تقرّر على غير عادتها أن تتزيّن وتستعمل مساحيق الماكياج والحُلي لدى خروجها للتظاهر في هذا اليوم، لتسدّد ديْناً لتاريخ عائلتها التي دفعت أثماناً منذ حقبة الاستعمار وصولا إلى النظام الحالي، جدّها وجدّتها استشهدوا كما الملايين من الجزائريين، ولدت أمّها في سجون الاستعمار الفرنسي، أمّا والدها فهو ناشط يساريّ أبعد عن الجزائر في التسعينات، والآن حان دورها لتأخذ بثأر عائلتها من طغيان الظلم في البلاد، أو كما صاحت في إحدى المشاهد “داروا الديوبة (الذئاب) في الجزاير”.
 

يحاول المخرج بناء هذا الخط التاريخيّ بصريّا من خلال مقدّمة الفيلم القويّة التي يستعرض فيها صور أرشيفية بالأبيض والأسود، لمظاهرات قام بها الجزائريون في مطلع الستينات لتحرير بلادهم، وينتقل بعدها بالألوان إلى مشاهد أوّل مظاهرة حاشدة في الجزائر قام بها الجموع اعتراضا على تمديد فترة رئاسيّة خامسة للرئيس بوتفليقة، وللمصادفة بدأت قبل عام بالضبط من العرض الأول للفيلم.

خُلق الفيلم الطازج دون أن يخطّط له عينوز كما صرّح بعد عرضه، حيث لم يكن بإمكانه تجاهل لحظة تاريخيّة عظيمة خرج فيها الآلاف من المتظاهرين السلميين إلى شوارع العاصمة الجزائرية، واتّخذ قراراً سريعا بمرافقة نرجس في تظاهرة عملاقة، أو كما جاء في تترات الشريط وتوصيف السرديّة: يوم في حياة متظاهرة جزائريّة.

عن اختيار الهاتف المحمول لتصوير كلّ الفيلم ومدى صعوبة أو سهولة ذلك قال عينوز إنّه لم يكن هنالك خيار آخر، هنالك أفلام تطلب منك أن تصنعها ولا يهمّه تعريف الجهاز سواء كان كاميرا أو هاتف محمول، المهم وجود عدسة توثّق اللحظة، ووفقا لتعبيره لم يكن منطلقه السينمائي التصوير (shooting) بل الالتقاط (capturing)، بالإضافة إلى فكرة ذوبان كاميرا الهاتف وسط الجموع، مقارنة بمعدّات كبيرة عادة ما تثير تساؤلات المتظاهرين إن كانت تابعة للتلفزيون الرسمي الذي فقدوا فيه الثقة منذ زمن. من اللافت في الفيلم الحضور القوي للنساء في الشوارع والمظاهرات، لم يكن اختيار نرجس عبثيّا كبطلة وثائقيّة للفيلم فهنالك بلا شكّ قوة ثيميّة تعزّز ذلك التماهي بين الوطن والمرأة، لكن المفاجئ أنّ هنالك شخصيات نسائيّة عابرة في الفيلم أقوى من نرجس حضوراً وجماليّا أمام الكاميرا في منتصف عقدهم الخامس ربّما، يرفعن اللافتات السياسيّة ويزغردن كأنّهن في احتفال بزفاف ما.

من المشاهد التلقائية واللافتة جلوس المئات من المتظاهرين الشبّان على شرفات مبنى وزارة الثقافة واستيلائهم على المبنى الحكومي، وانتشارهم الكثيف بجانب لوغو الخطوط الجويّة الجزائريّة وصوت طائرات عسكريّة محلّقة في الخلفيّة، وكأنّهم بأنفسهم هم من سيقلعون بالجزائر بدلا من الطائرات العسكريّة.
 

تعمّد العنيزي إظهار الأمل والثورة الشابّة التي غابت عن الواقع العربي وأفلامه في المنطقة، بالإمكان صدقا استنشاق ورود ربيع لم يقدّر له أن يزهر قبل تسع سنوات في المنطقة العربيّة. لكن أحيانا تلك الرغبة بإخراج فيلم مظاهرة وثائقيّ (وهذه مهمّة غير سهلة) قد يوقع المخرج في مطبّ سرديّ يدخله أحيانا إلى مأزق في بنائه رواية الشخصية الوثائقيّة التي يتوجّب عليها سرديّا أن ترفع دراميّا من عمق الحدث وربّما هذا ما لم يفلح به عينوز الذي لم ينته من العمل على الفيلم إلا قبل عرضه بأسبوع، فمقابل النصف الأوّل المتدفّق والقوي للشريط نلحظ هبوطاً معيّنا لإيقاع الفيلم في نصفه الثاني، حيث لم تضف نرجس له ما كنّا نتمنّاه من شخصية وثائقيّة لفتاة عالمها مركّب جدّا ويوفّر كل إمكانيات الجذب السرديّة، حيث بقيت في بعض الأحيان بعيدة رغم محاولة المخرج إظهار جوانبها الحياتيّة الشخصيّة، وكذلك من الصعب عدم ملاحظة شعورها بوجود عدسة تصوّرها إلى جانبها بالإضافة لبعض لحظات الخطاب السياسي المباشر، وبعض المطّ في نهاية الفيلم وكأنّ هنالك إصرار من عينوز الخروج بفيلم وثائقي طويل.

لكن كلّ ذلك لا ينتقص من جمال وأهميّة التقاط لحظات استثنائيّة على الشاشة لشعب جابَ عاصمته مطالباً بإسقاط زعيم ونظام فاسدين، تحديداً في لقطات أماميّة مقرّبة للوجوه الثائرة شباباً ونساءً، فيها كلاستروفوبيا آسرة لوجوه منتفضة تريد أن تتحرّر من سجنها وإطارها في عدسة المحمول. يبدو الطغيان قدرها والثورة حرفتها، حتّى وإن لم يبنِ الشريط سرديّة كاملة الإحكام لشخصيّته الوثائقية، فيحسب له أنّ أشركنا كمشاهدين في شريان ثورة تدفّق من جديد في بلد الثورة. 
 

The post «نرجس.ع»… يوم في حياة متظاهرة جزائريّة appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>