أحمد زكارنة - مجلة رمان الثقافية https://rommanmag.com/archives/author/234rommanmag-com مجلة ثقافية فلسطينية مستقلة Sat, 02 Nov 2024 08:43:11 +0000 ar hourly 1 https://wordpress.org/?v=6.6.2 https://rommanmag.com/wp-content/uploads/2024/10/cropped-romman_logo-pink-32x32.png أحمد زكارنة - مجلة رمان الثقافية https://rommanmag.com/archives/author/234rommanmag-com 32 32 الوقت من دم… https://rommanmag.com/archives/21428 Thu, 11 Jan 2024 08:16:25 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%a7%d9%84%d9%88%d9%82%d8%aa-%d9%85%d9%86-%d8%af%d9%85/ الوقتُ من دم، جملةٌ لربما تصفُ شكلَ الحياةِ المستهدَفة بكلِّ مُقوِّماتِها في الأراضي الفلسطينية من نهرِها إلى بحرِها.. فلا مكانَ آمنٌ فوق الأرضِ، ولا مكانَ مُحتمَلٌ للسكينةِ والهدوءِ تحتَها.  ليس في الزمنِ الراهن وحسب، ولكن منذ مئةِ عامٍ ويزيد، هي عمرُ بَدءِ المشروعِ الصهيوني المُذّيَّلِ بتوقيعٍ مشؤومٍ لشخصيَّةٍ مستعمِرة تُدعى بلفور، وأكثرَ من خمسةٍ وسبعين […]

The post الوقت من دم… appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
الوقتُ من دم، جملةٌ لربما تصفُ شكلَ الحياةِ المستهدَفة بكلِّ مُقوِّماتِها في الأراضي الفلسطينية من نهرِها إلى بحرِها.. فلا مكانَ آمنٌ فوق الأرضِ، ولا مكانَ مُحتمَلٌ للسكينةِ والهدوءِ تحتَها.

 ليس في الزمنِ الراهن وحسب، ولكن منذ مئةِ عامٍ ويزيد، هي عمرُ بَدءِ المشروعِ الصهيوني المُذّيَّلِ بتوقيعٍ مشؤومٍ لشخصيَّةٍ مستعمِرة تُدعى بلفور، وأكثرَ من خمسةٍ وسبعين عاماً من النكبةِ الحرام.

الوقتُ من دم، وكذا هي حياةُ الفلسطينيِّ وهو يئِنُّ تحت وَطأةِ احتلالٍ فاشي، لم يَسمَعْ من قبلْ عن قوانينِ الصراعات، وربما عن المُتونِ والحواشي المُشكِّلةِ لسننِ الحياةِ الجامعة بين أعراقِ البشرِ وعقائدِهم، وإن فُرِضَ عليهم العيشُ بين مركزٍ منتصرٍ وهامشٍ مغلوب.

الإشكاليةُ في بعدها الأخلاقيّ، تكمن في المركّبات الأيديولوجيّة لهذا المركز المُتسيّد ضمن بنيته الكليّة، وهو يساند ويدعم صورته المُهجّنة للاستعمار بكلّ مفرداته الحداثيّة، عسكريّة كانت أم اقتصاديّة أم ثقافيّة، على الرغم من حالة الّلا يقين التي تسيطر على البشريّة غرباً وشرقاً.

أما الوقتُ، فهو مُفردةٌ تبدو غائبةً عن قواميسِ لغةِ المنظومةِ الدَّوليَّةِ العاجزةِ أحياناً، والمتآمرةِ في مرّاتٍ كثيرة، حيث النفاقُ السياسيُّ الذي تمارسه القوى العظمى وحلفائها، لا يكمُنُ في ازدواجيَّةِ المعاييرِ وحسب، ولكنه ينطلِقُ أيضا من مُقاربةِ المصالحِ العمياءِ، لغطرسةِ القوَّةِ المبصرة وخطاباتِها المرتبطة بالمركزيَّةِ الأوروبيَّةِ الاستعماريّة، في تعاملِها مع الهامشِ المستعمر.

فيما الدمُ، كلمةُ السرِّ المنتصِرةُ للحياة، دونَ أن تسألَ التاريخ وكتبه المنحولة عن معاني التفوُّقِ العرقي، وقانونِ الغاب، وتجريدِ الشعوبِ من حقوقِها الإنسانيةِ المشروعة، وفق الدساتيرِ الوضعيةِ والسماويةِ على حدٍّ سواء. لا لشيء إلا لكون التاريخ لغة المنتصر أو الموهوم بالانتصار، ولو على حساب جماجم الأطفال والنساء والعجائز.

ولأسبابٍ تتعلقُ بالماضي والحاضرِ والمستقبل، يُطِلُّ علينا بين كلمتي الوقتِ والدم، حرفُ الجرِّ بمجرورِهِ “مِن”، على نحوٍ يُشيرُ إلى جغرافيا الشرقِ وتاريخِ الشرق وخيراتِ الشرق، ذلك المكانُ المُدجَّجُ بالحضارةِ الإنسانية في أبهى تجلياتِها المستهدَفة منذ الوصايا العشرِ وتفسيراتِها في علمِ الأديان، مروراً بالفلسطينيِّ المطارَدِ المصلوبِ الأول، المسيحِ عليه السلام، وصولاً لابنةِ القلبِ، روحِ الروح التي استهدفتها القنابلُ العمياءُ بعيونٍ مبصِرةٍ وهي في سنواتِ عمرِها الغَضِّ الذي لم يرَ من الحياةِ سوى القصفِ والدمارِ وصورِ مقابرِ الأرضِ المفتوحةِ على شرفةِ السماء.

القصةُ إذن، ليست قصةَ الوقتِ المفخَّخِ بالدم، منذ السابعِ من شهرِ الغفران في العقيدةِ التوراتية، قدرَ ما هي قصَّةُ الإنسانِ الفلسطينيِّ العالقِ بين أنيابِ الاحتلالِ الاستعماري وقهرِهِ المزمِنِ منذ سبعةِ عقودٍ وأكثر، كما صرَّحَ بالقولِ أنطونيو غوتيريش الأمينُ العام للمنظومةِ الدَّولية، وصوتُها الحرُّ إلى حينِ إسكاتِهِ تارةً بالتهجُّمِ عليه، وأخرى عبر اتهامِهِ بالانتصارِ للإرهابِ وِفقَ المواصفاتِ الإسرائيلية، والمعاييرِ الأمريكية وفرقة الكورالِ الاستعماريّ السابق بريطانيا وفرنسا وألمانيا وايطاليا. فهذه طبائعُ الأمورِ حسبَ المقولةِ التاريخيّةِ الرائجة منذ الحربين الأولى والثانية، “القوي عايب”. 

اليومَ، تنظُرُ شعوبُ العالمِ بأسرِهِ، كما لم تنظُرْ منذ القرونِ الوسطى، إلى دبلوماسيَّةِ القُوى العظمى وهي تُقرِّرُ وتتحكَّمُ في القانونِ الدَّولي الإنسانيّ، وتعريفاتِهِ الزائفة في مكانٍ، والأصيلةِ المستحَقَّةِ في غيرِهِ؛ فإسرائيلُ هنا في المشرقِ العربي، لا ينطبِقُ عليها، ما ينطبِقُ على روسيا هناك في شرقِ الأرض، حيث الإنسانُ الأبيضُ لا يجبُ أن يمَسَّهُ السوادُ، ولا يحِقُّ لأحدٍ أن يساويَهُ بأيٍّ من ألوانِ الطَّيفِ البشريِّ أينَما كان.

وهذا بابٌ قد يفتَحُ أو يعيد فتح أبواب جحيمِ الصِّراعاتِ الدينيَّةِ والمذهبية والعرقية، ليس فقط في حدودِ الشرقِ، ولكنه الجحيمُ الذي حتمًا سيزحَفُ بكلِّ أبعادِهِ وأشكالِهِ لكافَّةِ أرجاءِ الأرض. لذا نجد دولة حرة كما جنوب أفريقيا، صاحبةُ التّجربةِ الأنضجّ على جبهةِ الصّراع العرقيّ في أقسى أشكالهِ البغيضة، وهي تتقدّمُ بما لم تتقدّمْ به أو إليهِ أيّ من دولِ الشّرقِ مسلوبةِ الإدارةِ والإرادة، لا لتثبتَ جريمة الإبادةِ على المحتلّ المستعمِر وحسب، وإنما لتقول للبشريّة بأكملها، إن لم نستفق اليوم، ستضربُنا الفجيعة غداً.

 فهل تعي هذه القُوى أنَّ لغةَ الخطاب المسكونة بهواجِسِ الأساطيرِ، ونَزعَ الصفةِ الإنسانيَّةِ عن الآخَرِ قبل تحقيرِهِ وقتلِهِ وسحلِهِ، وَجهانِ لعُملةٍ واحدةٍ، هي عملةُ العنصريَّةِ التي قد تجُرُّ الكرةَ الأرضيَّةَ إلى وبالِ الصراعاتِ القاتلة في صورةِ حروبٍ مفتوحةٍ نعلمُ جميعاً متى ولماذا بدأت، ولكنَّ أحداً لا يعلمُ كيف تنتهي.

The post الوقت من دم… appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
إبراهيم السعافين بين الهامش والمتن في سيرته “سلالة السنديان” https://rommanmag.com/archives/21307 Thu, 07 Sep 2023 07:27:21 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%a5%d8%a8%d8%b1%d8%a7%d9%87%d9%8a%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d8%b9%d8%a7%d9%81%d9%8a%d9%86-%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%87%d8%a7%d9%85%d8%b4-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%aa%d9%86-%d9%81%d9%8a/ ثمّة أهمية بالغة لتفحّص العلاقة الدّالة بين الكاتب والمكتوب عنه؛ فالكاتب يشيّد عالم سيرته الذاتيّة على روافع غيريّة، يميّزها الكثير من السموّ، فلا تقول سوى أنّ الوفاء إنّما بات عملة نادرة، لا تجدها إلّا في مناجم القيم التي غابت عنا أو غيّبناها، فغيّبتنا. إبراهيم السعافين في سيرته الذاتيّة المشبعة بالغيريّة “سلالة السنديان”، قدّم لنا مادّة […]

The post إبراهيم السعافين بين الهامش والمتن في سيرته “سلالة السنديان” appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>

ثمّة أهمية بالغة لتفحّص العلاقة الدّالة بين الكاتب والمكتوب عنه؛ فالكاتب يشيّد عالم سيرته الذاتيّة على روافع غيريّة، يميّزها الكثير من السموّ، فلا تقول سوى أنّ الوفاء إنّما بات عملة نادرة، لا تجدها إلّا في مناجم القيم التي غابت عنا أو غيّبناها، فغيّبتنا.

إبراهيم السعافين في سيرته الذاتيّة المشبعة بالغيريّة “سلالة السنديان”، قدّم لنا مادّة غنيّة تمتاز بالفرادة على جهة التأريخ، لكوكبة من الأسماء الوازنة إبداعاً وخلقاً، عاشت صعود ما عُرف في حينه بالقوميّة العربيّة، فكان لها آثرها في الحياة السياسيّة والثقافيّة على امتداد جغرافيا الأمّة العربيّة، ولا يزال أثرها يضرب في الجذور؛ مادة تتمظهر فيها علاقة الأنا بالآخر الشريك، حينما يكون الهدف أسمى من الغاية، والعلم نور المعرفة، والمعرفة أخلاق اتّصال وتواصل، وأعلى مرتبةً وشأناً من نار الحقد والغيرة والضّغينة، وهذا لا يعني اختفاء هذه الظواهر السلبيّة حينذاك، لكنّ أمرها ومعالجتها كانت في منطقة أرقى كثيراً ممّا تبدو عليه الحالة اليوم. 

وعلى الرّغم من معايشته الكثير من التحوّلات السياسيّة والاجتماعيّة في المنطقة العربيّة، إلّا أنّه بدا متمسّكاً بجدّيّته تجاه الأحداث والأشياء، وقوراً متسامحاً مع ما يبدو من اختلاف في الرأي، أو معارضة في الموقف، فضلاً عمّا أبداه من أمانة علميّة أدّت لكلّ زميل أو صديق ما استحقّ ويستحقّ، فلم نجده ينتقد موقفاً أو يدافع عن أحد إلّا بمهنيّة عاليّة واحترام للذّات قبل الآخر.

لغة وأحداث وإنسان

لغة السعافين الذّي راح يتحدّث من الخارج عن الدّاخل، في سيرته “سلالة السنديان – الأهليّة للنشر والتوزيع- 2023″ بدت لغة طيّعة ومنسابة شكلاً ومضموناً، أمْلَتها مناسبة الأحداث والوقائع المطروحة بشيء من الواقعيّة المفرطة حيناً، والعميقة أحياناً، باعتبارها سنّةً من سنن السِيَر الذاتيّة، ذات الأبعاد المفعمة بعطاء الزنابق البيضاء، وهي تتجلي في معاني البراءة والنّقاء. فلم يستعرض قواه اللّغويّة البلاغيّة في الصياغة، وهو الأكاديميّ الأديب والناقد المتخصّص، ولم يغازلنا بتعابير مجازيّة في الطرح، وهو الحقيقيّ الغنيّ الليّن بكلّ معارفه، لكنّه حاول جاهداً رصد الفارق البينيّ بين حالة الوعي بالأحداث زمن وقوعها، والتّعبير عنها بعد مرور الزّمن عليها، فانخرط في التّعقيب السريع ببعض ملاحظاتٍ هنا وهناك، كأن نجده يقول: ” حين أتذكّر كلام الناس حينذاك أتصوّر كم كانوا يحلمون”.

في المقابل، رأيناه ذلك الإنسان مرهف الحسّ، الذي يغويه فرح الآخرين، وتؤلمه مآسيهم، وهو ما ينتبه له القارئ في موقفين محدّدين، الأوّل، حينما قرّر وصديقيه محمود أبو الخير، ومحمد شحدة، الذّهاب إلى شريعة نهر الأردن للسّباحة فيه، وثلاثتهم لا يتقنون فنون السّباحة، فما هي إلّا لحظات حتى غيّب النّهر محمد شحدة، فسكن الحزن والألم والوفاء ذاكرته لأكثر من ستّين عاماً مضت، وكأنّها لم تمض، حيث جاء بعد كلّ هذه السنوات ليحدّثنا عن هذا المشهد بشيء من الوجع المقيم والدّمع الساخن؛ وأمّا الموقف الثّاني فيدور حول سعادته بموافقة النّاقد الكبير الدّكتور إحسان عبّاس، على كتابة سيرته الذاتيّة، التي نُشرت بعنوان “غربة الرّاعي”، وكان السعافين أحد أثنين ممّن اطّلع وراجعها مخطوطة، كما أشار عبّاس في مقدّمته، فضلاً عن موقفه النّبيل معه أثناء مرضه؛ وإلى ذلك احتفاءه الكبير بتلاميذه ومريديه الذين ما فتئ أن اتّخذ منهم أصدقاء مقرّبين له، كالشّاعر المهمّ زهير أبو شايب، والبّاحث الأكاديميّ النّاقد الدّكتور جمال مقابلة على سبيل المثال.

السعافين الإنسان الفلسطينيّ، ابن المخيّم العصاميّ، الحاصل على عشرات الجوائز في الشأن الأدبيّ والأكاديميّ، أبى إلّا أن يسجّل موقفه السياسيّ من عديد المتغيّرات التي طرأت على المنطقة العربيّة، كما حرب الخليج، والانتفاضة الثانية، وإن لم يول المسألة السياسيّة الكثير ممّا تستحق على طول السيرة، وهي النّقطة الرخوة التي قد تؤخذ عليها، على الرّغم من كون الأمر موضوع اختيار لا يملك قراره إلّا صاحب السيرة، وهو ما يذكّرنا بما أورده في المقدّمة من سؤال أحد الأصدقاء، “هل ستقول كلّ شيء؟ قلت: بالطبع لا. فليس ثمّة من يقوم بذلك، ولو صرّح كثيراً وباح”.

ما أشار إليه الدكتور السعافين، في مسألة الانتخاب والاختيار في أمر البوح، قد يكون صحيحاً إلى حدّ بعيد في حدود الحياة الشخصيّة للكاتب صاحب السيرة، ولكنّ الشأن السياسيّ العام، وموقف الكاتب من مشروعه وخطابه، خاصّة فيما يخصّ قضيّته الوطنيّة، فأعتقد أنّ الأمر ينطوي على حقّ من حقوق القارئ في اختبار كاتبه المفضّل، للانكشاف على مواقفه السياسيّة كما الاجتماعيّة، إن اعتمدنا فكرة أنّ المثقّف النّموذج، هو الوجه الأصل للإنسان القياس، إن صحّت المقاربة؛ على أيّ حال، اختار السعافين الكاتب في هذه الحالة أن ينتهج سبيل البراغماتيّة المنكمشة بوصف علم الاجتماع السياسيّ، حال أردنا الرّبط بين شخصيّة السعافين الإنسان الخلوق المتجنّب للصداميّة، والسعافين المثقّف الأكاديميّ الباحث عن الكمال غير المتحقّق بكلّ الأحوال.

ولأنّ الشيء بالشيء يذكر، لم يشأ السعافين أن يختم سيرته، دون أن يترك علامة مميّزة وواضحة، على الأقل في تخصّصه، بوصفه أستاذاً للأدب العربيّ، فكان توضيحه الذي أعتقده لازماً أن يأتي عليه في زمننا هذا، وهو التّوضيح الذي أكّد فيه، “أنّ النّاقد الحقيقي ليس الذي ينشئ منهجاً أو يتبنّى منهجاً، فإذا أقدم على التّطبيق فشل وبان عواره، بل هو النّاقد الذي يقف أمام النصّ كأنّه ملكه، ويستخدم كلّ أدواته النقديّة والمعرفيّة في استنطاق النصّ ووضعه في مكانه الحقيقيّ في سياق الأدب وحركة النّقد” وفي مثل هذا التعقيب اجتيازاً مهماً وضرورياً للمسافة القائمة والمحتملة، بين ما يقدّم من قراءات نقديّة تقول وجع الكاتب ونصّه، وما يسمّيه البعض نقداً حين يتناول الكاتب وشخصه بعيداً عن النص موضوع المعالجة.

إنّ السعافين وبكلّ طاقة الخير التي لم تفقد الأمل في غد أفضل، وكأنّنا به يقول لقارئه: هكذا مضت الأيام ومضينا نحونا حيناً، ونحو اغترابنا أحياناً، نتذكّر كيف وضعنا الكثير من الأحلام في سلّة واحدة، ولم ننجُ؛ أغلقنا عليها طريق الطّواف حول الجراح المفتوحة على كلّ استدعاء للذّاكرة.

لم يكن في الحكاية شبهة انفعالات تخلط الألوان في المرايا، ولا ثمّة نزعة تتحلّق حول الذاتيّ والخاص، وإنّما حول كلّ استثناء ممكن. تكلّمنا بأنفسنا نيابةً عن أنفسنا، فحصلنا على ما تيسّر من سلام داخلي.

بيني وبيني تخيّلت أنّ إيماننا بأنفسنا، سيوسّع من أفق الحلم، لنطلّ عليه بعيدا عن فوضى البعث أو ارتباك القيامة؛ علّها تتراءى لنا الحياة لغة حيّة في زمن ميّت. حياة لا تخضع لشروط الصيرورة الحائرة ما بين الهامش والمتن.

The post إبراهيم السعافين بين الهامش والمتن في سيرته “سلالة السنديان” appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
زكريّا محمد المشّاء… بدء القصّة ومنتهاها https://rommanmag.com/archives/21283 Fri, 04 Aug 2023 13:16:49 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%b2%d9%83%d8%b1%d9%8a%d9%91%d8%a7-%d9%85%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b4%d9%91%d8%a7%d8%a1-%d8%a8%d8%af%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%b5%d9%91%d8%a9-%d9%88%d9%85%d9%86%d8%aa%d9%87%d8%a7/ يتأزّم سؤال الكتابة حينما تكون عن أديب متعدّد المواهب، كتب في الشّعر والرّواية والصحافة، وانشغل في البحث عن أسرار اللّغة والتاريخ والأسطورة، بدأ تجربته وهو يقف على مسافة آمنة من المركز السياسيّ، فلم يشكّل العمل الحزبيّ رافعة حقيقيّة له، ولكنّه احتلّ هامش الجمهور، بكامل إرادة الأخير، فكانت العلاقة بينهما، علاقة تكامل واكتمال بين حقيقة الموقف […]

The post زكريّا محمد المشّاء… بدء القصّة ومنتهاها appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
يتأزّم سؤال الكتابة حينما تكون عن أديب متعدّد المواهب، كتب في الشّعر والرّواية والصحافة، وانشغل في البحث عن أسرار اللّغة والتاريخ والأسطورة، بدأ تجربته وهو يقف على مسافة آمنة من المركز السياسيّ، فلم يشكّل العمل الحزبيّ رافعة حقيقيّة له، ولكنّه احتلّ هامش الجمهور، بكامل إرادة الأخير، فكانت العلاقة بينهما، علاقة تكامل واكتمال بين حقيقة الموقف وسبل التعبير عنه، تحديداً في عصر منصّات التواصل الاجتماعيّ.

زكريّا محمد الذي ولد في قرية الزّاوية بالقرب من نابلس منتصف القرن الماضي، درس الأدب العربيّ في جامعة بغداد، لينتقل بعد تخرّجه إلى بيروت منخرطاً في العمل الصحافيّ. ولتصبح رحلات التنقّل بين بيروت وقبرص وتونس وعمّان دورية، حتى زمن العودة مع العائدين إلى فلسطين بعد توقيع اتفاقية أوسلو، ليبدأ من جديد في مسار مختلف من حيث الشكل والمضمون، ليشكّل البحث في اللسانيّات هاجسه الذي وضعه على سكّة الفكر من مدخل مغاير لم ير من خلاله إلّا الهامش موضوعاً وهمّاً، ولم ينظر إلى المركز إلّا باعتباره خصماً؛ فعن ماذا يمكن للمرء أن يكتب وهو أمام سيرة عامرة بالأحداث وواضحة بالمخرجات؟ هل يكتب عن الشّاعر؟ أم عن الباحث؟ أم عن المفكّر؟ أم عن الإنسان؟ فهو كلّ ذلك ولا شيء منه في الخانة العشريّة للاسم والصّفة لحظة الموت الصّاعق والمفاجئ.

غير أنّ الله منحه وقتاً مستقطعاً على الخطّ الواصل بين الأمل واليأس، فحرّر القصيدة من أزمتها السياسيّة، ليقدّم نصّاً إنسانيّاً عصريّاً ومغايراً، بدلالات وطنيّة تحرّريّة، تجلّى في اقتراحه الشعريّ “زراوند” تحديداً، والذي انحاز فيه للأمل في مواطن الاحتمال، مجابهاً لليأس على مدارج الأحلام؛ على الرّغم من اعتقاده أنّ “الشعر نتاج اليأس، لا نتاج الأمل” وهي قاعدة يؤمن بها على اعتبار أنّ اليأس يمكنه أن يكون أحياناً هو الأمل ذاته؛ وفي نحو ذلك نسمعه يقول: 

“فجأة ردّ لي الموت ما أخذه مني.. وقفتْ عربته أمام بيتي، وأنزلت كلّ شيء: أحبتي الذين اختطفهم مني، أصدقاء طفولتي، والأمل بتنورته القصيرة، لم يعد لديّ ما أبكيه. أستطيع الآن أن أضع نعليّ تحت رأسي كي آخذ غفوة طويلة”.

هذا الوقت المستقطع المشار إليه يستدعي بالضرورة، ما مضى من منعطفات تاريخيّة حادّة، كما منعطف الخروج الآمن من رومانسيّة الأحلام اللّاهثة وراء الأفكار الكبرى، في محاولة أخيرة لربّما لرؤية الوطن، لا التورّط في عشق الطّريق المؤدّي إليه؛ لاستنشاق ترابه، لا التّغنّي به عن بُعد، فكان أن صدّر زكريّا مجموعته الشعريّة الأولى تحت عنوان “قصائد أخيرة” عام (1981)، ليُخضع نفسه بالكليّة لسلطة هذا المعنى الواضح والمباشر في عنوانه الأوّل، مجتهداً في توسيع زاوية الرؤية، علّه يوماً يتمكّن من تحديد خارطته الشعريّة الخاصّة والمختلفة، في زمن تزاحمت فيه الأصوات الشعريّة حول المركز السياسيّ لمنظّمة التحرير الفلسطينيّة، ليس فقط من الشعراء الفلسطينيّين، ولكن من كل حدب وصوب في المنطقة العربيّة بأسرها.

ولأنّه لم يكن يؤمن بترويض الخطأ لتخليق الصواب، عبر كلّ مقايضة محتملة أو ابتذال ممكن، اكتسبت نصوص زكريّا محمّد أهميّتها من استجابتها للظّرف الاجتماعيّ حيناً، وللطبيعة أحياناً، وكأنّه كان يبحث عن البّلاد في طبيعة البلاد وهي تنازل الموت متسلّحة بالذكريات وفق اقتراحه الشعريّ في أحد نصوص مجموعته الأخيرة “زراوند” وهو يقول: “ليس هناك فراغ في الطبيعة. فالذكرى تملأ كل شيء. ثمّة باب آخر للحياة لا يعرف عنه الموت، ولا يستطيع أن يأتي منه”.

ولأنّه أيضًا، لم يكن راديكاليّاً يحاول تشكيل المقاربات أو المفارقات، قدر ما كان متسلّحاً بمناعته الثقافيّة الشعبيّة، عمل على “دمقرطة نصّه الشعريّ” إن صحّ التعبير، في محاكاة جمهوره، وهو ما عبّر عنه في حوار له عام 2016، إذ يؤكّد: “ليست هناك رحلة في مقطوعاتي بالطبع، لكن هناك كلام وحوار، أنا لا أنشد لهم، بل أصل إلى النشيد معهم (…) أضع قدميّ الحافية على الصخرة وأسير، أحاول أن أجمع بين البساطة والعمق، هذه هي المعادلة التي أحاولها”.

هذا هو زكريا محمد الذي كرّس اسمه بوصفه أحد أبرز المثقّفين الفلسطينيّين بجدارة عبّرت عنها الرافعة الشعبية التي حملته إلى هذه المكانة بين عديد الأسماء الرّاحلة والحاضرة على حدّ سواء، لا لأنّه شكّل علامة استفهام كبرى بين الأصوات الشعريّة المعاصرة في فلسطين والمنطقة بلغته وأسلوبه المختلفين وحسب، وإنّما لأنّه خلق لنفسه حالة ذهنيّة شغوفة بالبحث عن الغد، عصيّة على التفلّت انحيازاً لهذه الأيديولوجيا أو تلك؛ لأنّ الأدب كما يقول جورج أورويل صاحب رواية 1948، “يتطلّب أمانة ذهنيّة، وحدّاً أدنى من الرقابة” ولذلك تخلّى الشاعر عن حصّته في الكعكة الأدبيّة، وهو ما أشار إليه شعراً في مجموعته الأخيرة: “قصيرات خطواتي، وقصيرات جملي. لكن ليس لأحد سلطان علي” وهو أيضا ما أوضحه حواريّاً حين قال عام 2016:

” نعم، فرضت على نفسي عزلتي الخاصّة. وأنا لا أطالب بأيّ قطعة من الكعكة الأدبيّة. حصتي تخلّيت عنها. ثم إنّه لم يعد لديّ وقت كي أضيّعه. عليّ أن أنجز التقرير النهائيّ، وأقدّمه لمن يهمّه الأمر”. 

لكنّ عزلته هذه، نبّهته إلى أنّ الشّعر “محاولة ما للتراضي مع الزّمن” على اعتبار أنّ اقتراحاته هي “حصّة الزّمن” الذي يحاول الخروج منه بأغنية يمكنها أن تهزمه، ويقصد الزمن، على الرّغم من اعترافه بأنّ “الشّعر ليس الحقيقة، بل أختها الكذّابة”، محذّراً كلّ من يقرأ شعره من البكاء الكاذب على الأطلال؛ أطلال الوطن، أطلال الذاكرة، أطلال الحياة، في محاولة منه للتّأكيد على أنّ “البكاء ليس دليل براءة. فالخطيئة ذاتها بكّاءة بنت بكّائين” وإن سئل، ما الذّات يا زكريّا قال: “الذّات كلبة مسعورة تعيش على الاستعارات”.

 أمّا “أنا” المؤمنة بذاتها في فلسفة زكريّا الشاعر والمفكّر، فيمكننا ملاحظتها في قوله: “لا أومن بأيّ شيء تقريباً.. لديّ فقط محاولات للإيمان بشيء ما. لكنّها مجرّد محاولات (…) لكنّني لست غاضباً من أنّ الوجود يعجز عن تأكيد ذاته. فهذا العجز هو ما يجعل الموت أمراً محتملاً”.

قلق الالتباس هذا، لم يشأ زكريّا أن ندخل في تراجيديا تفاصيله الدامية، ولا أن نحاول القفز فوق أسواره الحاجبة، فقط يقترح علينا أن نترك مسافة فاصلة ونكمل المسير، فنجده يقول: ” من أجل هذا لا تفكر في الأمر أكثر مما ينبغي (…) ولا تخشى شيئا. الموت سيتدبّر الأمر. سيأخذ قلم رصاص، ويربط كلّ نقطة بأخرى، كأنّه يصنع مسبحة، ثم يدفع بالنقاط كلّها، عبر ثقب ضيق، إلى صالة ما صغيرة تحت الأرض”.

هكذا تنغلق دائرة ما لتنفتح أخرى، بالمعنى المختزل، ببساطة شديدة لأنّ الحياة بسيطة وهشّة، أشبه ما تكون بالفخّار، والفخّار الهشّ ليس بحاجة للكسر، وواقع الأمر أنّ “الحياة لا تحتاج إلى أفكار. بل إلى يد تقطف وأسنان تقضم” هذه هي تراتبيّة الشاعر وفهمه للحياة ودورنا المحدود فيها، فـ “نحن لسنا سوى لاقطي كرز وتين، لسنا سوى مربّي شك في خلايا اليقين”.

هذه هي الحكاية باختصار، وهذا بعض من زكريّا محمد، الشاعر المشّاء على بحر الكلام المباح وغير المباح؛ الباحث الطوّاف عن فلسطين الإنسان؛ المتأمّل في سماء الفكر السياسيّ والاجتماعيّ ببراءة الخيال، القادر على التشخيص، والتفكيك، والتأويل ببداهة صاحب الحقّ؛ المتمرّد العصيّ على الترويض والامتثال، المميّز باقتدار للفوارق البينيّة بين “القول النافع، والقول الصحيح” فانطبق عليه أنّه كان بسيطاً في صلابته، وصلباً في بساطته، “هذا هو بدء القصّة ومنتهاها”.

The post زكريّا محمد المشّاء… بدء القصّة ومنتهاها appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
صناعة الرّأي بين الحقيقة والوهم في عصر الرّقمنة https://rommanmag.com/archives/21196 Wed, 12 Apr 2023 10:20:15 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%b5%d9%86%d8%a7%d8%b9%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d9%91%d8%a3%d9%8a-%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%82%d9%8a%d9%82%d8%a9-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%88%d9%87%d9%85-%d9%81%d9%8a-%d8%b9%d8%b5%d8%b1/ حين نتحدّث عن هذا العنوان الكبير، لا يسعنا في هذه المساحة أن نشمل كلّ ما يمكن أن يقال أو يطرح، تحت سقف ارتفع إلى أعلى درجات الحضور الفاعل، في الحياة اليوميّة للشّعوب والجماعات والأفراد والهيئات والمؤسّسات؛ خاصّة وأنّ وسائل التّواصل الاجتماعي شكّلت ثورة هائلة وغير مسبوقة على صعيد طرح الأفكار والتّصوّرات وتشكيل الآراء، بما يعرف […]

The post صناعة الرّأي بين الحقيقة والوهم في عصر الرّقمنة appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
حين نتحدّث عن هذا العنوان الكبير، لا يسعنا في هذه المساحة أن نشمل كلّ ما يمكن أن يقال أو يطرح، تحت سقف ارتفع إلى أعلى درجات الحضور الفاعل، في الحياة اليوميّة للشّعوب والجماعات والأفراد والهيئات والمؤسّسات؛ خاصّة وأنّ وسائل التّواصل الاجتماعي شكّلت ثورة هائلة وغير مسبوقة على صعيد طرح الأفكار والتّصوّرات وتشكيل الآراء، بما يعرف أو يطلق عليه صناعة الرّأي العام أو هندسة العقل الجمعيّ، إن صحّ التّعبير.

ولكنّنا كي ندخل إلى الموضوع مدخلاً صحيحاً وربّما مغايراً، تبادر أمامي أن نحاول معاً ولو سريعاً، أن نجيب عن سؤال بديهي وبسيط ومباشر: ما هو الرّأي بالأساس؟ فعلى الرّغم من شيوع مصطلح “الرّأي العام” لم يتوقّف الكثيرون أمام التّعريف، لا على جهة اللّغة، ولا من الجانب الاصطلاحيّ، ونحن أيضا لن نفعل كي لا نأخذ الكثير من المساحة، ولكنّ الاجتهاد يأخذنا لطرح ملخّص أعتقده يفي بالحاجة، إذ أراه، وأقصد الرّأي، باعتباره أمراً كثيراً ما يقع في المنطقة الفاصلة بين التّحول من الجهل بالشّيء أو المعلومة، إلى المعرفة النّسبّية أو الكّليّة بهذا الشّيء أو المعلومة، ما يعني أنه متحرّك ونسبيّ إلى حدّ بعيد.

هذا المدخل ينقلنا بالضّرورة إلى منطقة مسكونة بالكثير من الأفكار والتّصوّرات، ويطرح سؤالا آخر بسيطاً ومركّباً: ممّ يتكوّن الرأي العام وكيف يتشكّل؟ نظريّاً يقال إنّ هناك الكثير من العوامل والأدوات التي تلعب دوراً أساسيّاً في تكوين الرّأي وآليّات تشكيله، منها على سبيل المثال لا الحصر، العادات والتّقاليد والدّين، والإعلام، والنّخب السّياسيّة والاقتصاديّة والثقافيّة والاجتماعيّة، وما يسمّى بجماعات الضّغط… إلخ، يتّفقون أو يختلفون حول رأي ما في هذه القضيّة أو تلك؛ عادة ما يُطرح من قبل فرد لينتقل إلى مجموعة محدّدة أو قطاع معلوم، وصولاً للنّقاش العام سواء كان نقاشاً افتراضيّاً أو واقعيّاً، ولكنّ العامل الأساس المحرّك لكلّ هذه العمليّة، يدور حول موضوعة الإرسال والتّلقي، وهي عمليّة عادة ما تُطرح بصيغ مكتوبة أو مسموعة أو مرئيّة أو حسيّة وتخضع لاشتراطات ما يسمى بـ “قوى الدّفع”.

أما في عصر الرّقمنة، ومواقع التّواصل الاجتماعي، فالأمر اختلف قليلاً؛ نعم هناك مرسل لا شكّ، ولكنّه قد لا يكون معلوماً أو مرئيّاً، يقدم المعلومة كما يريدها هو، أو من يمثّله من جهة أو جماعة أو حزب، وبالتّالي يُصبح الدّفع بهذا الرّأي أو ذاك موجّهاً بشكل أو بآخر، في مواجهة عناصر مقاومة عادة ما تفقد الكثير من قوّتها ويضعفها موقعها المدافع عن الاتّجاه الآخر للطّرح.

للوهلة الأولى، يبدو الرّأي محقاً، ولكنْ مع شيء من الفحص والتّدقيق ينزاح الأمر نحو النّسبيّة، حيث الحقيقة التي لا يُمكننا النّظر إليها من كافّة الزّوايا في ذات اللّحظة، وهو ما يُدخلنا في نفق ما أسمّيه بشيفرة التّلقي، وتعرف في الأوساط الفكريّة والأدبيّة بنظريّة التّلقي، تلك التي لن نتوقّف أمامها بالتّفصيل لضيق المساحة أيضا، ولكن يكفي أن نشير إليها باعتبارها أحد أهمّ السّياقات الأساسيّة لتوجيه الرّأي في عصر الرّقمنة، ومواقع التّواصل الاجتماعي، وهو ما يُذكّرنا بكتاب مهمّ في هذا السّياق للباحث الأمريكي ” ماثيواف جايكويز” إذ يطرح نظريّة “المعرفة في خدمة الهيمنة” ليدرس ويناقش مع جمهوره، أبعاد توظيف المعرفة بكلّ مكوّناتها التّقليديّة والحديثة لاستمرار فعل الهيمنة؛ وبلغتنا البسيطة أو الوسطية لـ”صناعة القطيع” ما بين مزدوجين، وبكلّ الأحوال، لا ينزاح الهدف عن أهميّة تقديم النّسخة بديلاً عن الأصل، وملامح الوهم عوضاً عن وجه الحقيقة، وبالتّالي خلق شريحة واسعة من الأعداء والأنصار بصيغ مجانيّة، ولكنّها مفيدة وضروريّة في خلط الأوراق وصولاً للهدف الكليّ المتمثّل في السّيطرة والهيمنة؛ ويكفي أن تدفع هذه الحيلة بالطّرفين أو بالأطراف مجتمعة إلى أتون صراع داخليّ دائم ومتحرّك ومستمرّ لا ينتهي. ولنا في العديد من حالات الشّرق نماذج يمكننا الانتباه إليها، كما هي حالة الصّراع المعلن والمستتر بين السنّة والشّيعة، وكذا صراع الهويّات الفرعيّة، الكرديّة، الأمازيغيّة، وغيرهما في بعض مناطق هذا الشّرق، وأخيراً حالة الانقسام الفلسطينيّ الداخليّ بوصفه النّموذج الأكثر وضوحاً للعيان، والأكثر عبئاً على كاهل القضيّة الوطنيّة الفلسطينيّة.

من هنا يُمكننا البحث في عنوان “صناعة الرّأي بين الحقيقة والوهم” ببساطة لأنّنا شئنا أم أبينا محكومون لقوانين لعبة علاقات القوّة، التي لا تطيق بعض بنودها المعارضة، ولا تحتمل المناظرة، ومنها: “أنّ من يملك التّأثير في المخيال الجمعيّ، يعلم كيف يقود الجماعة” كما يشير للأمر بلغة أخرى الفرنسي غوستاف لوبون.

ولعلّنا حين نتحدّث عن عصر الرّقمنة، نشير بشكل واضح وجليّ إلى ما استحدث من ثورة قلبت موازين الصّحافة والإعلام رأساً على عقب، ألا وهي مواقع التّواصل الاجتماعي، بوصفها الأكثر نفعاً وخطورة في آن واحد، حيث بات هذا الفضاء المزدحم بكمّ هائل من المعلومات سلاحاً ذي حدّين، فهو من جهة يقدّم معلومة زائفة ومشوهة ومجتزئة، ومن الأخرى يتيح المجال واسعاً لبعض معلومات دقيقة وحقيقيّة، ما خلق بدوره حالة التباس كبرى استغلّها ويستغلّها كلّ صاحب أجندة خاصّة من أفراد وجماعات وهيئات، الأمر الذي لا شكّ يؤثّر في صدقيّة ما يُطرح بشكل آنيّ ولحظيّ، ما يدفعنا للقول: إنّ كلّ ما ينشر ونتلقّاه على هذا الفضاء الشّاسع، ناقص بالضرورة والاحتمال، ما يفرض علينا ضرورة البحث والتدقيق والتحقيق بوصفنا أفراداً، وعلى الصّحافيّ والإعلاميّ بشكل أساسيّ، والمثّقف على وجه التّخصيص، المشاركة الفعّالة في صناعة المحتوى من خبر ومعلومة وفكرة وربّما معرفة.

نحن إذن، بصدد ما يعرف بـ”حرب الأفكار”، حيث لم يعد الأمر عصيّاً على الإدراك، أنّنا اليوم أمام دور مؤثّر وحيويّ وموجّه تلعبه مواقع التّواصل الاجتماعي على جبهتين أساسيّتين، الأولى لا شكّ إيجابيّة باتجاه كونها باتت منصّات استطاعت أن تشكّل أرضيّة خصبة للتّفاعل مع القضايا العامّة، وحرّية التّعبير، وتبادل الأفكار والتصوّرات، بوصفها أداة تعزيز للوعي والمعرفة، فضلاً عن المساحة المناسبة التي وفّرتها هذه المواقع لعمل المؤسّسات والشركات على صعيد الحيّز الإعلانيّ الترويجيّ، ولكنّها في المقابل أتاحت فرصاً واسعة للتّوظيف السياسيّ والاقتصاديّ والثقافيّ المقيت، إذ باتت منبراً فاعلاً لطرح الأفكار الهدّامة، والتجسّس، وانتهاك الخصوصيّة، والدّفع بالمزيد من المغالطات والأوهام والأكاذيب والتّزييف والتّحريف والتّشويش، خدمة لأجندات لا علاقة لها بالجمعيّ قدر تعزيزها للفرديّ والحزبيّ في زمن الاستهلاك والتّشيّؤ، وارتداء الأقنعة الخادعة لتقديم السمّ مُحلّى بالكثير من ادّعاء الورع والتّقوى، استجابة لما يمكن أن نسمّيه بالحروب القذرة، تلك التي تستهدف تزييف وعي الأمم والشعوب بقضاياها المحقّة.

الخطير في الأمر، أن السواد الأعظم من مجتمعاتنا بهذا المعنى، دُفعت دفعاً لملء شواغر مسرح ما عرفه الفرنسي “جي ديبور” بمجتمع الفرجة أو الاستعراض” ذاك الذي تتحكم في أبوابه وتمتلك مفاتيح اقفاله قوى الاستعمار التي باتت تقدّم لنا المقدّس والمدنّس بصيغ معلّبة تلبّي تعريفاتها ومعاييرها ومصالحها.

الأخطر والحال هكذا، أننا بتنا نستهلك هذه المعرفة المبرمجة لخدمة الآخر النّقيض، للمسّ بأوطاننا ومقدّراتها ومشاريعها، في عالم افتراضيّ لا مرئيّ، وبواسطة أدوات تفوق قدرة الحواس، وتتمثّل الواقع بقوّة دفع هائلة لا تخضع إلا لسطوة وشروط ومادّيات ما ينتجه القويّ، من اشكال جديدة للصّحافة يدعى بعضها بـ”صحافة المواطن” بهدف هيكلة النّقاش العام وتأجيجه بغية تأطيره تحت ظلال كلّ ظّرفي وعابر ومؤقت، الذي فرضته وتفرضه مخطّطات استراتيجيّة هيّأت وتهيّئ البيئة المفترضة لتّدافْع الجزئيّ على حساب الكلّيّ بقضاياه الكبرى، فتنزاح الأخيرة أو تكاد، بفعل تطويع الإمكانيّات، وترويض القدرات، لدفع الجموع نحو التّغريد خارج السّرب، ما يفرز لنا تلاشي ما يجمع المجتمعات من عادات وتقاليد وقيم عليا، لنصطدم بما أنتجته حركة المعرفة المبرمجة هذه، من هُويّات فرديّة، أصبحت من حيث تقصد أو لا تقصد نقيضاً معادياً في بعض الحالات للهويّة الجمعيّة.

ختاماً، أعتقد أنّ الحلّ الممكن والمحتمل يوجد بيد شرائح عديدة من المجتمعات، أولها، وعلى رأسها نخب المثقفين، والصحافيّين، وهم من يمتلكون أدوات المواجهة من حيث يبرعون في فنّ التّواصل، والإرسال والاستقبال، وجمع المعلومات ومشاركتها، والقدرة المفترضة للتحليل والاستخلاص، وتوظيف المعلومة في طرح خطاب متوازن يُمكنه أن يفتح مغاليق العقول المزدحمة بالأفكار والتصوّرات المتّكئة بالأساس على العامل الأيديولوجيّ. 

وهنا أيضا يمكننا أن نطرح سؤالاً لا أعتقده بات غائباً عن عقول ساسة المنطقة ومفكّريها، إلى أيّ حدّ يُضير الأنظمة الحاكمة، أن يملأ إعلامها الخاص والعام فراغات النّقاش الهائم على وجهه، عبر التّناول الجدّيّ والعميق وربّما النقديّ، لكافّة القضايا الكبرى والشّائكة والمختلف عليها، بأجندات وطنيّة، عوضاً عن تركها تسبح في بحر من نقاشات الآخرين بأجندات سياسيّة وحزبية موجّهة؟ في الإجابة عن هذا السّؤال يكمن حلّ معضلة صناعة الرّأي في عصر الرّقمنة؟

The post صناعة الرّأي بين الحقيقة والوهم في عصر الرّقمنة appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
معالجات ذكيّة لقضايا شائكة في مجموعة “شبابيك الجيران” لعبد الغني سلامة https://rommanmag.com/archives/21115 Sun, 22 Jan 2023 09:38:21 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d9%85%d8%b9%d8%a7%d9%84%d8%ac%d8%a7%d8%aa-%d8%b0%d9%83%d9%8a%d9%91%d8%a9-%d9%84%d9%82%d8%b6%d8%a7%d9%8a%d8%a7-%d8%b4%d8%a7%d8%a6%d9%83%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d9%85%d8%ac%d9%85%d9%88%d8%b9%d8%a9-%d8%b4/ “دخلنا القرن الجديد بلا بوصلة”، بهذه المقولة المكثّفة افتتح اللبنانيّ أمين معلوف الكلمة التمهيديّة لكتابه “اختلال العالم”*، وعلى هذا المعنى اتكأ في معالجاته الحكائيّة الفلسطينيّ عبد الغني سلامة في مجموعته القصصيّة المعنونة بـ”شبابيك الجيران- دار الشروق للنشر والتوزيع. عمان، 2022” المكوّنة من ستّة عشر قصّة احتوتها ٢٢٤ صفحة، تفاوت بعضها في الشّكل والحجم، وتكامل بعضها […]

The post معالجات ذكيّة لقضايا شائكة في مجموعة “شبابيك الجيران” لعبد الغني سلامة appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
“دخلنا القرن الجديد بلا بوصلة”، بهذه المقولة المكثّفة افتتح اللبنانيّ أمين معلوف الكلمة التمهيديّة لكتابه “اختلال العالم”*، وعلى هذا المعنى اتكأ في معالجاته الحكائيّة الفلسطينيّ عبد الغني سلامة في مجموعته القصصيّة المعنونة بـ”شبابيك الجيران- دار الشروق للنشر والتوزيع. عمان، 2022” المكوّنة من ستّة عشر قصّة احتوتها ٢٢٤ صفحة، تفاوت بعضها في الشّكل والحجم، وتكامل بعضها الآخر في المضمون والمعنى.

تهتمّ قصص سلامة في هذه المجموعة بثلاثة قضايا أساسيّة ترتبط كلّ منها بالأخرى، الإنسان والوطن والتطوّر التكنولوجيّ، وأثر كلّ عنصر من هذه العناصر على الآخر، فقضيّة القيم الأخلاقيّة الفاسدة في المجتمع، لا شكّ تترك علاماتها الواضحة على المشروع الوطنيّ، فيما الوطن يعاني من سلوك وأطماع الإنسان في الماضي والحاضر، وما صاحبهما (أي الإنسان والوطن) من إغراءات التطوّر التكنولوجي الهائل ومحاولات استبدال الأوّل بالرّوبوت، واختصار الثاني في قرية كونيّة واحدة. 

مفهوم التناسخ وسرياليّة المشهد

بدأ الكاتب من العاديّ واليوميّ في حكاياته الثلاثة الأولى، وهي بالمناسبة القصص التي لو ركّز سلامة قليلاً لاستغنى عنها، إذ كانت هي الأضعف فنيّاً من وجهة نظري في هذه المجموعة، التي سريعاً ما انطلقت لفضاءات وقضايا أجمل وأعمق مع القصّة الرابعة المعنونة بـ”المنسيّون” والمرتبطة أولاً بالقضيّة الوطنيّة، وثانياً بإنسان هذا الوطن، وتتكامل بشكلٍ واضحٍ وصريحٍ مع القصّتين التاليتين (شعبان 1948- البيرة 2018) ولننتبه مع هذه القصص الثلاث لأمرين أساسيّين، الأوّل يشير إلى توظيف الزّمن بداية من العناوين للإضاءة على المشكلة الوطنيّة التي طال أمد حلّها إلى يومنا هذا “وكأنّنا نشاهد فيلماً دراميّاً، نترقّب نهايته بلهفة(ص٤١)؛ والثّاني يتعلّق بتأثّر وربّما استفادة الكاتب ممّا أنتجه آخرون حول هذه القضيّة، حيث يشير مضمون هذه القصص الثلاث، إلى رواية “قابض الرّمل” لعمر خليفة، وهي رواية كُتبت على شكل نوفيلا، الأمر الذي يمكن للقارئ أن يلاحظه أيضاً حين يطالع القصّة الحادية عشر المعنونة بـ”حين غابت الشمس” إذ يتشابه موضوعها مع رواية “العمى” للبرتغالي جوزيه ساراماغو، إلّا أنّ عبد الغني وُفِّقَ في تطوير أفكارهما، فقدّم شكلاً فنيّاً ثالثاً يخصّه من حيث شكل الحبكة وصيغ المعالجة.

في قصّة “شبابيك الجيران” وهي القصّة الأجمل على كلّ المستويات وتأخذ المجموعة اسمها، يلجأ عبد الغني إلى حيلة فنيّة ذكيّة، مكّنته من توظيف ما يُعرف بمفهوم تناسخ الأرواح، وهي فكرة فلسفيّة ودينيّة، لصالح التنقل الذهنيّ غير المرئيّ بين الماضي والحاضر والمستقبل، مستفيداً من الذاكرة بوصفها حاضنة أحداث وشخوص وتفاصيل يمكننا استدعاؤها متى شئنا، والتغيير أو التعديل عليها كيفما أحببنا أو تمنّينا، فإنّ البطلة العجوز غيداء، ومن دون أن تعي، ترى نفسها في شابّة تقطن في العمارة المقابلة لها، منذ لمحتها للمرة الأولى لتمارس عليها وعلى حياتها الأسريّة فعل التلصّص، فتنسج الأحداث وتتابعها وتناقشها مع زوجها كما تراها وتشتهي أن تكون، ليفاجئ القارئ في نهاية القصة بأنّ “هذه العمارة خالية من السّكان ومهجورة منذ أكثر من ثلاثين سنة (…) وزوج غيداء لا يقيم معها إلّا في حدود إطار صورته المعلّقة على الحائط منذ مات قبل خمس وعشرين سنة”(ص82-83).

أما قصّة “في مقهى الانشراح”، فإنّ قارئها من قاطني مدينة رام الله سيشعر للوهلة الأولى أنّ الكاتب يتحدّث عنه بشكل شخصيّ، حيث يعكس روّاد المقهى حياة شريحة واسعة من شرائح مجتمع الطّبقة الوسطى، مع بعض استثناءاتٍ صعوداً وهبوطاً، فـ”لمقهى الانشراح أوجه عدّة، يبدّلها كلّ ساعة، تماماً كما تفعل رام الله”(ص50)؛ التي تتميّز بهذا الخليط الغريب العجيب، الجامع بين طيّاته عادات وسلوكيّات بشر توافدوا من كافة مدن وقرى الضّفة الغربيّة، ليشكّلوا معاً مشهداً مجتمعيّاً مصطنعاً ومعقّداً ومجنوناً إلى حدّ بعيد، ففي “مقهى الانشراح كلّ شيء غريب، متوقع”(ص54).

في هذا المقهى تستطيع أن ترى كلّ تناقضات الحياة في رام الله، فـ”لوهلة قصيرة أحسست أنّ كلّ روّاد المقهى مزيّفون، أردت أن أصرخ في وجوههم: أيّها الكذبة والفارغون”(ص54)، وفي لحظة أخرى تخرج إلى هذه المدينة، لتُصدم بأكثر التناقضات سرياليّة “كنّا نهتف ضدّ السّلطة، وضدّ الحلّ السلميّ، والتنسيق الأمنيّ، ثمّ تشابكت الهتافات وتداخلت الشّعارات على نحو مجنون وغريب.. ما أوصل مشهد الجنون إلى ذروته أنّي لمحت أبي في الصّف الأماميّ من الجنود، يحمل درعاً من البلاستيك المقوّى… فيما كنت أنا وسهام ملثّمين، ما جعلني أطمئنّ بأنّه لن يميّزنا، ولكن هل سيكون نصيبنا من الضّرب على يديه؟ كان سؤالاً مرعباً”(ص60-61).

معالجة ذكيّة لقضايا شائكة

ثمّة معالجة ذكيّة لعدد من القضايا المهمّة والخطيرة والحسّاسة في آن، وردت في قصّة “من يجرؤ على شتم الرّئيس؟”، إذ يتوقّف الكاتب في هذه القصّة أمام ثلاثة قضايا أساسيّة في حكاية واحدة، هي “سفاح القربى/ وصورة المرأة المعنّفة في المجتمع العربيّ/ وقضيّة الفساد السياسيّ والأخلاقيّ لبعض رجالات السّلطة”؛ توقّف سلامة أمام هذه القضايا ليمارس حقّه المشروع في النّقد اللّاذع للكثير من الممارسات المسكوت عنها اجتماعيّاً وسياسيّاً، حيث تعدّ قضيّة سفاح القربى إحدى أكثر القضايا المخيفة على المستوى الاجتماعيّ، فضلاً عن قضيّة الفساد الأخلاقيّ والسياسيّ لبعض رجالات السّلطة، وما بينهما يتجلّى تواطؤ مجتمع الذكورة مع ما يحدث للأنثى من حيث تعريفها الجندريّ؛ في هذه الحكاية تتعرّض “سمر” بطلة القصّة للتحرّش والاعتداء الجنسيّ من قبل والدها المسؤول الكبير في الحزب، فيما تتعرّض الأمّ لتعنيف الأب كي تصمت، لتحاول كلّ واحدة منهنّ تقديم شكوى لأجهزة أمن ترفض من الأساس فكرة قبول الاتّهام لهذا المسؤول، صاحب الشعارات الوطنيّة الرنّانة، الأمر الذي يدفع سمر للتفكير في حيلة تمكّنها من أن تفضح والدها وتقتص منه، فكان أن فكّرت في تسجيل صوته وهو يحاول الاعتداء عليها، لتعمل على استفزازه بسؤاله: “تخيّل لو تعرف قيادة الحزب بأنّك تتحرّش بابنتك؟؟ فبهت أبو الرّعد، واكفهر وجهه (…) أجاب بعصبيّة: خرا عليك وعلى الحزب.. ولمواصلة استفزازه، قالت: فكيف لو عرف السيّد الرئيس بذلك؟ هنا بلغ أبو الرّعد حدّاً غير مسبوق من العصبيّة (…) فردّ بصوت أعلى: يلعن أبوك، على أبو السيّد الرئيس (…) هل تزاودين عليّ… أنا من يدلّس على الناس بحبّ السيّد الرئيس”(ص71-72)، ويستمر في شتمها وشتم الرئيس، لتحذف صوته المتحرّش بها، وتبقي على قذفه وشتمه لها وللرّئيس وتقدّم تسجيلها للأجهزة الأمنيّة التي تتّخذ أمراً بتصفيته، وهكذا تتخلّص وأمّها من همٍّ ما كانتا ليتخلّصنَ منه إلّا بهذه الطريقة، التي انتهت بمشهد استدعاء لخّص مآل كلّ فاسدٍ ومفسدٍ وتابعٍ، حيث “قرع الباب شابّ أنيق بثياب رسميّة، وسلّم سمر رسالة مختومة من قيادة المخابرات، وبداخلها النصّ التالي: يحضر شخصان فقط من العائلة، لاستلام جثّة عبد الغفار، بعد دفع 25 فلساً رسوم الرصاصة التي تكفّلت بإنهاء حياة الخائن الذي تجرّأ على شتم السيّد الرئيس”(ص74).

النوفيلا مقابل القصّة

اللّافت للانتباه في مجموعة “شبابيك الجيران” أنّ الكاتب عمل على تقديم أكثر من قصّة بموضوع واحد، كما هي حال القصص الثلاث التي أشرنا إليها في بداية هذه القراءة (المنسيّون/ شعبان 1948/ البيرة 2018)، وكذا الحال مع قصتيّ (مجرّد برغي/ وأكوان موازية) والتي احتشدتا في حوالي 68 صفحة، وتتحدّث الأولى عن المصير المشترك للبشريّة بعد خروج قمر اصطناعيّ عن مساره، واحتماليّة اصطدامه بالكرة الأرضيّة وتدميرها في دقائق معدودة، فيما تتناول الثانية قصص ثماني طلاب دكتوراة تمّ اختيارهم وفق معايير معيّنة، راعت اختلاف الأعراق والثقافات، بعد موافقة وكالة ناسا على تمويل ودعم مشروعهم للسّفر عبر الفضاء، على متن مركبة أطلق عليها “عابرة الأكوان” برفقة ثلاثة روبوتات آلية، وبعد مرور سنة ونصف وفق تقويم كوكب الأرض، تعرّضت المركبة لهزّةٍ أفقدتهم الوعي لفترة زمنيّة غير معلومة، هبطوا بعدها على ما يشبه كوكب الأرض، ليبدأ كلّ منهم بالقفز نحو ما اعتقد أنّه موطنه الأصليّ ليواجه مصيراً مغايراً في الكثير من التفاصيل، لكنّه مشترك في التّحولات التي فاجأتهم.

هاتان القصّتان لو فكّر الكاتب في الاشتغال عليهما قليلاً مضيفاً إليهما قصة “قابيل @ هابيل. كوم” بعد إجراء بعض التعديلات الطفيفة، لكان خرج برواية قصيرة مهمّة وجميلة، تحديداً حين ينتبه القارئ المتفحّص للجوء القاصّ إلى فكرة تقديم معالجة أدبيّة ناجحة لقضيّة وطنٍ كالعراق، في وحدات منفصلة على صعيد الشّكل، متكاملة في المتن، حيث امتازت هذه الوحدات بالتنقّل المفاجئ على جبهة الحقب الزمنيّة المختلفة، الموحّدة على جبهة السياق المضامينيّ، وهي القصّة التي وردت بعنوان “ميلشيات أبو الكلاب” إذ استدعى الكاتب زمن الأمين والمأمون ليحاكي زمن العراق الرّاهن بعد الاحتلال الأمريكيّ، وما بينهما جاءت معالجته لفكرة الإخوة الأعداء “الأمين والمأمون” وهي الفكرة المتكرّرة منذ هابيل وقابيل، ما يعني أنّ الكاتب كان بإمكانه أن يعيد النّظر في بعض المضامين والأحداث ويوحّدهما مع قصّة المصير المشترك للبشريّة في ثوب روائيّ واحد، كان يحتمل أن ترافقه القضيّة الوطنيّة الفلسطينيّة، باعتبارها قضيّة حقّ في مواجهة باطل، ما يدعوني للقول إنّنا أمام مجموعة قصصيّة بنكهةٍ روائيّةٍ من جنس النّوفيلا، استطاعت أن تقدم معالجات ذكيّة لقضايا شائكة.

 
*أمين معلوف، اختلال العالم، ترجمة ميشال كرم، ط1 (دار الفارابي- بيروت- لبنان- 2009)

The post معالجات ذكيّة لقضايا شائكة في مجموعة “شبابيك الجيران” لعبد الغني سلامة appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
“حكاية جدار” لناصر أبو سرور: محاولة اجتياز جدارين بقفزة واحدة https://rommanmag.com/archives/21063 Sun, 04 Dec 2022 13:41:04 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%ad%d9%83%d8%a7%d9%8a%d8%a9-%d8%ac%d8%af%d8%a7%d8%b1-%d9%84%d9%86%d8%a7%d8%b5%d8%b1-%d8%a3%d8%a8%d9%88-%d8%b3%d8%b1%d9%88%d8%b1-%d9%85%d8%ad%d8%a7%d9%88%d9%84%d8%a9-%d8%a7%d8%ac%d8%aa%d9%8a/ في المعنى:

The post “حكاية جدار” لناصر أبو سرور: محاولة اجتياز جدارين بقفزة واحدة appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>

يقال في علوم اللّغة، لابدّ عند استخدام المجاز، من وجود دلالةٍ وعلاقة، ومقتضى هذين الشرطين يكمن في محاولة استدعاء الحقيقة؛ فالدّلالة عادة ما تشير إلى عدم وضوحها، والعلاقة هي الرّابط الأكيد بين المعنيين، الحقيقيّ والمجازيّ؛ وفي الحالتين لا بدّ من الإيمان المسبق بماهية الحقيقة؛ ولكنّ هذه القراءة لم تُكتب لنتحدث عن علوم اللّغة التي لا أمتلك فيها الكثير ممّا يقال، ولكن لنحاول معاً الإجابة عن سؤال المجاز في أنسنة الأسير ناصر أبو سرور للجدار في كتابه الموسوم “حكاية جدار”، وطرحه لسؤاليّ الاشتباك الذي بنى عليه كامل سرديته: كيف يصبح الالتصاق بالجدار أقصر الطرق لاجتيازه؟ وهل يُعقل حقاً أن تقيّد يداكَ قيدك؟(1)

ولكن قبل الدّخول في تفاصيل حكاية الجدار بغية اجتيازه، ومحاولة تقييد القيد، لابدّ من الاطّلاع على شيءٍ من طبيعة المخزون المعرفيّ الذي يتّكئ عليه الكاتب في سعيه إلى صياغة مقولاته وتصوّراته وأفكاره؛ وهو المخزون الذي يُمكننا أن نتلمّس ملمحه الأوسع في تقديم أبو سرور لسرديّته، حين عمد إلى تأكيد الوجود الشخصيّ وتبريره عبر تصدير نفيٍ ينمّ عن عكس معانيه: “هذه ليست حكايتي، ولستُ إلّا شاهداً يقدّم شهادة سماعيّة ونظراويّة للأحداث، إنّها حكاية جدارٍ قرّر أن يختارني شاهداً على ما يقول ويفعل، وما كان لجُمَل هذا النصّ أن تصطفّ لولا استنادها إلى عنصر ثابت ووحيد هو الجدار”(2) فمثل هذا المفتتح لا يمكن لنا إلّا أن نقرأ فيه شيئاً من الفلسفة الظاهراتيّة التي تعمل على مبدأ الوعي بالأشياء، وتكوين المعنى المتفاعل بين الذّات والشيء عبر عنصريّ الحدس والمعاناة، وهو ما يخلق حالةً من حالات المواجهة؛ وفي حالتنا هنا، فإنّ الذّات هي ذات الكاتب، والشيء هو الجدار بعد أنسنته، وأمّا المعنى فيتكوّن من خلال الحكاية؛ وهي حكاية الأسير المتّكئ على جدارٍ صلبٍ، بوصفه فكرة هيمنة، إنْ تمكّن من إدراكها، تمكّن من اجتيازها؛ ولكنّه كي يفعل، فهو بحاجة لشيءٍ يسمو به عن عالم المحسوسات الماديّة، باتجاه عوالم داخليّة فوق ماديّة؛ شيءٌ أقرب ما يكون للتصوّف الذي يمكننا ملاحظته في ضمير المتكلّم الذي وسم به فصليّ الكتاب؛ الأوّل “أنا، ربّي، وضيق المكان”، والثاني “أنا، قلبي، وضيق المكان”. فضلاً عن ملاحظة اهتمامه بفكرة حضور الرّوح قبل الجسد، وتحقيق الحلم قبل الأمل، وإدراك الغد قبل انقضاء اليوم.

وإن حاولنا الوقوف على عتبة العنوان “حكاية جدار”، خاصّة مع الإحالة التي تنسب الحكاية للجدار، سنلحظ تحليق فكر المعتزلة بأسئلتها الوجوديّة وتأمّلاتها البشريّة؛ وهي الأسئلة المهتمّة بأمر تفعيل العقل بغيَة فكّ كلّ التباس محتمل حول الوجود؛ وتأمّلٍ ينظر إلى ما هو أبعد من ظلال ثنائيّات الحريّة والقيد، القدر والسّبب، على نحوٍ يسمح بملاحقة سؤال المصير ونقده بشيءٍ من التّفكيك وإعادة البناء؛ تفكيك مفهوم الهيمنة الكامن في الجدار، وإعادة بناء الإنسان المقيم قصراً خلف الجدران. وفي الأثناء فإنّ إحالة الحكاية للجدار تُمكّن الكاتب الاستفادة من حالة التأمّل لتفعيل العقل وممارسة نقد الحياة والناس.

الكاتب والشاعر الروائي ناصر أبو سرور في سرديّته، كَتَبَ سيرةً ذاتيةً توثيقيّةً في مفهومها الدّقيق، وليس روايةً في حبكتها المألوفة؛ متّبعاً فلسفة المعتزلة في إحدى أهمّ مقولاتها: “إنّ اثبات القدرة للإنسان لا بدّ وأن يتبعه القول بالحريّة، فالقدرة هي الأداة التي يحقّق بها الإنسان إرادته بحريّة تامّة” وإن استخدم روّاد المعتزلة مصطلح ” الاختيار” تعبيراً عن الحريّة في معانيها الدّالة الواردة في الفلسفات الحديثة والمذاهب الإنسانيّة الشاملة؛ إلا أنّ أبو سرور ذهب يقسم سيرته إلى سيرتين، إحداهما تدور في فلك علاقته مع الدّائرة المكانيّة (السجن)، والأخرى علاقته مع الآخر (الحبيبة) ضمن شروط وممكنات الاختيار، وهذه وتلك في فضاء المكان معكوساً، داخل الجدران وخارجها، داخلها من حيث الشرط الموضوعيّ والزمنيّ لفكرة القيد، وخارجها من منطلقات اجتماعيّة وإنسانيّة لفكرة الاختيار، ببعده المقارب لمفهوم الحريّة في الزّمان والمكان.

حكاية الجدار وتقييد القيد…

في فضائيّ الزّمان والمكان، تحرّك الكاتب أبو سرور ليقصّ بعض حكايات الإنسان الفلسطينيّ في جدله المستمر والقائم مع معطى فلسطين المخيّم والمدينة والسجن؛ وكذا معطى فلسطين الإنسان والانتماء والفعل، مرّة في زمن مضى وأخرى في زمن حاضر، مع الربط الدّائم بين ما مضى من أحداث، وما هو حاضر من واقع؛ على قاعدة أنّ “لكلّ رواية عناصر ثلاثة هي: المكان، والزمان، والشخوص، وسؤالٌ يربط بينها”(3)؛ كما يقول مؤكّداً على إيمانه الجديد بفكرة العبور، عبور عامليّ الزمان والمكان في بعض حالاتٍ بعينها، المخيّم إحداها وهو القائل: إنّ “رواية المخيّم لا مكان في سرديّتها ولا زمان، بعد أن فصلت الزمان عقودُ احتلالٍ طويلةٍ عن مكانه، وتحرّك كلٌّ منهما في فضاءٍ مختلف”(4)؛ وفكرة العبور لدى أسيرٍ كان قبل وقتٍ قصيرٍ لا يؤمن إلا بثلاثيّة “وطنٍ وثائرٍ وشعار”، لم تكن لتترسّخ في وعيه كنتيجة، إلّا بعد ترسّخ خيباته الكبرى في الأنبياء والآلهة الصغرى كسبب؛ إذ نجده يقول: “كنّا في حاجة إلى أنبياء (…) قاتلوا في سبيل روايتهم حتّى إذا ماتوا دونها صدّقناهم (…) يموتون إذا صُلبوا ويُدفنون قريباً منّا حتّى نقرأ على أرواح كذباتهم ما حفظناه من أغانٍ وأناشيد (…) يأكلون ما نأكل ويبنون بيوتاً يجرفها السّيل قبل بيوتنا (…) يجعلون من حكايات جدّاتنا تغريبة، ومن خروجنا عودة (…) كنّا في حاجة إلى جيل انتفاضةٍ وخريفٍ يُسقط عنّا كلّ ما غطّى عوراتنا من أوراق، ويفضحنا أمام ما تكسّر فينا من مرايا، ويطلق علينا ما عرفنا من نعوتات وألقاب، جيل الحجارة”(5).

 إنّ ناصر المولود مرّتين؛ مرّة من رحم “مزيونة” الأمّ، ومرّة من رحم “ننّا” الحبيبة، عاش تناقضه الشخصيّ وتناقض الحالة الفلسطينيّة والعربيّة برمّتها؛ ليسير على خطى الحداثيّين في استدعاء بعض لغة تشي بالجنس لمتن سرديّته، على اعتبار أنّ هناك رابطاً حاضراً وأكيداً ومتفاعلاً بين مكوّنات الجسد ومعالم الحريّة، حيث “ينشد الجسد الإنسانيّ، كما يقول الحداثيّون، الحريّة دائماً، والحريّة تبدو متطلّباً ذهنيّاً مجرّداً في نهاية التّحليل، حريّة ينشدها الجسد”(6)كما يؤكّد الدّكتور عدنان قاسم. 

هكذا تخلّى أبو سرور عن فوضى أسئلته وأشباه الإجابات الخاصّة ببؤرة الاهتمام، قضيّة الاستعمار، ليتجلّى في مركز مراقبته بانتظار الفرصة المواتية ليقفز عن جداره كي يسكنه؛ وفكرة الجدار في حالتنا الفلسطينيّة خاصّة، والاستعماريّة بشكل عام، هي فكرة هيمنة، وناصر الإنسان الأسير يتخلّى عن بؤرة الاهتمام، ليتجلّى في مركز المراقبة “لأنّ القلوب إذا أصابها جرحٌ، تركن إلى العزلة، فإمّا تُشفى في هدوء، أو تموت في صمت”(7) والمفاضلة بين الشّفاء والموت لدى الكاتب، لم تكن خيار استرجاع لما كان، قدر ما كانت محاولة أخرى لإعادة ترتيب الوجوه والأحداث لفهم ملامح اللّحظة وتعريتها من كلّ خطابٍ مأزومٍ ارتدى قميص أسطورةٍ جديدةٍ، وتقنّع بلغةِ مفردٍ لا يقبل التعدّد، أو حديثٍ ضعيفٍ في آليّاته الوظيفيّة التي غفلت كلّ اشارة محتملة في مقولات التّاريخ منذ جلجامش وأنكيدو وحتّى الأنبياء الأوائل: حيث “لا تولد أسطورة جديدة إلّا إذا ماتت قديمة، أو قُتلت وسقطت كذباتها عن كلّ الجدران”(8). 

كتب أبو سرور المحكوم عليه بالمؤبّد، سرديّته بلغة شاعريّة، فيها من المجاز والاستعارة ما يؤكّد عديد الرّموز والدّلالات؛ لغة منحازة للفلسفة إلى حدّ يبدو للوهلة الأولى معقّداً، ولكنّه حدّ كاشفٌ، شديد الوضوح، يعي متطلّبات نزعته المشروعة في ممارسة شيءٍ من التأمّل والنقد مرّة، وفي مقاربة الوجع بكلّ صوره وأشكاله مرّات ومرّات، ليس بوصفه أسيراً وحسب، ولكن، باعتباره أولًا وأخيراً ابن فلسطين القضيّة التّي هُزمت في المخيّم والمدينة، لتجد شكلاً من أشكال الانتصار المعنويّ في السجن؛ وهو ابن فلسطين الإنسان، المكلوم في قضيّته الوطنيّة والشخصيّة معاً، وعلى الرّغم من ذلك، مازال يربّي الأمل بانتماءٍ واضحٍ للحياة قبل الأرض، وللحقّ قبل الحريّة، وللحياة والأرض والحقّ والحريّة بالأفعال لا بالشّعارات والأقوال؛ وما حكاية الجدار إلّا خطّة دفاعٍ غير مألوفةٍ، مزجت الذّاتي بالموضوعيّ، لمقاومة التشظّي والانكسار الجمعيّ والفرديّ، على مبدأ أنّ خير وسيلةٍ للدفاع هي الهجوم، وذلك بوصفها حكاية أخرى لفلسطين ما بين جدارين، جدار الاستعمار بعقارب زمنه المسيطر، وجدار الانكسارات والخيبات الداخليّة بأزمنتها المتتالية؛ ما دفع ناصر الكاتب والإنسان للالتصاق بالأوّل بغية إقامة علاقة تساوٍ ونديّة على نحوٍ يسلبه فرص الهيمنة، ويمكّن الإنسان الفلسطينيّ من محاولة اجتيازه ومثيله بقفزةٍ واحدةٍ، ليُقيّد قيده.

 

إحالات:

  1. أبو سرور، ناصر “حكاية جدار- دار الآداب – 2022” – (ص12)
  2. المصدر السابق (ص7)
  3. المصدر السابق (ص28)
  4. المصدر السابق (ص28)
  5. المصدر السابق (ص35)
  6. انظر قاسم، عدنان وآخرون “نحو دراسة تأصيلية للرواية الفلسطينية المعاصرة – منشورات مركز اوغاريت – 2000” (ص124-125)
  7. أبو سرور، ناصر “حكاية جدار -دار الآداب – 2022” (ص64)
  8. المصدر السابق (ص91)

The post “حكاية جدار” لناصر أبو سرور: محاولة اجتياز جدارين بقفزة واحدة appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
“أيام فلسطين السينمائية”: سؤال الهويّة ومركّباته بين الهامش والمركز https://rommanmag.com/archives/21035 Sun, 06 Nov 2022 09:29:35 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%a3%d9%8a%d8%a7%d9%85-%d9%81%d9%84%d8%b3%d8%b7%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%8a%d9%86%d9%85%d8%a7%d8%a6%d9%8a%d8%a9-%d8%b3%d8%a4%d8%a7%d9%84-%d8%a7%d9%84%d9%87%d9%88%d9%8a%d9%91%d8%a9-%d9%88/ تستطيع الكاميرا، بما تمثّله من سلطة على مركزيّة الزّمان، أن تلعبَ دوراً أكثر فاعليّة من البندقيّة لسرقة المكان أيضاً؛ على هذا النّحو من المقاربات المكثّفة، يُمكننا أن نقرأ استدعاء الكاتب والروائيّ الفلسطينيّ إبراهيم نصر الله، لشخصيّة المصوّرة الفلسطينيّة الرّائدة كريمة عبّود في جزئه الثاني من مجموعته الروائيّة “ثلاثيّة الأجراس” والمعنون “سيرة عين”، وهو الاستدعاء الذّي […]

The post “أيام فلسطين السينمائية”: سؤال الهويّة ومركّباته بين الهامش والمركز appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
تستطيع الكاميرا، بما تمثّله من سلطة على مركزيّة الزّمان، أن تلعبَ دوراً أكثر فاعليّة من البندقيّة لسرقة المكان أيضاً؛ على هذا النّحو من المقاربات المكثّفة، يُمكننا أن نقرأ استدعاء الكاتب والروائيّ الفلسطينيّ إبراهيم نصر الله، لشخصيّة المصوّرة الفلسطينيّة الرّائدة كريمة عبّود في جزئه الثاني من مجموعته الروائيّة “ثلاثيّة الأجراس” والمعنون “سيرة عين”، وهو الاستدعاء الذّي لم يأتِ لاعتبارات التأريخ أو لكتابة سيرة غيريّة وحسب، ولكنّه الآتي على سبيل التفنيد لمقولة المستعمر الأولى، ” أرضٌ بلا شعب، لشعبٍ بلا أرض” حيث وظّف هذا “الشعب المستعمَر” الكاميرا كأداة إخفاءٍ لشعب الأرض، الواقع تحت نير الاحتلال، ببساطة لأنّ “البندقيّة تستطيع أن تقتل شخصًا واحدًا أو اثنين، لكنّ الكاميرا تستطيع أن تُبيد مدينةً حين تُخليها من سكّانها”(١).

والحديث عندما يتعلّق بالمفردة البصريّة في مواجهة رصاصة البندقيّة على الجبهة الفلسطينيّة، وجب أن يبدأ بنيويًّا من لحظة الفعل الأولى للمصوّرة كريمة عبّود، بوصفها رائدة فعلٍ بصريّ؛ وأن لا ينسى أو يستثني الحضور الطاغي، لشخصيّة حنظلة التي خلقها المبدع الرّاحل ناجي العلي من رحم المعاناة، بوصفها أيضًا الشخصيّة الفلسطينيّة الحاضرة بفاعليّة بصريّة أكيدة على الرّغم من غياب صاحبها؛ وما بين هذه وتلك، يمكننا تناول البعد السينمائيّ باعتباره أداة تجسيد مرئيّ للوجود، مقابل محاولات الشطب والإخفاء.

وصراع الرؤية والإخفاء منذ الخروج الأوّل في عام النّكبة، مروراً بالثّاني في عام النكسة، وصولاً للثّالث عشيّة حصار بيروت، هو صراع المعادلة المختلفة والمتغيّرة والمتحوّلة بالضّرورة، لعديد الأسباب والعوامل الاجتماعيّة والسياسيّة والجغرافيّة وحتّى الإبداعيّة؛ وهو التصوّر الذي سعى مهرجان “أيّام فلسطين السينمائيّة” منذ دورته الأولى، أن يؤكّده ويعبّر عنه، دون تصريحٍ مباشرٍ، وفق ما يمكن فهمه من برامج وأفلام وجلسات نقاش البرنامج الموازي في دورته التاسعة، بعناوينه الواضحة  “تأمّلات في الذّاكرة الجمعيّة البصريّة – قبل الخروج من بيروت، وما بعده – الفلسطينيّ شخصيّة سينمائيّة”، وكذلك لمحتوى كتيّب “حديثٌ لذاكرةٍ بصرية”، ليصبح سؤال المعادلة المتفرّع لعديد الأسئلة: هل سيصبح للمقولة البصريّة اليد العليا في المواجهة بالمعنى الثقافيّ بين مفهوميّ الرؤية والإخفاء، خاصّة مع التطوّر الهائل على الصّعيدين الفنيّ والتقنيّ؟ كيف يمكن لصُنّاع السينما الفلسطينيّة أن يرسموا صورةً كونيّة لفلسطين القضيّة والشعب؟ وإلى أيّ حدّ استطاعت السينما الفلسطينيّة اجتياز التقسيمات الجغرافيّة والسياسيّة للشعب الفلسطينيّ في الداخل والخارج؟

في الإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها، نجد أهمّ إنجازات هذا المهرجان تتلخّص في مقاربة سؤال الهويّة، بوصفه سؤالاً مركزياً، تكمن داخله عديد الإجابات عن عشرات الأسئلة المحتملة؛ سؤال المسألة الإبداعيّة في المعالجة الدراميّة، وسؤال الإنتاج وحاجاته التقنيّة، وكذا سؤال محاكاة فضائيّ الزّمان والمكان؛ ففي المهرجان كلّ ما عُرض من منتجٍ فلسطينيّ، هو لمنتجين فلسطينيّين، سواء من الداخل أو الخارج، وفي المهرجان أيضًا برزت روابط القوّة الكامنة بين الجغرافيا المختطفة بتاريخها المسلوب، وبين الإنسان المنفيّ في الشّتات والمحاصر في مساحاتٍ أخرى من البلاد، وكذا تكمن خيوط العلاقة الوثيقة والتبادليّة بين مركز الموضوع الجمعيّ وهامش الذاتيّ، حيث “يمكن للمثقّف في مثل هذه الحالة أن يصبح مؤلّف لغةٍ، يحاول من خلالها أن يَجهَرَ بالحقيقة في وجه السلطة”(٢)، على حدّ تعبير إدوارد سعيد.

وصعود نجم السينما الفلسطينيّة المعاصرة في ظلّ تراجع مكانة السينما المصريّة بوصفها مركز الإبهار الهوليوودي في الشرق، لم يأتِ على سبيل المصادفة، وإنّما تحقّق نتاج فعلٍ تراكميّ تأسّسَ بأبعاده الإبداعيّة على يد عديد الأسماء الفلسطينيّة، بدايةً من ميشيل خليفة الذّي بدأ بسرد الحكاية الفلسطينيّة في زمن الثورة، وعاش تحوّلات ما بعد الخروج من بيروت، مرورا بما قدّمه المخرج المجدّد إيليا سليمان من “واقعيّة صادمة” على حدّ اجتراح الإيراني حميد دباشي بوصفها محدداً حاسماً للحظة السّينما الفلسطينيّة(٣)، وصولاً لما تقدّمه اليوم مها حاج ومعاصروها من منتجي وصنّاع السينما الفلسطينيّة؛ وهو ما يعني أنّ المفردة البصريّة آخذة في الحضور والثبات والتمدّد.

الأمر الذي يفرض علينا لزامًا تناول صورة الشخصيّة الفلسطينيّة في السينما والتحوّلات التي مرّت بها منذ ظهورها الأوّل بوصفها صورة المحاكاة لشخصيّة اللّاجئ، ومن ثمّ الفدائيّ والمقاوم، ومن قبلها وبعدها بوصف الفلسطينيّ أولاً وأخيراً إنساناً بعيداً عن مفارقات إلباسه دوريّ البطولة والتضحية، ببساطة لأنّه بكلّ أحواله ضحيّة ارتدت ثياب البطولة شاء ذلك أم أبى؛ فهو ضحيّة لسلب المستعِمر كلّ مقدّراته الطبيعيّة من أرض وسماء وحقّ في ممارسة الحياة، وهو بطل لمجرّد صموده في مواجهة مثل هذا العسف الجائر؛ وتقديم صورة الفلسطينيّ بعيداً عن نمطيّتها السابقة تَزامَن مع تحوّلات الخطاب الفلسطينيّ نفسه، من خطابٍ تعالت شعاراته الثوريّة بلغة الرّفض في زمن الثّورة، إلى لغة السؤال في الانتفاضة الأولى وما تلاها، وصولاً إلى لغة التّردّد والشّكّ والتّيه والتخبّط أحياناً عشيّة انطلاق العمليّة السّلميّة “أوسلو”، وما أفرزته هذه التحوّلات مجتمعةً من لغة بدت ولا تزال تقارب الفلسطينيّ في سياق شروطه الاجتماعيّة والسياسيّة والاقتصاديّة المتحرّكة في مكان ما، والملتبسة والمتغيّرة في أماكن أخرى؛ الأمر الذي حاولت السّينما أن تجتازه قدر الإمكان، فكانت هناك إخفاقات ونجاحات ما تزال تحاول صادقة التحرّر من السطوة المباشرة للموضوع ومكانه بمجازهما الاستعماريّ المهيمن على ذهنيّة الشعب الفلسطينيّ ومكوّناته الجغرافيّة والاجتماعيّة في الدّاخل والخارج، على أن يكونا معاً، أي الموضوع ومكانه، فريقاً من فرق شهود العيان على التفصيل الجماليّ أو السياقيّ للأعمال السينمائيّة، لا أن يختفيا لصالح البعد الجماليّ الفرديّ فقط، على عكس ما بدا الحال عليه في السّاحة الأدبيّة مع نهايات العقد الأخير من القرن الماضي، تحديداً في الضفة والقطاع، حيث بات التحرّر من الموضوع الجمعيّ يقدّم بوصفه انتصاراً لجماليّات المعنى الفرديّ والإنسانيّ.

في خضم هذه التحوّلات يداهمنا سؤال الذّاكرة، وما تلبّسها من خطاب الحنين المفرط في تحديد الصّورة الذهنيّة للمدينة الفلسطينيّة ما قبل الاستعمار، “حيث بات الاحتفاء بهذه الصورة مبالغاً فيه إلى حدّ بعيد”(٤) وفق ما طرحه الكاتب والباحث عصام نصار، في جلسة ” تأمّلات في الذّاكرة الجمعيّة البصريّة”، إلّا أنّها قد تكون مبالغة معبّرة بشكل أو بآخر عن سؤال ثقافة الأزمة، كما أشار إليها محمود درويش باعتبارها “محصّلة تاريخيّة لمعاناة مرحلة كاملة، مرحلة تختلط فيها (…) الحداثة بالاغتراب والأصالة بالسلفيّة (…) في ثقافة الأزمة، خيارات ورؤى متشابكة بعضها يعلن الهرب من مواجهة الحاضر عبر اللّجوء إلى صياغات الماضي”(٥).

بيد أنّ السينما بوصفها أداةً من أدوات تشكيل الوعيّ الفرديّ والجمعيّ، عادةً ما تتوق إلى المزيد من الحريّات، ولذا فقد سار ولا يزال منتجيها باتجاه محاولة الخروج عن كلّ تأطير مقيّد، تحديداً في علاقتها المشتبكة مع العوامل السياسيّة، وهي المحاولة التي بدت واضحة في العقدين الأخيرين على وجه الدّقة، حيث ذهب صانع السينما الفلسطينيّة يجتهد لرسم ملامحه الخاصّة على بعد مسافة مقبولة من الموضوع الوطنيّ، ما منح منتجي وصانعي هذا الشّكل المقاوم مساحاتهم المختلفة، لمعالجة سؤال الهويّة ومركّباته الذهنيّة، في ظلّ واقعٍ لم يزل يعاني من غياب البيئة اللّازمة لفكرة الصّناعة وما تتطلّبه من شروط تمويليّة، مازالت تشكّل عائقاً واضحاً وملحًّا في طريق المحاولات السينمائيّة الفلسطينيّة الدؤوبة، لخلق مكانةٍ لها في المشهد السينمائيّ العالميّ، باعتبارها المكانة التي يمكنها أن تلعب دوراً فاعلاً في زحزحة رؤى المركزيّة الأوروبيّة، لصالح إعادة الاعتبار لقضايا الهامش وأهميّتها.

 

إحالات:

1- إبراهيم نصر الله – رواية دبابة تحت شجرة عيد الميلاد- الدار العربية للعلوم ناشرون- 2019- ص 103
2- محمد شاهين – إدوارد سعيد رواية الأجيال- المؤسسة العربية للدراسات والنشر- 2005- ص 103
3- حميد دباشي – أحلام وطن، عن السينما الفلسطينية- منشورات المتوسط- 2018- ص35
4- مداخلة عصام نصار في جلسة البرنامج الموازي لمهرجان السينما الفلسطينية 2022- تأملات في الذاكرة الجمعية البصرية
5- افتتاحية الكرمل في عددها الأول 1981

The post “أيام فلسطين السينمائية”: سؤال الهويّة ومركّباته بين الهامش والمركز appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
فاروق وادي عاش ليروي وغاب ليبقى https://rommanmag.com/archives/21015 Tue, 18 Oct 2022 10:48:49 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d9%81%d8%a7%d8%b1%d9%88%d9%82-%d9%88%d8%a7%d8%af%d9%8a-%d8%b9%d8%a7%d8%b4-%d9%84%d9%8a%d8%b1%d9%88%d9%8a-%d9%88%d8%ba%d8%a7%d8%a8-%d9%84%d9%8a%d8%a8%d9%82%d9%89/ عندما طلب مني الصّديق سليم البيك، أن أكتب مساهمة تتناول المسيرة الإبداعيّة للرّاحل فاروق وادي؛ كان جوابي الأوّل أنّي أنجزت مراجعة مفصّلة لروايته الأخيرة “سوداد – هاوية الغزالة”، ليأتي ردّه بأنّه ينتظرها للنشر الفوري، على أن أكمل في مساهمة موسّعة تشمل كافة أعماله؛ وهو الأمر المحفوف بالكثير من الصعوبات، كوني لم أطّلع بشكل دقيق على […]

The post فاروق وادي عاش ليروي وغاب ليبقى appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
عندما طلب مني الصّديق سليم البيك، أن أكتب مساهمة تتناول المسيرة الإبداعيّة للرّاحل فاروق وادي؛ كان جوابي الأوّل أنّي أنجزت مراجعة مفصّلة لروايته الأخيرة “سوداد – هاوية الغزالة”، ليأتي ردّه بأنّه ينتظرها للنشر الفوري، على أن أكمل في مساهمة موسّعة تشمل كافة أعماله؛ وهو الأمر المحفوف بالكثير من الصعوبات، كوني لم أطّلع بشكل دقيق على كامل منجزه الأدبيّ، إلا أنّي شعرت بمسؤوليّة ما تجاه الرّاحل؛ مسؤوليّة دفعتني للاستجابة لهذا الطّلب، لأجد نفسي وقد تورّطت، ورطة الباحث عن منصّة قفز ضروري ومهم في بحر قد نرى سطحه مترامي الأطراف، ولكنّنا لم نختبر بعد ما يختبئ في أعماقه من مقترحات إبداعيّة وجماليّة.

وما أشعرني بأنّه بحر عميق، هي مطالعتي لكتابه قبل الأخير “متاهات الكتابة.. نبيع الكلمات، الحكايات، والأحلام” (الأهلية للنشر والتوزيع، عمّان، 2022) هذا العنوان الذي سبقه إليه عام 2013، مجموعة من الباحثين “عبد الفتاح كيليطو متاهات الكتابة”، وكان الأخير قد أنجز عام 2000 كتابا وُسِمَ بعنوان “أبو العلاء المعري أو متاهات القول”؛ الفارق الواضح بين هذه الكتب، يكمن في كون الأخيرين، يدخلا في جنس السير الغيريّة، فيما جاء كتاب وادي، المؤمن بما كتبه ذات مقال موسوم بـ “غواية العنوان”، ليحاكي متاهاته الشخصيّة في عالم الكتابة، وهو ما يندرج تحت تعريف السير الذاتيّة؛ ليصبح السّؤال: هل كتب وادى بهذا المعنى سيرته الشخصيّة أو جزءاً منها في أعماله؟ للاقتراب من إجابة هذا السّؤال يمكننا الاطلاع على مقاربة الدّكتور عادل الأسطة في مقاله المعنون “سوداد: هاوية الغزالة: روح المؤلف ونصّه” خاصّة وهو يشير إلى العلاقة الواضحة بين أعماله الأولى “طريق إلى البحر”، و”رائحة الصيف”، و”منازل القلب”، و”عصفور الشمس”، وعمله الأخير “سوداد – هاوية الغزالة”. إلا أنّ أحداً منّا لا يمكنه أن يجزم بصحّة هذه المقاربة، ولكنّ وادي نفسه جزم بصحّتها في متاهاته حين قال: “الكتابة التي تسعى إلى تقديم تجربة محدّدة ونصّ مفتوح غير قابل للتجنيس، لم تكتب نفسها كسيرة” (ص41). 

مهما يكن؛ إن عدنا إلى الكتب التي حملت نفس عنوان “متاهات الكتابة” أو “متاهات القول”، سنلحظ أنّ المشترك بينها يكمن في محورين أساسيّين هما، العنوان والهمّ؛ فعنوان المتاهة جامع على الرّغم من مفهومها المقارب للتشظي؛ والهمّ، همّ الكتابة التي تمثل أحمالاً ثقيلةً بنسب مختلفة، مسؤوليّة ما، تقع على عاتق غالبيّة روّاد هذه المهنة المرهقة والممتعة في آن. فما يعرف عن كيليطو حول كتاباته كما تشير مجموعة الباحثين في تجلّياته الكتابيّة، إلى أنّ “الفعل الكتابيّ لدى كيليطو، تصوّراً وإنجازاً، مرتبط بالفعل القرائيّ، على نحو يجعل تحقّق أحدهما رهيناً بالآخر” كما يقول الكاتب والنّاقد المغربيّ خالد بلقاسم؛ وهو الأمر الذي يمكننا ملاحظته بشكلٍ واضحٍ في كتابات وادي أيضاً، خاصّةً وهو يشير إلى تجربة الشّاعر البرتغاليّ “فرناندو بيسوا”، في روايته الأخيرة “سوداد” وإلى كتابات كلّ من التشيلي ” بابلو نيرودا” والفرنسيّ “ستاندال” و الألمانيّ” باتريك زوسكند” و الداغستانيّ “رسول حمزاتوف” وغيرهم العشرات من كتّاب الغرب، وكذا الحال في قراءته للأدب العربيّ قديمه وحديثه، والإشارة إليه بدءاً من “بن عربي” وصولاً إلى محمود درويش، وغالب هلسا، و إبراهيم أصلان، و سلمى الخضراء الجيوسي، فضلاً عن دراسته المهمّة لتجارب كنفاني وحبيبي وجبرا. القراءة إذن لدى وادي ما هي إلّا وقود كتابة جديدة؛ ولذا كان يكتب ليتساءل ويتأمّل: “لماذا تكتب؟! أحياناً أكتب حتى أثبت أنّ العزلة تستطيع أن تكون مثمرة، فتُنتج عالماً يضجّ بالبشر” (متاهات الكتابة ص23).

 ولأنّ الكتابة خطّ وَصْلٍ بين فكرة مرسلٍ وحاضنة متلقٍ، وهي عادة ما تكون بحاجة إلى فضاءات جديدة يمكنها أن تحمل همّ الرّسالة؛ اهتم فاروق وادي بكتابة قصّته أو ما يدور حولها من تصوّرات أو أحداث هنا أو هناك، في كلّ مقال كان يقذف به للنشر، وكأنّه راح يغزل على منوال ذاك “الخيط السريّ الممتدّ من القلب.. إلى المكان القصيّ في دهاليز القلب الآخر” (متاهات الكتابة، 89). فلقد بدأ وادي بكتابة القصّة القصيرة في صحيفة “الجهاد” المقدسيّة منتصف ستينيّات القرن المنصرم، ومن ثمّ مجلّة الآداب البيروتيّة، وصولاً إلى عدد من المنابر والمجلاّت العربية، فكانت مجموعته القصصيّة الأولى “المنفى يا حبيبتي”، ليدخل بعدها عالم الرواية بروايتين هما: (طريق إلى البحر) و(رائحة الصيف)، ومن ثم كتب السيرة في (منازل القلب) بعد زيارته الأولى لمدينة قلبه “رام الله”؛ وهو الكتاب الذي اجتهد ليجمع فيه، بين سيرته الذاتيّة، وسيرة المدينة التي ولد وعاش فيها طفولته بكلّ خلجاتها، وسنوات شبابه الأولى بكلّ جمالها. لتتوالى الإصدارات التي وصلت خمسة عشر إصداراً كان آخرها روايته “سوداد- هاوية الغزالة”. فيما تُرجم بعضها إلى عدّة لغات حيّة.

وادي الذي برع في سبك المقالة الثقافيّة، طيلة عقودٍ في عموده الأسبوعيّ بصحيفة الأيّام الفلسطينيّة، وبعض الصحف العربيّة، كبراعته اللّافتة في النّقد الأدبيّ، تحديداً في كتابه المرجعيّ “ثلاث علامات في الرّواية الفلسطينيّة”، غاص عميقاً في الاستفادة من تجريب تداخل الأجناس الأدبيّة في كتاباته، حيث كان يؤمن دون مواربة بأنّ فعل الكتابة فعل حريّة كما عبّر عن ذلك في حوار صحفيّ قال فيه: “إذا كانت الكتابة هي عمليّة ممارسة الحريّة، فإنّني بالفعل لا أمارس حريّتي إلّا من خلالها” تماماً كما كان يؤمن بما قاله يوماً الإسبانيّ الرّاحل حديثاً خافيير مارياس حينما أكّد “أنّ أجمل رواياته تلك التي عجز عن كتابتها، وأجمل ما في الكتابة هو الضياع، عندما يفقد الروائيّ خارطة الطريق”؛ ولذا كانت آخر كلمات وادي لأهل بيته “بدّي أكتب”.

والضياع الذي يشير إليه خافيير، هو نفسه ما أسماه وادي بالمتاهة، فكان كتاب “متاهات الكتابة” الذي يشكّل أرضيّة مناسبة للاطّلاع على التّجربة الحياتيّة والإبداعيّة للكاتب وعناصر تكوينها من جهة، وتجارب عديد الأسماء العربيّة والغربيّة من جهة موازية، والذي كتبه وادي لا ليقول هذه تجربتي، أو ليبحث في تجارب الآخرين من جهة شخصيّة أو إبداعيّة وحسب، ولكن ليحاول الوقوف أمام الفوارق البينيّة القائمة أو المتقاطعة المحتملة بين الذهنيّ والواقعيّ في تصوّراته وتصوّراتهم، وظلال التّجربة والتعبير عنها في حياته وحيواتهم. بحثاً عمّا يمكن أن يكون في المساحة الفاصلة بين الوضوح والايهام، بين الواقع والخيال، بين الصّفة ومشتقّاتها، صفة الكاتب بوصفه كاتباً، ومشتقّاتها باعتباره أولاً وأخيراً إنساناً ومواطناً، تائهاً ومقهوراً؛ ولا عجب في ذلك، وهو الباحث بوعي طموح، ورؤيةٍ كاشفةٍ، عن ملامح العلاقات الظاهرة والغامضة بين الكاتب وكتاباته، في سياق محاولته العميقة للتمييز بين العبد والحرّ؛ عبد يسير مع القطيع، في مقابل حرّ هو من يخلق طريقه ويعبّدها. هكذا عاش فاروق وادي الإنسان والكاتب ليروي، وعلى وقع ما ترك من أثر غاب ليبقى.

The post فاروق وادي عاش ليروي وغاب ليبقى appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
فاروق وادي في سرديّتهِ الأخيرة… يفتحُ باباً في جدارٍ بلا باب https://rommanmag.com/archives/20994 Sat, 01 Oct 2022 19:50:28 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d9%81%d8%a7%d8%b1%d9%88%d9%82-%d9%88%d8%a7%d8%af%d9%8a-%d9%81%d9%8a-%d8%b3%d8%b1%d8%af%d9%8a%d9%91%d8%aa%d9%87%d9%90-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%ae%d9%8a%d8%b1%d8%a9-%d9%8a%d9%81%d8%aa%d8%ad%d9%8f/ في المعنى:

The post فاروق وادي في سرديّتهِ الأخيرة… يفتحُ باباً في جدارٍ بلا باب appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>

“نحنُ بحاجةٍ إلى عُمُرٍ آخر.. عُمر نُرمّمُ فيه أخطاء عمرنا الأول” (ص291) 

من هذه الخلاصةِ التي وردتْ قبل صفحتين من نهاية رواية “سوداد – هاوية الغزالة” لفاروق وادي، يُمكنُنا الوُلوج إلى نصّ الكاتب الذي زيّنه بعناصر تكميليّة وردتْ لتقيم علاقة ما بين لغة ولغة، كما هي البُرتغاليّة لغة العُنوان، والعربيّة متْن الحكاية وشخوصها، وكذا بين صيّاد وصيّاد، أحدهما فارس والآخر قاطع طريق، والأمر نفسه بين شاعر من هناك، هو الشّاعر البرتغاليّ بيسوا؛ وكاتب من هنا، هو الكاتب الفلسطينيّ وادي، تماماً كما هي حكايةُ مدينةٍ وأُخرى، فهيَ “نازاريه” في البرتغال، وهي النّاصرة في فلسطين، حيثُ المتحفُ والكنيسةُ والمنحوتةُ المنصوبة أمام الجدارِ هُناك، وقد نُزعت قبْلاً من أمام جدارٍ هنا؛ فضلاً عن الأسطورة المتداولة حول الغزالة التي لم تَسْلَم من سهام الصّياد، ليُصبح سؤال العُمر الآخر: منْ تكونُ الفريسة ومنْ يكونُ الصيّاد؟ في الحكاية، يُسقطها وادي على أبطاله ياسين وسموّ الأمير في إشارة إلى الصيّاد الفارس، في مقابل قاطع الطريق؛ وفي التأويل يجوز للقارئ أن يُحيلها، وفق ما يعرف بالنسق المضمر، إلى حكاية الضحيّةِ والجلّاد، بوصفها دلالةً يُمكنها أن تُشير بمعنى ما، إلى فلسطين الضحيّة وهي تأبى إلّا أن تنظُر في عين مستعمرها لتقول: إمّا أنا أو أنا!

يقال في النّقد الأدبيّ، إنّ لكلّ سرديّة أو نصّ عتبة ما، وردت لتساعد القارئ على الإمساك بخيوطِ العمل، ولكنّ فاروق وادي في روايته الأخيرة، أدخلَ القارئ في متاهة عتباتٍ لا عتبةً واحدة، كلّها منفردة ومُجتمعة تفسّر النّصَّ وتعقّده في آن؛ فالعنوانُ عتبة، والغلافُ عتبة، والغزالةُ عتبة، واستدعاءُ نصوص شعريّة من شاعر برتغاليّ راحل قد يمثّل عتبة إضافيّة. فإنْ توقّفنا أمام العُنوان “سوداد” كمُفردة برتغاليّة لا رديف عربيّ دقيقٍ لها، سوى أنّها شعورٌ أو إحساس يشي بشيء منْ الحنين المُرتبك أو الشّوق المُلتبس، فنحنُ بالضّرورة نتحدّث عن أدب العائدين، وربّما أدب المنفى؛ وإنْ عرجنا على لوحة الغلاف التي تتصدّرها صورة الغزالة من دون صيّادها، فالدّلالة هنا تؤكّد انتصار الضحيّة على الجلّاد وإن طال الزّمن، وكذا الأمرُ يتكرّر فيما لو أحببنا النّظر في أمْر استدعاء الكاتب لعددٍ لا بأس به من أشعار شاعرٍ عاش ومات دون أن يحيا انتصارَه، وكأنّنا بالكاتب يقول: هذا أنا، نموذج الفلسطينيّ الذي لم يفقد الأمل، ولكنّه قد لا يعيشه بالضّرورة.

في الحكاية، نجد الكاتب وقد نسج قصّة ياسين البطل، وكأنّه يحيك للقارئ ثوباً أنيقاً بيد صانع يحترف مهنة الخِياطة بمهارة لافتة؛ بين أدواته، هناك رسالة من شخص مجهول، وأخ غائب، وقصص من فرط تداخلها شكّلت ثوبها الجميل، بلغة أصحاب مهنة الخِياطة؛ ولوحة تعجّ بالألوان والأبعاد، بلغة الكُتّاب والفنانين؛ لكلّ ثوبٍ أو لونٍ دلالةً لا تقلّ أهميّة عن الأخرى، وإن تداخلت الألوان حيناً، وتوزّعت أحياناً؛ لا لتشتّت القارئ، وإنّما لتدفع به ليكون شريكاً فعّالاً في الأحداث، حيث الثّوب لا يخصّ الخيّاط وحده، تماما كما اللّوحة التي لا تخصّ الفنان وحده، ولكنّها لا شك تخصّ كلّ مراقب لما يُعرض بالقرب من الوطن ولوحته المعلّقة على جدار البيت.

افتتح الكاتب سرديّته بخبر رسالة كُتبت باللّغة الفرنسيّة، وصلت سارده أوّلاً عبر الهاتف من تولوز جنوب فرنسا، حيث تقيم ابنة شقيق مجهولة تدعى ياسمين، ليكتشف لاحقاً أنّها ابنة شقيقه الأكبر ياسين بطل الحكاية التي تتفرّع منها عديد الحكايات منذ كان طفلاً ليس شغوفاً بالدّراسة ولا يحبّ المدرسة، ولا يعرف المعنى العميق لمفهوم الوطن؛ فقد كان عاشقاً هائماً بالحبيبة ياسمين الّتي لم تبادله يوماً أيّة مشاعر تُذكر، أو يمكنها أن تحُول دون وقوعها في اغراءات سموّ الأمير، الآتي من صحراء الرّمال الذهبيّة والنفط، ليضمّها إلى ملك يمينه أو محظيّاته تحت عنوان الزّواج الذي لم يؤكّده أحدٌ قبل قتلها بتهمة الخيانة؛ وهي النصرانيّة من قوم عيسى.

السّارد الذي لم يعلم تماماً، وفق الشّاعر المُستدعى “أهو سوداد يشدّنا إلى شيء ما، أم ارتباك في المشاعر؟ نحو أي وطنٍ مُبهم” (ص269)، راح يقصّ علينا حكايات ياسين التي لم تنته إلا في التّيه الذي تنقّل به هائماً منقاداً من بلد إلى آخر، ومن حضن امرأة إلى أخرى، ولسان حاله يردّد ما قاله الشّاعر بيسوا ذات يوم بعيد: “منبوذٌ أنا، في ذاتي حبسوني بعد ولادتي، غير أنّني لُذتُ بالفرار” (ص50) عمل بالصّحافة والسّمسرة والهندسة؛ وفي الأثناء دخل في علاقة مع فنّانة تشكيليّة تدعى جيزيلا، ارتاح بين أحضانها فباح لها بأنّه “إذا ما أنجَبْتُ بنتاً في يوم من الأيّام، فسوف أسمّيها ياسمين” (ص160)، لتقرّر هي بدورها في لحظة جنون ما، أن تتكون ياسمين في أحشائها دون إعلامه، قائلة: “لن أسمح لامرأة أخرى، غيري أنا، أن تكون أماً لياسمين”. (ص192) 

جيزيلا التي استلمت من الشّقيق السّارد دفّة السّرد الاسترجاعي، ذاتيّ التّجربة بمحدّدات تسجيليّة، يصعب خيانتها للذّاكرة، راحت تتلو حصّتها من نظرات الغزالة المكلومة في فارسها ياسين الذي دخل عليها بعد طول غياب مساء يوم فاصل في حياتها، برفقة امرأة سمراء قبيحة تكبره بنحو عشر سنوات وفق تقديرها، لتتبادل وإيّاها مشاعر الارتياب وعدم الارتياح بل والحقد والكراهية أحياناً، إلى أن اختلت به في اليوم التالي لتبلغه بما خبّأته من مفاجأة ظنّت أنها ستجعله يطير فرحاً فوق سماءٍ سبع، لتُصدم بردّة فعله المشكّكة في إخلاصها، بأنّ عليها التخلّص من الجنين فوراً ودون نقاش قائلاً: “عليكِ أن تختاري بيني وبين الجنين” (ص207)؛ هنا هَوَت الغزالة جيزيلا من حلمها المحلّق عالياً إلى وادٍ سحيقٍ من دون أن ترفع نظراتها الحادّة عن عينيه وهو يرمقها بسهام موقفِهِ القاتل؛ هَوَت لتغدو وكأنّها لم تكن، على الرّغم من رفضها التخلّص من حلمه الذي بات حلمها في ياسمين صغيرة تشكّل حياة جديدة، فقالت بثقة حازمة: “أنت اخترت، لن أجهض ياسمين” (ص207).

بدأت ياسمين الابنة التي وُلِدت في السّجن وكبرت في المنفى، بعد معاناة استمرّت معها إلى يوم رشدها، رحلة البحث عن أبيها الذي تعرّفت لتوّها عليه، وعلى قصّته من الأمّ التي لم تشأ أن تقول لابنتها شيئاً إلا يوم بلوغها سنّ الرّشد؛ كبرت ياسمين العربيّة الفلسطينيّة التي لا تعرف كلمة عربيّة واحدة، كما لم تعرف عن وطنها شيئاً إلا يوم قرّرت أن تقترب منه ولو عن بعد، من خلال تواصلها في رحلة البحث مع قنصليّته في فرنسا، وحفلات أبنائه بيوم استقلال لم يتحقّق بعد؛ فيما عرف العمّ السّارد بكامل القصّة من المرأة التي تواصلت معه بمحمول رسالةٍ كتبتها ياسمين يوم تعرّفت عليها في ذلك الحفل، لتكون ردّة فعل العمّ ضرورة البحث عن ياسين الذي قاطعه هو وشقيقهما الأكبر منذ زمن طويل على خلفيّة مغامراته؛ ليتحقّق اللّقاء بين الأخ وأخيه الذي تعامل مع قصّة ابنته وكأنّها لم تكن، رافضاً الاعتراف بها بالقول: “تكفّل بها أنت ما دام لديك كلّ هذه النّزعات الإنسانيّة العظيمة” (ص267). ليعود ياسين بعد مدّة قصيرة مع العائدين إلى الوطن عشيّة اتّفاق أوسلو الذي جلب الصّالح والطّالح، فكان ياسين بين تلك الفئة الأخيرة عائداً مرتبكاً إلى أحلامه الأولى في وطن لم يعد كما كان، ليعلم بما حدث لمحبوبته ياسمين التي فُصِل رأسها عن جسدها على يد الصّياد الأمير بتهمة الخيانة، فذهب في هذيانه ينادي حبيبته مرّة، وابنته مرّة إلى أن غاب في الأبديّة وهو يردّد: “قد نكون بحاجة إلى عمر آخر، لنرمّم فيه كلّ حماقاتنا وإخفاقاتنا” (ص291).

الكاتب وادي وبالاتّكاء على عتباته الكثيرة في هذه السّرديّة، وبلغة شّاعريّة ذكيّة عميقة، إنّما عالج العديد من القضايا الاجتماعيّة والسياسيّة والفكريّة على حدّ سواء؛ فنجده مرّة يتناول قضيّة المرأة وحقوقها في المجتمع العربيّ منذ الأزل وحتّى اليوم، ومرّة يحاكي التّفسيرات الدّينيّة ومآلاتها، كما فعل في قضيّة رجم المتّهم بالزّنا، وفي ثالثة ننتبه عليه يناقش شيئاً من الأفكار الفلسفيّة كما هو تناوله الواضح للماركسيّة والوجوديّة، ونظريّة النّشوء والارتقاء، وصولاً إلى نقاشات الكُفر والإلّحاد؛ وكلّ ذلك بالكثير من التّناص مع النّص القرآنيّ الحاضر بقوّة لافتة بين زوايا الحكاية؛ هذا فضلاً عن ممارسة الكثير من النّقد السّياسيّ اللّاذع للطّبقة الحاكمة في المنطقة العربيّة وفي فلسطين مباشرة وترميزاً؛ وكأنّنا به في هذه السرديّة المهمّة، يتمثّل شاعره الأثير بيسوا، “ليفتحَ باباً في جدارٍ بلا باب”، هو باب المعرفة والحقّ وضرورة إعادة ترميم الكثير من المفاهيم الاجتماعيّة والدينيّة والوطنيّة.

The post فاروق وادي في سرديّتهِ الأخيرة… يفتحُ باباً في جدارٍ بلا باب appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
“الخزنة” لعصمت منصور: صناعة لمعنى الحرية تحت شرط الحب https://rommanmag.com/archives/20964 Thu, 25 Aug 2022 06:44:49 +0000 https://romman.b5digital.dk/%d8%a7%d9%84%d8%ae%d8%b2%d9%86%d8%a9-%d9%84%d8%b9%d8%b5%d9%85%d8%aa-%d9%85%d9%86%d8%b5%d9%88%d8%b1-%d8%b5%d9%86%d8%a7%d8%b9%d8%a9-%d9%84%d9%85%d8%b9%d9%86%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%b1%d9%8a%d8%a9/ في المعنى:

The post “الخزنة” لعصمت منصور: صناعة لمعنى الحرية تحت شرط الحب appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>
إن اتكأنا على فاعلية الثنائيات الضدية بمعناها الوظيفي للتعبير عن دلالة التناقض، في التعامل مع مفهوم الحرية مقابل تعريف السجن، سنكتشف أن فضاء السجن قد يكون أكثر الأماكن رحابة لاحتضان مفهوم الحرية، باعتبار الأول ملمح تغييب للإنسان، فيما الثاني فرض حضور، في ظل تجاذب طرفي الصراع (السجان والأسير) لإثبات الوجود والنفي. بهذا المعنى يمكننا أن نقرأ رواية “الخزنة – الحب والحرية” (دار طباق للنشر والتوزيع 2022) للأسير المحرر عصمت منصور، في مغامرته الأولى بعد التحرر، والثالثة من حيث الترتيب بعد رواية “السلك” عام 2013 ورواية “سجن السجن” عام 2010، إضافة إلى مجموعة قصصية بعنوان “فضاء مغلق” عام 2011 كنتاج أدبي لحوالي عقدين من الأسر قضاهما في سجون الاحتلال.

والمشترك الواضح في المنتج الأدبي للكاتب منصور، كما يتضح من العناوين سالفة الذكر، هو السجن بوصفه الفضاء المكاني، المعادل للفضاء الجغرافي الكلي في بعده الصراعي بين المستعمِر والشعب الواقع تحت الاستعمار، حيث تعد “حياة الأسرى عينة مصغرة عن حياة المواطنين في الأراضي المحتلة، يمكنها تبسيط الصورة وإيضاحها لفهم المشهد الفلسطيني برمته” على حد تعبير الأسير وليد دقة في دراسته المعنونة بـ”صهر الوعي”.

الحكاية…

اختار منصور مقاربة فلسفة الوعي بالحرية في موقعة النفق عام 2021 ، لتكون موضوع سرديته “الخزنة”، باعتبارها القاعدة الأساس لمقاربة مفهوم الحب بسر قوته الكامن في منطقه الحالم، فجاء العنوان الفرعي “رواية الحب والحرية” ببساطة لأن “الرغبة في الحريّة قويّة، أخاذة، ومستبدة، لا لشيء سوى أنّها تنبع من أكثر الأشياء ليناً في النفس البشرية، الحبّ” (ص15)، ولكن القارئ المنتبه، سيلاحظ أن كلمة السر في العلاقة بين الحرية والحب لا تقتصر على الرغبة أو الحلم وحسب، ولكنها تمتد لتُعبر عن هواجس النفس البشرية في أكثر حالاتها هشاشة وقوة في آن. 

هكذا قص علينا عصمت منصور حكاية تحدّ على نحو شديد الاقتضاب في ستة فصول موزعة على 174 صفحة، استعار خلالها صوت السارد خالد ليروي جزءاً من تجربته الشخصية مضيفاً إليها بعدا تخييليا، افتتح بها سرديته بصيغة ضمير المخاطب في الفقرة التالية ” لا أعرف أيّ حدث هو الذي يمكن أن اعتبره الأهم في حياتي داخل الأسر، أو إذا كانت هناك أحداث يمكن اعتبارها مهمة، أو أهم من غيرها، في حياة رتيبة، محدودة الحركات، ومحصورة بين أربعة جدران” (ص13).

من هذا المفتتح، ذهبت سردية منصور لترصد يوميات مجموعتين من الأسرى قررت كل مجموعة على حدة أن تنتزع حريتها انتزاعاً لا يحقق الحرية وحسب، ولكنه يواجه اليأس في الصدور، بجرعة أمل تؤكد إيمان الكاتب بالمقولة التي تشير إلى أن “السجن ينتهي عندما نقرر، ونريد” (ص14-15)، علنا نعي أن فعل الهزيمة أو الانتصار يبدأ داخليا، ليصبح السؤال: ماذا نريد؟ وكيف لنا أن نحقق ما نريده؟

في الحكاية، تكتشف كل مجموعة، ما تنوي الأخرى القيام به، فتقررا التعاون فيما بينهما لتصبح المجموعتان، مجموعة واحدة، هدفها الأسمى هو تنفيذ خطة هروب على نحو هادئ ومحكم، يحفل بالإنسان الأسير وهو يصنع معناه في سياق لم يخل من القلق، والتشوش، والغموض، والترقب، والخوف. وهي الحالة التي عبر عنها خالد السارد الأساسي ابن تنظيم فتح في الرواية، قبل الدخول في شراكة مصير مع مجموعة من حركة حماس، وهو يقول: “كنا عاجزين، نتأرجح بين تعقيدات السجن، وانعدام الأدوات، والاجتهاد في الحفاظ على سريّة محاولتنا، وكأننا نسير على خيط رفيع وهش” (ص24).

ولمّا كان للبنية المكانية دور أساسيّ في نسج حبكة السرد، كان لعنصر الزمن الروائي دوره الفاعل في خلق حالة تعاقدية بين ثابت النطاق المكاني، ومتحرك البنية الزمنية، فتوسعت رقعة السرد، بغية كسر نمطية التناول السردي فيما يعرف بأدب السجون، فضلاً عن تشريح هذه الحقبة الاستثنائية في حياة الأسرى من منظور داخلي وآخر خارجي، مما شكل لحالة الحب مساحة مكنتها من مقاربة وهج الحرية المتدفق لدى شخوص العمل وقارئه على حد سواء. وهو ما يمكن أن نفهمه من العجوز مريم وهي تخاطب خالد بعد تحرره قائلة: “لماذا تتمرس في هذا الحصن؟ انطلق! أرفس الجدران.. بسطت يدها ومدتها صوب النافذة وقالت: الأفق مفتوح أمامك، ليس مطلوبا منك سوى أن تجتاحه بقلبك الجبار، الذي أكاد أسمع صوت خفقانه” (ص158). 

الأسلوب بين التكلف والبساطة

مال عصمت منصور في سرديته “الخزنة” إلى تقديم العديد من الحكم والأفكار الفلسفية بلغة بدت متكلفة ومبالغ فيها إلى حد بعيد، خاصة وأنها وردت على لسان عدد من شخوصه، بشكل لم يحدث فوارق فكرية في لغة الخطاب بين هذا الصوت وذاك كما نلحظ من حوارات خالد، سامر، سفيان، والعجوز مريم، مما أدخل العمل في إشكالية أسلوبية على حساب المضمون، كأن نسمعه يقول على لسان سامر: “الفرق الحقيقي في حالتنا التي ننوي عليها هو: قوة العادة (…) انتبه! إنّك قد تجد نفسك في مكانه (يقصد السجان)، إذا ما أغفلت نفسك واعتدت السّجن، إنّه يعتاد الحياة والروتين والوظيفة التي يؤديها، بينما نحن نقاوم العادة، ونتمسك بكلتا يدينا بطرفي خيط، يشدنا كل طرف منه إلى اتجاه مختلف (…) وحتى أكون أكثر تحديداً، محظور علينا أن نألفه” (ص19) مثل هذا الجزء من الحوارات كنموذج، يشعر معه القارئ بشكل أو بآخر بلغة تنظيرية لا تتطابق كثيراً مع جنس الرواية. مما يذكرنا برأي توفيق الحكيم في هذا الشأن، وهو يستعير عن الكاتب والمؤرخ الفرنسي “جورج غويو” قوله: ” إن الرشاقة في فن الرقص هي أداة الحركة الجثمانية العسيرة، دون تكلف يشعرك بما بذل فيها من مجهود، تلك أولى خصائص الأسلوب السليم في كل فن. حتى الحاوي الماهر هو ذاك الذي يخفي عن الأعين مهارته، ويحدث الأعاجيب في جو البساطة والبراءة”. 

إلى ذلك وقع منصور في خطأ سردي لا يصح أو يستقيم أن نغض الطرف عنه، ببساطة لأنه يقرع جرس التنبيه لكُتاب الرواية إلى أهمية وضرورة المراجعة الدقيقة قبل النشر، ففي مشهد مؤلم يصور لنا الكاتب في الصفحتين 141 و 142 بالتفصيل الدقيق مشهد تعذيب جسدي ونفسي قاس تعرض له بطله سامر وهو عار كما أنجبته أمه، وسط الكثير من القيء والأوساخ في غرفة من زجاج، شعر لحظتها وكأنه تعرض لحالة اغتصاب أمام الكاميرا المثبتة في زاوية الغرفة، ليعود لنا الكاتب بنفس المشهد على لسان بطله خالد في مونولوج داخلي رداً على ما قالته العجوز مريم فنجده يقول: “كيف عرفت؟! من أين لها بهذه البصيرة؟ هل تفضحني ملامحي إلى هذه الدرجة؟ وهل بت مكشوفاً وعارياً كما كنت ذات مرة في تلك الغرفة الزجاجية غارقاً في القيء والأوساخ؟” (ص158)، عدا عن هذا الخطأ، يلحظ القارئ المنتبه أن رواية “الخزنة” قذف بها الكاتب إلى الطبع والنشر من دون تحرير وتدقيق، ما أدى إلى العديد من الأخطاء اللغوية والمطبعية البسيطة.

في الختام، وبعيدًا عن فكرة القياس التسطيحي لمعايير الجودة من عدمها، فإنَّ العمل الروائي الذي لا يقول شيئاً جديداً، لا يستحق حتى الالتفات إليه، ورواية “الخزنة – الحب والحرية ” لعصمت منصور، التي مارست فعل النقد العميق على الجبهتين السياسية والاجتماعية، تقول أشياء جديدة، دفعتنا لمثل هذه الوقفة على المستويين؛ المضاميني، والأسلوبي، وإن أشرنا إلى بعض المشكلات الفنية هنا أو هناك، ليس بوصفها مشكلات يُمكنها أن تقوض العمل أو تقلل من شأنه، ولكن لأن موضوع الحكاية ببنيته السردية الماثلة بين أيدينا، كان يستحق أن يقدم من دون مثل هذه الهنات، خاصة وأن موضوع العمل هنا، لم يأت بوصفه رافعة خطاب وحسب، ولكنه أيضاً محمول رسالة كتبت بأعمار وأوجاع فئة من أمة لا تزال على جبهة الحق تقاتل، كيف لا وكاتبها أحد من ساهم نضالياً وإبداعياً في صناعة معنىً جديد للحرية تحت شرط الحب.

The post “الخزنة” لعصمت منصور: صناعة لمعنى الحرية تحت شرط الحب appeared first on مجلة رمان الثقافية.

]]>