فاتنة الغرة - مجلة رمان الثقافية https://rommanmag.com/archives/author/216rommanmag-com مجلة ثقافية فلسطينية مستقلة Sat, 02 Nov 2024 08:41:50 +0000 ar hourly 1 https://wordpress.org/?v=6.6.2 https://rommanmag.com/wp-content/uploads/2024/10/cropped-romman_logo-pink-32x32.png فاتنة الغرة - مجلة رمان الثقافية https://rommanmag.com/archives/author/216rommanmag-com 32 32 محمود درويش في “فرانس ٢٤”… بعيون أصدقائه https://rommanmag.com/archives/20025 Thu, 02 Apr 2020 11:53:22 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d9%85%d8%ad%d9%85%d9%88%d8%af-%d8%af%d8%b1%d9%88%d9%8a%d8%b4-%d9%81%d9%8a-%d9%81%d8%b1%d8%a7%d9%86%d8%b3-%d9%a2%d9%a4-%d8%a8%d8%b9%d9%8a%d9%88%d9%86-%d8%a3%d8%b5%d8%af%d9%82%d8%a7%d8%a6%d9%87/ لم يعرف العصر الحديث شاعرًا بشهرة ونجومية الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش الذي وبرغم مرور إثني عشر عامًا على رحيله، إلا أن حضوره مازال فتيًا طازجًا وكأنه يعيش بيننا الآن، وربما ليس من قبيل المصادفة أن يكون شهر مارس هو الشهر الذي جاء فيه إلى الحياة تزامنًا مع الاحتفال بيوم الشعر العالمي. لم يكن درويش […]

The post محمود درويش في “فرانس ٢٤”… بعيون أصدقائه appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
لم يعرف العصر الحديث شاعرًا بشهرة ونجومية الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش الذي وبرغم مرور إثني عشر عامًا على رحيله، إلا أن حضوره مازال فتيًا طازجًا وكأنه يعيش بيننا الآن، وربما ليس من قبيل المصادفة أن يكون شهر مارس هو الشهر الذي جاء فيه إلى الحياة تزامنًا مع الاحتفال بيوم الشعر العالمي.

لم يكن درويش مجرد شاعر كبير مثل غيره، سواء أحببته أم كرهته، راقت لك كتبه أم كنت تفضل شاعرًا آخر عليه، إلا أنه لا اختلاف على كونية هذا الشاعر التي جعلت منه أسطورة لم يقترب منها أحد يومًا ما، ولو كان المتنبي هو أسطورة تراثنا الشعري فإن درويش وبلا أدنى شك هو أسطورة ثقافتنا الشعرية الحديثة والمعاصرة، وفي ذكرى مولده قدمت الصحافية ليانا صالح في قناة “فرانس24” و على مدار أسبوعٍ حلقات خاصًا من برنامج “ثقافة” استضافت من خلاله شخصيات أدبية وفنية عاصرت درويش وعرفته عن قرب، فقدموا لنا مادة غنية وذاكرة عن درويش لم نكن نعرف الكثير عنها.

في الحلقة التي كان ضيفها المؤرخ والناشر ومدير سلسلة “سندباد” في دار “أكت سود” في باريس فاروق مردم بيك، تحدث عما يفتقده بغياب درويش الصديق الذي رافقه “بصورة كثيفة خلال السنوات العشر التي قضاها في باريس حيث كنا نلتقي مع اصدقائنا، ثم عندما غادر فرنسا وكان يعود إليها بانتظام، كما أنه الشاعر الذي يفتقده جميع القراء في العالم العربي وأيضاً في فرنسا” ويؤمن مردم بيك ان درويش كان شاعراً معجزة لأنه كان مسكونًا بالهاجس الشعري ورغبته الدائمة في تطوير أدواته الشعرية، فقد كان يتكلم عن الشعر صباح مساء، وهو الشاعر الذي استطاع تجاوز نفسه في كل مجموعة من مجموعاته والحفاظ على نجوميته الشعرية خارج إطار المثقفين وهذا ما نراه الآن حيث يتم الاستشهاد بشعره دون أن يعرف البعض أن هذه الجملة تعود له”.

وعن سؤالها حول مقروئية درويش في فرنسا أوضح مردم بيك أن حجم مبيعات كتب درويش كثيرًا ما تخطّت مبيعات كبار الأسماء الشعرية والروائية في فرنسا حيث تجاوزت أحيانًا عشرة آلاف نسخة وهو أمر نادر فيما يختص بالشعر. أما عن سؤال صالح حول القضية الفلسطينية وأثرها في زيادة شعبية محمود درويش في فرنسا يقول مردم بيك إنه “لا شك أن القضية الفلسطينية قد حملت درويش في البداية إلى حد بعيد مثلما حملت غيره من الكتاب مثل إميل حبيبي وغسان كنفاني، إلا أنه هو الذي حملها فيما بعد أبعد مما وصل بها أي كاتب قبله أو بعده، واستطاع -حتى بعد وفاته- أن يكون الممثل الشرعي الوحيد للروح الفلسطينية، ولذلك أقول بأن هناك ما يشبه المعجزة فيما يختص بمحمود درويش حيث أنه ظاهرة لن تتكرر لا في الشعر ولا في السياسية”.

وعن مساهمة باريس في خلق انعطاف واضح في مسيرة درويش الشعرية يرى مردم بيك أن “باريس قد أبعدته عن السياسة اليومية لأنه كان محاطاً بها في بيروت حينما كان عضوا عاملًا في السياسة الفلسطينية، لكنه تفرغ للشعر في باريس وكانت لديه مكتبة ثرية بأهم الكتب العربية، فقد كان قارئا نهما وشغوفًا باللغة العربية إلى حد أنه كان يقرأ صفحة من لسان العرب يوميًا، وكان حتى يلعب معنا لعبة معاني الكلمات وأصولها، إضافة إلى قراءاته في الشعر العالمي المترجم للانجليزية أو العبرية التي كان يجيدها أو العربية طبعا.

 وعن أهم الذكريات التي تربطه بدرويش يذكر مردم بيك أنه كان هناك العديد من الذكريات الخاصة ربما كان من أهمها حينما رافقه إلى مقدونيا لاستلام جائزة التاج الذهبي التي تعتبر أرفع جائزة أدبية هناك موضحًا “أن الجائزة كانت مهمة جدا لدرويش حيث أن أكبر شعراء القرن العشرين من أودن إلى نيرودا وغيرهم هم من حصل عليها، ويستذكر مردم بيك نزهتهما في حديقة على ضفة بحيرة حيث كان عليه أن يزرع شجرة كتقليد للجائزة و”كنت أطرح عليه اسئلة عن كل شاعر فاز بالجائزة واحتفظت بالاجوبة على أكتب عنها مقالًا لم أنجزه حتى الآن”، وقد اختتم مردم بيك اللقاء بالحديث عن زيارته لقبر درويش في رام الله حيث يروي مردم بيك كيف تأثر حينما زار قبر درويش، وكيف كانت هذه تجربة خاصة بمجملها كونها أيضًا أول مرة زيارة لفلسطين يقوم بها في حياته.

في حلقة الموسيقي والمغني اللبناني مارسيل خليفة الذي اقترن اسمه على مدار عقود بدرويش حيث غنى عددًا كبيرًا من قصائده صارت أناشيدًا وطنية في العالم العربي بأكمله، افتتحت ليانا صالح الحديث عن آخر حفلة أقامها في باريس بدعوة من فيلارموني أو “اوركسترا باريس” والتي قدم فيها عرضا استثنائيا مع ابنه بشار خليفة تحية لمحمود درويش حيث علّق خليفة “أنها كانت أمسية أعادت لملمة الذاكرة المشتركة التي جمعت الموسيقى التي ألفتها وقصائد محمود درويش، وأضاف أن ابنه بشار قد عاش هذه التجربة منذ كان صغيرًا، حينما شاركه في أول تجربة له عندما كان يبلغ من العمر الخامسة عشر وكان العمل بعنوان “تقاسيم” وكنا سنقدم الامسية معًا وصادف أن درويش كانت له أمسية على خشبة مسرح اليونسكو في نفس الوقت ولأني أعرف محمود فقد كنت على معرفة بالتوتر الذي عادة ما يصيبه قبل القراءة وقد انتبه درويش يومها إلى أن بشار كان يتصرف بشكل عادي وكأنه معتاد على ذلك، فسأله ألا تشعر بالخوف فأجابه: لا ، فاستغرب محمود وسألني معقول؟ وقد استدعيت هذه الذكري حينما كنا على وشك الخروج للجمهور في هذا الحفل واذا ببشار يعيش نفس التوتر الذي كنت أراه سابقًا عند درويش”، مضيفًا “لقد استطعنا ان نعيد إنتاج هذه الأعمال التي لم تقدم على المسرح كثيراً مثل أنا يوسف يا أبي أو إلهي لمذا تخليت عني وقد كان الطقس احتفاليًا وكأن القاعة تحولت إلى معبد ومريم تناجي إلهها”.

وبسؤال ليانا صالح عن ألبومه الأول “وعود من العاصفة” والذي قدم فيه عددًا من قصائد درويش دون، أوضح خليفة “أن هذا العمل جاء بالصدفة حيث كنت بسبب أفكاري محجوزا في المنزل وكان معي في البيت بضعة دواوين لدرويش بدأت القراءة فيها ومن ثم بدأت بوضح ألحان لها خاصة وانني كنت متخرجًا للتو من معهد الكونسرفتوار، وبالحقيقة أنني كنت ألعب أو أتسلى بعمل ألحان لبعض القصائد التي قرأتها وما كنت أعرف أن هذه التجربة ستوصلنا إلى ما وصلنا إليه الآن، ثم اضطررت للخروج من القرية وقدمت إلى فرنسا واجتمعت بعدد من الأصدقاء حيث أسمعتهم بعض القصائد بصوتي وقاموا على الفور بأخذي للاستوديو لأسجل كل الأعمال في يوم واحد مثل ريتا، وأحنّ إلى خبز أمي وجواز سفر وغيرها وفي غضون وقت قليل انتشرت هذه الأغاني عربيًا ولاقت اقبالًا كبيرًا حتى أن درويش نفسه كتب مقالًا قال فيه “إن هذه الأغاني فضحت علاقة الحب التي بيني وبين أمي حيث كتب هذه القصيدة على علبة كبريت في السجن” وقد حدث كل هذه دونما أدنى لقاء بيني وبينه إلى أن جاء اليوم الذي التقينا فيه في بيروت مع عدد من الكتاب أذكر منهم الروائي إلياس خوري حينها قال لي ألا تعرف أن هناك ملكية أدبية لهذا القصائد فأجبته أنني فقط قمت بغنائها انطلاقًا من إعجابي بها ونشأت منذ ذلك الحين صداقة كبيرة لم تنتهي، وأذكر أنه لم يسألني يومًا لألحن له قصيدة بعينها ولا أنا سألته عن قصيدة أود تلحينها، كان يعطيني مطلق الحرية في اختيار ما أريد، ولاحقًا تحولت هذه الأغاني إلى نشيد أو على حد قول درويش إلى “خبز يومي”.

وعن الذي أضافته قصائد درويش لألحان مارسيل أو العكس يؤكد خليفة انه “لا يمكننا فصل القصائد عن الموسيقى لأنها كانت حالة التحام ووحدة وتشابك، وكلاهما أعطى شيئًا للآخر، فق استفدت كثيرًا من إيقاع وجمالية هذا الشعر واستطعت الذهاب إلى أماكن بعيدة سواء في الإيقاع أو المقامات ووصلت حتى لتلحين قصائد كبيرة مثلما أحمد العربي وغيرها وليس فقط القصائد القصيرة سهلة السماع.

السفيرة السابقة والرئيسة الفخرية لكرسي محمود درويش في بروكسيل ليلى شهيد كانت إحدى ضيوف البرنامج أيضًا حيث سلطت صالح الضوء على علاقة الصداقة الخاصة التي جمعتها بدرويش فأوضحت شهيد أن “الصدفة هي من عرفتني على درويش كما عرفتني على جان جينيه في بيروت عام 82 كما جمعتني الصدفة مرة أخرى بمحمود في القاهرة بعد أن ذهب إليها بدعوة من الرئيس السابق جمال عبد الناصر الذي كان في زيارة رسمية لموسكو وعلم بوجود درويش هناك وسأله ما الذي تفعله هنا؟ فأجاب محمود: لا استطيع بهذا الجواز الاسرائيلي الذهاب إلى أي دولة عربية. وبناء على ذلك أرسل إليه عبد الناصر جواز سفر يخوله من دخول مصر بكل سهولة” وأضافت شهيد “الحقيقة أني تعرفت على درويش من خلال الصحفي الكبير أحمد بهاء الدين خاصة وإن عبد الناصر كان قد أعطى أوامر بمنح درويش كل مستحقات الكاتب الكبير من مكتب وراتب وغيره، ويمكنني القول أن الصدفة والتفاهم الشخصي هي من خلقت هذه العلاقة التي استمرت طوال حياتي”. 

روت شهيد إحدى القصص المؤثرة التي لم يعرفها الكثير عن درويش، ولم يحب التحدث عنها ولذلك ربما لا يعرفها إلا القلة، وهي أن أدونيس كان محكّمًا يوما ما في مسابقة شعرية بديرٍ للراهبات في مدينة بشرّي اللبنانية وصاحبه محمود إلى الدير وحينما وصلا هناك سألتهما احدى الراهبات: من منكم محمود درويش فقال لها: أنا، فأخبرته أنها كانت تفتش عنه منذ 5 سنوات منذ أن عادت من القدس حيث كانت تساعد الجرحى هناك على تجاوز لحظاتهم الأخيرة بسلام، وفي أحد الأيام وأثناء رعايتها لأحد الجرحى الشباب قام هذا الجريح بسؤالها: هل سمعتِ بشاعر اسمه محمود درويش فقلت لا، قال أتمنى أن تنزلي السوق وتشتري كتابًا لهذا الشاعر وأن تظلي تقرأي لي أشعاره حتى أموت وقد فعلت ما طلب مني وظللت أقرأ له أشعارك حتى مات، ولذلك ظللت أبحث عنك لأوصل لك هذه الرسالة لتعرف أن هناك شاب كانت راحته قبل الموت في أن يسمع أشعارك وكان لهذا القصة أثر كبير على محمود ولذا كنت حريصة على ذكرها لأنه خلافًا عن المعروف عنه فقد كان لديه حس متواضع وشفاف.

حلقة الروائي اللبناني الكبير إلياس خوري كانت غنية أيضًا بالتفاصيل حيث ربطته بدرويش علاقة شخصية وفكرية وأدبية، وبدأتها المذيعة بسؤاله عما يفتقده في غياب درويش الشاعر والصديق، فأجاب خوري: “أنه لا يوجد افتقاد للشاعر فهو مازال حيًا بيننا وكلما أشتاق إليه أعود لشعره وأقراه أو لذاكرتي التي حفظت العديد من أعماله فأستعيده لذا فالشاعر لم يمت، أما درويش الصديق فأنا أفتقده كثيرا وأشعر بالأسى وأتساءل كيف مر الزمن بهذه السرعة؟ فهو وعلى الرغم من وفاته منذ 12 سنة إلا أنه كأنه مات البارحة، وهذا حضور لن يغيب” وعن ذكرياته التي يحملها عن درويش أجاب خوري “هناك مليون ذكرى بيننا، لكن الأساس في علاقتي بدرويش هو مجال عملنا في الأبحاث ثم في مجلة الكرمل وحتى حينما غادر إلى باريس ظللنا على تواصل لكن ربما أقسى لحظة لن أنساها حينما جاء إلى بيروت قبل موعد جراحته بأشهر والتقينا بأحد أفضل الأطباء في لبنان الذي كان جوابه سيئا للغاية وعندما خرجنا من عنده ذهبنا لنشرب على شرف الشعر والموت بدلا من الحزن والأسى” كما تحدث خوري عن مساهمة تجربة درويش في صياغة هوية فردية فلسطينية انبعثت من النكبة

قائلًا: “أولا، أظن أن درويش هو أحد أربعة من الذين صاغوا اللغة الفلسطينية بعد النكبة التي كانت كفيلة بتدمير أي لغة أو ثقافة وإغلاقها إلا أن درويش وكنفاني وادوارد سعيد وايميل حبيبي كان لهم الأثر الأكبر في إعادة صياغة الهوية واللغة الفلسطينية التي أخرجت لغة منفتحة متجاوزة للحدود، وكأن فلسطين تلخص كل مآسي الإنسان في العالم وليس فقط النكبة الفلسطينية التي بدأت في عام 48 ومازالت مستمرة حتى الآن”

وتحدث خوري عن الإضافة التي قدمه درويش للشعر العربي فقال: “استطاع شعر درويش أن ينقل النبض الإنسانى بشكل متفرد، فأنت تشعر حينما تقرأه أنه يعبر عن حالك كفرد، كما تشعر أيضًا أنك جزء من جماعة وأن الشعر هو أفق ووسيلة كي نتحاور مع بعضنا ومع الأحياء والأموات في آن معًا، ولذلك عمل درويش على استعادة احدى الصيغ العربية العريقة ألا وهي المثنى حيث أنه أقام حوارًا عميقًا مع المعلقات والشعر الجاهلي وأنتج قطيعة في قلب الاستمرارية وحداثة يعيش فيها الإرث القديم بمفاهيم جديدة” وردًا على سؤال المذيعة عن درويش وهل مازال أسير خانة المقاومة الفلسطينية، روى خوري في معرض إجابته قصة للمقاربة وذلك “أنه حينما كان يكتب المعري أسماء الشعراء، كان يكتب كل باسمه وحينما يأتي إلى المتنبي كان يكتب أمامه الشاعر، ورأيي أنه لو كان هناك شاعر في عصرنا يستأهل لقب الشاعر فهو محمود درويش، فهو شاعرنا كعرب وهو شاعر إنساني يخاطب الناس في كل اللغات وهو قد حول قضية فلسطين إلى وعاء نجد فيه الهندي الأحمر والأندلس والأسود في جنوب أفريقا، المثقف والعامل الفلاح، الأم والأب، الحياة اليومية وكيف تنبض بالرؤى لأن الشعر هو إضافة المعنى للحياة”. وعن تأثير درويش على تجربته الأدبية أوضح خوري أنه كان في بداية تجربته حينما التقى محمود حينما جاء من فلسطين نجمًا على الرغم من تقارب العمر، وكان اللقاء محلًا للغنى الروحي والشخصي والأدبي، وتعملت منه الكثير وتعلمنا سوية الكثير كما تعلمنا من تجربة بيروت الكثير لأنها من أكبر التجارب الإنسانية واكتشفنا أن الإنسان هو الإنسان وأن الأدب هو المرأة التي نرى صورتنا فيها”.

حلقات أخرى شملها البرنامج وكانت بمواضيع ومقاربات أخرى تحوم حول درويش، إحداها كانت مع الموسيقي سمير جبران الذي شارك المسرح مع درويش في عدة أمسيات شعرية طوال اثني عشر عاما، والحلقة الأخيرة كانت مع الممثل الفلسطيني عامر حليحل والمغنية الفلسطينية ناي برغوثي للحديث حول الاحتفالية التي خصصتها الفيلهارونيا في باريس لتكريم محمود درويش على مدار ثلاثة أيام.

The post محمود درويش في “فرانس ٢٤”… بعيون أصدقائه appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
علاء يعقوب: أوروبا تشهد إقبالاً على اقتناء الأعمال الأدبية للكتّاب الشباب https://rommanmag.com/archives/19976 Mon, 24 Feb 2020 16:22:19 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%b9%d9%84%d8%a7%d8%a1-%d9%8a%d8%b9%d9%82%d9%88%d8%a8-%d8%a3%d9%88%d8%b1%d9%88%d8%a8%d8%a7-%d8%aa%d8%b4%d9%87%d8%af-%d8%a5%d9%82%d8%a8%d8%a7%d9%84%d8%a7%d9%8b-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%a7%d9%82%d8%aa/ لم تؤثر الاضطرابات التي يعيشها العالم العربي منذ أكثر من عقد من الزمن على الحياة هناك فقط وإنما انتقلت تبعات هذه الاضطرابات مع المهاجرين واللاجئين الذين زادوا بشكل متضخم في أوروبا لتخرج الحاجة التي هي أم الاختراع لوجود معادل موضوع للوطن من خلال الكتاب الذي يشكل بالنسبة للمثقف رئة للتنفس في أوساط محيطة لا تتنفس […]

The post علاء يعقوب: أوروبا تشهد إقبالاً على اقتناء الأعمال الأدبية للكتّاب الشباب appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
لم تؤثر الاضطرابات التي يعيشها العالم العربي منذ أكثر من عقد من الزمن على الحياة هناك فقط وإنما انتقلت تبعات هذه الاضطرابات مع المهاجرين واللاجئين الذين زادوا بشكل متضخم في أوروبا لتخرج الحاجة التي هي أم الاختراع لوجود معادل موضوع للوطن من خلال الكتاب الذي يشكل بالنسبة للمثقف رئة للتنفس في أوساط محيطة لا تتنفس ذات اللغة والثقافة إلا أن توصيل الكتاب لأوروبا أفرز الكثير من الإشكاليات وأعطى مساحة للمزورين وتجار الجشع كي يستغلوا حاجة الناس إلى اقتناء كتاب عربي ورقيًا في الغربة، لكنه في المقابل أفرز بعض المبادرات الإيجابية التي ركزت على خدمة الثقافة واللغة العربية بشكل أساسي وحاولت إيجاد معادل موضوعي للمكتبات في بلداننا ومن هنا استقطب موقع “صفحات” لبيع الكتب الورقية عن طريق الانترنت العديد من القرّاء العرب الذين وجدوا ضالتهم في هذا الموقع وعليه فقد كان هذا اللقاء مع الشاب علاء يعقوب، المدير التنفيذي لصفحات ناشرون وموزعون للحديث عن كثير من التساؤلات التي تطرأ على بال القارئ العربي في أوروبا 

قمتم بتأسيس موقع لبيع الكتب عبر الانترنت في أوروبا، ما مدى جدوى هذه الخطوة في ظل واقع لم تعد الثقافة فيه تحتل مكانًا بارزًا مثلما كانت عليه في الستينيات مثلًا من القرن الماضي؟

للحقيقة لدينا ثقة كبيرة بأن الثقافة في طريقها للعودة لمكانتها البارزة والمهمة كما كانت وربما أكثر، خلال العام الماضي قمنا بعدة معارض التقينا فيها مع القارئ العربي في أوروبا ووجدنا أن الأجيال الجديدة متعطشة للكتاب وتحديداً الكتاب الورقي في ظل التطور التكنولوجي الذي وصلنا له وهذا خير برهان على أن ما نقوم به له جدوى متزايدة يوماً بعد يوم. 

ومن أين برزت الفكرة لديك؟

كان هناك عدة أسباب لبروز فكرة شركة التوزيع ومنها أن والدي يزن يعقوب صاحب دار نشر ورائد في المجال منذ أكثر من ٢٥ عاماً ولديه علاقات كبيرة ومتينة مع دور النشر ومن ناحية أخرى فأنا أيضاً تربيت في دار النشر وبين المكتبات ولدي تعلق بالكتاب عموماً، في الماضي كنت أحصل على الكتب بسهولة ولكن بعد الانتقال إلى السويد أصبح الأمر أكثر صعوبة فهناك شحٌ في تواجد الكتاب العربي بالإضافة إلى أرتفاع أسعار الشحن كما أن هناك تخوفاً أيضاً من صفحات السوشيال ميديا التي تبيع الكتب بأسعار زهيدة لأن غالبيتها تتعامل بالكتاب المزور دون حتى أن تعلن ذلك للمشتري وهذه جريمة مضاعفة، لذا قررنا اطلاق هذا المشروع وقمنا بالعمل عليه لمدة ثمانية أشهر لتجهيزه وبعدها أعلنا الانطلاق بتوكيل من ٤٠ دار نشر وبما يزيد عن ٣٥٠٠ عنوان متنوع، واليوم وبعد أقل من عام أصبح عدد التوكيلات لدينا يقدر بـ ٨٠ دار نشر وبما يزيد عن ٧٠٠٠ عنوان.

 القارئ العربي أو المهتم بالثقافة العربية في أوروبا كان لديه منافذ قليلة لشراء الكتب فما الذي تضيفه “صفحات” لهذا السوق ؟

ما تضيفه صفحات هو عدة مميزات لم تتواجد في أوروبا من قبل، أهمها وجود ما يزيد عن ٧٠٠٠ عنوان في جميع المجالات كما ذكرت سابقاً بالإضافة لوجود نافذة في الموقع الالكتروني باسم (اطلب كتابك) وهدفها تأمين أي كتاب يرغب فيه القارئ من أي دار نشر عربية في غضون أسبوعين إلى ثلاث أسابيع، كما أذكر أننا نعمل على إقامة معارض كتاب حول أوروبا ليكون لنا تواصل مباشر مع القراء ضمن أجواء وفعاليات ثقافية بارزة. 

ذكرت أنكم منذ تأسيس هذه الشركة قمتم بجولة في عدد من المدن الأوروبية، كيف تقيم الإقبال على شراء الكتاب؟ وهل هناك عناوين أو مواضيع بعينها ما تشد القارئ أكثر؟

خلال المعارض الثمانية التي قمنا بها العام الماضي نستطيع أن نقيّم الإقبال على شراء الكتاب بالجيد جداً، الناس كانت سعيدة بالأجواء وكان واضحاً عليهم الشوق لهذه الأجواء، وفي الحقيقة لاحظت أن هناك إقبال غير معهود على الأدب العربي عموماً وعلى الأعمال الأدبية للكتاب الشباب العرب على وجه التحديد، بالإضافة إلى الإقبال الكبير على كتب العلوم الاجتماعية عموماً خاصة في ظل ما يحدث في العالم العربي ورغبة الكثيرين في فهم طبيعة هذا العالم من خلال هذه الكتب والدراسات.

تبلغ أسعار بعض الكتب التي يتم شراؤها عبر الانترنت عالية بعض الشيء خاصة لو وضعنا في الاعتبار شراء أكثر من عنوان من قبل الشخص نفسه، هل تعتبر الأسعار التي تقدمونها في متناول اليد بالنسبة للقارئ في أوروبا؟

أعتقد ذلك وأتمنى أن يكون رأي القرّاء مماثلًا لرأيي، فلقد وضعنا الأسعار بعد دراسة مطولة قمنا بها بعناية راعينا من خلالها القرّاء العرب وأوضاعهم الاقتصادية التي يعيشونها، فالأسعار تكاد تكون مقاربة للأسعار التي توضع في البلد الأم لكل كتاب، لكن الأهم هو أسعار الشحن التي تشكل مشكلة كبيرة للقراء في أوروبا حينما يتم الطلب من مواقع إلكترونية مراكزها تقع في الوطن العربي وتكون أسعار الشحن فيها عالية جدا لذا فإن أسعار الشحن لدينا مجانية تماماً في السويد ومجانية أيضاً لكل دول أوروبا عند شراء أربع كتب فما فوق، ولا ننسى العروض والخصومات الدورية التي قدمناها وسنقدمها دعماً للثقافة وإيماناً بالكتاب. 

يتحدث الكثير عن لا جدوى الكتب الورقية في زمن الكتب الالكترونية هل تتفق مع هذا الطرح؟

إطلاقاً، وعلى العكس تماماً، الكتاب الورقي كان وما زال في مستواه المعهود رغم التطور الكبير الحاصل، وأنا على ثقة بأن كل قارئ يمسك الكتاب الورقي لمرة واحدة سيدمن على سحر رائحة الأوراق الممزوجة برائحة الحبر ولن يستطيع التخلي عن الكتاب الورقي، هذا من رأيي المتواضع، أما من خلال رؤيتنا فقد قابلنا في معارضنا العديد من القرّاء الذين يقرأون الكتب الإلكترونية وكانوا راغبين بالحصول على نسخ ورقية من الكتب التي قرأوها سابقاً ليعودوا لها عند الحاجة وليحتفظوا بها بشكل ملموس أمام أعينهم وهذا خير دليل عن الجدوى الكبيرة للكتاب الورقي رغم تطور العصور. 

ذكرت سابقًا أنه حتى في مجال الكتب الورقية فهناك غزو للكتب المقلدة التي تأتي بأثمان زهيدة، ما الخطر الذي يشكله هذا السلوك بحق الكتاب؟

مشكلة الكتاب المزور ليست مشكلة جديدة نتعرض لها الآن حيث أن الكتاب العربي يتعرض للتزوير منذ زمن طويل، وهناك صعوبة في تقييد هذا الجرم الذي يمارس بحق القارئ والكاتب ودار النشر ويسلب حقوقهم جميعاً ويرمي بتعبهم أرضاً، وللأسف فقد انتقل هذا الطاعون إلى أوروبا حيث هناك عدة صفحات بيع كتب ومواقع تتداول الكتاب المزور بالإضافة إلى خداعها للقارئ بعدم ذكر أن هذه الكتب مزورة، وبلا شك فإن الكتاب المزور يشكل خطر على سوق الكتاب عموماً، ويجب علينا جميعاً قرّاء كنا أو كتاباً أو ناشرين وموزعين، أن نتعاون على القضاء على هذه الظاهرة السيئة، وأهم الحلول لردع المزورين هو التوعية؛ توعية القارئ لمعرفة واكتشاف الفروق بين الكتاب المزور والأصلي، التوعية بحجم هذا الجرم وكمية المتضررين من هذا الفعل، توعية دور النشر أصحاب الأسعار المرتفعة بخطر جشعهم على عالم الكتاب الورقي لأن الكتاب العربي الآن في عصر ازدهار بعد ركود لمدة طويلة وكلّي أمل وثقة بالقارئ العربي بأن يكون على وعي أعلى تجاه هذه الجريمة.

The post علاء يعقوب: أوروبا تشهد إقبالاً على اقتناء الأعمال الأدبية للكتّاب الشباب appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
مي عودة: نحن لا نضع الثقافة على رأس أولوياتنا فلسطينيًا https://rommanmag.com/archives/19958 Fri, 07 Feb 2020 14:25:46 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d9%85%d9%8a-%d8%b9%d9%88%d8%af%d8%a9-%d9%86%d8%ad%d9%86-%d9%84%d8%a7-%d9%86%d8%b6%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d8%ab%d9%82%d8%a7%d9%81%d8%a9-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%b1%d8%a3%d8%b3-%d8%a3%d9%88%d9%84%d9%88/ مي عودة، مديرة شركة عودة للأفلام، وهي شركة إنتاج سينمائي مستقلة، مقرها في رام الله، وتهتم بإنتاج وتوزيع أفلام وثائقية وروائية. عن التحديات والظروف التي ترافق صناعة وإنتاج الفيلم القصير الفلسطيني، كان لنا معها هذا الحوار. يتصور الكثيرون أن صناعة فيلم قصير لا تحتاج إمكانيات كبيرة ولذا نرى بعض الأفلام التي تفتقر للكوادر السينمائية الحقيقية، كيف تنظرين […]

The post مي عودة: نحن لا نضع الثقافة على رأس أولوياتنا فلسطينيًا appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
مي عودة، مديرة شركة عودة للأفلام، وهي شركة إنتاج سينمائي مستقلة، مقرها في رام الله، وتهتم بإنتاج وتوزيع أفلام وثائقية وروائية. عن التحديات والظروف التي ترافق صناعة وإنتاج الفيلم القصير الفلسطيني، كان لنا معها هذا الحوار.

يتصور الكثيرون أن صناعة فيلم قصير لا تحتاج إمكانيات كبيرة ولذا نرى بعض الأفلام التي تفتقر للكوادر السينمائية الحقيقية، كيف تنظرين إلى صناعة الفيلم القصير تحديدا في فلسطين؟

الفيلم هو فكرة، إما أن تتطلب الفكرة أن تكون على شكل فيلم قصير أو فيلم طويل، روائياً كان أم وثائقياً أو حتى متحركاً. وأنا لا أميز بين صناعة الفيلم القصير والطويل، الروائي أو الوثائقي، هي كلها بالمجمل أفلام وصناعتها في فلسطين ليست بالأمر الهين، فالفيلم القصير هو البداية، هو الذي يحتاجه أي سينمائي ليكون هوية لأي مخرج، حتى يثبت مكانته في سوق الأفلام (العربي والعالمي). فالمخرج/ة يحتاج لهوية تمرر دخوله/ا لعالم الصناعة من خلال هذا الفيلم القصير.

أغلب نوافذ التمويل تتطلب إما مادة مصورة أو فيلمًا سابقًا للمخرج/ة، هذا ما واجهنا بالفعل عند إنتاج فيلم «٢٠٠ متر» لأمين نايفة؛ الأمر الذي جعلنا نتوقف عامًا كاملًا من أجل إنتاج فيلم قصير( العبور، ٢٠١٧)، ليكون بطاقة تعريف لأمين كمخرج، وساعدنا هذا بالفعل لإنتاج فيلمه الطويل، أما بالنسبة للإمكانيات، فكل فيلم له ظروفه، والفكرة هي التي تحدد، حيث من الممكن أن أصور فيلمًا في يوم واحد ويمكن أن يتم في عشرة أيام، والفكرة أيضا تحتم عليك عدد الكادر الذي سيعمل في الفيلم، وأخيرا الميزانية.

بشكل عام صناعة الفيلم القصير في فلسطين كما صناعة الفيلم بالإجمال، تحتاج إلى هيكلية وأساس يساعد صُنّاع الأفلام على إنتاج أفلامهم، وعلى سبيل المثال لا يوجد صندوق حقيقي لدعم الفيلم الفلسطيني، هناك المنحة النرويجية المنفذة من خلال صندوق الثقافة الفلسطيني وهذا مفتوح لجميع قطاعات الفنون، لذلك تأخذ السينما النصيب الأقل لأن ميزانيتها كبيرة، وصحيح أننا نسمع عن إنتاج فيلم قصير هنا وهناك، لكن ليس بطريقة ممنهجة، كي نقول أن هناك صندوقًا لدعم الأفلام ينتج كذا أفلام قصيرة وكذا طويلة وكذا وثائقية إلخ كل عام.

هناك مبادرات مؤسساتية تدعم إنتاج أفلام قصيرة، لكن الجهة التي أثرت إيجابيًا في هـذا المجال هي دار الكلمة في بيت لحم، حيث تعمل على تخريج جيل من الشباب بحوزتهم مشاريع تخرجهم -أفلامهم القصيرة-، مما يدعم بشكل كبير مسيرتهم العملية بعد التخرج مباشرة وخصوصا في مجال إنتاج الأفلام. وهذا من شأنه الدفع إيجابيًا من أجل صناعة سينما حقيقية، لكن اليد الواحدة لا تصفق، وعندما يكون بإمكاننا إنتاج عدد معين من الأفلام كل عام، فان عجلة الصناعة تتحرك، بمعنى أن الكوادر السينمائية تستطيع توفير فرص عمل دائمة في صناعة السينما، الأمر الذي يطور الكوادر المهنية المحلية، وينشئ مخرجين، وكتاب ومنتجين وتقنين، من ثم يتم عرض الفيلم على جمهور، ويكتب الصحفيين، ويتشجع الجمهور لدراسة السينما، والمنتج يأخذ حصة من مدخول التذاكر ليبدأ فيه فيلمًا آخر، وهكذا نستطيع تنشيط الصناعة السينمائية في فلسطين.

هل يمكننا أن نلقي باللوم فقط على الاحتلال بخصوص تراجع حضور دور السينما في فلسطين التي كانت سباقة في إنشاء أول دار سينما في بداية القرن الماضي أم هناك مسئولية تقع على أكتاف العاملين في هذا المجال؟ 

الاحتلال له الدور الأكبر لأنه غيّب هذه الثقافة لسنوات عدة، وكان  إغلاق دور العرض من أولى أولوياته. لكننا يجب أن نواجه الحقيقة المرة أنه وحتى الآن لا نضع الثقافة على رأس أولوياتنا فلسطينيًا، وكلنا يدرك أن السلطة الفلسطينية خصصت ميزانيات ضئيلة لوزارة الثقافة، كما أن القطاع الخاص بنظري يتحمل مسؤولية كبيرة عن هذا التراجع، لأن السينما والثقافة هما سلاحنا الوحيد لمواجهة زوبعة الظلام التي تحيط بنا سياسيًا وأخلاقيا، ومن المعيب حقًا أن ندفن رؤوسنا في التراب ونتجاهل دورنا في تعزيز سياسات ثقافية وأخص بالذكر سينمائيًا.

من خلال المتابعة لحركة الفيلم القصير فلسطينيًا نلاحظ تباينًا في المستويات ما بين اللغة السينمائية الواضحة وبين تجارب أقرب ما تكون إلى تجارب الهواة، ما الذي يسبب هذا التباين الواضح من وجهة نظرك؟ 

في الحقيقة أن جميع التجارب الفلسطينية لصناعة الأفلام هي بالأغلب نتاج جهود فردية، وإنه لإنجاز كبير أن تنتج فيلمًا طويلاً كان أو قصيرًا فكلاهما يحتاج لنفس الكوادر والعناصر الإنتاجية، وهناك عدد من الأفلام الفلسطينية القصيرة التي أنتجت من خلال ورشات عمل كانت محدودة الإمكانيات، لأنك هنا محكوم بالزمن والميزانية، لكن ذلك لا يعني أن الفيلم حتى وإن كانت ظروف إنتاجه بسيطة إلا أن الفكرة تكون هي النجمة، ومن الجدير ذكره أن هنالك أفلام كثيرة أنتجت بأفكار وظروف إنتاجية جدا بسيطة؛ على سبيل المثال فيلم مهدي فليفل “لقد وقّعت على عريضة” الذي هو فيلم بسيط إنتاجيًا يحكي عن مكالمة هاتفية بينه وبين صديقه لكن فكرته وحرفيته ومصداقيته أوصلته الى أسمى المهرجانات السينمائية، وبنظري أن الفيلم لو كانت فكرته جيدة، فإن الجمهور يتناسى ظروف إنتاجه إذن الفكرة ثم الفكرة فالفكرة.

قمتِ بخطوة رائدة منذ سنوات قليلة وهي إنشاء شركة إنتاج خاصة بك لصناعة الأفلام، هل يمكن أن تطلعينا على فلسفة الشركة ومشاريعها المستقبلية؟ 

صراحة بقدر سعادتي بإنشاء شركة “عودة للأفلام” إلا أنني ألعن هذه الفكرة يوميًا، لأن التعامل مع فكرة إنشاء شركة لصناعة الأفلام في فلسطين هي تماما بمثل تعامل السلطات مع إنشاء شركة لصناعة الشوكولاتة، هناك جهل كبير بالتعامل معنا كشركات تصنع ثقافة لا سلعة، لكنني وبالرغم من كل المعيقات جدا فخورة بأن “عودة للأفلام” كانت بوصلة لكثير من صناع الأفلام في فلسطين على صعيد الكتابة الإخراج والتصوير والمونتاج والإضاءة والكثير من المهن الأخرى.

بدأ الفيلم القصير يأخذ مكانة أوسع لدى الجماهير العربية مما عليه سابقًا، كيف يمكن أن نستفيد بهذا القبول الجماهيري من أجل صناعة أفلام قصيرة تحظى بشعبية تقترب من الأفلام الجماهيرية الطويلة؟ 

برجع و بقول يد واحدة لا تصفق، وأنا دائما أكرر اننا لا نريد أن نصنع أفلامًا ولكننا نريد أن نخلق صناعة سينما حقيقية، بمعنى، أن ندرس الافلام ونروج لها في دور العرض ونعرضها على التلفاز المحلي، ونعرضها أيضًا لطلاب المدارس والجامعات، ونصنع صندوقًا لدعم الأفلام وتوزيعها، لأننا بخلق هذه الدائرة يمكننا أن نخلق تغيرًا حقيقيًا سهّل علينا تحفيز جمهور السينما من جديد، وللصراحة فهذه المعضلة ليست معضلة فلسطينية فحسب وإنما عربية أيضًا، لكن دعيني أثمّن على دور المهرجانات الفلسطينية والعربية التي لها الدور الأكبر في سدّ هكذا فجوة، وأذكر منها مهرجان “إيليا للفيلم القصير”، و”مهرجان السجادة الحمراء” و”مهرجان حيفا المستقل” و”مهرجان أيام سينمائية”.

بدأنا منذ سنوات نسمع عن مسابقات متخصصة بالفيلم القصير، إلى أي مدى ساهمت هذه المسابقات من وجهة نظرك في تعزيز مكانة الفيلم في المشهد العربي؟ 

كل هذه الجهود هي جهود مشكورة وتساعد جدا في تحفيز ودفع عجلة الإنتاج (الله يكثرهم) نعم الله يكثرهم، لأن عدد الأفلام المنتجة هي أكبر من عدد الجوائز والمهرجانات، لذلك في الغالب أننا لن نسمع عن فيلم لأنه لم يتسنّ لنا اكتشافه سواء كان في مهرجان أو مسابقة وأنا لا أقول إنه يجب تفصيل المهرجانات والجوائز على مقاس عدد الافلام، لكنني أقول إن هناك حاجة للمزيد منها، لإعطاء فرصة اكتشاف أكبر لأفلام تستحق. وأخص بالشكر هنا الجهد الكبير والثمين لجميع المهرجانات الفلسطينية والعربية والأجنبية الموزعة على مستوى العالم، لما قدمته للفيلم الفلسطيني قصيرًا كان أو طويلًا، حيث قدمت هذه المهرجانات مساحة ذهبية للعرض في أهم مدن العالم لأفلامنا الفلسطينية التي بالغالب قد لا تصل الى المهرجان الرسمي لتلك البلد، ومن الجدير بالذكر أن أغلب هذه المهرجانات تدار من قبل كوادر تطوعية، لكنها تتميز بالمهنية بدرجة كبيرة، فطوبى لهم.

ما هي المحرّمات التي تجعل من صناعة فيلم قصير أمرًا مستحيلاً حسب تجربتك وهل تظنين أن السينما قادرة على تغيير وجهة النظر الجمعية تجاه هذه التابوهات؟ 

الطامة الكبرى لدى شعوبنا هو الجهل، وهذا نعهده من عدم اعتماد الثقافة أساسًا لنا، لأننا بدون إعطاء أولوية للثقافة، سنظل مجتمعًا جاهلًا، نحتفل ونعطي أهمية للسطحيات ونتناسى الماكينة الكبيرة في الجهة المعادية لنا وما تسخرّه من إمكانيات لإنتاج ثقافة تثبت رواياتها المستعمرة على هذه الأرض، لذا أرى أنه ما زال أمامنا شوطا كبيرا لإزالة الخطوط الحمراء في طريق صناعة سينما أكثر تحررًا، لكن المهم لنا أن نستمر قدمًا، وأنا أعتبر أن صنّاع السينما هم الجنود الحقيقيين فعلًا الواقفين على الجبهات الأولى من المواجهة من أجل إنتاج الأفلام التي يريدونها.

غزة كان لها دائما مكانة كبيرة في الأفلام التي تقومين سواء بصناعتها أو انتاجها، لم هذه المكانة الخاصة لغزة، وما هي أبرز هذه الأفلام سواء التي قمتم بإنتاجها أو التي قيد العمل؟ 

في الحقيقة أنني لجأت إلى السينما للإجابة عن تساؤلات بداخلي أترجمها على هيئة أفلام علّها تستطيع البحث عن إجابات وغزة هي واحدة من الأسئلة الكبيرة، عندما تصبح غزة ممنوعة من قبل الجميع ممّن حولك، فأنت تريد أن تفهم لماذا! وهذه كانت نقطة الانطلاقة، لكني عندما ذهبت الى غزة دهشت لأني تعلمت دروسًا في الحياة كانت أثمن بكثير من أسفاري قاطبة.

هذا بالنسبة لي كمخرجة، لكنني حاولت التنويع كمنتجة من حيث المواضيع فكان “ازرقاق” مع راما مرعي هو أول فيلم قصير أنتجه عن التشويه الذي حصل لمجتمعنا بعد أكثر من ٧٠ سنة من الاحتلال. ومن ثم “رسومات لحياة أفضل” مع ضياء العزة وهو بحث عن بارقة أمل في رسومات أطفال غزة والخليل، ثم “العبور” لأمين نايفة وهو الفيلم الذي يتحدث عن الفصل القسري الذي خلّفه الإحتلال الإسرائيلي للكثير من العائلات الفلسطينية الواحدة، كما أن فيلم “غزة بعيونهن” مع رهام الغزالي هو تحية اعتزاز لخمس نساء غزاويات ملهمات وأخيرًا فيلم “اجرين مارادونا” لفراس خوري، وهو فيلم عن طفلين فلسطينيين في قرية فلسطينية عام ١٩٩٠، يبحثان عن صورة “اجرين مارادونا” ليكملا البوم كأس العالم ويفوزان بلعبة الأتاري وهو فيلم مختلف إذ قمنا بالتصوير مع الأطفال وكان فيلمًا يحاكي فترة زمنية سابقة، مما تطلّب الكثير إعادة تصميم الديكور والملابس لهذا الغرض، لكن من الإنصاف القول بأن هناك تباينًا أيضا في إنتاج هذه الأفلام لأن بعضها كانت أفلامًا طُلب مني إخراجها بميزانية محددة مثل “رسومات لأحلام أفضل” و”غزة بعيونهن”، لكن جودة هذه الأفلام رفعتها من أن تكون مجرد أفلام مؤسسات الى أفلام حازت العديد من الجوائز وما زالت تعرض في المهرجانات حتى الآن، كما أن هناك أفلام قضينا وقتا في كتابتها وتطويرها ومن ثم تجنيد الأموال فالتصوير ومرحلة ما بعد الإنتاج، لكن المرحلة الأصعب هي مرحلة تسويق هذه الأفلام على نطاق المهرجانات، وبكل صراحة كلما أعد نفسي ألا أنتج فيلمًا قصيرًا، أعود لتخطفني فكرة جديدة تقوم بتغير تفكيري، أما عن الأفلام قيد التنفيذ في هذه المرحلة فنحن في مرحلة ما بعد الإنتاج لفيلم “٢٠٠ متر” لأمين نايفة وهو بطولة علي سليمان، وعدد من الممثلين الواعدين وهم معتز ملحيس، محمود ابو عطية، نبيل الراعي، لنا زريق، غسان اشقر، غسان عباس، وسامية بكري. كما لدينا في مرحلة ما بعد الإنتاج فيلم المنسي لغادة الطيراوى وهو فيلم وثائقي طويل يتحدث عن حياة كوزو اكوموتو، بالإضافة لتطوير عدد من الأفلام الروائية والوثائقية.

The post مي عودة: نحن لا نضع الثقافة على رأس أولوياتنا فلسطينيًا appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
شيخة حليوي: لا أتوقّف عن الحلم والسعي لتحقيق أحلامي https://rommanmag.com/archives/19909 Tue, 24 Dec 2019 23:18:54 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%b4%d9%8a%d8%ae%d8%a9-%d8%ad%d9%84%d9%8a%d9%88%d9%8a-%d9%84%d8%a7-%d8%a3%d8%aa%d9%88%d9%82%d9%91%d9%81-%d8%b9%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%84%d9%85-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%b3%d8%b9%d9%8a-%d9%84%d8%aa/ دون أدنى قدر من الضجيج كانت تعمل على مشروعها الخاص، المشروع الذي لم يتأثر بما يريده السوق وإنما بشغف لأقل قدر مستخدم من الكلمات وأكبر قدر متاح من المعاني، وكانت القصة القصيرة ملعبها الذي راهنت عليه وراهن عليها لتكسب الرهان مؤخراً، القاصة الفلسطينية شيخة حليوي التي لم تسبقها شللٌ مهدت لها الطرق ولا مناصب قد […]

The post شيخة حليوي: لا أتوقّف عن الحلم والسعي لتحقيق أحلامي appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>

دون أدنى قدر من الضجيج كانت تعمل على مشروعها الخاص، المشروع الذي لم يتأثر بما يريده السوق وإنما بشغف لأقل قدر مستخدم من الكلمات وأكبر قدر متاح من المعاني، وكانت القصة القصيرة ملعبها الذي راهنت عليه وراهن عليها لتكسب الرهان مؤخراً، القاصة الفلسطينية شيخة حليوي التي لم تسبقها شللٌ مهدت لها الطرق ولا مناصب قد تفرش لها الدروب جوائز بل اعتمدت على نساء قريتها البدوية، حكاياتهن وتفاصيلهن التي اشتغلت منها بحرفية مجموعتها القصصية الأخيرة  «الطلبية C345» مما منحها الأحقية بالفوز بجائزة ملتقى القصة العربية بجدارة واستحقاق وسط دهشة الكثيرين ممن لم يسمعوا باسمها قبل الجائزة، وقد كان لـ “رمّان” هذا الحوار مع القاصة الفلسطينية شيخة حليوي حول مجموعتها الأخيرة وفوزها بهذه الجائزة المهمة.

فوز كبير ومهم بجائزة الملتقى العربي التي صار لها وزنها الثقيل في الوسط الثقافي. كيف تلقيت خبر الفوز بهذه الجائزة ومن الذي خطر ببالك في تلك اللحظة بالذات؟

فرح كبير لا يُمكن وصفهُ وإحساسٌ غامر بالفخر. شعرتُ وكأنّ أيادٍ كثيرة تربّت على كتفي وتقول: عملٌ رائع شيخة. أحببتُ اسمي في تلك اللحظة وقد كنتُ بدأت أتصالح مع ندرته في محيطي الفلسطينيّ، كان رئيس اللجنة وهو يتلو اسمي بعربيّة ملحونة كأنّه يتلو عليّ شريط حياتي منذُ طفولتي في “ذيل العِرج” حتّى مطار الكويت. ليس زهواً أو تعالياً وإنّما شعور جديد مفاجئ بالثقة والإنجاز. أنا إنسانة أميل جداً للواقع ولكنّي لا أتوقّف عن الحلم وعن السعي بجهد ومُثابرة لتحقيق أحلامي، ولا أعني الجائزة تحديداً، بل الاعتراف بأنّ ما أكتبهُ يستحقّ أن يصلَ إلى القارئ العربيّ، هو اعترافٌ يوازي الاعتراف بحقّي في الكتابة وحقّي في التخيّل وحقّي في الكلام.

القصة القصيرة لها خصوصيتها في عالم الكتابة ودائماً ما يخاف الكثيرون من الاقتراب منها فالقاص لا يمتلك الهالة التي تحيط بالشاعر أو الروائي إلا أنه وعلى الرغم من كتابتك بعض القصائد سواء على الفيسبوك أو في المواقع لكنك آثرت أن تعرفي نفسك ككاتبة قصة قصيرة من خلال إصداراتك بدءاً من «النوافذ كتب رديئة» وصولاً إلى «الطلبية C345»، أي وقود دفعك للقصة إذن؟

القصّة أقرب إلى عوالمي الّتي أعيشها، ما أقصدهُ أنّ الحياة علّمتني أن أحكي حكايتي كي أدفع عنّي الظلم والتهميش. كنتُ في مراهقتي في مدرسة راهبات الناصرة أختلق قصصاً وأحيك تفاصيلَ وهميّة فقط كي أطرد عنّي شبح التخلّف والجهل الّذي يرافقني كلّما ذكرتُ اسمي واسم قريتي الّتي أخرجُ منها كلّ صباح إلى مدرستي في حيفا. ثمّ لاحقاً كي أدفع عنّي إحساساً بالقهر والألم وأنا أعيش حياة لا تشبهني صرتُ أعيش كلّ يوم حكاية أنا بطلتها. أظنّ أنّ القصّ ولدَ معي كما اسمي وانتمائي وجنسي.

وكيف تحوّل ذلك كلّه إلى كتابة على الورق قبل سنواتٍ خمس؟ إنّه النضج والخوف منه معاً، النّضج الّذي يفرض سطوته على اللغة والخيال، النّضج الذي يقفُ للطفولة بالمرصاد ويشذّب ما نفر منها. كان لا بدّ أن أواجه هذا المأزق وأنا امرأة شارفت على الخامسة والأربعين (حينها) بالكتابة أو بتعبير أدقّ بالحكاية.

يتراوح كل شيء في قصصك (الأشخاص، الأماكن، الأحداث) يتراوح ما بين الواقع والخيال. كيف استطعت القبض على ملامح الفانتازيا وامتلاكها لتبدو شديدة الواقعية بهذه الدرجة وكأنك ترسمين فعلاً ما ترينه؟

لا أعرف ولا أملك إجابة واضحة أو دقيقة. أنا فعلا أرى الأشياء وأعيشها، أمسكُ بالفكرة البدائيّة للقصّة ثمّ أحملها مباشرة نحو مسرح الخيال. أعالج الفكرة على ذلك المسرح ودون تخطيط واعٍ منّي يتداخل العالمان حتّى لا أعود أميّز بينهما. هذه المجموعة بمجملها رسّخت لدي فكرة أنّ الخيال هو طوق النجاة الأمثل في هذا العالم ليس على مستوى النصّ المكتوب فحسب بل على مستوى النجاة، النجاة من مقصلة الحياة. 

أغلب شخصيات قصصك أو أبطالها لو صح التعبير هم اللطخة السوداء على قماش أبيض، كائنات لا يقبلها المجتمع بحكم تقاليده، هل هو انحياز عميق للمنبوذين مجتمعياً؟ 

جدّا! انحياز تامّ لكلّ هؤلاء لأنّني كنتُ يوماً هناك، وما زلتُ هناك بحدّة أقلّ وبنفاق أكثر إتقاناً من الآخر الّذي يُمارس إقصاءه عليّ.

كنتُ امرأة في مجتمع أبويّ بطريركيّ وما زلت، كنتُ بدويّة في مجتمعٍ بدويّ وآخر مدنيّ وما زلت، كنتُ فلسطينيّة مقهورة في قرية غير معترف بها وما زلت في بيتٍ تضعُ السلطاتُ يدها عليه تحت مُسمّى “أملاك غائبين”، كنتُ إنساناً طموحاً شغوفاً طيّباً في عالمٍ فاسدٍ ومُزيّف وما زلت. أميلُ بطبعي لكلّ هؤلاء المنبوذين والمهمّشين والّذين يبدون خارجيّاً ضعفاء وأعرفُ تماماً أنّهم يملكون عوالم غنيّة لا يملكها من كان يتمتّع بالقبول وله صوت وكلمة مسموعة.

كلّما ضاق الخارج عليهم اتّسعت دواخلهم، كلّما ركنوا إلى زوايا تحميهم من الآخرين انفتحت أبوابٌ واسعة في خيالهم. من حظّي أنّني أستطيع أن ألج هذه الأبواب فقط لأنّني أطرقها من الخارج ويفتحون لي. 

انتابني شعور وأنا أقرأ مجموعتك «الطلبيّة C345» أني أشاهد حياً من أحياء مدينة ما، أو ربما عائلة بكل تنوع أشخاصها وقصصهم وكأنك ترصدين هنا المجتمع بأكمله أو فلنقل الإنسان، هل أصبتُ في ذلك؟

صحيح. خاصّة أنّي أحرص على أن تكون القصص في المجموعة الواحدة متقاربة بالقدر المتاح، متقاربة في الشخوص وفي العوالم الّتي تعيشها وتعيش فيها. أشعرُ أنّ هناك نوعاً من العدوى الجميلة يحصل وأنا أكتب قصّة ما وأنهيها، يشبهُ مجموعة من الأطفال الخجولين، ما إن يتجرّأ أحدهم على الوقوف أمام الجمهور مغنيّاً أو متحدّثاً حتّى ينبري الآخرون واحداً تلو الآخر مطالبين بحقّهم في العرض وتقديم حكاياتهم.

ويبقى عليّ وأنا أكتب أن أرتّب حضورهم في القصص، أن أعطي لكلّ واحدٍ منهم فرصة الوقوف أمام الآخرين قائلاً: حان دوري وهذه حكايتي.

تميزت قصص المجموعة بتلك اللغة المجتزلة، حادة الذكاء والمراوغة، لغة قناصة لا تكف عن اللهاب خلفها، حادة ولا تقدم معلومات أو مشاهد مجانية رغم ذهاب بعض القصص إلى منطقة سرد أقل حدة، أكثر انسيابية وكأنك لديك مهمة عاجلة لا تنتظر تأجيلاً ولا تحتمل زخرفة أو محسنات. كيف بنيت هذه اللغة وحمولتها المعرفية والفكرية؟ 

أخجلُ ان أقول أنّي لستُ قارئة كتبٍ نهمة خاصّة في السنوات الأخيرة. كنتُ مرّة كذلك، ولكنّي صرتُ مقلّة وانتقائيّة أيضاً. قد يكون من المُضحك أنّ تكون أقرب الكتب إلى قلبي هي كتب النحو! كلّما سنحت لي الفرصة أعود لأقرأ فصولاً فيها بمتعة شديدة، لا شيء يُضحكني كنوادر النحويين. كما أنّي كنتُ أحفظ المئات من أبيات الشعر القديم، عاداتي القرائيّة تغيّرت كثيراً، أقرأ كتباً أقلّ وأقرأ الكون أكثر. أتأمل الوجوه والسلوكيّات والشوارع والبيوت وكلّ شيء حولي، أقتحمُ حيوات الناس من باب الخيال. ومع كلّ ذلك أنا أقدّس اللغة وأحترمُ ما تقدّمه من بلاغة. ولكنّي أمقتُ الحشو والزخرفات الزائفة وأعتبرها هدراً للفكرة ونقصاً في التعبير وجهلاً تامّاً في كلّ ما تقدّمه اللغة من عبقرية الاختزال والتكثيف.

نشهد في السنوات الأخيرة تزايد كتّاب القصة القصيرة خاصة مع وجود جوائز مخصصة لهذا النوع الرفيع من الكتابة، كيف ترين هذا المشهد فلسطينياً ودولياً وهل تعتقدين أنها مسألة “موضة أدبية” وستتراجع يوماً؟

قد تكون الجوائز محفّزاً لانتشار فنّ القصّة فلسطينيّاً وعربيّاً وهو أمرٌ محمود إذا ارتبط بإنتاج جيّد متجدّد ومختلف، وجائزة المُلتقى في عمرها القصير وعملها المُحايد النزيه أثبتت أنّها محرّك مهم لهذا الانتشار. غير أنّ ارتباط أيّ نتاج أدبيّ وفنّي بجائزة أو مكافأة غير القارئ يؤدّي في مرحلة ما إلى موجة من الأعمال الرديئة قد تؤدّي بدورها إلى تردّي مستوى القراءة والذوق القرائيّ.

رغم ذلك أشعر أنّ القصّة سوف تكون بعد سنوات في مقدّمة الكتابة وربّما تطغى على الشّعر والرواية إن لم تقف معهما جنباً إلى جنب. التقدّم التكنولوجيّ الّذي يتخلخل بسرعة إلى حياتنا سوف يفرض قراءة مختلفة لا تحتمل النصوص الطويلة كالرواية.

The post شيخة حليوي: لا أتوقّف عن الحلم والسعي لتحقيق أحلامي appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
فرانكا باستيانيلّو… من ثاني امرأة تسوق الجندول في البندقية إلى مديرة مهرجان للفيلم الفلسطيني  https://rommanmag.com/archives/19831 Sat, 26 Oct 2019 08:56:29 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d9%81%d8%b1%d8%a7%d9%86%d9%83%d8%a7-%d8%a8%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d9%8a%d8%a7%d9%86%d9%8a%d9%84%d9%91%d9%88-%d9%85%d9%86-%d8%ab%d8%a7%d9%86%d9%8a-%d8%a7%d9%85%d8%b1%d8%a3%d8%a9-%d8%aa%d8%b3%d9%88%d9%82/ بقلب ملؤه الشغف ومحبة خالصة تفتح فرانكا باستيانيلّو قلبها وبيتها على مدار ثلاث سنوات لضيوف مهرجان “نظرة” للفيلم الفلسطيني القصير والذي عادة ما يتم افتتاحه في مدينة البندقية لينطلق بعدها في رحلة عبر عدد كبير من المدن الإيطالية كان من أهمها هذا العام البندقية وروما ونابولي وميلانو، باستيانيلّو التي لا تكل ولا تمل طوال اليوم […]

The post فرانكا باستيانيلّو… من ثاني امرأة تسوق الجندول في البندقية إلى مديرة مهرجان للفيلم الفلسطيني  appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
بقلب ملؤه الشغف ومحبة خالصة تفتح فرانكا باستيانيلّو قلبها وبيتها على مدار ثلاث سنوات لضيوف مهرجان “نظرة” للفيلم الفلسطيني القصير والذي عادة ما يتم افتتاحه في مدينة البندقية لينطلق بعدها في رحلة عبر عدد كبير من المدن الإيطالية كان من أهمها هذا العام البندقية وروما ونابولي وميلانو، باستيانيلّو التي لا تكل ولا تمل طوال اليوم وهي تعمل كملكة النحل من أجل إنجاح هذا النشاط السنوي، ما لفت انتباه موقع “رمان” فالتقيناها للحديث عن أهم الأسباب التي كانت خلف تأسيس هذه الاحتفالية القائمة على حب السينما وفلسطين…

حدثينا عن مهرجان “نظرة” الذي أصبح موجودًا بقوة في الساحة الإيطالية وما هي أهدافه؟
 

هدف المهرجان الأساسي هو تسليط الضوء على الثقافة الفلسطينية وتحديداً النشاط السينمائي فيها لأن كل منهما يروج للآخر والسينما قناة فعالة للحديث عن القضية وإبراز نواحي إنسانية متعددة لخدمة هذه القضية العادلة، كما أن هناك ميزة خاصة بهذا المهرجان هي أن الهيئة التنظيمية يستقبلون أعمالًا ليس لسينمائيين فلسطينيين فقط وإنما سينمائيين من مختلف بلاد العالم، يقدمون رؤيتهم ونظرتهم للحكاية الفلسطينية ولهذا حمل المهرجان اسم “نظرة” التي تعني نظرة شاملة عميقة لهذا الشعب، إضافة إلى أن المهرجان يخلق مساحة حوار بين السينمائيين الفلسطينيين وغير الفلسطينيين للوقوف على الواقع الذي يعيشه الإنسان هناك، كما أن اهتمام المنظمين ينصبّ على الشباب تحديدًا لأن لغة الفيلم القصير هي لغة مختزلة ومكثفة ولديها فرصة لتخطي مصاعب كثيرة يواجهها المخرج في حال كان المشروع فيلماً طويلاً، حيث أن الفيلم القصير لا يحتاج لتمويل ضخم أو معدات مكلفة ولا توزيع على مستوى واسع وهذا يشجع الشباب أكثر على دخول التجربة دون مخاوف إنتاجية، لهذا كان التوجه للشباب لتشجيعهم على المشاركة وإنتاج أعمال سينمائية قد تكون أساسًا لعمل سينمائي كبير قادم.
 

ما هي التحديات التي تواجهكم كجهة منظمة من أجل عرض كل هذه الأفلام؟

الحقيقة أن الصعوبات كثيرة خاصة لو أخذنا بعين الاعتبار موضوع المهرجان ألا وهو قضية شائكة تحيطها وتحيط من يتحدثون عنها الكثير من المخاطر، كما أن المهرجان هو مهرجان مستقل ليس له دعم خارجي أو موازنة ضخمة ويجري تنظيمه بشكل تطوعي من قبل كل العاملين فيه، وهو يخضع للتمويل الذاتي من قبلنا حتى الآن لكنه ومع الوقت والإصرار استطاع أن يأخذ مكانة هامة مكنته من استقطاب شخصيات مؤثرة ومؤسسات ثقافية للتعاون معه ودعمه، كما أن الجامعات هنا صار لها تطلع خاص للمهرجان الذي أخذ مكانة عليا فقدموا مبادرات متعددة لاحتضان فعالياته وتنظيم ندوات ثقافية فنية في صالاتهم وقد تم الاهتمام من قبل عدة دور سينما في مختلف أنحاء إيطاليا بالمهرجان، التي استضافت العروض السينمائية في قاعاتها ونظمت الفنانين المشاركين ندوات متعددة أدرجتها في برامجهم الثقافية، لكن الصعوبات المادية مازالت قائمة وأحيانا محبطة، ومع ذلك فنحن نحاول تخطيها بجميع الأشكال بواسطة التضامن التطوعي سواء من قبل المنظمين أو الضيوف المشاركين الذي يتحملون على كاهلهم عبء شراء تذاكر السفر والتنقل فيما نتحمل نحن الإقامة الشاملة لضيوف المهرجان في بيوتنا التي فتحناها لهم مثلما فتحنا قلوبنا لهذه القضية السامية.

أيضاً ما يهمنا هو مساعدة الكثير من الشباب المبدع على الخروج من الأوضاع الصعبة التي يعيشونها والدائرة المغلقة إلى المشاركة بالمهرجان عبر دعوتهم لحضور الفعاليات وعادة ما تواجهنا هنا صعوبات من نوع مختلف حيث نعاني من أجل الحصول على فيزا للمخرجين المشاركين والتي عادة ما يتم رفضها، فعلى سبيل المثال هذا العام لم يأخذ أياً من المخرجين الفائزين فيزا من السفارة الإيطالية سواء في فلسطين أو في بلدان أخرى يعيش فيها الفلسطيني المشارك مثلما حدث مثلًا مع المخرجة إيليا غربية التي رفضت القنصلية الإيطالية في قطر منحها فيزا الدخول.
 

هل تقومون بخطوات للضغط على الحكومة من أجل تسهيل هذه الإجراءات؟

بالفعل قمنا بإرسال العديد من الاحتجاجات والشكاوى للقنصليات والسفارات الإيطالية، وآخر هذه الاحتجاجات كان بخصوص المخرج الفلسطيني إياد الأسطل الفائز بجائز أفضل فيلم تسجيلي والذي لم يستطع الخروج من غزة هو، وشخصية رئيسية في فيلم “برج غزة” الذي فاز بجائزة فيتوريو أريجوني، حيث تم رفض أحدهما والثاني لم يستطع الخروج من غزة برغم حصوله على الفيزا لأن الخروج من معبر رفح كان يتطلب مبلغاً كبيراً من المال لم نكن قادرين على توفيره. ومازلنا نحاول التواصل مع مؤسسات عدة من أجل حل هذه المعضلة الرئيسية.

من الملاحظ على لجنة التحكيم هو التنويع في تخصصات المشاركين فيها، على أي أساس يتم اختيارها؟

المبدأ الذي يتم على أساسه اختيار لجنة التحكيم هو الإحاطة بكل ما يرتكز عليه الفيلم القصير من عناصر مثل الكتابة والإخراج والموسيقى ولذلك تجد في اللجنة مخرجين وموسيقيين، كتّابًا ومنتجين، وهي تتكون من خمسة أعضاء من فلسطين وخمسة آخرين من إيطاليا من أجل خلق التوازن الفني في الرؤية والتقييم، ومن الملفت أننا لاحظنا اختلافًا في التقييم بين الحكام من كلا الجنسيتين، حيث أن المحكمين الإيطاليين يحكمون وفق التقنيات السينمائية أكثر من الموضوع أو الرسالة المطروحة بعكس الفلسطينيين الذين يولون اهتمامًا أكبر للقصة وحبكتها، وأظن أن هذا يعطي فرصة للأفلام التي لا تمتلك تقنيات كبيرة بحكم الواقع الصعب أن تنتج بدورها أفلامًا حتى لو كانت تحمل نقصًا في الإمكانيات والتقنيات، كما أن

هناك مصادفة ملفتة جداً، وهي أن المخرجين خلال هذه النسخ الثلاث من المهرجان كانوا وبدون سابق اتفاق قد اختاروا موضوعات متشابهة دارت حولها معظم الأفلام المشاركة، فمثلاً العام الماضي كانت هناك ذكرى مرور سبعين عامًا على النكبة ولاحظنا أن الأعمال المشاركة في أغلبها تدور حول النكبة مثلما حدث ذات الشيء هذا العام.
 

ما أهمية الندوات والفعاليات الموازية للعروض السينمائية ؟

في الواقع، إن فعاليات المهرجان تتم بالتزامن مع استضافة مخرجين وفنانين ومثقفين كان من المهم بالنسبة لنا تقديمهم للوسط الإيطالي خاصة وأنه لدينا في البندقية تحديدًا قسم اللغة العربية في جامعة كافوسكاري الذي يعتبر من أهم أقسام اللغة العربية في إيطاليا، لذا كان من المهم أن نعرّف الطلاب على المبدعين القادمين من فلسطين وغيرها ليتحدثوا عن القضية ويعرّفوا الطلاب بثقافة أخرى لتقديم نظرة عميقة على واقع شعوب أخرى كما أن الجامعة أخذت بعين الاعتبار أيضاً تعريف طلبتها على السينما الفلسطينية ورؤيتها من خلال طرح مواضيع متعددة وهو الأمر الذي يصعب على الطالب الإلمام به ان لم تتح له هذه الفرصة.

هل يتم استضافة المهرجان خارج إيطاليا أيضاً؟

نعم، بالفعل منذ بدأ المهرجان فعالياته ونحن نحرص على عرض الأفلام المشاركة معنا في مدينة غزة التي لها أيضاً حصة الأسد في المشاركات التي تأتي منها، مما يجعلنا نشعر بقيمة الجهود التي نبذلها هو حجم الإقبال على مشاهدة أفلام المهرجان في غزة التي لدينا شراكات عميقة مع عدد من المؤسسات فيها، كما أننا تلقينا هذا العام دعوة من أحد مخيمات الفلسطينيين في لبنان لاستضافة المهرجان هناك وسيتم هذا بالتزامن مع عروضنا في غزة خلال شهر فبراير القادم.
 

ما الذي جاء بسائقة جندول إلى تنظيم مهرجان سينمائي يركز على القضية الفلسطينية؟

صحيح أنني كنت ثاني امرأة تسوق جندولًا في فينيسيا لفترة طويلة من الزمن إلا أنني إجمالاً كنت أتطلع دائمًا لقضايا الحقوق العادلة والقضية الفلسطينية على وجه الخصوص وأظن أن هذا نابع من وعيي بفلسطين وقضيتها وأن هناك وضع استثنائي تنقصه العدالة والحق الفلسطيني بالحرية والعيش بكرامة في بلادهم، هذا بالإضافة إلى متابعتي المستمرة للسينما بمختلف أنواعها خاصة السينما المستقلة والتي كان للفيلم القصير فيها نصيب الأسد.

إذن كيف ابتدأت الحكاية ومن كان معك في هذه الرحلة ؟

الحكاية ابتدأت من حلم، انطلق من حبي للسينما ومناصرتي للقضايا الإنسانية العادلة، ومن هنا كانت الفكرة من مزج السينما بالرسالة الإنسانية، ومن هذا الشغف الذي أحمله تجاه هذين الاتجاهين، على الرغم من أنني لم أكن عاملة في أحدهما بشكل فعلي سواء كانت السينما أو الحراك الفلسطيني، لذا بدأت أول نسخة من المهرجان “ما خلف الجدار” في عام 2017 بتمويل ذاتي تماما وبمساعدة رفيقي ماريو وصديقي بروفيسور اللغة العربية والمترجم سيموني سيبيليو، حاولنا فيها التركيز على فكرة الجدار وما يحيط به وما يخفي خلفه وهذه المناطق المحاصرة داخله ومن ثم تسليط الضوء على من يعيشون هناك، وقد بدأت وقتها بعشرين فيلماً قصيراً.
 

 

وكيف استطعت وأنت التي لا تشتغلين بالسينما التواصل مع هذا العدد من المخرجين وصناع الأفلام؟

في الحقيقة تواصلت بشكل عفوي مع العناوين البريدية التي حصلت عليها من خلال بحثي على الإنترنت عن أسماء مخرجين وغيرهم وقمت فعلاً بالتواصل معهم، حيث حالفني الحظ مع عدد كبير منهم بعد أن شرحت فكرة المهرجان والطموح الذي نتطلع إلى تحقيقه، كما سألت عددًا كبيراً من الأصدقاء، محاوِلة جمع أكبر قدر من الدعم كان على رأسهم الصديق سيموني الذي كان صاحب فكرة تسمية المهرجان بـ “نظرة” وهو الاسم الذي ولد به المهرجان وظل يحمله إلى الآن، وانضم بعدها عدد من الأصدقاء الداعمين للقضية الفلسطينية مثل الصديقة ماري سالفيلي، الناشطة الثقافية والإنسانية في قطاع غزة وبعض الجمعيات الثقافية مثل جمعية “فلنظل إنسانيين” وجمعية “محور فلسطين” وتم التواصل لاحقًا مع جمعيات أخرى حتى وصلنا في هذه الدورة إلى تلقي الدعم من مؤسسة “فيتوريو اريجوني” التي كان هناك جائزة خاصة باسمه هذا العام، والآن صار لدينا انتشار كبير مما مكننا من تلقّي طلبات للمشاركة في المهرجان أكثر مما كنا نتوقع حتى أننا في العام الماضي قمنا بعرض الأفلام المشاركة في حوالي عشرين مدينة إيطالية، وإلى الآن لم تتوقف طلبات الاستضافة من قبل جمعيات ثقافية في مختلف المدن الإيطالية وهذا كله يصب في صالح انتشار المهرجان وجماهيريته وهو الأمر الذي نتطلع إليه في أن يكبر المهرجان ليصبح في مصاف المهرجانات الكبرى برغم كل الصعوبات التي مازلنا نواجهها حتى الآن والتي نأمل أن نتخطاها يوماً ما وكلنا أمل أن نستطيع مواصلة تنظيم هذا المهرجان وألا يوقفنا شيء مهما كانت صعوبته.
 

The post فرانكا باستيانيلّو… من ثاني امرأة تسوق الجندول في البندقية إلى مديرة مهرجان للفيلم الفلسطيني  appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
أكرم مسلّم: “بنت من شاتيلا” رحلة في حقل ألغام https://rommanmag.com/archives/19755 Mon, 02 Sep 2019 12:23:26 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%a3%d9%83%d8%b1%d9%85-%d9%85%d8%b3%d9%84%d9%91%d9%85-%d8%a8%d9%86%d8%aa-%d9%85%d9%86-%d8%b4%d8%a7%d8%aa%d9%8a%d9%84%d8%a7-%d8%b1%d8%ad%d9%84%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%ad%d9%82%d9%84-%d8%a3%d9%84/ بهدوء يؤسس الروائي الفلسطيني أكرم مسلّم معالم تجربته الروائية التي لم تنفصل عن واقعها الفلسطيني لكنه لا يعتمد عليه ركيزة لجذب القارئ بدءاً من روايته “هواجس الإسكندر” عام 2003 والتي كانت فيها فلسطين بقعة جغرافية قد تتقاطع مع غيرها ومرورًا بروايته “سيرة العقرب الذي يتصبب عرقًا عام 2008 ” التي أكد فيها على خصوصيته سواءً […]

The post أكرم مسلّم: “بنت من شاتيلا” رحلة في حقل ألغام appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>

بهدوء يؤسس الروائي الفلسطيني أكرم مسلّم معالم تجربته الروائية التي لم تنفصل عن واقعها الفلسطيني لكنه لا يعتمد عليه ركيزة لجذب القارئ بدءاً من روايته “هواجس الإسكندر” عام 2003 والتي كانت فيها فلسطين بقعة جغرافية قد تتقاطع مع غيرها ومرورًا بروايته “سيرة العقرب الذي يتصبب عرقًا عام 2008 ” التي أكد فيها على خصوصيته سواءً على مستوى اللغة التي لا تميل إلى الثرثرة وواقعه الذي ينهل منه حكاياته وشخوصه، ووصولًا إلى روايته “التبس الأمر على اللقلق” عام 2013، وانتهاءً بروايته “بنت من شاتيلا” هذا العام، والتي نحاوره بمناسبة صدورها.

بالعنوان “بنت من شاتيلا” (الصادرة عن الدار الأهلية في عمّان)، قد يتهيأ القارئ لدخول الرواية من زاوية “الكليشيه” الخاص بمعاناة الفلسطيني، خاصة أنه عنوان مغاير لعناوين رواياتك السابقة، ألا تجد أن هذا العنوان قد يعطي القارئ استنتاجاً استباقياً غير مشجع، خصوصاً مع وضع القضية الفلسطينية في العالم العربي الآن؟

في العادة، لا أستغرق في البحث عن اسم العمل، يولد الاسم تماماً من رحم المُسمّى، في رواياتي جميعها تتبدل اقتراحات الأسماء التي تبدأ مع بداية العملية الكتابية عدة مرات، إلى أن تنضج التسمية وتستقر في منتصف الطريق. يختلف “بنت من شاتيلا” عن عناوين رواياتي المتسمة بالغرابة فعلاً: “هواجس الإسكندر”، “سيرة العقرب الذي يتصبب عرقاً”، و”التبس الأمر على اللقلق”، كلّها عناوين تستوقف القارئ وتثير أسئلة محرّضة، وتوحي بغرائبية، لكنني تبعت إحساسي في أن “بنت من شاتيلا” اسم محرّض أيضاً ومراوغ، على الرغم من تقشفه ووقاره ومباشرته. يختزل العنوان ركيزتين تقوم عليهما الرواية: البنت والمجزرة. أردت لشاتيلا أن تكون العنوان لأنها القضية ولأن هذا حقّها، وأحببت البنت لأنها تؤشر إلى مدخل شخصي للتناول، مدخل حياة بشر يركبون قارب موت، البنت في العنوان تحرر المجزرة من شبهة البلاغة والبكائيات النازلة “من فوق” لصالح بكاء شخصي عميق متقطّع يستدرج التفاصيل ويضيء حولها.

معاناة الفلسطيني ليست “كليشيه”، وتكمن المشكلة في استمرارية المأساة منذ نحو قرن، وليس في الحديث المكرر عنها، التحدي: كيف نتحدث عنها فنّياً؟ لا توجد طريقة واحدة، توجد عدة طرق، الضمانة التي أحاولها شخصياً تحرير التعاطي مع الموضوع السياسي من البلاغة اليابسة لصالح لغة قادمة من الحياة/ الموت، هذا يحتاج إلى أشياء كثيرة أحاولها ولا أدعى بلوغ أقصاها، أهمها: “ديمقراطية” الكاتب مع الشخصيات؛ يحتاج الكاتب إلى شيء من التواضع تجاه شخصياته فلا يخنقها بخبرته ولغته وحكمته هو، أن يدعها تتجاوزه وتحلق بعيداً عنه، لتتحول الكتابة إلى لعب، وفق القواعد أولاً، وبعدها لعب بالقواعد نفسها، وبعدها لعب بلا قواعد.

إذا كان هناك من يرى خلاصه السياسي في إسقاط فلسطين من حساباته، فبئس الرؤية وبئس الخلاص. وإذا كان هناك من يرى أن النص “النظيف” من فلسطين هو نص أجمل، فهذا لا يعرف شيئاً عن فلسطين ولا عن الجمال ولا عن النظافة، هكذا ببساطة؛ غياب فلسطين أو تغييبها ليس شرطاً جمالياً ولا معياراً فنيّاً! 

هناك من سيختار دائماً كتابة نصوص ذاتية، وهذا حقّه تماماً، وهذا ضروري وله دوره ومتعته وجمهوره ومادته التي يرفد بها المشهد، لكن اعتبار تناول الكوارث السياسية الجماعية شأناً غير أدبي، فهذا انحياز سياسي ضد فلسطين، وضد الأدب.

في العام 1982، حدثت مجزرة في منتهى الغدر، عجزنا عن التعامل معها ثورياً، وعجزنا عن محاكمة مرتكبيها جنائياً، وحتى أن تعاطينا السياسي مع مرتكبيها “ارتجف” في محطات عديدة، ممكننا الوحيد الآن محاكمة مرتكبيها أخلاقياً وجمالياً، وهذا ليس فقط في صلب الأدب، إنما من دوافع اجتراح الإنسان للسرد كفعل إنساني يتولى نبش الأرض لاستخراج ما دفنته القوة الغاشمة من حكايات وجثث.    

يبدو أن أبطالك عادة هي الأماكن والأحداث وليس الأشخاص، ولهذا لا نجد أسماء شخصية إلا نادرًا، لكنك تمنح كل شخصية لقباً يعبر عنها مثل “الحورية” و”المناضل” وغيرها، هل أردت التأكيد على عمومية التجربة، وأنها قد تكون قصة أي شخص وجد بالصدفة في هذه الإحداثيات؟ أم أن الأسماء هنا لا تهم؟ 

في هذه الرواية كل الشخصيات أبطال، كلّ على طريقته، هناك بطولة الفدائي في المشي على حافة الموت في مواجهة القَدر الكولونيالي، وهناك بطولات البقاء وهي الأكثر والأوضح. تُوسّع الرواية مفهوم البطولة وتحررها من تفرّد المقاتل دون إلحاق الغبن به. نعم، الأمكنة تتقاسم البطولة مع شخوصها، فالشخوص من طينة الأمكنة، والمكان كما في سائر رواياتي متورط في الحكاية عبر انقساماته والهيمنة التي في هندسته، وثقله على الشخصيات لغة وأجساداً، وأحياناً انسحابه من تحت أقدامها. المكان الفلسطيني غير مُطمئن، وهذا لا يمكن إخفاؤه عند كتابة رواية واقعية.

بشأن الأسماء، أنا فعلاً أتجنب استخدام أسماء، وفي كل رواياتي قليلاً ما تجدين اسماً، أُفضّل الألقاب التي تنبت مع الشخصية أثناء الكتابة، تماماً كما ينبت اسم الرواية أثناء كتابتها، هذا أولاً يعفي الشخصية من التحليلات حول مغزى التسمية، ويفتح للشخصية آفاقاً إنسانية لتتحرك في فضاءات غير متوقعة. لا يعني هذا أنني أقسمت ألا أسمي شخصياتي؛ فأحياناً أتسامح مع وجود أسماء عندما أحس أن الاسم بلا حمولات، وأنه لا مناص منه. 

بلغة محكمة لا تشبه الصخب في شيء وكتابة متأملة رائقة يتمحور العالم الداخلي للرواية، وهو الأمر الملفت، خاصة حينما تكون قصة العمل سلعة عند الكثيرين لاستدرار التعاطف والدعم، فكيف استطعت النجاة من فخ الوقوع في رثاء الذات؟

دعيني أقول بداية: إن الرواية هنا رحلة في حقل ألغام، وليس فقط فخاً أو فخاخاً… نحن نتحدث عن مكانين بالغيّ التعقيد بالنسبة للفلسطيني: لبنان وألمانيا. ونتحدث عن مجزرة حيّة وإن كانت ابتعدت قليلاً بالمعنى الزمني، لكن بيئتها وروافع تكرارها تقترب باستمرار، وتفريخاتها في المنطقة العربية تتناسل، هذا لأنها لم تُحاكم كمجزرة، ولا حوكمت كفكرة، لقد جرت تسويات لتجاوزها، أو أن التواطؤ على تجاوزها كان شرطاً لتسويات لا علاقة للضحايا بها. ما حمى الرواية من كمائن الرثاء وشبهة استدرار العطف، روحية المحكمة التي وجهت الشخصيات، والوعي الموجّه بأن المجزرة ليست حدثاً عابراً، إنما سياق عميق، وأنها ليست حادث سير، إنما حدث مدبر ومنهجي ناجم عن وعي كامل. وأن الحدث ليس قَدَراً إلهياً يشبه زلزالاً، إنما قدر سياسي دولي، لا يمكن عزله عما سبقه وعما لحق به. بهذا الوعي قررت ككاتب ألا أساوم في محاولتي تبصّر ألم الضحية وقول جملتها المغيبة، حتى أنني كنت مرعوباً من فكرة أن أصادر صوتها ككاتب.

وبهذا صارت الرواية تكتبني، صارت الشخصيات تعلّمني، احتكمت حركة الشخصيات وخياراتها إلى روح المحكمة، لذا لم يكن البكاء وارداً، فالرواية ككل غير محايدة، ولا تقترح الحياد، لا المؤلف محايد ولا الشخوص، ودعيني أقول: إنه حتى لا يوجد مقعد يجلس عليه القارئ المحايد، ثم إن الرواية لا تترك متنفساً لشبهة جلوس الضحية على مقعد المتهم، وترفض الاكتفاء بالجلوس في موقع الشاهد، بل تركل مقعد القاضي عندما يلزم الأمر. حررت هذه الروح الرواية من البكاء على أكتاف من لا يستحقون أن نبكي على أكتافهم، كل أولئك “القضاة” الذين اختاروا الوقوف على مسافة واحدة، بينهم وبين القتلة، وبينهم وبين المقتولين.

ولكن المحاكمة لم تتكئ على جمل قانونية، لقد استعادت الموت عبر حكايات حياة، حياة مفككة تجرّ موتاها، يبدو فيها المستحيل ممكناً والبديهي مستحيلاً، حياة مرتبكة ومربكة مشاهدها “زائغة”، شبحية أحياناً، وأحياناً لها ملمس ورائحة وملامح، “أبطال” بحمولات تراجيدية يتجولون على خشبة تاريخ يشبه مسرح اللامعقول.

تنقلت بين العديد من التواريخ، وكأنك كنت تمسك حبلاً يأخذك إلى الماضي القريب أو البعيد أو الحاضر، إلى أي مدى أرهقك هذا التنقل، خاصة أنه يحتاج إلى البحث الدؤوب؟ وهل كانت كل الأزمنة تصبّ في صالح الرواية؟

الرواية كلّها -كما أعيها على الأقل- قصة تأرجح -ما دمت تتحدثين عن حبل- تأرجح بين الأشكال الفنّية: الشعرية، المسرح، المشهد السينمائي، تأرجح بين التقنيات السردية، بين القسوة واللين، بين التراجيديا والسخرية المرة، بين البطولة ونقيضها، بين الأمكنة، بين الأزمنة، يحدث هذا ضمن محاولة تطوير أدوات للإمساك بعمومية المجزرة، وتمثيل فواجعها، والتغلب على استعصائها كحالة تهشيم لنظام الحياة بما فيها من موت، وبالتالي تهشيم لأداء الحواس وقدرتها على تلقي التهشيم، ومن ثم هيئة السرد ولغته. ثم هناك تأرجح بين الغرائبي والواقعي يكبّر مع فقدان الثقة بالحواس بعد خراب الهندسة: الذبابة أكثر شيء موجود في حياة الحورية لكن وجود الذبابة موضع شك. جثة العجوز هي الأكثر حضوراً في حياة “الرجل الدائري” لكن اثنين من رجال الشرطة يقولون: إنه لا وجود لرائحة أصلاً. وعازفة الكمان شبحيتها أكثر حضوراً من الحضور ذاته.

لم يرهقني التنقل، فهذه إستراتيجيتي عموماً في الكتابة، استدراج القارئ، المهم أن يتبعني إلى المحطة التالية، يتم هذا بتخطيط، وبرشاوى، وبلا حبكة بالمعنى التقليدي، إنما عبر ما أسميه في سرّي “الحبكة/ السراب”؛ مُغريات سرعان ما تكتشف كقارئ أنها ليست الموضوع، وأنها ليست مهمة تماماً، ويحدث أن أتناساها إذا شعرت أنها أدت غرضها، ويحدث أن يلعنني القارئ، أعرف ذلك، لكنه لا يلغي العقد بيني وبينه، ولا يلقي بالرواية جانباً، وفي النهاية ينظر إلى الخلف ويقول: يااااه لقد قطعت كل هذا الطريق، حتى لو لم تعجبه أشياء كثيرة فيها. رحلة القارئ هي الرواية وليست مضامينها، ولتكن الرحلة عابرة للأزمنة وللأمكنة، لم لا؟

طبعاً أعتقد أن هذا التقافز لصالح العمل، فالفواصل بين الأزمنة -فلسفياً- مجرد وهم، الأزمنة متجاورة وإن تباعدت، نحن وأمكنتنا قِطع على خط الزمن، ونتوهم أن الزمن هو المقطّع.

وعن الزمن السياسي، لا يمكن الحديث عن أيلول 2001 دون الحديث عن أيلول 82، ولا الحديث عن 82 دون الـ 48، وقبلها 1917، وبعده الانتداب، ولا يمكن الحديث عن ديموغرافيا لبنان بمغزل عن ديموغرافيا فلسطين، ولا عن ديموغرافيا فلسطين بلا الهولوكوست. الزمن الكولونيالي واحد.

تعمدت تكرار بعض الثيمات الجملية على امتداد الرواية وكأنك تحاول من خلالها إيصال رسالة ما إلى القارئ، مثل “لقد خبرت هذا جيداً” لم كان كل هذا الإصرار؟

نعم أنا أحب الثيمات، الثيمات البصرية والصوتية، وأيضاً المقولات المتكررة بحساب، لأنها تشدّ العمل إلى بنية واحدة، شرط ألا ترهقه، وهي قد تخفف من ضرورة الاعتماد على الحبكة بمعناها التقليدي.

بشأن ثيمة “خبرت ذلك جيداً” راهنت أن تثري التأرجح بين البساطة والقسوة وتكشف بداهة الحصول على الفجيعة لطفلة؛ وتؤثث لفكرة أساسية في العمل مفادها أن خبرة المجزرة لا تشبه السماع عنها أو محاولة كتابتها، فلا أحد “يعرف” مثل الضحية ولا يمكن لأحد أن يعرف مثلها، ثم إنها تأكيد على القسوة، فالأصل أن تَخبُر طفلة في السابعة أشياء أخرى غير سلوك ذباب الموت وسيرة الروائح وتقنيات القتل وتكتيكات النجاة.

من الواضح أن هذه الرواية تحمل مجازفات مختلفة، بدءاً من العنوان ومروراً بلعبة المسرح،  وانتهاء بتضمين جزء من مخطوط فوينيتش القديم، ربما كان بالإمكان الاستغناء عنه، هل ترى الآن أن خيارك بالمجازفة هنا كان في محله؟

وأضيف لك أيضاً مغامرة الابتعاد عن اعتمادي السرد البارد في رواياتي الثلاث السابقة، إلى سرد لا يتحرج من رفع الحرارة عندما يقتضي الأمر. 

لست نادماً على المجازفة، وإن كانت المجازفة ليست هدفاً بحدّ ذاتها، مجازفتي محسوبة في جزء منها، واقترح الموضوع جزأها الآخر مع تطوّر التناول؛ المجزرة أياً كان اسمها أو موقعها، تجربة فوق طاقة اللغة، وفوق طاقة الأشكال الأدبية، وفوق طاقة التقنيات السردية، ربما لذلك اختارت الرواية شكلها على هذا النحو.

أنا راضٍ عن التلقي إلى الآن، ليس لأن المتلقي يصل إلى ما أردت قوله، إنما لأنه يقول أشياء نظرية وجمالية كثيرة لم أكن أعي الكثير منها، وتتم مقاربتها بإحالات لا أعرفها فعلاً. أحياناً أذهب لقراءة مواد تعينني على فهم كثير من المداخلات تشير إلى أسماء أعمال أو كتاب أو مخرجين سينمائيين أو مسرحيين، لا أعرفهم، هذا مهم لأنه يعني أن العمل مفتوح على طبقات من التأويلات، يعني أن فضاءاته مفتوحة للتحليق عالياً، وأنه مشدود إلى منجزات إنسانية مؤثرة وجادة.

طبعاً هناك بالمقابل أصدقاء همسوا في أذني، أو كتبوا بأناقة، أنني خيبت أملهم، وهذا متوقع، فالعقد بيني وبين القراء الذين يعرفونني هو عقد بينهم وبين أعمالي السابقة بعوالمها، وها أنا أذهب إلى عالم آخر لا يشبهني، أو لا يشبه سابقاتي. أقول دائماً: للكاتب ما يريده من كتابته، وللقارئ أن يجد فيها ما يشاء: هذه سُنّة اللغة.

بشأن جزئية مخطوطة فوينيتش، وهي واحدة من أكثر المخطوطات إلغازاً في التاريخ المعاصر، فقد جاء توظيفها كواحدة من لعب السرد الكثيرة. تحتاج رواية تفوح منها روائح الجثث أن تتنفس قليلاً، ولعبة المخطوط تمنحها شيئاً من الهواء، ثم إن هذه الجزئية ضرورية للتدليل على “لا عادية” “الجمل”؛ البطل الكامن في عوالم غامضة، والذي نفذ مهمات بالغة التعقيد، وأوصلتنا اللعبة أيضاً إلى يومياته لنقرأ شهادته عن نفسه بعدّة ضمائر، هناك قراء مرّوا عن هذه الجزئية وكأن لعبة المخطوط كلها شأن خيالي، وهذا جميل إذ يدل أنها ليست عبئاً على الرواية، وهذا ما يهمني، أما الحكم بشأن صوابية الحلّ المقترح، فهو متروك للزمن وللخبراء، وفي العموم، الرواية -أي رواية- هي صفقة تواطؤ متكاملة بين الكاتب والقارئ.

الصوت والرائحة، حضور الجسد بكل تجلياته، اللغة المعتنى بها، من مميزات “بنت من شاتيلا”، غير أن حضورها القوي كان بمثابة رسالة تريد إيصالها، هل توافقني الرأي؟

طبعاً، الجسد عمود هذه الرواية، هو الطبقة العميقة التي يتحرك ما فوقها، فالجسد موضوع المجزرة ومادتها، الإبادة في شاتيلا إبادة جسدية؛ يعني إبادة الإنسان الوحش لأخيه الإنسان، إبادة بدائية حتى في أدواتها؛ الأسلحة البيضاء بما يعنيه ذلك من تماس مقصود مع جسد الضحية. تبدأ الرواية بالأجساد، وتمر بتماس جسد الشاب الملتبس بجسد الحورية على البحيرة عندما يلفهما شال واحد، هناك الأجساد المنتفخة، وجسد الجثة العجوز الجالسة على كرسي، وهناك الجسد النقيض المصقول، جسد عازفة الكمان، حيث “يتبخر النعاس مع أول إشراقة لنهدين يقظين يبللهما الندى”. 

وهناك تعمق في الاغتصاب كأحد تجليات العلاقة الإكراهية مع الجسد، والاستعارة الطقوسية للجسد في ذروة توحشها، عندما يطلب القاتل من الضحية أن ترقص. 

سوف تعلمني الرواية أن القتل الجماعي له تقنيات متشابهة إلى حدّ كبير، في أبحاثي ظهرت دائماً آليات تجميع متشابهة، مسيرات جماعية نحو مذبح، هناك دائماً جدران موت، وهناك قتلة يطلبون من ضحاياهم إدارة الظهور ورفع الأيدي؛ هذه هندسة موت متكررة، هندسة مقصدها الأجساد، وحتى تقنيات الدفاع عند الضحايا على الجدران متكررة: السقوط متظاهراً أنك مصاب، نجاة قِصار القامة لأنهم دون مدى “الرش”. 

ثم، المعضلة البيولوجية، معضلة الجسد، عندما يبزغ جسد جديد من جسد أم مغتصبة، “سيدة الحناء” فقدت معظم عائلتها على يد القاتل، ثم ترى ملامح الأب في وجه جنين تعمدت إجهاضه، فساعدت مولودها على الموت، يدفعها إلى ذلك الحبّ! هي أجهضته لأسبابها، لكنني أنا ككاتب نسيت أن أدفنه بلا سبب واضح؛ في مرحلة من مراحل الكتابة مرت في ذهني فكرة أن أدفنه، أو أترك “الخالة” تدفنه في مقبرة الشهداء، لكن الرواية كانت في المطبعة عندما تذكرت ذلك، وبقيت الجثة معلقة في فضاء الكون. أنا لا أمزح. أحس بالحزن كلما تذكرت أنني نسيت دفنه. أعرف أن بعضه من طينة القاتل المغتصب، لكن مكانه الحقيقي على الرغم من ذلك في مقبرة الشهداء، في المقبرة الجماعية على طرف المخيم تحديداً.

أوليت اهتماماً واضحاً للمسرح تحدثنا عنه سابقاً، هل كان الدافع هو الحمولة التراجيدية للمسرح وتاريخه والتي قد تكون الصورة الأبلغ لتوصيف حالة تراجيديا المذبحة، وبالتالي قصة الرواية؟

بشأن جزئية المسرح، هناك تساؤلات كان أول من أطلقها الصديق الروائي أنور حامد، على حسابه على “فيسبوك”، إذا حذفنا إشارة السؤال سنحصل على الجواب: “تكثيف المدلول التراجيدي لما حصل؟ إسقاط الشكل على المضمون؟ هل هي حيلة للخروج من عباءة السرد والتعلق بأستار المسرح للاقتراب من جوهر التراجيديا الأول ومقاربته بالتراجيديا موضوع الرواية؟”

هذه رواية موضوعها التراجيديا؛ الكثير من القتل المادي والمجازي: قتل المخيم، قتل الأب، قتل الابن، قتل البنت، قتل الأخ. المسرح عموماً كان خيار “الحورية”، هي التي دفعت به إليّ، ولست من دفع بها إليه، لقد كتبت المشهد الافتتاحي بعدما تعرفت إليها جيداً -كشخصية داخل النص أقصد- كتبت هذا المشهد بعد كتابة أكثر من نصف الرواية، الخشبة التي في الرواية منصوبة بمخيلة الحورية، والمقطعان المسرحيان الافتتاحي، والافتتاحي/الختامي، يحدثان في حلمها، تصعد هي إلى الخشبة، وتصعد المُغتصبة، وينفتح المسرح على 4 آلاف رواية/ شهادة ممكنة، أما اللغة المهشمة الملاحقة بالكوابيس، فربما يرممها جزئياً الحلم. 

The post أكرم مسلّم: “بنت من شاتيلا” رحلة في حقل ألغام appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
إنعام كجه جي: الحب هو خير دليل https://rommanmag.com/archives/19714 Fri, 02 Aug 2019 10:41:25 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%a5%d9%86%d8%b9%d8%a7%d9%85-%d9%83%d8%ac%d9%87-%d8%ac%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%a8-%d9%87%d9%88-%d8%ae%d9%8a%d8%b1-%d8%af%d9%84%d9%8a%d9%84/ لم يكن من قبيل الصدفة أن تدخل إنعام كجه جي عالم الرواية بعد مسيرة مهنية طويلة في عالم الصحافة، ولا من باب المكانة الاجتماعية التي لم تحتاجها، إنما ولأنها منذ أول روايتها «سواقي القلوب» التي صدرت عام 2005 عن المؤسسة العربية للنشر والتي وضعتها بقوة على خارطة المشهد الروائي العراقي أوضحت بجلاء أنها كاتبة لديها […]

The post إنعام كجه جي: الحب هو خير دليل appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>

لم يكن من قبيل الصدفة أن تدخل إنعام كجه جي عالم الرواية بعد مسيرة مهنية طويلة في عالم الصحافة، ولا من باب المكانة الاجتماعية التي لم تحتاجها، إنما ولأنها منذ أول روايتها «سواقي القلوب» التي صدرت عام 2005 عن المؤسسة العربية للنشر والتي وضعتها بقوة على خارطة المشهد الروائي العراقي أوضحت بجلاء أنها كاتبة لديها مشروعها الروائي الخاص والذي يلعب في منطقة تخصها وحدها، الأمر الذي ترسخ عبر رواياتها الثلاث التالية، «الحفيدة الأميركية» 2008، و«طشاري» عام 2011 و«النبيذة» التي صدرت عام 2017، وقد صدرت كلها عن “دار الجديد” للنشر، والتي وصلت أيضاً إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية في أعوام 2019 ،2014 ،2009 مما جعلها الكاتبة العربية الوحيدة التي وصلت رواياتها لثلاث مرات متتالية إلى القائمة القصيرة للبوكر، وعن هذه المسيرة الحافلة كان لرمّان هذا اللقاء مع الروائية العراقية في محاولة للدخول بشكل ملموس إلى عوالمها الماورائية.

عادة ما نسمع في الشعر عن المتنبي وهناك “متنبون” كثر عبر تاريخنا الطويل لكننا من النادر أن نسمع عن روائي أصدر روايته الأولى بعد سن النبوة المتعارف عليه، هل كان العمل في الصحافة مادة تأسيسية لهذا الانتقال الذي جاء مكتمل الوعي والرؤية والمشروع؟

حلوة “سن النبوّة” هذه، وما أبعدني عن أن أكون “متنبيّة”. فأنا مثل كل العراقيين والعراقيات كتبت الشعر في المراهقة، ثم نشرت بضع قصص قصيرة قبل أن تستولي عليّ مهنتي بالكامل. لكنني كنت طوال تلك السنوات قارئة شغوفة ومتابعة جيدة لما ينشر من روايات ومجموعات شعرية وقصصية. ثم حصل في العراق ما يعجز عن تصوره الخيال. ووجدت في الرواية مرهمًا لمداواة الفوضى الروحية التي ألمّت بي. هل تعرفين أولئك الآباء المهووسين بتصوير أبنائهم في كل مراحل العمر؟ أردت أن أرسم صورًا متتابعة لوطن عرفته معافى، وأراه على سرير العجز والتفتت. 

تغلب على لغتك الروائية استخدام المفردات المغرقة في اللهجة العراقية حتى وصل الأمر إلى عنوان رواية ملتبس مثل “طشاري” وكأنك عبره تحيلين القارئ إلى البحث ليس فقط عن هذه الكلمة وإنما للبحث أيضاً عن حمولتها الثقافية والتاريخية، كيف  تمكنتِ من استحضار العراق بمحليته التي تتغير كل جيل بعد هذه العقود التي تفصلك عنه؟

أكتب عن بقعة جغرافية محددة. وعن أناس فارقوها أو طردوا منها دون أن ينجحوا في الفكاك من ماضيهم. ولرسم المكان لا بد من ألوان ورموز وروائح وأغنيات وأمثال. ولعلني لم أتقصد استخدام بعض المفردات المحلية بل كانت روح المكان تحتلني وأنا أكتب عنه وعن ناسه، أعني أهلي. كيف أسحب القارئ إلى المناخ العراقي لكي يفهم أي فردوس أضعنا؟ ولكي لا يتيه فإنني كنت حريصة في سياق السرد على توضيح كل مفردة. صحيح أنني أحبّ الكلمات المتقاطعة لكنني ضد التعمية والغموض. 

من الملاحظ لمتتبع كتاباتك أن شخصيات رواياتك على الأغلب ترتكز على قصص حقيقية تدرسين تاريخها الشخصي الزماني والمكاني، فهل كان للصحافة دور في هذا التوجه في الكتابة؟ أم أنه منهج اخترته عن قصد للكتابة الروائية؟

كما قلت لك، وكما أردد دائمًا، صار الواقع العراقي يبزّ الخيال في حكاياته وشخصياته. ثم أنني عاشقة لحكايات النساء والرجال المعمرين الذين يختزنون قصصًا مدهشة. وفي ندوة حول الأدب العربي عقدت في ميلانو، قبل فترة، لاحظت أن روائيين غيري يرتمون في أحضان الأم أو الجدّة أو كبار العائلة. ولكي نفهم ما نعيش اليوم، لا بد من نبش في الماضي القريب. كأننا نريد أن نتشبث بالقيم التي تربت عليها أجيال الصح، بالمقارنة مع أجيال الشطط والعنف والفساد والفقر الروحي. وقد يكون لاشتغالي في الصحافة دور في هذا الميل. نعم، أحب الكتابة عن بشر حقيقيين. 

رواية «النبيذة» -العمل الأحدث الذي صدر لك عن دار الجديد عام 2017-  هل تحمل إحدى شخصياته شيئاً من حياة إنعام كجه جي الإنسانة؟ وهل تظنين أن هناك مساحة في الرواية لتداخل عالم الكاتب الخاص بتفاصيله مع عالم الشخصيات التي يكتبها؟

في كل كتاباتي، الصحافية منها والأدبية، الكثير مني. وقد تكون الوقائع بعيدة عما عشت، والشخصيات غريبة وتتناقض معي، لكنها تأتي مطعمة بحصيلة تجاربي. قبل «النبيذة»، وعندما صدرت الحفيدة الامريكية سئلت هل أنت بطلة الرواية وكان الجواب أن بطلة الرواية تصغرني بربع قرن لكن هناك شخصية متوارية هي شخصية كاتبة الرواية وقد يكون في هذه الشخصية الثانية شيء مني، وحدث الأمر نفسه مع «النبيذة» وبما أن البطلة، تاج الملوك، صحافية فقد كتب بعضهم بأن هناك شيء من تجاربي في حكايتها ومرة أخرى أقول إن الرواية تبدأ وتاج الملوك في التسعين من عمرها وهي كانت من الصحافيات الرائدات في العراق وصادقت نوري السعيد والوصي على العرش في وقت لم أكن قد ولدت فيه، لكن بالتأكيد الكاتب يمنح أبطاله شيئاً من ذاته. 

ما بين عراقية وفلسطيني تدور أحدث قصة الحب الرئيسية في النبيذة، كم كان حجم الإغراء بالنسبة لك كعراقية تنتمي إلى جيل تشكّل فلسطين في وعيه مكانة مغايرة عن غيره من الشعوب العربية؟ وما هي أكبر التحديات التي واجهتكِ أثناء العمل على هذا الرواية خاصة أنها تعتمد على قصة حقيقية؟

يمكن وصف «النبيذة» بحفل تعارف. فقد التقيت بسيدة لديها سيرة تغري بالتتبع، في العراق وخارجه. ولما فكرت في استلهام جوانب من حياتها في رواية، فوجئت بأنها تطلب مني مساعدتها في العثور على الشخصية الثانية في الرواية، حبيبها الفلسطيني الذي تاه عنها. ومن خلال البحث التقيت بالشخصية الثالثة. لكن هؤلاء لم يكونوا جاهزين ومتهندمين وواقفين رهن إشارتي. كان عليّ أن أعود إلى وثائق وكتب كثيرة في السياسة والتاريخ والفن. وكذلك إلى أطلس الجغرافيا لأن مساحة الرواية تمتد من بغداد والقدس إلى كراتشي والمحمرة وكاراكاس وصولًا إلى باريس. وساعدني في كل تلك الرحلة أنها قصة حب. والحب هو خير دليل. 

تابع الوسط الأدبي كله ما حدث في كواليس جائزة البوكر لعام 2019 ووصول روايتك إلى القائمة القصيرة ومن ثم اختيار رواية للكاتبة اللبنانية هدى بركات مما شكل صدمة لكل من تابع أخبار الجائزة، كيف استقبلت هذا الخبر؟

تربطني بهدى بركات صداقة قديمة، وهي روائية قديرة وتستحق أفضل الجوائز. وأظن أن ما حدث في البوكر كان بسبب سوء تقدير المشرفين على الجائزةّ، ولا ذنب لها فيه.

كونك في باريس، كيف تقيمين حركة ترجمة الأدب من العربية إلى الفرنسية؟ وهل تحكم الاختيارات معايير أخرى غير الفنية؟

النشر صناعة لا تغفل الربح. وهناك معايير للاهتمام بالكتاب الذين يرتأي الناشر الفرنسي أنه يستحق الترجمة. وهي معايير قد تكون سياسية مثل الاهتمام بما يجري من انتفاضات في هذا البلد العربي أو ذاك، أو محض تجارية. هذا لا يعني أن النص الضعيف يأخذ طريقه إلى المكتبات. هناك تقاليد في التحرير والمراجعة وفي اختيار الروايات التي تخاطب القارئ الفرنسي وتضيف لمعارفه. 

كيف تقيمين حركة القراءة في هذا الجيل الذي يعتمد حتى في الكتابة على اللوح الإلكتروني، مما يستدعي إلى الذهن سؤالاً عن جدوى استمرار النشر الورقي، وهل تجدين توزاناً ما بين حركة القراءة والنشر في العالم العربي؟ وأين يقع دور الناقد -إن كان له وجود- هنا؟

إذا كنت تقصدين أن الكتابة كثيرة والقراءة قليلة، فإن معكِ كثيراً من الحق حيث أن هناك اهتمام كبير حالياً بنشر الروايات على وجه الخصوص سواء أكانت عربية أو مترجمة، وفي ظل هذه الوفرة فإن بعض الروايات لا تجد من القراء سوى بضع عشرات. يحدث معي مثلًا أن أقتني أكداسًا من الكتب ولا أجد الوقت لقراءتها كلها. هل ضاق وقتي أم أن مشاغلي زادت وقدراتي تراجعت؟ ليس لهذا علاقة بالكتابة على الشاشة الإلكترونية أو المطالعة عبر اللوح، أما إذا كان الحديث عن النشر الإلكتروني فقد أصبح في طوع كل كاتب ما يشبه دار نشره الخاصة وهنا يصبح من الصعب الإلمام بكل ما ينشر وبالتالي غربلته. نحن هنا أمام تقنيات متقدمة تجتاحنا مثل التسونامي ولا أجد فائدة من الوقوف بوجهها، لأن لكل عصر أدواته، والمهم هو إيصال النصوص أي الأفكار، وبخصوص حركة النقد المواكبة لهذه الغزارة في الكتابة لا أقول إلا هل يُصلح الناقد ما أفسد الكمبيوتر؟

The post إنعام كجه جي: الحب هو خير دليل appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>